الجمعيات الأهلية وتطوير الخدمات الصحية والصحة الإنجابية للمرأة
كشفت استمارات فروع المجلس القومي للمرأة التي تمثل الدليل الاسترشادي لتنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية (7) ، عن أن الجمعيات الأهلية التي تقدم الخدمة الصحية ، تأتي في أغلب الأحوال في المرتبة الثانية بعد الجهات الحكومية . ويفسر ذلك انتشارها الواسع وسط القواعد الشعبية ، وتقديمها خدمة صحية بنوعية عالية ، وإن مقابل الخدمة الصحية إن وجد ، يغطي فقط تكلفة الخدمة . هذا ولم تتوافر بيانات شاملة عن إعداد المستفيدين من الخدمات الصحية عامة والصحة الإنجابية خاصة ، إلا أن البيانات المتوافرة في المسح الصحي الشامل تشير إلى أنه لا يقل عدد المستفيدين من الخدمات الصحية للجمعيات عن 16% من إجمالي طالبي الخدمة الصحية ، وهو مايشير إلى عدة ملايين .
ويتميز مجال تقديم خدمات الصحة والصحة الإنجابية خاصة ، أنه لا يتم بمعزل عن الحكومة (وزارة الصحة ) فهو يخضع لإشرافها العام ودعمها في بعض الأحيان . وقد حدث تطور إيجابي في الشراكة بين وزارة الصحة والجمعيات التي تقدم الخدمات الصحية ، في مطلع الألفية . حيث أن العلاقة من قبل قد ركزت على اسناد مشروعات للجمعيات دون شراكة حقيقية (تنسيق وتعاون ومشاركة في التخطيط ) . ونعرض فيما يلي نموذجاً ناجحاً من أسوان لشبكة جمعيات الصحة الإنجابية التي تأسست في مطلع الألفية ، وفي إطار شراكة مع وزارة الصحة(8) .
تبذل جهود كبيرة من جانب وزارة الصحة ، ومن جانب مئات من الجمعيات الأهلية في مصر ، كما يتوجه قدر كبير من المعونة الأجنبية ، نحو توسيع نطاق الخدمات الصحية في القرى والنجوع (خاصة الوجه القبلي ) والاهتمام بقضية تنظيم الأسرة ، والتي تقع حالياً ضمن ما يعرف بالصحة الإنجابية للمرأة .
لقد أوضح أحدث مسح صحي عدد محدود من مستخدمي وسائل تنظيم الأسرة ، وطالبي الصحة الإنجابية يحصلون على الخدمات الصحية من الجمعيات الأهلية . إن هذه النتيجة تشير إلى الخدمات الصحية في الوجه القبلي – عن طريق الجمعيات الأهلية تتسم بالمحدودية ، وإذا أمكن تفعيل دور هذه المنظمات غير الحكومية ، فإن ذلك يعني تحقيق أهداف تقوية ونشر الخدمات الصحية من ناحية وزيادة فعالية سياسات الصحة الإنجابية من ناحية أخرى .
من هذا المنظور تبرز أهمية خبرة الشراكة بين مجموعة من الجمعيات الأهلية في محافظة أسوان ، وبين وزارة الصحة ، حيث اتسمت هذه الخبرة بعدة أمور :
1- تشكيل شبكة أو مايعرف باسم "تحالف الجمعيات " بين ما يقرب من 46 جمعية أهلية نشطة في مجال التنمية ، في إطار محافظة أسوان .
2- التوسع التدريجي في الشبكة – من خلال أعضائها من الجمعيات –وذلك في القرى والنجوع بالمحافظة ،خاصة تلك التي لا تتوافر فيها مراكز صحية .
3- ارتبط بذلك ، وعلى مستوى المحافظة المذكورة ، تأسيس مجلس للصحة الإنجابية للمرأة ، يقوم بدور تنسيقي بين الأطراف ، ويوزع الأدوار مابين وزارة الصحة من جانب ، والجمعيات الأهلية ضمن الشبكة من جانب آخر.
4- دور مهم يلعبه الاتحاد الإقليمي للجمعيات والمؤسسات الأهلية في أسوان، باعتباره الإطار العام الذي يضم كل أعضاء الشبكة .
