تنمية مهارات الكفاءة الاجتماعية والأخلاقية للمعلم
من أجل تكوين نفسي أفضل للمتعلم


لماذا ينفر الطلاب من معلميهم، ويكونون اتجاهات سلبية حيالهم؟ ولماذا يتكرر الأمر من قبل المعلمين حيالهم طلابهم؟ ولماذا أصبحت الصورة الذهنية المدركة لدى بعض الطلاب عن معلميهم تتسم بالسلبية وعدم التقدير؟ ولماذا يجتاح العنف والعداء وعدم التسامح والتردي الأخلاقي سلوك بعض الطلاب والمعلمين في مدارسنا؟


هذا النمط من التساؤلات قد يجد إجابة له بالبحث في مدى الوعي والتمثل للقدر اللازم من مهارات الكفاءة الاجتماعية لدى المعلم والطالب، بشكل يتيح لهما تكوين علاقة مهنية ناجحة، وتمثل أساساً لتعلم جيد. ومن ناحية أخرى، تمثل الكفاءة الأخلاقية، حجر الزاوية فيها يتعلق بمصداقية المعلم والتزامه السلوكي، بشكل يجعله قدوة وشخصية جديرة بالاحترام والتقدير لدى طلابه.


وبشكل محدد، استهدفت الدراسة الحالية، التأكيد على أهمية تنمية مهارات الكفاءة الاجتماعية والأخلاقية لدى المعلم، في تطوير أدائه وترشيد سلوكه في تعامله مع تلاميذه وزملائه في البيئة التعليمية. كما عرضت الدراسة بشكل مفصل لأبعاد ومكونات هذه المهارات، وكذا بعض المظاهر السلبية المترتبة على ضعفها لديه. وأخيراً استعرضت بعض الخطوات الإجرائية لتنمية الوعي، بنماذج من هذه المهارات لدى المعلم، وكيفية نقل هذه المعرفة وتجسيدها في سلوك تلاميذه، من أجل تكوين نفسي أفضل لهم اجتماعياً وأخلاقياً.


تنمية مهارات الكفاءة الاجتماعية والأخلاقية للمعلم
من أجل تكوين نفسي أفضل للمتعلم


مقـــــــــدمة:

تهتم كثير من مؤسسات التعليم العام والعالي، بتنمية الجانب المعرفي لدى الطلاب في العملية التعليمية تدريساً وتقويماً، وقلما تعطي اهتمام بشكل مباشر أو منظم لتنمية المهارات والمكونات المتعلقة بالجوانب الاجتماعية والأخلاقية في شخصية الطالب، من خلال خطوات إجرائية منظمة أو عبر برامج تدريبية تجعلهم قادرين على التفاعل بشكل سوى مع بعضهم البعض.
فمن السهل كما تقول ميشيل بروربا (2003) مؤلفة كتاب "بناء الذكاء الأخلاقي"، أن نرى العديد من شباب اليوم معاقين أخلاقياً، بسبب المعاملة غير العادلة مبكراً.


كما أن ضعف مهارات التواصل الاجتماعي، أمر شائع على نطاق واسع بشكل يؤدي لسوء فهم الأفراد لبعضهم البعض، والتوجس من الآخر، والتشكك فيه، والتعالي عليه، والرغبة في إقصائه، وعدم تقبل الاختلاف، فضلاً عن شيوع العدوانية والتحيز، وعدم التعاطف، وضعف الرقابة الذاتية، وتشوه الضمير.


إن القصور الاجتماعي الذي يكشف عنه بعض من شبابنا، يرجع أساساً لعدم تعلمهم للدروس الأكثر أساسية التفاعل الاجتماعي في طفولتهم.. فالناس الذين لا يعرفون كيف ينهون محادثة، أو كيف يبدأون محادثة تليفونية وكيف يستمرون فيها، والذاهلين عن كل العلامات والإشارات التي تدفعهم إلى الانصراف في الوقت المناسب، والذين يركزون حديثهم طوال الوقت حول أنفسهم، بدون إبداء أي اهتمام بالطرف الآخر، ويتجاهلون المحاولات لتحويل التركيز إلى موضوع آخر، ويتدخلون في شئون الناس الخاصة بأسئلة متطفلة، كل هذه السلوكيات التي تعتبر خروجاً عن الخط الاجتماعي الطبيعي والمعتاد، تدل على عيب في البناء الأساسي للتفاعل (روبنز وسكوت، 2000، 371) وبالأحرى مهارات الكفاءة الاجتماعية والأخلاقية.


وعلى الرغم من أن هذه المظاهر السلوكية السلبية، قد ترجع في جزء كبير منها إلى خلل في أساليب التنشئة الوالدية المبكرة للأبناء منذ الطفولة، أو ضغط جماعات الأقران، أو التأثيرات السلبية لوسائل الأعلام، إلا أن جزء من المسئولية يعود إلى ضعف دور المؤسسات التعليمية في التربية النفسية للطلاب، وتنمية مهارات الكفاءة الاجتماعية والأخلاقية لديهم، بشكل يتيح لهم التصرف بشكل فعال وملائم اجتماعياً، وكفء ومنضبط من الناحية الأخلاقية.


ومن المفترض أن واحداً من أهم العوامل التي تجعل المؤسسات التعليمية لا تعير هذا الجانب - من نمو شخصية تلاميذها – اهتماماً كافياً، هو ضعف تأهيل المعلم وإعداده وإلمامه بمفاهيم وأساليب والخطوات الإجرائية لتنمية هذه الجوانب في شخصية الطالب. فضلاً عن كون بعض المعلمين يمثلون نماذج سلبية، تعمل بشكل مخالف لما ينبغي أن يكون عليه مستوى تمثلهم لهذه المهارات اجتماعياً وأخلاقياً.


والجدير بالذكر أن هناك اعتراف عام بين التربويين، بأن التنشئة الاجتماعية للتلاميذ تعتبر هدفاً أساسياً من أهداف المدرسة. وأن الآباء والمعلمين يدركون تماماً أن التلاميذ معرضون لرسائل مضللة وغير مقبولة (اجتماعياً وأخلاقياً) مصدرها الأقران والإعلام بأشكاله المختلفة، وهو ما يمكن أن نسميه بالمقرر المخفي. هذا المقرر يشكل الإطار الذي يعيش فيه التلاميذ ويدركون من خلاله المدرسة ومتطلباتها. ومن تأثيراته السلبية تهميش دور المدرسة في البناء، وخلق مناخ غير إيجابي، وتكون النتيجة أطفالاً لا تنمو كفاءاتهم إلى حدها الأقصى من مراحل نموهم المبكرة، ولا يستطيعون مواجهة المتطلبات المتزايدة التعقيد التي تميز حياة الراشدين. وتركز التقارير التربوية الحديثة على أن المدارس الجيدة لا تركز جهودها على المحتوى الأكاديمي فقط، وإنما هناك اهتمام صريح بالنمو الاجتماعي للتلاميذ. حيث أن التركيز على الجانب الأكاديمي لا يجنب التلاميذ التعرض لمخاطر الانزلاق، إلى الانحرافات التي تعاني منها المجتمعات بشكل عام (روبنز، سكوت، 2000، 204).


