إدارة الخلافات الزوجية ..
شرع الله تعالى الزواج ليحقق السكن والمودة “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” [الروم : 21].
إلا أن العلاقة الزوجية أحيانا يشوبها شوائب تنحرف بالزواج عن هذه الغاية الأصيلة فتنشأ الخلافات بين الزوجين وترتب آثارا سيئة عليهما وعلى أبنائهما وعلى المجتمع، ومن أجل ذلك اهتمت شبكة إسلام أون لاين في جانبها الاستشاري والإعلامي والتدريبي باستقرار الأسرة والحرص على حسن إدارة الخلافات الزوجية .
يجب أن يعلم الطرفان أن الخلاف الزوجي هو وارد بينهما ، وهذه سنة الحياة
ولكن المهارة تكمن في كيفية التعامل مع هذا الخلاف،
فإبمكانهما جعل الحياة الزوجية مثل ألوان الطيف الضوئي فعلى الرغم أن هنالك 7 ألوان مختلفة إلا أنها متكاملة ومتناغمة.
ولا ننسى أن للعمر أحكامه فابن العشرين يختلف عن ابن الثلاثين وإبن الثلاثين يختلف عن ابن الأربعين.. وهكذا و لاننسى أيضآ أن الأسرة التي تتكون من زوجين فقط تختلف عن الأسرة التي يصبح الزوجان فيها أبوين أو جدين.
ولكنني سأكتفي بإستعراض أهم المشاكل في العشر سنوات الأولى من الزواج وقد قسمتها إلى شريحتين:
1- الشريحة الأولى من( سنة إلى خمس سنوات) من الزواج.
2- الشريحة الثانية من ( ست سنوات إلى عشر سنوات) من الزواج.
لنبدأ الان بالشريحة الأولى وأهم مشاكلها:
1 - قلة المعرفة بالتعامل مع المسؤوليات الجديدة:
كثرة المسؤوليات الجديدة بعد انتقالهم من مرحلة العزوبية إلى مرحلة الزواج، وعدم معرفتهم بالتعامل مع هذه المسؤوليات.
2 - اختلاف الطباع
إختلاف الطباع والأمزجة بين الطرفين وخصوصاً في الأيام الأولى مما يؤدي إلى كثرة الخلافات بينهما.
3 - تدخل أم الزوج
تدخل أم الزوج يكون كثيراً في هذه المرحلة، لأن العلاقة مازالت قوية.
4 - عدم اهتمام الزوج بزوجته
عدم اهتمام الزوج بزوجته وتقدير مشاعرها واحترامها ، ويهمه فقط أن يحقق رغباته ويحقق ذاته.
5 - قلة المعرفة بالمعاشرة بين الزوجين
عدم معرفة الزوجة كيفية التعامل مع زوجها في شؤون العلاقات والمهارات الجنسية.
6 - كثرة الديون
يظهر في هذا المرحلة كثرة الديون ، بسبب الالتزامات الزوجية الجديدة على كاهل الزوج، مما يؤدي إلى وجود مشاكل مالية بين الطرفين.
7 - الإسراف المالي
الإسراف المالي والتبذير وعدم معرفة كيفية التوفير، مما يؤدي إلى خلافات مالية بين الزوجين.
8 - خلافات عائلية
وجود مشاكل عائلية بين العائلتين من خلافات حصلت بسبب العرس أو حفلة الزواج أو على تسمية المولود مما يؤدي لتوتر العلاقة الزوجية.
9 - المسكن الزوجي
عدم توفر مسكن مناسب للزوجين ويكثر التنقل بين الشقق والمساكن في هذه المرحلة.
10 - صراع من الأقوى
وجود صراع بين الزوجين في هذه المرحلة، وكل واحد منهما يريد أن يثبت نفسه وشخصيته على حساب الآخر.
11 - الإمساك المالي المؤقت
تقتير الزوج وعدم صرفه على البيت من أجل التأمين للمستقبل العائلي ، فيولد ذلك مشاكل مالية بين الزوجين.
12 - اهتمام الزوجة بالأولاد على حساب الزوج
اهتمام الزوجة بالأولاد وبعدها عن زوجها، يشعره بالوحدة والغيرة وتحدث المشاكل بينهما.