خبرة الشراكة هذه بين وزارة الصحة والجمعيات الأهلية في أسوان، تعود إلىالألفية الجديدة، ففي عام 2000 وبعد الوقوف على الثغرات في أداء الخدمات الصحية، بادرت وزارة الصحة، وبالتعاون مع المحافظة والمجالس المحلية والاتحاد الإقليمي للجمعيات بأسوان، إلى دعوة جمعيات التنمية إلى ورشة عمل لتحديد أولويات القضايا الصحية في أسوان والإشكاليات التي تواجهها، وطرح شراكة الوزارة لشبكة من الجمعيات الأهلية لتطوير عملية التخطيط وصنع السياسة الصحية من جهة وتحسين كفاءة الخدمة الصحية من جهة أخرى.
وفى نهاية ورشة العمل هذه تشكلت نواة التحالف أو الشبكة المذكورة، وحدث توافق حول الأهداف، وكذلك عملية تقسيم وتوزيع الأدوار بين الشركاء.
نلحظ في هذه الخبرة عدة أمور أولها أن الشراكة قد اعتمدت على شبكة Network، ثانيها الامتداد إلى قرى ونجوع محافظة أسوان ثالثها أن هذا التحالف بعيد عن العاصمة والمراكز الحضرية الكبرى رابعها أنه ارتبط بعملية بناء للقدرات building Capacity لأعضاء الشبكة لتهيئتهم للشراكة في تقديم الخدمة الصحية، خامسها أن الإتحاد الإقليمي للجمعيات بأسوان تم تفعيل دورة لكي يتحمل مسئولياته في التنسيق والتشبيك بين الجمعيات وبناء القدرات.
ولقد تمثل الهدف الرئيسي من الشبكة / التحالف في توظيف كل الموارد البشرية والمادية المتاحة من الجمعيات ووزارة الصحة في مجال تحسين كفاءة الخدمة الصحية وتقديم خدمات الصحة الإنجابية للمرأة مع تحسين نوعية الخدمة وتسهيل الوصول إليها.
ومن جانبه فإن التحالف المذكور من الجمعيات توافق على أن يقوم بدور دفاعي مساند Advocacy لقضية تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية للمرأة، وأن يقوم بالتوعية وزيادة مستوى الوعي بالقضايا المطروحة، وبناء قدرات الجمعيات الأهلية على مستوى المحافظة لتفعيل دورها في هذا المجال وتغيير اتجاهات المرأة والشباب إزاء قضايا تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية للمرأة.
لقد أتسع نطاق التحالف/ الشبكة تدريجياً حتى وصل عام 2004 إلى 56جمعية أهلية، نشطة في مجال تقديم الخدمة الصحية، أو تنظيم الأسرة، الطفولة والأمومة، أو التنمية المحلية.
ولتيسير عمل الشبكة تشكلت عدة لجان، أهمها لجنة تنمية المشروع ولجنة البحوث والمعلومات، ولجنة المشاركة، ولجنة التدريب.. في ضوء التوافق بين الأهداف بدأ تحالف الجمعيات ووزارة الصحة (مديرية الشئون الصحية بأسوان) التحرك بشكل علمي وعملي استناداً على تقييم ميداني للاحتياجات في أسوان، وتم بناءً على ذلك اختيار عدة مناطق وجمعيات لتضم عيادات طبية.وفى العام التالي تم الاتفاق بين الشركاء على استراتيجية التنمية الصحية بمحافظة أسوان والتي تنتهي نهاية عام 2005، وكان هذا الاتفاق حول الاستراتيجية – في ورشة عمل – بمثابة تدريب وتهيئة كل الأطراف للشراكة وتوزيع الأدوار والمسئوليات وتحديد المخرجات مع نهاية الخطة.
ومن المهم الإشارة في هذا السياق، إلى أن شراكة وزارة الصحة مع شبكة الجمعيات في أسوان،قد ارتبطت بعملية بناء قدرات مهمة للجمعيات التي يضمها التحالف / الشبكة وبهدف رفع كفاءة العاملين والمتطوعين في هذه الجمعيات بالإضافة إلى القادة الطبيعيين في المجتمعات المحلية، ونساء وشباب على المستوى المحلى.