وفي مراجعة انتقائية لما ورد بمجلة المعرفة (2003) التي تصدر عن وزارة التعليم ، للتوصيات الأكثر تكراراً، والتي تم التأكيد عليها فيما يتعلق بما يريده المجتمع من التربويين، فقد أشارت بعض هذه التوصيات إلى ما يلي:

- ضرورة تهيئة المعلمين ليكونوا قدوة حسنة.


- غرس القيم في نفوس الأبناء وتحويلها إلى ممارسات واقعية، وتعزيز روح التعددية والحوار، وتكوين الرأي الحر بما يكفل مجانبة الإتباع، وتقبل الأفكار دون تمحيص.


- أن يرعى المعلمون طلابهم ويهتموا بشخصياتهم، وليس بحشو أذهانهم بالمعلومات، والتركيز على التربية الأخلاقية والسلوكية، وتربيتهم على الاستقلال الشخصي والفكري، والتعبير عن المشاعر والحوار، وقبول الاختلاف، والاستفادة من الآخر، ومواجهة العولمة بشخصيات واثقة واحتكاك الحضارات.
- إيجاد بيئة تعليمية تركز على القيم، وتكوين الاتجاهات وبناء المهارات.


- أن يضع المعلم نصب عينيه ما قاله عمرو بن عتبة لمعلم ولده "ليكن أول إصلاحه لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عونهم معقودة لعينيك، فالحسن عند لهم ما صنعت، والقبح عندهم ما تركت".

ومن المهم أن نعترف ابتداءً بأن ما تطرحه هذه الورقة البحثية من أفكار وآراء هي محاولة للمواجهة مع الذات، والكشف عن بعض المظاهر السلبية المتعلقة بضعف استدماج أو تمثل بعض المعلمين للآليات والكيفيات المتعلقة بتنمية مهارات الكفاءة الاجتماعية والأخلاقية على مستوى سلوكهم الشخصي، وسلوك تلاميذهم.


ومن المفترض أن فهم المعلم لذاته وتقبله لنفسه، يعتبر أهم مطلب على الإطلاق في أي محاولة يسعى إليها، لمساعدة الطلاب على معرفة أنفسهم وتبين معالمها، واكتساب اتجاهات صحيحة في سبيل تقبل ذواتهم ( جيرسلد، 1964، 123).


وتتضح أهمية تنمية الكفاءة الاجتماعية والأخلاقية للمعلم، في تأكيد التربويين على أنه غالباً ما يقتصر تفكيرنا على تعديل سلوك الطالب، ونادراً ما نفكر في تعديل سلوك المعلم، والصحيح أنه نفكر في الاثنين معاً، لأن تجاهل موضوع تعديل سلوك المعلم يعتبر الخطأ الأول في التعامل مع مشكلات الانضباط في البيئة التعليمية، والمعلم يكون فعالاً في تعديل سلوك طلابه إذا قام هو أولاً بتعديل سلوكه. ومن المفترض أن المدارس ذات الانضباط الجيد، تبذل الكثير من الجهد والوقت لتمكين المعلمين من اكتساب المهارات اللازمة للتأديب الفعال للطلاب، وتعديل أي سلوك للمعلم لا يتناسب مع الأسس التربوية الصحيحة (الحكمي، 2001، 32).


وإذا افترضنا أن برامج إعداد المعلم في كليات التربويين وإعداد المعلمين في المملكة والوطن العربي بوجه عام، لا تشتمل خططها الدراسية – غالباً - على مقررات تهدف إلى إعداد المعلم، وتنمية مهارات التعامل مع سلوكيات وتصرفات التلميذ داخل الصف الدراسي وخارجه، فإنه تبرز أهمية تدريب المعلمين على أساليب ضبط وإدارة السلوك، وكيفية استخدامها.
وكما يوضح روبنز وسكوت (2000) فإن الجوانب الانفعالية الوجدانية هامة في التربية، فهي تنمي الانتباه الذي بدوره ينمي التعلم والتذكر. ولأننا لا نفهم جيداً البناء الوجداني، فإننا لا نعرف كيف نتعامل معه في المدرسة، مكتفين باعتبار التطرف في إظهار الانفعالات سواء في حدها الأدنى أو الأعلى صوره لسوء السلوك. ونادراً ما تقدم الجوانب الانفعالية في المقررات الدراسية. هذا فضلاً عن أن التربية لم تهتم بالعلاقة الهامة بين الخبرات الوجدانية الإيجابية داخل الفصل، ومردودها الإيجابي لدى التلاميذ والمعلمين (روبنز وسكوت، 2000، 190).


1- مهارات الكفاءة الاجتماعية (الأهمية – التعريف):


يرجع الاهتمام بمهارات الكفاءة الاجتماعية Social competence Skills إلى كونها عاملاً مهماً في تحديد طبيعة التفاعلات اليومية للفرد، مع المحيطين به في مجالات الحياة المختلفة، والتي تعد في حالة اتصافها بالكفاءة، من عوامل التوافق النفسي على المستويين الشخصي والمجتمعي (شوقي، 2002، 17).


وتشير الأدلة النظرية والواقعية، إلى أن هناك حد أدنى من مستويات التفاعل الاجتماعي ينبغي أن يتوفر لكل شخص، فإذا حرم منه يصبح أقرب إلى الشعور بالوحدة النفسية ويتهدد توافقه النفسي. "وأن انخفاض مهارات الكفاءة الاجتماعية يؤدي إلى فشل الحياة الاجتماعية، وتكرار الضغوط والمشاق، وفشل العلاقات المتبادلة بين الأشخاص" (جولمان، 2000، 165).


ويعرف جراهام، الكفاءة الاجتماعية بأنها "القدرة على التفاعل بنجاح وفاعلية مع الآخرين، بالشكل الذي يسير تحقيق التوافق مع البيئة، ويساعد في إنجاز الأهداف الشخصية والمهنية، وذلك من خلال تكوين علاقات إيجابية لها طابع الاستمرار، تمكن الفرد من التأثير في الآخرين (Craham, 1986, 131).


ويعرفها الغريب (2003) إجرائياً على أنها "نسق من المهارات المعرفية والوجدانية والسلوكية، التي تيسر صدور سلوكيات اجتماعية تتفق مع المعايير الاجتماعية أو الشخصية أو كليهما معاً، وتساهم في تحقيق قدر ملائم من الفعالية والرضا، في مختلف مواقف التفاعل الاجتماعي مع الآخرين. وتنعكس مظاهر الكفاءة في كافة صور مهارات التواصل الاجتماعي، وتوكيد الذات، وحل المشكلات الاجتماعية، والتوافق النفسي الاجتماعي للفرد" (الغريب، 2003،35).