13 - الشك والغيرة
الشك والغيرة في الحياة الزوجية يكثر في مرحلته الأولى، ويتعامل كل واحد مع الآخر بتحفظ .
14 - صعوبة الانسجام والتكيف
أي صعوبة تكيف كل طرف مع الآخر.
15 - عدم تحمل المسؤولية
عدم تحمل المسؤولية سواء من الزوجة المتربية على العز والدلال ، أو من الزوج المتربي في أحضان من يخدمه ويسهر على راحته.
16 - تأخر الإنجاب
عدم الصبر على تأخر الإنجاب ، وهذا نستدل به على الفهم الخاطئ من هدف الزواج عند المتزوجين الجدد.
17 - عدم صبر الزوج على إزعاج الأولاد
عدم صبر الزوج على إزعاج الأولاد وشقاوتهم وهذه مشكلة تبرز في هذه المرحلة.
أما عن الشريحة الثانية فإن من اهم ماقد يعترضها من مشاكل:
1 - صعوبة تربية الأبناء
معاناة الزوجين في تربية الأبناء، وكيفية التعامل معهم وتهذيبهم وعلاج مشاكلهم.
2 - اعتماد الزوج على زوجته
كثرة اعتماد الزوج على زوجته بالقيام بالمسؤوليات في هذه المرحلة.
3 - سهر الزوج
سهر الزوج في الخارج بعيداً عن المنزل والعائلة، وبوادر ميله للوحدة والانعزال عن الأسرة.
4 - العناد
يزداد العناد من الطرفين في هذه المرحلة، لأن كل واحد منهم يعتقد أنه قدم تضحيات كثيرة في المرحلة الأولى من الزوج.
5 - ضرب الزوجة
خاصة إذا كانت طبيعة الرجل عدوانية.
6 - الكذب
وذلك من اجل الهروب المؤقت من الحقيقة.
7 - انشغال الزوج
انشغال الزوج الكثير في العمل لتأمين مستقبل العائلة وجمع المال.
8 - التفرقة في معاملة الأبناء
تبرز في هذه المرحلة التفرقة من الوالدين في التعامل مع الأبناء وتقديم أحدهما على الآخر.
9 - جفوة المشاعر
يبرز في هذه المرحلة عدم إبراز الحب العاطفي وإظهاره بين الزوجين.
10 - زيادة الاهتمام بالأبناء
يكثر اهتمام الزوجة بالأبناء أكثر من الزوج ويزداد أكثر من المرحلة الأولى وبالتالي يزداد إهمال الزوج في هذه المرحلة.
11 - الاستفادة من راتب الزوجة
استفادة الزوج من راتب زوجته – إن كانت موظفة – في بناء البيت أو أي مشروع آخر.
12 - رؤية النساء
تزداد رؤية الزوج للنساء الأخريات.
13 - الانفصال الاجتماعي
انفصال الزوجين في حياتهما الاجتماعية ، فلكل واحد منهما حياة وأصحاب.
14 - الروتين
بداية الروتين للحياة الزوجية.
ألف باء زواج ..
هناك مفاهيم أساسية في العلاقات الزوجية والتي من أهمها:
- الحياة الزوجية ليس فيها زوج ناجح، وزوجة فاشلة أو العكس، ولكن هناك أسرة ناجحة وأسرة فاشلة، ونجاح أي منهما هو نجاح للآخر.
- القوامة تكليف للرجل من الله عز وجل والإسلام حدد طبيعة سلطة الرجل في أسرته فجعله “قواما” على هذه الأسرة، أي أن الرجل هو القائم على شئون هذه الأسرة، وأنه المسئول عن توفير احتياجات أسرته (زوجته وأبنائه) المادية والمعنوية، وتوفير الحماية والرعاية وتحقيق مبدأ العدل.
- أمر الإسلام بالشورى حتى في فطام الطفل مع انفصال الزوجين، فجعل للمطلقة حقا في الشورى والتفاهم للاتفاق على ما فيه مصلحة الطفل؛ فمن باب أولى أن هذا الحق مكفول للزوجة القائمة على البيت وعلى رعايته، لكن القليل منا من يدرك هذا والنسبة الأقل هي التي تطبقه بحقه.
