مصادر مخاطر الاستثمار في المصارف الإسلامية
تتعرض استثمارات المصارف الإسلامية لمخاطر عديدة لعل أهمها يمكن رده إلى مصادر عدة، منها:
المطلب الأول: مخاطر مصدرها عوامل داخلية.
المطلب الثاني: مخاطر مصدرها عوامل خارجية.
مخاطر مصدرها عوامل داخلية
أولاً:- مخاطر مصدرها المتعاملون المستثمرون
إن طبيعة العلاقة بين المستثمر والمصرف الإسلامي المتمثلة في المشاركة في الربح والخسارة وبالتالي المشاركة في المخاطرة كانت أحد الأسباب المهمة في كون المستثمر من أهم مصادر المخاطر للمصارف الإسلامية، ويرى الباحث أن هذا الأمر يتضح من خلال المقارنة بين العميل في المصرف الإسلامي، والمصرف التقليدي، من باب: وبضدها تتميز الأشياء، فالمصرف التقليدي يستند في أغلب استثماراته على مبدأ الإقراض والفائدة، في حين نجد أن الصورة مختلفة في المصرف الإسلامي، فالاستثمار لديه يقوم على مشاركة العميل المستثمر في إجراءات المشروع كافة
ويمكن تقسيم هذه المخاطر إلى أقسام رئيسة، هي:
أولاً: المخاطر التي يمكن أن تنشأ بسبب عدم توفر المواصفات الأخلاقية في العميل المستثمر.
إن طبيعة العلاقة بين المصرف الإسلامي والمستثمر تتطلب قدراً من الصفات الأخلاقية في المستثمر مثل: الأمانة، الصدق، الالتزام بالمواعيد، وتمثل هذه الصفات ركيزة أساسية من ركائز نجاح الاستثمار، حيث إن فقدانها أو فقدان بعضها يرفع نسبة المخاطر في استثمارات المصارف الإسلامية لما يؤثره على الحقوق والالتزامات، كالتزوير، والتلاعب في الإيرادات، والمماطلة في السداد
أن آلية التحكم في هذه المخاطر هو اختيار نوعية العملاء التي سيقدم المصرف الإسلامي على دخول المشاركة معهم وذلك عن طريق دراسة درجة الالتزام الأخلاقي عند العميل، ويمكن معرفة ذلك عن طريق قيام المصرف الإسلامي ببناء قاعدة معلومات عن المستثمرين بحيث توضح كل ما يتعلق بهم، مما له علاقة بالبعد الاستثماري، ومن خلال متابعة مشروعه الاستثماري والانخراط فيه.
ثانياً: المخاطر التي يمكن أن تنشأ بسبب عدم توافر الكفاءة الإدارية والفنية والخبرة العملية لدى المستثمر.
من الضروري توافر الإمكانات الإدارية والفنية والخبرة العملية لدى المستثمر في مجال مشروعه أو نشاطه الاستثماري؛ لأن توافر هذه المسائل سبب مهم في إنجاح المشروع الاستثماري وعدم توفرها يؤثر على كفاءة المشروع ويزيد من احتمالية وقوع خسارته، ويترتب على ذلك ارتفاع نسبة المخاطرة في هذا المشروع
ثالثاً: المخاطر التي يمكن أن تنشأ بسبب عدم سلامة المركز المالي للعميل المستثمر.
تتمثل هذه المخاطر في احتمالات عدم قدرة العميل المستثمر على الوفاء بحقوق المصرف المالية مستقبلاً، والمتمثلة في قيمة التمويل الممنوح وحصة المصرف من الأرباح المحققة، وتنشأ هذه المخاطر في حالة إذا كانت التزامات العميل المالية أكبر من إمكاناته أو موارده الفعلية أي عندما يكون صافي مركزه المالي الكلي مديناً، وهذا هو المقصود هنا بعد سلامة المركز المالي للعميل المستثمر.
إن السبب الرئيس في نشأة هذه النوعية من المخاطر هو طبيعة العلاقة بين المصرف الإسلامي والعميل المستثمر المتمثلة في مبدأ المشاركة في المخاطرة، ويترتب على ذلك جعل المصرف معرضاً لاحتمال عدم قدرة العميل على الوفاء بالتزاماته المالية تجاه المصرف في حالة فشل المشروع الاستثماري.