تصور مفصل للمهارات الاجتماعية.

أ- مهارات توكيد الذات: تتعلق بمهارات التعبير عن المشاعر والآراء والدفاع عن الحقوق، وتحديد المهارات في مواجهة ضغوط الآخرين.


ب- مهارات وجدانية: تهم في تيسير إقامة الفرد لعلاقات وثيقة وودية مع الآخرين، وإدارة التفاعل معهم على نحو يساعد على الاقتراب منهم والتعرف عليهم ليصبح الشخص أكثر قبولاً لديهم مثل: التعاطف والمشاركة الوجدانية.


ج- المهارات الاتصالية وتتضمن:
- مهارات الإرسال، وهي تعبر عن قدرة الفرد على توصيل المعلومات التي يرغب في نقلها للآخرين لفظياً أو بشكل غير لفظي، من خلال عمليات نوعية، كالتحدث والحوار والإشارات الاجتماعية.


- مهارات الاستقبال، وتعني مهارة الفرد في الانتباه وتلقى الرسائل والمهارات اللفظية وغير اللفظية من الآخرين، وإدراكها وفهم مغزاها والتعامل معهم في ضوئها.
د- مهارات الضبط والمرونة الاجتماعية والانفعالية، وتشير إلى قدرة الفرد على التحكم بصورة مرنة في سلوكه اللفظي وغير اللفظي الانفعالي، خاصة في موقف التفاعل مع الآخرين، وتعديله بما يتناسب مع ما يطرأ على تلك المواقف من مستجدات لتحقيق أهداف الفرد. ويتم ذلك من خلال خبرة الفرد ومعرفته بالسلوك الاجتماعي الملائم للموقف، واختيار التوقيت المناسب لإصداره فيه .


ويشير كازدن (2000) في نفس الاتجاه، إلى أنه على الرغم من الاختلاف في تحديد المهارات الاجتماعية، فإن المهارات الأكثر شيوعاً في تصنيفات الباحثين، تمثلت في: توكيد الذات، مهارات المواجهة، مهارات التواصل، مهارات عقد الصداقة، القدرة على تنظيم المعرفة والمشاعر والسلوك، والتي تعكس القدرة على ضبط أو تنظيم الذات (Kazdin,2000, 334).


ويميل بعض الباحثين إلى تصنيف المهارات الاجتماعية، على ضوء بعدين أساسيين للسلوك الاجتماعي والتفاعل بين الأفراد هما:- بعد السيطرة في مقابل الخضوع.


- وبعد الحب في مقابل الكراهية.
ويعكس البعد الأول قدرة الفرد على توكيد ذاته، في حين يشير البعد الثاني إلى إقامة علاقات مع الآخرين. ويتحدد السلوك الاجتماعي للفرد، باعتباره محصلة للتفاعل بين هذين البعدين (أبو سريع، 1986، 24).
وبشكل عام، فإن مفهوم مهارات الكفاءة الاجتماعية، يشير إلى رصيد من السلوكيات المتعلمة، والتي تستخدم لتحقيق أهداف متنوعة، والحصول على التدعيم في سياقات التفاعل مع الآخرين، وتيسير المبادرة ومواصلة التفاعل والنهوض بتحقيق الحاجة للرضا في العلاقات المهنية والنسق الاجتماعي، وتقليل العائد الاجتماعي السلبي لاتفاقها مع التوقعات المرتبطة بالسلوك الاجتماعي (الغريب، 2003، 41).


2- بعض المظاهر السلبية المترتبة على ضعف مهارات الكفاءة الاجتماعية لدى المعلم، وتأثيراتها على التكوين النفسي للطلاب:يتمثل ذلك فيما يلي:

- التورط في كثير من مشكلات التفاعل مع الزملاء والإدارة والطلاب، بشكل يقلل من احتمالية التغلب على الخلافات في العلاقات الشخصية، وتصعيدها – أحياناً – على نحو قد تصل معه إلى صراعات عنيفة، كنتيجة لضعف المهارات الاجتماعية اللازمة في التفاعل، خاصة مهارات الاستشعار الاجتماعي والاتصال، والتفهم الوجداني، وضبط الذات.


- تبني توقعات غير واقعية، فيما يتعلق بردود فعل الطلاب أو كيفية تعرفهم، وربما تبني بعض الأفكار غير الفعالة، والتي يترتب على الاعتقاد في صحتها، السلوك بشكل غير وظيفي أو فعال، مما يفضي لتفاقم المشكلات وإثارة الصراعات وهدر الطاقة في المؤسسات التعليمية. وبعبارة أخرى، فإن صعوبة فهم وتفسير سلوك ومقاصد الطلاب، يمكن أن يستثير ردود أفعال دفاعية، قد تؤثر سلباً على العلاقة معهم، كان من الممكن تجنبها في حالة الفهم الدقيق لسلوكهم.


- الإخفاق الذي قد يعانيه المعلم في مواقف التفاعل، وعدم استثمار الفرص المتاحة لإقامة علاقات ودية مع المحيطين به، وعدم الحصول على الموضع (الدور) المناسب في العمل، والمكانة الملائمة بين الزملاء.


- الإفراط أو التشدد الزائد في التعامل مع الطلاب من الناحية التحصيلية، بشكل قد ينفرهم من العملية التعليمية، ويجعلهم يتبنون اتجاهات سلبية حيال المعلم والمقرر الدراسي، وربما العملية التعليمية برمتها.


- الفشل المتكرر والتسرب الدراسي لبعض الطلاب، كنتيجة لإساءة معاملة المعلمين لهم، باستخدام أساليب تتسم بالتحقير والإهانة، والإحساس بعد الجدارة، وعدم التقبل غير المشروط لهم، والتحيز وعدم العدالة في التعامل معهم. وما يعتري هؤلاء الطلاب من إحساس بالإحباط وانخفاض تقديرهم لذواتهم، واستخدام أساليب سلبية للتوافق تتسم بالعدوانية والكذب والإسقاط، وإثارة الشغب وعدم الانضباط داخل وخارج الصف المدرسي، في محاولة للتفريغ النفسي للمشاعر السلبية، وإزاحة العدوان الكامن لديهم، وتأكيد ذواتهم على نحو سلبي أو غير مألوف.


- يرتبط ضعف المهارات الاجتماعية – أحياناً – بالاكتئاب، حيث يصعب على منخفضي المهارات الاجتماعية الإفصاح عن مشاعرهم، والإفضاء بما يحملون من هموم، وما يشعرون به من معاناة للآخرين، ويميلون بدلاً من ذلك إلى اجترارها ذاتياً، مما يضخم من آثارها السلبية على المستويين النفسي والبدني، وهو ما يؤدي إلى ظهور بعض الأعراض الاكتئابية المزاجية، والنفسجسمية .