- الأسرار الخاصة والمشاكل الزوجية لابد أن تكون بين الزوجين في طي الكتمان، وإذا أشيعت فاللوم لا يقع إلا على الزوجين، وإن كان ولابد من طرف ثالث ليحتوي المشكلة بين الزوجين ويحلها، فلابد أن يكون شخصا كتوما، مشهودا له بالتقوى والصلاح، حتى لا تتعقد الأمور وتتطور المشكلة.
- كما لا يحق للزوجة أن تجعل أسرار حياتها الزوجية حديث المجالس بين النساء؛ فذلك السلوك يولد الخلافات بين الزوجين، وقد تصل لحد الطلاق.
- أي شراكة تحدث بها مشكلة؛ فلا يوجد طرف مخطئ أو جانٍ وطرف محق ومجني عليه، بل إن الطرفين مسئولان مسئولية مشتركة عما يعترى هذه الشركة؛ وهذا أولى في الكيان الزوجي، فإن حدث تصدع في هذا الكيان فالطرفان مسئولان عن تصدعه أولا، ثم عن إعادة ترميمه ثانيا.
- الاختلاف في وجهات النظر وارد، ولا ينفي طاعة الزوج، كما أنه لا ينفي احترام الزوج بدوره رأي الزوجة وعدم تسفيهه، حتى وإن جرى العمل في النهاية على غير ما ذهبت له، طاعة منها، ولطفا منه.
الخلافات الزوجية.. لماذا؟
والعديد من الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى حدوث الخلافات بين الزوجين، ومن أهمها غياب التواصل السوي بين الزوجين، خصوصا في السنوات الأولى للزواج، كما أن التوقعات المسبقة غير الواقعية حول شريك الحياة ، إضافة إلى عدم فهم طبيعة العلاقة الزوجية والصورة الذهنية الخاطئة المرسومة عن الزواج وسوء اختيار شريك الحياة , سواء بالتسرع وعدم التأكد من صحة الاختيار، أو عدم وضوح معايير الاختيار كل هذا يساهم في حدوث الخلافات، والتي يعززها غياب النضج، وعدم فهم معنى الزواج، وفقد القدرة على إدارة الخلاف، وعدم التدرب على تحمل المسئوليات، وغياب النضج والخبرة.
أما بعد الزواج فإن تنازع السلطة واختلالها داخل المنزل والخلل في إدارة الحياة الزوجية مع التركيز على عيوب الشريك، إضافة إلى التأثير السلبي لتجارب الغير يزيد من معدلات الخلافات.
ومن أسباب الخلافات أيضا اعتقاد كلا الطرفين أنه مطلوب تغيير الطرف الثاني فيعتمد على الاحتقار والازدراء واللوم المستمر، والإدعاء أن هذا يتم من أجل مصلحة شريك الحياة وبغرض تغييره للأفضل.
أيضا انشغال الزوج بعمله وكثرة تغيبه عن البيت أو الغربة بعيدا عن الوطن والأهل والشعور بالوحدة.
وفي بعض الأحيان قد تشعر الزوجة بتميزها على الزوج، أو قد تهمل زينتها في بيتها، وقد يهمل الزوج زوجته في مرضها، ومع تراكمات الماضي من الذكريات الأليمة والمشكلات تزداد حدة الخلافات، والبعض قد لا يراعي مشاعر الطرف الثاني ولا يشاركه همومه واهتماماته، بل أحيانا يرغب كل طرف في امتلاك الطرف الآخر، وتلعب التدخلات الخارجية غير الرشيدة دورا في تصاعد حدة الخلافات.
كيف نختلف؟
وهناك عدة نقاط يجب أن يضعها الزوجان في الحسبان أثناء الخلافات حتى يستطيعا أن يديرا هذا الخلاف بنجاح يمكن اعتبارها بمثابة بروتوكولات يتفق عليها الزوجان، ويدركان أبعادها جيدا وأهم هذه الأمور:
- أن الحياة الزوجية لا تعني التطابق فهذا أمر مستحيل، ولكن تعني أن يدرك كل طرف أن الطرف الثاني مختلف.
- أن طرفي الزواج مطلوب منهما معا أن يتغيرا ويتكيفا، فمن يتصور أنه سيحتفظ بكل صفاته ولن يتغير، أو أنه سيغير الطرف الآخر فهو يسير في طريق الصدام.