وفي الجهة المقابلة نجد أن العلاقة بين المصارف التقليدية والعملاء قائمة على أساس القرض فالمصرف التقليدي مُقرِض والعميل مقترض.
وبالتالي فإن العلاقة بين العميل والمصرف علاقة قرض، فالعميل ملزم برد القرض وفوائده في آجال محددة بغض النظر عن نتائج المشروع من ربح أو خسارة
ونرى ضرورة قيام المصرف الإسلامي بالتأكد من توفر السلامة المالية لطالب التمويل كأسلوب من أساليب تقليل نسبة المخاطر في استثمارات المصارف الإسلامية، ويتم ذلك من خلال إجراءات عدة، منها: جميع البيانات عن العميل المستثمر كنسخة من عقد الشركة، وصورة عن السجل التجاري، وصور عن عقود الأملاك العقارية، وأسماء الجهات التي تعامل معها.
ثانياً:- مخاطر مصدرها نوعية الموارد البشرية المتاحة
إن نوعية وطبيعة الاستثمارات التي تجريها المصارف الإسلامية تشكل مصدراً أساسياً من مصادر المخاطر التي تواجهها؛ نظراً لكون هذه الاستثمارات تتميز بطبيعة خاصة، ولاعتمادها على مجموعة مختلفة عن المصارف التقليدية، فهي –أي المصارف الإسلامية- تطبق صيغ استثمارية كالمشاركة، والمرابحة، والاستصناع... وغيرها.
إن هذه الطبيعة الخاصة لاستثمارات المصارف الإسلامية تتطلب ضرورة توفر نوعية مميزة من الموارد البشرية القادرة على دراسة وتقييم عمل المستثمر وتحديد مدى صلاحيته وملاءمته للمشاركة فيه من قبل المصرف الإسلامي.
فإذا توفرت النوعية الملائمة من الموارد البشرية فإنها سوف تمثل أحد الضمانات الأساسية المطلوبة لمواجهة المخاطر التي تواجه تلك الاستثمارات، وإذا ما عجزت المصارف الإسلامية عن توفيرها، أو كانت الموارد البشرية المتاحة لها غير مؤهلة، فإنها سوف تصبح أحد مصادر المخاطر التي تواجه تلك الاستثمارات، وسوف تتمثل هذه المخاطر التي يمكن أن تنتج عن هذا المصدر في الأنواع التالية:
1- المخاطر التي يمكن أن تنشأ نتيجة لعدم القدرة على دراسة واختيار العمليات الاستثمارية الملائمة.
2- المخاطر التي يمكن أن تنشأ نتيجة لعدم قدرة هذه الموارد على متابعة العمليات الاستثمارية، وعلى عدم القدرة على ابتكار حلول للمشاكل التي يفرزها التطبيق العملي
يتبين لنا هنا أن توفر الموارد البشرية الملائمة يمثل أحد المتطلبات الأساسية اللازمة لتطبيق هذه الاستثمارات بصورة صحيحة، وأن عدم توفرها يمثل مصدراً من مصادر المخاطر التي تواجه استثمارات المصارف الإسلامية.