- الكفاءة الأخلاقية (الأهمية – التعريف):في افتتاحيتها لعددها الخاص بـ"جدل حول التربية الأخلاقية" تشير مجلة المعرفة السعودية (2001) إلى أن الطالب السعودي يتلقى في مراحل التعليم العام، كماً هائلاً من المعاني الأخلاقية، لا ينافسه في هذه التربية الأخلاقية أي نظام تربوي آخر.. لكن هل استطاعت البيئة المدرسية أن تحول تربيتها الأخلاقية إلى واقع عملي في حياة الطالب، وهل تعلم أبناؤنا عملياً، سلوكيات إيجابية تضبط وتنظم حياتهم وتعاملاتهم مع الآخرين.


إن التربية الأخلاقية – كما يشير د. محمد بن أحمد الرشيد وزير التعليم السعودي السابق في إطار مداخلته في هذا الموضوع، تتعزز من خلال الممارسة والقدوة الحسنة، إننا بالممارسة نربي بطريق القدوة، وما لم تتحول معطيات العلم وقيم التربية إلى واقع سلوكي نطبقه في المدرسة، ومنها ينتقل إلى المجتمع، فإننا – معشر التربويين – مقصرون في أداء رسالتنا. ماذا نقول بألسنتنا، وماذا تستشعر قلوبنا، ثم كيف يكون سلوكنا؟ أين نحن من موقع القدوة؟ هذا هو سؤال المجتمع الذي ننتمي إليه، وهو أيضاً التساؤل الصامت نفسه الذي يوجهه الأبناء للآباء، والطلاب للمعلمون، والمرؤوسين للرؤساء.. وفي أعماق كل منهم ما كنا نفعله أمامهم، وليس ما كنا نقوله لهم (الرشيد، 2001، 8- 10).


أن الصغار والكبار في مجتمعاتنا اليوم، يتعرضون لوابل من الرسائل الجارحة والمسمة أخلاقياً، عبر القنوات الفضائية والإنترنت، والتي تعرض نماذج غير محمودة السيرة، وتبث التهكم وعدم الاحترام، وتعلى من شأن السلوكيات المادية والسوقية وتمجد العنف، بشكل قد يفضي لنوع من التردي الأخلاقي وفقدان البراءة .

ومن ثم فإن تنمية الكفاءة الأخلاقية moral competence لدى الفرد، يدعم إحساسه الداخلي بالصواب والخطأ، وتساعده على مواجهة التحديات والضغوط الأخلاقية التي يواجهها.


وبشكل عام  فإن الذكاء الأخلاقي (أو الكفاءة الأخلاقية)، يعني "القابلية لتمييز الصواب من الخطأ، وأن يكون لدى المرء معايير أخلاقية يعمل وفقاً لها. ويتم ذلك عبر استدماجه لعدة فضائل جوهرية تتمثل في: التمسك العاطفي (التعاطف)، يقظة الضمير، الرقابة الذاتية، الاحترام، العطف التسامح، العدالة.


الفضائل الجوهرية المكونة للذكاء الأخلاقي (الكفاءة الأخلاقية)
وفقاً لتصور ميشيل بروربا
وفيما يلي عرض تفصيلي لهذه المكونات (الفضائل):


1- التمثل العاطفي: Empathy
How to identify with and Feeling other people,s concerns ?
كيف تتفهم أو تستدمج مشاعر الآخرين واهتماماتهم؟
يعتبر التمثل أو التفهم العاطفي أو التعاطف، هو الفضيلة الأساسية في الذكاء الأخلاقي (الكفاءة الأخلاقية) وهو يعني "القدرة على فهم اهتمامات الآخرين، والشعور بها، بحث يصبح المرء أكثر حساسية إزاء حاجات ومشاعر الآخرين، وأن يقدر ظروفهم ويساعدهم، ويتفهم المشاعر الوجدانية المصاحبة للحظات الألم والفرح، وبشكل يحول دون معاملة الآخرين بقسوة، أو لا مبالاة وعدم التقدير لمشاعرهم.


2- الضمير: Conscience
How to know the right and decent way to act that way ?
كيف تعرف الطريق الصحيح والنزيه وتعمل بموجبه؟
هو الذات المثالية Ideal self أو ذلك المخزون الداخلي لدى الفرد من القيم والمثل العليا التي تراقب عمل الذات العامة، أو الاجتماعية، والتي تجعل الفرد يميز بين الصواب والخطأ، وأن يشعر بالإثم أو وخذ الضمير عندما ينحرف عن ذلك، إنه حجر الزاوية لنمو الفضائل الأساسية مثل: الكرامة والإحساس بالمسئولية والتكافل.


إن تشوه الضمير أو أزمته وضعفه لدى بعض الأفراد، تتمثل بعض مظاهره فيما يلي:

 

 

 

1- ارتفاع مستوى العدوانية والعنف لدى الشباب، فالعديد من الشباب ضعفت ضمائرهم وأصبحوا أكثر ميلاً للعمل بأسلوب عدائي مناهض للمجتمع، إن ضعف الضمير والافتقاد للدعم والتوجيه الأخلاقي الخارجي، يجعل الناس ضعافاً إزاء الدوافع العدوانية، حيث يكون العنف في الغالب هو النتيجة الحتمية، وأن الانتقام بأية وسيلة هو أمر مقبول.

 

 


2- القسوة الزائدة لدى الأفراد، فظاهرة التنمر أو التحرش البدني والسخرية والتهديد، والدفع والضرب والصفع والرفس، هو الذي يمارسه الأشقياء – ضعاف الضمائر – على ضحاياهم.


3- انتشار عملية الغش في الامتحانات بين الطلاب، وسرقة الكتب وتمزيقها بالمكتبات المدرسية أو بالمحلات التجارية، والاعتقاد بأن الغش أمر مقبول وليس بخطأ، وأنه من قبيل الضرورات التي تبيح المحظورات.


4- العلاقات غير الأخلاقية، والإدمان وتناول العقاقير المخدرة، وعدم إدراك عواقب ذلك، أو الندم حيال الافتقار إلى الاستقامة.


3- الرقابة الذاتية: Self- controlHow tp regulate your thoughts and actions to act the way you know, and feel right ?
كيف تنظم أفكارك وأفعالك، لكي تعمل بالطريقة التي تعرف وتشعر أنها صواب؟
الرقابة الذاتية أو مراقبة الذات Self monotering هي ما يساعد الأفراد على تنظيم سلوكهم وإدراكم تناقضاتهم، إنها العضلة الأخلاقية التي توقف الأفعال المضرة بشكل مؤقت، عن طريق إعطائنا ثوان إضافية نحتاجها لإدراك العواقب المتحملة لأفعالنا، وكبح جماحها.