إن تحالف وزارة الصحة مع شبكة الجمعيات الأهلية بأسوان، قد أسفر عن افتتاح عيادات ومراكز صحية في مناطق مختلفة في أسوان، خاصة المناطق المنعزلة أو النائية التي كان يصعب فيها تقديم الخدمات الصحية.
وقد أدى ذلك إلى توسيع دائرة المنتفعين، والوصول إلى المستهدفين من مشروع الخدمة الصحية، وإيقاظ الوعي العام المجتمعي وقيادات المجتمع المحلى للمشاركة في تقديم الخدمة الصحية وتغيير الاتجاهات المجتمعية.بالإضافة إلى أن خبرة الشراكة هذه قد ارتبطت بعملية بناء قدرات المجتمع المدني، من خلال التشبيك والتدريب وورش العمل، وتشكيل اللجان التنسيقية.
وفى مجال البيئة، يمكن رصد حوالي 200جمعية أهلية تنشط في مجالات مختلفة، أبرزها:
- التوعية، وهو متطلب أساسي لتوفير الوعي البيئي الذي يضمن نجاح الجهود الحكومية والأهلية، وهى تمتد إلى الأطفال في المدارس والطلاب في الجامعات، والمجتمعات المحلية.
- الاهتمام بالنظافة والتشجير.
- تطوير المناطق العشوائية.
- تدوير المخلفات.
- المرأة الريفية والبيئة.
- افتتاح خط ساخن لتلقى ومتابعة الشكاوى.
- تلوث الهواء والبيئة.
ومن المؤشرات الإيجابية اللافتة للاهتمام، على مستوى المحافظات فيما تعلق بتحدي البيئة، مايلى (9):
1. مراكز ومؤسسات أكاديمية في بعض المحافظات تتعاون مع الجمعيات النشطة في مجال البيئة (مركز أبحاث البيئة بجامعة أسيوط وتعاونه مع 12 جمعية للبيئة).
2. دور متميز لشراكة القطاع الخاص مع جمعيات البيئة في المحافظات (دور القطاع الخاص و9جمعيات للبيئة في محافظة بورسعيد).
3. دور متميز للجمعيات الأهلية البيئية في محافظة السويس (10جمعيات للبيئة) يدعمه دور مساند للقطاع الخاص والمحافظة لتحقيق تطوير شامل في عشوائيات السويس.
4. دور متميز لمركز الدراسات القومية بمحافظة القليوبية لتلقى شكاوى مباشرة من المواطنين فيما يتعلق بتلوث البيئة.
الخلاصة إذن، أن جمعيات البيئة التي تستهدف توعية المواطن والحفاظ على البيئة، تلعب دوراً مهماً على مستويات عديدة في مجال البيئة، وهى طرف مشارك لجهاز شئون البيئة وأفرعة بالمحافظات، وقد قادت الجمعيات مبادرات طيبة في التصدي للقضية.
رابعاً: الجمعيات الأهلية وتعزيز المساواة بين الجنسين
ينشط قطاع من الجمعيات الأهلية على محور التمكين السياسي وتعزيز المساواة بين الجنسين، وفقاً لالتزام مصر بالاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها. وإذا كان لا يتوافر تقدير دقيق لدى الجهات الرسمية عن عدد المنظمات النسائية في مصر – والتي يفترض توجهها إلى هذا الهدف – فإن الكاتب استناداً على دراسة سابقة له. يقدر عدد هذه المنظمات / الجمعيات بحوالى 200 منظمة نسائية.بمعنى أنها تعلن عن نفسها وتحدد أهدافها باعتبارها جمعية نسائية تستهدف النهوض بالمرأة. بعض هذه الجمعيات يفتح أبوابه لعضوية الذكور سواء في مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية (رابطة المرأة العربية، جمعية النهوض بالمرأة ) وبعضها الآخر مغلق العضوية يقتصر على النساء.
أن هذه الجمعيات تسعى إلى تمكين المرأة، بمعنى توسيع فرص الخيارات أمامها وبناء قدراتها وبناء وعيها بذاتها وبدورها. إلا أن الواقع يشير إلى أنه مازال قطاع كبير من هذه المنظمات ينشط من منطلق توفير الاحتياجات الأساسية، وهو اقتراب يختلف تماماً عن المنظمات التي تتبنى التوجه الاستراتيجي. الأخيرة تسعى إلى التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي للنساء، والأولى تقتصر على تقديم خدمات أساسية ورعاية اجتماعية.