ويرى الباحث أن توفر الموارد البشرية الملائمة العاملة في الجهاز المصرفي الإسلامي تشكل عنصراً رئيساً من عناصر بناء إستراتيجية لتقليل المخاطر في استثمارات المصارف الإسلامية؛ نظراً لكون هذه الموارد هي التي تدرس موضوع الاستثمار المقدم من قِبل العميل، ثم تقيم مدى صلاحيته أو عدم صلاحيته لدخول المصرف الإسلامي في هذا الاستثمار, ثم هي التي تقوم بمتابعة هذا الاستثمار، ويمكن تجاوز هذا الأمر بقيام المصارف الإسلامية بإنشاء مراكز تدريب خاصة بها بحيث تعد الموارد البشرية العاملة ضمن أجهزتها إعداداً كافياً للعمل وفق طبيعتها الخاصة، وكذلك إتباع الأسس السليمة لتعيين الموظفين ضمن أجهزة المصارف الإسلامية، حيث إن الدراسة التي أجراها المعهد العالمي للفكر الإسلامي تذكر أن المرتبة الأولى في أسس اختيار العاملين في المصارف الإسلامية هي الاعتبارات الشخصية، وتأتي بعدها الجدارة ويذكر الباحث إسماعيل العماوي في دراسته التطبيقية التي أجراها على البنك الإسلامي الأردني أن نسبة 60٪ من وسائل استقطاب الموظفين في البنك الإسلامي الأردني كانت للترشيح من قِبل العاملين في البنك
مخاطر مصدرها عوامل خارجية
تعترض طريق المصارف الإسلامية عدة مخاطر من عوامل خارجية، منها:
أولاً:- مخاطر مرتبطة بالأنظمة والقوانين السائدة:
إن التعليمات والأنظمة التي تحكم عمل هذه المصارف صممت في مجملها لخدمة المصارف التقليدية، ولذلك فمن الطبيعي أن تواجه المصارف الإسلامية صعوبة في التعامل مع هذه التعليمات التي لا تأخذ في الاعتبار خصوصيات العمل المصرفي الإسلامي، ومع ذلك فهذه المخاطر تختلف من مصرف لآخر حسب البلد الذي يعمل فيه واللوائح المصرفية التي يخضع لها
ثانياً:- مخاطر مرتبطة بالرقابة الشرعية:
إن عدم تبلور مفهوم الرقابة الشرعية في ذهن إدارة المصرف الإسلامي، أدى إلى وجود مخاطر مترتبة على الرقابة الشرعية، ومنها:
1. قلة عدد الفقهاء المتخصصين في مجال المعاملات المصرفية والمسائل الاقتصادية الحديثة، مما يؤدي إلى عدم تصور واضح لهذه المسائل ومن ثم صعوبة الوصول للحكم الشرعي الصحيح فيها
2. التطور السريع والكبير في المعاملات الاقتصادية وصعوبة متابعتها بالفتوى وبيان الحكم الشرعي.
3. عدم الاستجابة السريعة لقرارات الهيئة من قبل إدارة المصرف، وهذا الأمر سيؤدي إلى استمرار وجود المخالفات الشرعية والاعتياد عليها من قبل الموظفين، وسيقودنا في نهاية الأمر إلى رقابة شرعية صورية لا معنى لها
4. الضغوط التي قد تمارسها إدارة المصرف على الهيئة لإباحة بعض التصرفات، وقد تعتمد الإدارة على عدم إلمام الهيئة الكامل بدقائق المعاملات المصرفية، فتقوم مثلاً بصياغة السؤال وتكييفه تكييفاً معيناً، أو حذف أجزاء منه، أو قد تكون صياغة السؤال مخالفة للواقع العملي ثم تقدمه للهيئة لتقوم الهيئة بإباحة التصرف بناء على ما قدم لها(
5. ضيق اختصاصات الهيئة، فيقتصر دورها في أغلب الأحيان على صورة سؤال وجواب، ثم لا تقوم بتقويم الأخطاء و تقديم البديل الشرعي، وتصبح بذلك واجهة شرعية تكمل بقية الواجهات، لإضافة الصبغة الشرعية على المصرف، ودعاية أمام جمهور المسلمين
6. واقع إلزامية الفتوى في المصارف الإسلامية، إن الهيئة هي مقود البنك نحو شاطئ المعاملات المباحة، والهيئة هي الوجه الآخر لعمل البنوك الإسلامية إذ أن الوجه الأول هو استثمار أموال المودعين بما يعود على الجميع بالنماء، والوجه الثاني هو أن يكون هذا الاستثمار مباحاً طيباً، فيفترض أن تكون آراء وقرارات الهيئة ملزمة للمصرف لأنها تمثل الشرع الواجب التطبيق، ولا تقتصر الآراء في كونها مجرد نصح أو مشورة أو اقتراح(
لكن الناظر في أحوال هيئات الفتوى اليوم يجد أن آراء وقرارات الهيئة ملزمة بنسبة 56.74٪ واستشارية بنسبة 19.96٪، وغير معلومة بنسبة 23.3٪
والناظر إلى توصيات المؤتمر الثاني للهيئات الشرعية يجد أنها ذهبت إلى إلزامية قرارات هيئة الفتوى