ومن المفترض أنه عندما تغيب هذا الفضائل الجوهرية الثلاث للكفاءة الأخلاقية: (التعاطف، الضمير، الرقابة الذاتية)، يصبح الأفراد قنابل موقوتة تنتظر الانفجار.. فالافتقار للقدرة على الشعور بالآخرين، وصوت الضمير الذي يرشدنا نحو عمل الصواب، والقدرة على رقابة الدوافع الهدامة لدينا، يجعلنا عاجزين أمام مصادر الغواية والأغراء التي تعترض طريقنا. أن التعاطف يشعر الفرد بالتفهم إزاء حاجات الآخرين ومشاعرهم، بينما يساعد الضمير على معرفة الخطأ من الصواب، أما الرقابة الذاتية فهي ما يساعدنا على تعديل دوافع الفرد، بحيث يقوم فعلاً بما يشعر أنه صواب في قلبه وعقله، وهي ما يجعله يستشعر النتائج الخطيرة المترتبة على أفعال، لأنها تساعد على استخدام عقله للسيطرة على عواطفه (بروربا، 2003، 107- 114).


4- الاحترام Respect
How to value others by treating in courteous and considrate way ?
كيف تُقَيم أو تشعر الآخرين بالأهمية والجدارة عن طريق معاملتهم بطريقة ودية ومحترمة؟
يعني الاحترام، أن تعامل الآخرين بالطريقة التي تحب أن يعاملوك بها، وأن تحب لهم ما تحب لنفسك، والأشخاص المحترمين أكثر اهتماماً بحقوق الآخرين، والتفكير بالآخر بطريقة أكثر إيجابية وأكثر اهتماماً أن احترام الذات واحترام الآخر، هو حجر الزاوية للوقاية من العنف والظلم والكراهية.


وتتمثل بعض المظاهر السلوكية المتعلقة بهذه القيم إيجاباً وسلباً فيما يلي:

1- أن تدني احترام الذات، قد يدفع الناس للعمل يشكل غير محترم تجاه الآخرين وتجاه أنفسهم، والتورط في سلوكيات تفتقر للياقة والاعتبار، وعدم احترام السلطة، والفظاظة والسوقية.


2- أن العديد من الأبناء والطلاب يعاملون بصورة غير محترمة من قبل آبائهم ومعلميهم، ويكونون ضحية للرسائل الساخرة وغير المحترمة والسلبية من الكبار.. وما لم يعاملوا باحترام، كيف لهم أن يتعلموا احترام الآخرين؟


3- أن انحدار الكياسة أو اللياقة الاجتماعية، يزيد بشكل كبير من فرص العنف، ويعمل على تآكل القيم الأخلاقية السليمة كاحترام الآخر.


4- أن الخوف من والتشكك في نوايا الآخر وخاصة الغرباء، قد يدفعنا للتصرف معهم بشكل غير أخلاقي، وعدم مساندتهم في حقوقهم، فالخوف من الآخر قد يدفع لعدم الثقة به.


5- أن الافتقار لنماذج الاحترام في مجالات مختلفة، وانتشار اللغة البذيئة، تمثل مؤشرات على انحدار أخلاقي وأزمة عدم احترام.


6- أن مظاهر عدم الاحترام، متمثله في القسوة والوقاحة والفظاظة، تنتشر عبر الأفلام السينمائية، واستخدام اللغة البذيئة عبر برامج الشبكة الدولية (الإنترنت) والأغاني السوقية المبتذلة.


5- العطــف: Kindness
How to demonstrate concern about welfare and feelings of others ?
كيف تبدي الاهتمام براحة ومشاعر الآخرين؟
يعني العطف "القدرة على إبداء الاهتمام براحة الآخرين ومشاعرهم"، إن الحقارة وعدم العطف – كما توضح بروربا (2003) – موجودة بنسب وبائية بين شباب اليوم، إن عدم العطف يمكن أن يترك جروحاً عاطفية دائمة، ويمزج نسيج النمو الأخلاقي للفرد والمجتمع.


وتتمثل بعض المظاهر السلوكية المتعلقة بهذه القيمة فيما يلي:

 

1- انتشار سلوك المضايقة والإيذاء في المجال المدرسي بين الطلاب، دليل على تدني هذه المهارة الأخلاقية، وهي المشكلة الأكثر شيوعاً والأقل اهتماماً في مدارسنا.


2- أن عدم التشجيع الكافي على العطف، من قبل الآباء والأمهات والأشخاص الكبار، وتأثير الأقران غير العطوفين، أدى لتدني هذه القيم الأخلاقية في سلوك أبنائنا وطلابنا حيال بعضهم البعض.


3- أن افتقار الصغار إلى كبار مهمين في حياتهم، يساعدونهم على تشكيل قناعاتهم الأخلاقية، يجعلهم يتحولون إلى أقرانهم كمدرسين أخلاقيين. والواقع المزعج أن هناك أعداداً متزايدة من هؤلاء الأقران، من شأنها أن تضع أبناءنا في خطر اكتساب دروس مهلكة، فقسوة الأقران في تصاعد مستمر، وهذا يعني أن جميع الأطفال يتعرضون إلى اللاعطف سواء كانوا ضحايا أو شهود على القسوة.


4- أن انعدام الحساسية تجاه اللاعطف، من قبل أبنائنا وطلابنا يرجع لأسباب عديدة، بيد أن هناك حقيقة واحدة لا يمكن إنكارها، وهي أن هذا الجيل من الشباب قد تعرض إلى رسائل مليئة باللوم والسلبية، التي تصور عالمهم على أنه عالم بارد وقاسي وأناني، وأن القصص العطوفة التي ترفع المعنويات، وتبين الجوانب الإيجابية والمهمة في الحياة، قد أُهملت من حياتهم.


6- التســـامـح: Tolerance
How to respect the dignity and rights of act persons even those whose beliefs and behaviors differ from our own ?
كيف تحترم كرامة وحقوق جميع الأشخاص، وحتى أولئك الذين يختلفون عنك في المعتقد والسلوك؟
التسامح فضيلة أخلاقية مهمة، تساعد على تلاشي الكراهية والعنف والحقد، وتسم في معاملة الآخرين بعطف واحترام وفهم، أنه يعني احترام الفروق بين الناس، وأن كل الأشخاص يستحقون المعاملة بحب وعدل واحترام، بغض النظر عن مدى اتفاقنا معهم في بعض معتقداتهم أو سلوكياتهم.


فالأطفال لا يولدون وهم يحملون الكراهية، فالمحاباة والتحيزات هي أمور متعلمة أو تأتي عقب غياب الفعل الاجتماعي لنشر التسامح وتعزيزه بين الأفراد في المجتمع. والتسامح له مظهرين – كما توضح بروربا (2003) هما:


أ- احترام كرامة الإنسان وحقه في صنع خياراته الأخلاقية، طالما أنها لا تتجاوز على حقوق الآخرين، ومحاولة إقناعهم بالأفضل دونما سيطرة أو محاولة لفرض آرائنا عليهم وتقييد حريتهم بشكل مجحف.
ب- التسامح هو تقييم لثراء التنوع الإنساني وإدراك الإسهامات الإيجابية لذلك، وبأن كل شخص هو فريد من نوعه، وهو ما يمكننا من الاتفاق حول أكثر القضايا جدلاً، ومن العيش مع أعمق فروقاتنا، أو جوانب الاختلاف فينا، طالما أننا مستمرون في مناقشتها.