إذن المجال الأول لحركة قطاع من الجمعيات النسائية، يشكل الغالبية، هو تقديم خدمات ورعاية اجتماعية.أما المجال الثاني المهم فهو قطاع من هذه المنظمات ينطلق من التوجه التنموي التمكينى، بمعنى أنه يوفر للمرأة التدريب والتأهيل وفرص العمل ( القروض والمشروعات الصغيرة)، ويسعى إلى زيادة دورها في التنمية البشرية، أما القطاع الثالث والأخير من المنظمات النسائية، فهو حديث يتسم بالتوجه الحقوقي الدفاعي Advocacy وينشط بشكل رئيسي في التوعية القانونية للمرأة بالحقوق والواجبات، وتوفير البطاقات الشخصية، والبطاقات الانتخابية، والدفاع عن المرأة المهمشة الفقيرة، والدفاع عن النساء المعنفات.
إن الأنماط الثلاثة السابقة تنشط معا، وتتفاعل لكي تحقق هدفاً أو أخر من أهداف النهوض بالمرأة المصرية، سواء على مستوى التمكين الأقتصادى، أو الاجتماعي، أو السياسي والقانوني.
والمتابع لحركة الجمعيات النسائية، يلحظ توجهها في سنوات الألفية نحو القضايا والأولويات التالية:
- تخصيص حصة للنساء( الكوتا) في البرلمان.
- الدفع والتوعية للمشاركة السياسية للمرأة على كل أصعدة المجالس الشعبية والتنفيذية، والبرلمان ،ومؤسسات المجتمع المدنى.
- تطوير قانون الأسرة.
- حق أبناء الأم المصرية في الحصول على جنسيتها.
- تعزيز المساواة بين الجنسين في القضاء والسلك النيابي.
- تبنى قضية المرأة المعيلة.
- التأهيل والتدريب وفرص العمل.
- الأمية القانونية وتوفير فرص الدفاع القانوني.
- قضية العنف ضد المرأة.
- تعزيز المساواة بين الجنسين في تقلد الوظائف الإدارية العليا.
إن هذه القضايا والأولويات، قد وضعت على جدول اهتمام المنظمات النسائية في مصر في الألفية الثالثة، بفعل عوامل إقليمية وعالمية وطرح قضية الإصلاح الشامل في مصر، ومن بين مكوناتها النهوض بالمرأة المصرية.
وهناك نماذج ناجحة كثيرة لجمعيات نسائية تنشط على صعيد القضايا والأولويات السابقة، واتبعت مناهج جديدة للوصول إلى القاعدة الشعبية من النساء، من منظور التوجه الاستراتيجي. وهذه النماذج الناجحة اقتربت من القضايا من منظور شامل ومتكامل، يربط التمكين السياسي بالتمكين الاجتماعي والاقتصادي، ويرى التعامل مع قضايا المرأة من منظور الإقرار بتفاعل الاعتبارات السابقة معاً. البعض من هذه المنظمات ( رابطة المرأة العربية) قد نجح في خلق شراكة بين شبكة من الجمعيات المعنية بالمرأة، وعزز مشروعاته ( المشاركة السياسية للمرأة) بشراكة مع البرلمان والحكومة.
ومن هنا نقترح ما يلي من توصيات لدعم دور الجمعيات المعنية بتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة:
1. بناء قدرات الجمعيات المعنية بالمرأة.
2. أحد المكونات الأساسية لبناء القدرات هو توفير رؤية شاملة ومعنى علمي لمفهوم تمكين المرأة.
3. توفير قاعدة بيانات شاملة عن الجمعيات المعنية بالمرأة، من حيث الأهداف، والتوزيع الجغرافي، والعضوية، وأبرز المشروعات، والمصادر المالية وغيرها.
4. تشجيع التشبيك وخلق اتحادات نوعية بين الجمعيات المعنية بالمرأة.
5. توفير فرص التواصل وتبادل الخبرات بينها وبين المنظمات العربية والدولية المماثلة.
6. توثيق ورصد الخبرات الناجحة في ضوء معايير واضحة للنجاح.