التربية على القيم الإسلامية ، وأثرها في حماية البيئة ..
حينما نتحدث عن البيئة فإننا نقصد كل ما يحيط بالإنسان مما سخر الله له في الكون من مخلوقات قال تعالى :"والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين "[1].
وقد تحدثت كثير من الدراسات عن البيئة وعوامل تلويثها. فتحدثت عن تلوت الماء، وعن تلوت الهواء والتربية والغذاء والتلوث الضوضائي وتلوث الطبقات الجوية واستنزاف الثروات الطبيعية، وأشارت بأصابع الاتهام إلى الإنسان عبر أنشطته الصناعية التي خلفت نفايات خطيرة وأنشطته العسكرية التي خلفت دمارا وخرابا للبيئة يبقى مفعوله عبر الحقب والأزمان ومخزون العالم من أسلحة الدمار الشامل يكفي لتدمير الكرة الأرضية.
إن من أساسيات التنمية، الحفاظ على البيئة ومقاومة التلوث ولن يتم هذا بواسطة قوانين محلية أو دولية يصادق عليها في مؤتمرات من حجم قمة ريوديجانيرو (قمة الأرض) وإنما يتم ذلك بواسطة التربية لأن الفرد هو الذي يفسد البيئة ويلوثها قال تعالى: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون "[2].
إن غياب هذا الحس التربوي الإنساني هو الذي يجعل الغرب يصدر نفاياته إلى بلدان العالم الثالث بما في ذلك النفايات النووية المشعة ، مقابل عقد صفقة مع نظام حاكم في بلد جائع وفقير ومريض، إن غياب هذا الحس هو الذي يجعل الصناعات الغربية تصب الأطنان من النفايات في عرض البحر، و إن الفرق كبير بين الفكر والممارسة ، وكبير بين "التخلص من النفايات" و "المحافظة على البيئة"، إن الإسلام حينما تحدث عن الطهارة الحسية والمعنوية فإنما ربط ذلك بالتصور العقائدي والعبادي، ربط الطهارة بالشعائر التعبدية حيث لا تجوز بدونها ولا تخلو تعليمات الإسلام في كل الميادين من إجراءات لحماية البيئة.
فحينما تحدث عن الماء وهو المكون الرئيسي للبيئة ربطه بالحياة قال تعالى: "وجعلنا من الماء كل شيء حي"[3] لذلك نهى الرسول (ص) عن تلويثه في الحديث الذي رواه أبو هريرة حيث قال: " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه "[4]. وبالقياس يكون النهي بهذا الحديث عن كل ما يلوث الماء.
وحينما يتحدث عن الحروب ومخلفاتها ينهى عن حرق المزروعات وتدمير مقومات الحضارة لأن الحرب في الإسلام استثناء من قاعدة السلام ، يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه في وصيته لأسامة بن زيد قائد جيش المسلمين إلى الشام: " ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا بقرة ولا بعيرا إلا للأكل.."وعن التصرفات العامة للإنسان في تعامله مع بيته اعتبر الرسول (ص) أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة فعن أبي برزة قال قلت يا نبي الله علمني شيئا أنتفع به قال: " اعزل الأذى عن طريق المسلمين "[5].
هذه توجيهات إسلامية أوردناها كنموذج لدعوة الإسلام إلى المحافظة على البيئة يحتاج تأصيلها إلى دراسة واسعة. يقول الأستاذ عبد الله هلال من هيئة الطاقة الذرية في القاهرة "والواقع أن التقدم الصناعي الذي أحرزه الإنسان هو أكبر مسبب للتلوث، ذلك لأنه لم يقترن بالقيم الصالحة التي تحرم الإضرار بالبيئة واستنزاف ثرواتها ، وإذا كنا نجتهد في هذه الأيام لدفع التنمية في بلادنا ومواكبة التقدم الصناعي الذي أحرزه الغرب فيجب أن تحكمنا قيمنا الإسلامية " ويضيف" صدرت التشريعات وتكونت المنظمات وعقدت المؤتمرات العديدة لبحث إجراءات اللازمة للتصالح مع البيئة، ومع أن إهمال الجوانب الروحية والدينية هو أهم أسباب التدهور البيئي فمن المؤسف أن المواثيق والتوصيات التي صدرت عن مؤتمرات حماية البيئة، لم تتطرق إلى هذه العوامل المهمة، إن الرقابة الوحيدة التي يمكن أن تلازم الإنسان في كل زمان ومكان هي رقابة الضمير والقانون الوحيد الذي نضمن له الاحترام والتطبيق هو القانون الإلهي" [6].
[1] الحجر الآية 18.
[2] الروم الآية 41.
[3] الأنبياء الآية 30
[4] رواه البخاري في كتاب الوضوء
[5] رواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب.
[6] عبد الله هلال. الإسلام والبيئة . مجلة منبر الحوار. العدد 23 / 24 ، 1994.