إن التسامح يعني احترام الناس لبعضهم البعض كأشخاص، بغض النظر عن الفروق بينهم، سواء كانت فروق عرقية أو اجتماعية أو قدرات أو اتجاهات نوعية (ذكور – إناث). إن التسامح المتزايد هو ما يساعدنا على رفض المحاباة والتحيز والبغضاء والكراهية، وتعلم احترام الناس لتشخصهم ومواقفهم، وليس للفروق والاختلافات بينهم.


7- العـــــــدل: Fairness
How to be open minded and act in a just and fair way ?
كيف تكون متفتح الذهن وتعمل بطريقة عادلة ونظيفة؟
"يعني العدل، وجوب معاملة الآخرين بطريقة فاضلة وعادلة وغير متحيزة، وأن تكون متفتحي الذهن وتزيهين".


وتتمثل بعض المظاهر السلبية الناتجة عن ضعف هذه الفضيلة فيما يلي:

 

1- أن المجتمعات التي تكرس تم التنافس الزائدة والفردية والمادية، يمكن أن تدفع – دون قصد – إلى تكريس عدم العدالة داخلها، وخارجها فالتنافس والجشع وتكديس الثروة، والبحث عن الشهرة، وتشجيع عقلية الفوز بأي ثمن، قد تحول دون التصرف بطريقة غير عادلة.


2- أن قدراً كبيراً من شبابنا اليوم معاقين أخلاقياً، بسبب المعاملة غير العادلة أو إساءة المعاملة في إطار أسرهم أو مجتمعاتهم.


3- لقد أشارت تقديرات مؤسسة أمريكية لحماية الأطفال أن ثلاثة مليون طفل يساء معاملتهم أو يهملوا كل عام، وأن ثلاثة أرباع المعتدين عليهم هم الأمهات والآباء.


4- في المجال التعليمي، تمثل الخديعة وعدم النزاهة أو التحيز أمراً شائعاً،حيث يميل بعض المدرسين لمساعدة الطلاب على الفن في الامتحانات لرفع نسب النجاح، كما أشارت الجمعية النفسية الأمريكية إلى أن التنافس بين الطلاب لأجل الحصول على تقديرات عالية في الامتحانات، تدفع العديد منهم إلى الغش .

 

4- بعض المظاهر السلبية المترتبة على ضعف مهارات الكفاءة الأخلاقية لدى المعلم، وتأثيراتها على التكوين النفسي للطلاب:


1- التحيز في معاملة الطلاب، في اتجاه المبالغة في التقدير أو خفضه، كنتيجة لاتجاهاته الإيجابية والسلبية حيالهم، وما يصاحبها من مشاعر الحب والكراهية، دون أن يكون مستبصراً بذلك أو محاولة منه لضبط الذات والمشاعر.


2- التحيزات الناتجة عن اعتبارات الألفة والمنفعة، التي قد تنشأ بين المعلم وبعض طلابه، خاصة فيما يتعلق بظاهرة الدروس الخصوصية، والتي يستخدمها بعض الطلاب – أحياناً – ليس لغرض تنمية مستوى تحصيلهم، ولكن للتأثير غير المباشر على توجهات المعلم حيالهم، بإعطائهم تقديرات أكثر مما يستحقون أو تسريب أسئلة الاختبارات، في حالة ما إذا كان هو الذي يدرس لهم في الصفوف المدرسية.


3- أن انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، أفضت لتفريغ العملية التعلمية الرسمية من محتواها، وزوال هيبة المدرس، وتطاول الطلاب عليه، باعتبار اليد العليا التي تعطي أجراً، خيراً من اليد السفلى التي تأخذ هذا الأجر. بل إن نظرة بعض الطلاب في المدارس الخاص الأهلية للمعلمين والمعلمات، تتدني إلى حد عدم اللياقة في التعامل وعدم التقدير اللفظي، كما لو كانوا خدماً، مأجورين لديهم، وأن ما يدفعونه من مصروفات دراسية هي مصدر أجورهم.


ويؤكد سويف (1994) على أن انتشار الدروس الخصوصية – كأحد الظلال السلبية المتعلقة بالصورة الذهنية للمعلم في مجال التعليم (بشقيه العام الجامعي) كان بمثابة صرخة احتجاج، في مواجهة الظلم المادي الذي وقع على المعلم "فالدروس الخصوصية مهانة يقبلها المدرس صاغراً في سبيل زيادة دخله، وهي نقطة قوة (بطانتها الاستعلاء) يسجلها الطالب (تدعمه الأسرة) في محاولة لتركيع هذا المعلم (باعتباره منفذ إلى الامتحان) في إطار علاقة غير متكافئة. وهي سلاح غير مشروع، يشرعه المعلم في وجه المؤسسة التعليمية بجميع رموزها، بدأت كثورة عمياء ضد الظلم المادي الذي يقع عليه، ثم تطورت لتصبح أداة لابتزاز المؤسسة التعليمية والتلاميذ .

4- أن كثير من مشكلات العنف المتبادل بين الطلاب، وعدم احترامهم لمعلميهم، بل وتطاولهم عليهم، يرجع جزء كبير منه لزوال الهيبة، وفقدان القدوة، واهتزاز صورة المعلم كحامل رسالة، وضعف العائد المادي من المهنة، بشكل يحول دون شعور المعلم بالاكتفاء، ومحاولة تعويض النقص في ذلك بالتعاطي مع الدروس الخصوصية.


5- أن تشدد بعض المعلمين، والجفاف العاطفي الذي نشأوا عليه، يحول دون تفهمهم أو تمثلهم العاطفي لمشاعر طلابهم وحاجاتهم، والتعامل معهم بطريقة جافة، تتسم بالغلظة والفظاظة، مما ينفر الطلاب منهم، ويدفعهم للتآمر عليهم والاستهزاء بهم وتشويه صورتهم وعدم تقديرهم.


6- أن تشوه الضمير أو ضعفه لدى بعض المعلمين، قد يدفعهم للتورط في أمور غير أخلاقية أو منافية للأنظمة والمعايير المجتمعية، بشكل قد يلقى ظلالاً سلبية، على صورة المعلم لدى الطلاب. "فالسلوك الشائن أو المعيب يكون أشد تأثيراً على النشء خاصة، والمجتمع عامة لو مارسه (المعلم) أو أستاذ الجامعة، مقارنة بغيره من الفئات المهنية الأخرى، والتي لا يتخذ منها الناس مثلاً ولا قدوة" (طه، 1989، 21).