- القبول بتوزيع الأدوار لتحقيق التكامل والتنوع لتستمر الحياة .
- الحوار المتبادل والتواصل المستمر في كل تفاصيل الحياة .
- الخصام الشريف، فلا داعي لاستدعاء الماضي وإثارته عند كل خلاف ومن الأفضل عند تصاعد الخلاف انسحاب الطرفين من أمام بعضهما لعدة ساعات، وألا يعاودا الحوار إلا بعد أن تهدأ نفوسهما.
- من الأمور المهمة: ألا ندخل الآخرين في خلافاتنا؛ لأن تدخل الآخرين الذين لا يدركون أبعاد العلاقة بين الزوجين وما يقربهما يؤدي إلى تفاقم الأمور.
- لابد من وجود رصيد عاطفي في بنك الحياة الزوجية يسحب منه الزوجان عند حدوث الخلاف؛ لذا يجب أن يحرص كل منهما على زيادة رصيده لدى الآخر.
- لا يكون هم الزوجين عند حدوث الخلاف هو البحث عن المسئول عنه، أو التنصل من المسئولية، فهذا فضلا على أنه يزيد من تفاقم الخلافات ويضيع اللغة المشتركة بين الطرفين، فإنه أيضا لا يؤدي إلى أي نتيجة إيجابية، وبالتالي يكون تحديد أسباب الخلاف ليس من أجل إدانة الطرف الآخر، ولكن من أجل إيجاد الحلول المشتركة.
- التغافل والتغاضي هام جدا فليتغافل كل منهما عن الآخر وليعتذر كل منهما للآخر، وليبادر كل منهما للاعتذار؛ لأن الاعتذار هو دلالة القوة والمسئولية، وليس الضعف والمهانة.
- أن على طرفي الزواج أن يهتما بالبحث عن عيوب الشريك قبل الزواج، وفي أثناء الخطبة أما بعد الزواج فيكون التركيز على إيجابيات ومحاسن الطرف الثاني مع التعايش مع العيوب، وذلك حتى يسعدا بزواجهما.
*** حتى لا ينزعج الصغار
يجب أن نلفت الإنتباة إلى تحذير تصاعد حدة الخلافات الزوجية أمام الأبناء لما لها من تأثير سلبي على نفسية الأطفال؛ لذا فهناك مجموعة من الضوابط التي يجب مراعاتها أثناء إدارة الخلافات الزوجية أمام الأطفال، ومن أهمها تجنب الإهانات تماما باللفظ أو القول أو الحركة؛ لأن هذه الإهانات تصيب الطرف المهان في كرامته، وتحدث فيها شروخا يصعب إصلاحها.
لذا يجب السيطرة على الانفعالات في موقف الغضب، مع تأجيل المناقشة في الأمور التي يجب ألا يسمعها الأطفال لوقت لاحق، مع إفهام الطفل أن الخلاف مسألة عرضية وطبيعية وتذوب بسرعة، والأصل هو الحب والعلاقة القوية بين الأبوين، وأنهما يحبان بعضهما، ويحترم كل منهما الآخر ويخشى عليه كل سوء ولذا يفضل المبادرة بتغيير جو الخلاف باقتراح تغيير الحالة، كالخروج في نزهة أو ممارسة لعبة لتهدئة وتلطيف الأجواء، مع اقتراح آليات لإرجاء المناقشة حال هدوء كل الأطراف، ومحاولة الطرف الهادئ تطييب خاطر الطرف الغاضب.
كما أنه لا داعي أن يلعب أحد الوالدين دور الشهيد المغلوب على أمره ليستقطب مشاعر أطفاله نحوه حتى لا يسبب ضيقا له من الطرف الثاني كما لا يجب أن يتحول الآباء لمفسرين لسلوكهم باستمرار، ويتحول الأبناء إلى قضاة بل يفضل تقليل الخلافات قدر المستطاع.
وأخيرا فإن المرونة مطلوبة لحياة أكثر إشراقا، وصاحب مبادرة الحل وعلاج الخلاف ليس الطرف الخاسر بأي حال، بل هو صاحب الفضل .
وليكن أساس التعامل بينكما هو الشريعة الإسلامية
وإذا عرف السبب بطل العجب