7- أن ضعف الكفاءة التعليمية لدى بعض المعلمين، وضعف قدرتهم على توصيل المعلومات لطلابهم، ربما لعدم أعدادهم أو استعدادهم بشكل جيد، أو لتدريسهم – أحياناً – مواد غير تخصصهم، قد يوقعهم في حرج شديد أمام طلابهم ويذهب هذا بكثير من تقديرهم لشخصه واحترامهم لمكانته (طه، 1989، 18). وقد يدفع ذلك بعض المعلمين للتعامل مع الطلاب بطريقة دفاعية عدوانية، بالتسلط عليهم وقهرهم والإفراط في عقابهم، في محاولة منهم لضبطهم، وتأكيد ذواتهم بطريقة سلبية، وهو ما يفضي لإذكاء العنف والعدوان من قبل الطلاب تجاههم، وتجاه بعضهم البعض.


8- أن نمط العلاقة والصداقة بين المعلم وطلابه، ينبغي تأطيره أخلاقياً، وكما يوضح سويف (1994): "أن أفضل تعريفات الصداقة أنها علاقة إنسانية تقوم بين شخصين، ينجذب كل منهما نحو الآخر تلقائيا، أي دون ضغط من ضرورات العمل أو الاحتياجات المادية...الخ. ومن المفترض أن الصداقة بين الأستاذ وتلاميذه، لا تنال من مكانته الأكاديمية في نفوس تلاميذه (خاصة إذا اتصفت بالنزاهة وعدم المحاباة أو التحيز)، فالصداقات الجيدة تدعم المكانة العلمية، ولأنها لم تكن تمس جوهر الاحترام فيها، ولكنها تضيف إلى الاحترام عنصر الدفء العاطفي، ليحل محل البرودة والجفاف الناجم عن اعتياد الحياد الوجداني إزاء موضوعات الدراسة العلمية .


9- وأخيراً تجدر الإشارة، إلى أن عدم الاتزان الانفعالي والأخلاقي لدى بعض المعلمين، يمكن أن ينعكس سلباً في علاقته بزملائه وطلابه، فالصراع على المصالح وأساليب الدس والوقيعة، والنفاق والمداهنة، والجري وراء المناصب ومواقع السلطة، وما يفضي إليه ذلك من مظاهر الهدر الأخلاقي والاجتماعي، قد يمثل مظهراً لاضطراب عميق في التكوين النفسي لدى البعض، ويوحي بالافتقار للمعنى وعدم فهم المرء لذاته على نحو جيد، والاستغراق في أشياء الحياة وأحداثها بشكل غير أخلاقي، دونما طائل في نهاية الأمر .

وكما يوضح آرثر جيرسلد (1964) في كتابه المتميز (عندما يواجه المعلمون أنفسهم) "أن التعلم يجب أن يكون وسيلة لفهم الذات، وليس سبيلاً للتنافس مع الآخرين ومزاحمتهم والتسلط عليهم بضروب وصنوف التغلب وألوان القوة المتعددة... أن البغضاء تسود التربية.. والقول بأن الكراهية تدخل بإفراط وانطلاق في حياة العالم والمعلم، ليس من قبيل اللوم والتغليظ.. لأننا كمعلمين نحتاج إلى مواجهة أنفسنا، وكلما كانت مشاعر بغضائنا أكثر عمقاً، زاد جنوحنا شدة وحدة للقسوة على أنفسنا وعلى غيرنا.. وكلما اتبعنا سُبل الشجاعة في مواجهة ما لدينا من مشاعر العداوة والبغضاء، كانت أقل تدميراً لنا ولغيرنا" .

 

- التربية النفسية وأهميتها كإطار لتنمية مهارات الكفاءة الاجتماعية والأخلاقية:


"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" هذه الآية القرآنية الكريمة هي جوهر مفهوم التربية النفسية Psychological education، فهي عملية تهدف لمساندة الفرد على أن يبدأ بنفسه وأحداث نوع من التغيير الذاتي، لما يعتقد أنه غير ملائم في مهاراته وسلوكه، ومساعدة الناس على مساعدة أنفسهم. فلن يتخلص أحد من معاناته وقصوره إلا إذا كان لديه إرادة التغيير، وعرف طريقة، ورغب فيه، وساعده ذوي الخبرة في ذلك.


وتعتمد التربية النفسية – كما تشير جمعة (2002) – على إحداث تغيير في عاملين أثنين هما: المفهوم والسلوك، بمعنى تغيير المفاهيم الخاطئة وإبدالها بأخرى سليمة، ويعقب ذلك تغيير السلوك الخاطئ إلى سلوك سليم. وبدون حصول تغيير متزامن في كلا العاملين، لا تحصل تربية النفس.. فالإطلاع والمعرفة أمران مهمان، وتصحيح المفاهيم الخاطئة أمر ضروري، هذا إن أردنا أن نصحح سلوكياتنا ونحسن تربية أنفسنا (جمعة، 2002، 63، 67).


أن التربية النفسية هي بمثابة خطوات إجرائية أو عملية لممارسة ما أجملت القول فيه معطيات ديننا الحنيف (أي معطيات القرآن الكريم والسنة والنبوية الشريفة). وبينما تستهدف التربية النفسية ضبط الذات والسلوك والانفعالات، بما يفضي للإحساس بالرضا الذاتي والملاءمة، فإن التربية الدينية تستهدف السلوك في أمور العبادات والمعاملات بشكل يفضي لإحساس المرء برضا الله عنه.


والتربية النفسية تحقق ثماراً أكبر إذا ساعدت الفرد على جلب إحساس بالرضا عن الذات يتوافق مع رضا الله عن الفرد (المرجع نفسه، 331).
ومن المفترض أن مجال التربية النفسية، يستهدف تنمية مهارات التفاعل الإنساني لدى الفرد، في مجال الحياة وخاصة مهارات الكفاءة الاجتماعية والأخلاقية، لما لها من أهمية في تحديد ملامح الهوية الشخصية والاجتماعية للفرد.

فقد أوضح تيرز (Turer, 1970) أن الناس يميزون بين الأوقات التي يسلكون فيها وفقاً لمدركاتهم المتعلقة بذواتهم الحقيقية أو الفعلية real self (والتي تعادل الهوية الشخصية) والأوقات التي يسلكون فيها خارج نطاق شخصياتهم أو ذواتهم الخاصة، وفقاً للمحددات الاجتماعية المتعلقة بذواتهم العامة Public self (وهو ما يقابل الهوية الاجتماعية) (حسن، 1991، 21).


5- خطوات إجرائية لتنمية بعض مهارات الكفاءة الاجتماعية والأخلاقية لدى المعلمين والطلاب في البيئة المدرسية:
يؤكد دانيل جولمان (2000) في كتابه الشهير "الذكاء الوجداني" على أهمية برامج التنمية الوجدانية والاجتماعية، وضرورة تقديمها كجزء من المقرر الدراسي والحياة المدرسية، على أن تشمل الآباء (وكذا المعلمين) وكل من يقوم بالريادة في المجتمع. وتؤدي هذه البرامج لأفضل النتائج حين تمتد لفترة طويلة، ويقوم بها مدربون أو معلمون على درجة عالية من الخبرة المهارة، وقبل كل ذلك، يكون لديهم صحة وجدانية جيدة (روبنز، سكوت، 2000، 71).
وعلى الرغم من تعدد فنيات وآليات والمتغيرات المتعلقة بتنمية هذه المهارات إلا أنه يمكن استعراض بعض الخطوط العريضة، بشكل مبسط يسهل التدريب عليها ذاتياً أو بمساعدة مختصين، مع الإحالة للمراجع المختصة للحصول على المزيد من المعلومات.


أ/5- تنمية مهارات توكيد الذات:
وفقاً لما أورده طريق شوقي (1998) في كتابه الجيد عن (توكيد الذات، مدخل لتنمية الكفاءة الشخصية)، يشير إلى عدة أساليب للتنمية الذاتية للتوكيد، تتمثل فيما يلي:
أساليب التنمية الذاتية للتوكيد
الوعي الذاتي الملاحظة النشطة للآخرين
المراقبة الذاتية الحوار الذاتي
التحليل النقدي للذات المرونة التوكيدية
التقييم الذاتي المثابرة والصدامة مع الذات
المحاسبة الذاتية
ويؤكد الكاتب معلومات تفصيلية وأمثلة مجدة لكيفية التنفيذ العملي لهذه المهارات النوعية لتوكيد الذات، لا يتسع المقام لسردها، ويمكن للقارئ الرجوع إليها في الكتاب المذكور لمزيد من الاستفادة.
طريف شوقي (1998): توكيد الذات – مدخل لتنمية الكفاءة الشخصية القاهرة: دار غريب.


ب/5- تنمية التمثل العاطفي أو التعاطف:

وفقاً لما أوردته ميشيل بروربا (2003) في كتابها "الذكاء الأخلاقي" يمكن الإشارة - باختصار وتصرف – إلى ما يلي:
- مظاهر سلوكية معبرة عن التعاطف يمكن ملاحظتها وتنميتها:
- يبدي رغبة في فهم وجه نظر شخص آخر.
- يمكن أن يقرأ ويحدد مشاعر شخص آخر.
- يعمل باهتمام عندما يعامل شخص آخر.
- يبدي تفهماً لمشاعر الآخرين.
- يتفهم بسرعة تعبيرات الوجه لدى الآخر، ويرد عليها بشكل مناسب.
- يجيد فهم الإرشادات غير اللفظية من قبل الآخرين.
- يشارك الآخرين همومهم، وأفراحهم.
- من السهل أن يزرق الدمع، حين يرى شخصاً يبكي.
- يشعر بالسعادة لنجاح الآخر.عبارات تجسد مهارة التمثيل العاطفي:
(أفهم ما تشعر به، أنا حزين لما أصابك من أذى، أنا سعيد لأجلك، أشاركك في مشاعرك، ما حدث لك قد حدث لي، أنا معك، قلبي معك، أنا بجانبك).
خطوات إجرائية لتنمية التعاطف:
1- عزز الوعي والمفردات (الكلمات والعبارات) العاطفية لدى تلاميذك، وأنصت وانتبه لطريقة تعبيرهم، عن مشاعرهم الوجدانية.
2- عزز لديهم الحساسية تجاه مشاعر الآخرين: (تقمص مشاعرهم، نوه بها، أرصدها، حدد ما يحتاجون إليه، أمدح سلوكياتهم العطوفة، نمى لديهم القدرة على قراءة لمشاعر الآخرين).
3- جسد التمثل العاطفي لوجهة نظر شخص آخر، من خلال (لعب الدور، وأجعلهم يتبادلون الأدوار للشعور بالآخر، وأجذب الاهتمام للسلوك الحساس أو المتفهم لمشاعر الآخرين، أجعلهم يدركون نتائج سلوكهم المتفهم وغير المتفهم لمشاعر الآخرين، عبر بوضوح عن عدم موافقتك على السلوك اللامبالي بمشاعر الآخرين).
ج/5- تنمية الضمير اليقظ:
5- مظاهر سلوكية مميزة ليقظة الضمير:
- يتراجع عن الخطأ ويبدي أسفه.
- لا يحتاج إلى من يذكره بكيفية فعل الصواب.
- يدرك عواقب سلوكه غير المناسبة.
- يقبل اللوم حين يكون على خطأ، ولا يلوم الآخرين على فعله.
- يشعر بالخجل أو الذنب لفعل خاطئ.
- يعرف كيف يصحح أخطائه.
- يتجنب سلوكيات خاطئة مثل: السرقة والغش والكذب.
- يطيع ويحترم والديه ومدرسيه.
- لا يتأثر بأفعال الآخرين الخاطئة.
- يمكن الوثوق به.
- ملتزم بالمعايير والأنظمة.عبارات تجسد يقظة الضمير:
(أعرف كيف أفعل الصواب، عليك أن تتراجع عن أخطائك، أنا لا أحب الكذب، من غشنا فليس منا، أنا آسف، أعترف بخطأي، ينبغي أن تقول الحقيقة، يمكنك الاعتماد علي، لا أحب الخداع، ما تفعله ليس بصواب).
خطوات إجرائية لتنمية الضمير اليقظ:
1- حدد إطاراً للنمو الأخلاقي لتلاميذك: (بأن تكون قدوة ونموذجاً أخلاقياً قوياً لهم، طور معهم علاقة احترام وود متبادل، اجعلهم يشاركونك معتقداتك الأخلاقية، توقع منهم السلوك بشكل أخلاقي وطالبهم به (كأن يكونوا نزهين، عطوفين، مسالمين، محترمين..ألخ)، استخدم المنطق والاستفسار الأخلاقي، وضح سلوكك الأخلاقي لهم، أحرص على أن تكون أقوالك مطابقة لأفعالك.
2- علمهم فضائل الأخلاق لتقوية ضمائرهم وتوجيه سلوكهم: (بأن تحدد الفضائل التي تريد تنميتها لديهم، أعمل على تقوية فضيلة كل شهر، وصف لهم الفضيلة والنتائج المترتبة عليها، علمهم كيف تتجسد الفضيلة في سلوكهم، عزز الفضيلة في سلوكياتهم المدرسية واليومية، وفر لهم الفرصة لممارستها).
3- استخدم الضبط الأخلاقي لمساعدة تلاميذك على اكتساب القدوة والتمييز بين الصواب والخطأ: (بأن تتعامل بهدوء معه السلوكيات غير الصائبة لتلميذك، وتستوضح القصد من ذلك، راجع سبب خطأ سلوكه، تأمل مع عواقب هذا السلوك، صحح له السلوك الخاطئ، بتشجيعه على التعويض وفعل البديل الصحيح).
د/5- تنمية الرقابة الذاتية:
مظاهر سلوكية للرقابة الذاتية يمكن ملاحظتها وتنميتها:
- نادراً ما يعمل دون تفكير أو يتصرف بتهور.
- نادراً ما يحتاج للتذكير لي�

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 108/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
36 تصويتات / 3965 مشاهدة
نشرت فى 19 مايو 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,783,212

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters