تنمية مبدأ الشفافية كأحد أهم أدوات الرقابة الذاتية فى حوكمة المنظمات العصرية .
* أحمد السيد كردى
أولا:- مفهوم الشفافية .
مبدأ الشفافية من الأدوات الهامة فى حوكمة الأداء لمنظمات الأعمال , وهى مطلوبة من الأفراد فى تقديم تقرير عن الأداء وكذلك المنظمات فى تقديم الصوره الواضحه الكاملة والحقيقية للمتعاملين معا والمساهمين فيها , فهو مبدأ عام يشمل كل المستويات داخل التنظيم , وله تأثير فعال على البنية الإجتماعية والإقتصادية ....
ويقصد بالشفافية " مبدأ خلق بيئة تكون فيها المعلومات المتعلقة بالظروف والقرارات والأعمال الحالية متاحة ومنظورة ومفهومة وبشكل أكثر تحديد ومنهج توفير المعلومات وجعل القرارات المتصلة بالسياسة المتعلقة بالمجتمع معلومة من خلال النشر في الوقت المناسب والانفتاح لكل الأطراف ذوي العلاقة ..
والمسؤل عن الشفافية يجب أن ينأى بنفسه عن مقاربة دوائر الشبهات عموما والمالية خاصة ويبعد تماما عن كل ما يمس أمانتة ويخدش كرامته من تصرفات مادية ومعنوية ويكون ذو شفافية فى كل ما يقدمه من معلومات صادقة للمستفيدين منفتحا لكل من يطرق بابه ويعكس الصورة الشفافة للمساهمين فى بناء الكيان التنظيمى .
والشفافية من المبادىء الهامة فى تحقيق الحوكمة لمنظمات الأعمال العصرية , و هذه الشفافية تعني الصدق والأمانة والدقة والشمول للمعلومات التي تُقدَّم عن أعمال المنظمة للأطراف الذين لا تمكنهم ظروفهم من الإشراف المباشر على أعمال المنظمة التي لهم فيها مصالح للتعرف إلى مدى أمانة وكفاءة الإدارة في إدارة أموالهم، والمحافظة على حقوقهم وتمكينهم من اتخاذ القرارات السليمة في علاقاتهم بالشركة،
ولسنا في حاجة إلى التأكيد على موقف الإسلام من قيم الصدق والأمانة والحث عليهما بشكل عام، حيث جاءت الأنظمة والتشريعات بحوكمة الشركات من أجل تنظيم وترتيب أمورها، ويعد حفظ الحقوق من أهداف الحوكمة الأساسية وغيرها من المبادئ النبيلة، ومما هو معلوم أن الدين الإسلامي يدعم كل ما هو وسيلة إلى الخير شرط ألا تخالف الشرع فإن الغايات لا تبرر الوسائل، ويكاد يجمع الباحثون والكاتبون حول حوكمة الشركات أنها تقوم على أربعة أسس رئيسة هي العدالة وتحديد المسؤولية بدقة والمسائلة والمحاسبة وأخيرا الشفافية (الصدق والأمانة).
ومن المنظور الإسلامي، فإن تحديد المسؤولية بدقة أمر مهم وقد حددتها الشريعة بشكل دقيق، ويساند ذلك عند الفرد المسلم الدافع الديني لأن أيّ مسؤولية يتحملها المسلم بناء على تعاقد مع غيره لا يكون مسؤولا فقط أمام من تعاقد معه إنما هو مسؤول أولاً أمام الله، عزّ وجل، الذي أمر بالوفاء بالعقود.
وأما المساءلة فقد وضعت الشريعة الإسلامية في تنظيمها لعقود المعاملات أسسًا لمحاسبة كل طرف على مدى التزامه بأداء ما عليه من واجبات في العقد, وقررت عقوبات حاسمة لمن يخلّ بها، والأمر لا يقتصر على الجزاء الشرعي أو الإداري أو القضائي، بل يستشعر المسلم الجزاء من الله، عز وجل، خاصة في الحالات التي يتمكّن فيها الإنسان من الإفلات من رقابة البشر والعقوبات الإدارية. والمساءلة التزام بالعدل وقول الحق ، والعدل يمنح العاملين الثقة ، وينزع من نفوسهم مخاوف الخطر والتهديد ، لتحل محلها مشاعر الاطمئنان والهدوء والثقة بالنفس ,
أن المجتمعات تعاني من ظاهرة الفساد بسبب غيبة الرؤية وتداخل القضايا بل وازدواج النظرة أحيانا , وغياب الرقابة الذاتية , وأن الثقافة المجتمعية من الأسباب المؤدية لظاهرة الفساد وأن علاج الفساد يكمن في التركيز على الإصلاح الاجتماعي وتنمية الشفافية والنزاهة والمسؤلية وليس مجرد التوقف عند الإصلاح الاقتصادي لأن – من وجهة نظره – المناخ العام في كل مجتمع هو الذي يحدد درجة تقبله للفساد من عدمه ويطرح أيضا أسلوب مواجهته سواء تم ذلك بالطرق القانونية أو الجهود الثقافية .
ثانيا:- المتطلبات الأساسية للشفافية الإدارية .
1- الالتزام بالانفتاح ، والشفافية ، والأمانة ، والمسؤلية الفردية والجماعية فيما يتعلق بالمنظمة ورسالتها ، وسياستها ، ونشاطاتها على المستويات الإدارية كافة ، بشكل يسمح بمساءلة جادة للمنظمة وللعاملين بها فيما يتعلق بمعاملاتها كافة ومع الأطراف ذات العلاقة .
2- العمل ، ضمن اجراءات واضحة ومعلنة ، على تبني مواقف ذات علاقة بسياسات المنظمة المالية والتنموية ، ومواقفها من السياسات العامة ، ضمن سياسات اخلاقية صريحة توجه الخيارات الاستراتيجية .
3- الالتزام بسياسة واضحة للنشر تتضمن حفظ وتوثيق كل ما يتعلق ببناء المنظمة وعملها ، من خلال إصدار قرارات مجلس إدارة أو لوائح واجراءات مصادق عليها واضحة فيما يتعلق بنشر المعلومات الشفوية والكتابية أو المخزنة الكترونيا .
4- التعهد بتوفير المعلومات الصحيحة للجمهور العام بأعلى مستوى من الدقة وذلك بتخصيص دائرة أو وحدة ، أو شخص على الأقل ، للقيام بهذه المهمة لتوفير قناة اتصال المؤسسة بالجمهور ، واتخاذ الإجراءات التي تضمن حفظ السجلات والمعلومات التي تتعلق بعمل المؤسسة بما يضمن دقة المعلومات والأمانة وسهولة عملية عرض المعلومات وتحليلها وتقديمها لطالبيها وفق اجراءات واضحة ومنظمة
5- التعهد بالمحافظة على سرية المعلومات الشخصية المتعلقة بشؤون الموظفين والعملاء ما لم يتنازل الأشخاص المعنيون عن هذا الحق أو يتطلب القانون كشف هذه البيانات .
6- تبني اجراءات مكتوبة ومعلنة تحمي الموارد البشرية في المنظمة ، من الممارسات غير المهنية ، بما فيها أسس التوظيف ، والتقييم والتدريب والترقيات وسلم الرواتب ، وآلية اختيار المستفيدين ، وشبكة علاقاتها .
ثالثا:- طرق دعم وتحسين الشفافية .
وهناك عدة أساليب وإجراءات لتحسين رفع مستوى الشفافية في أداء الوحدات الإدارية طالما توافرت الإرادة الحقيقية لتحقيق ذلك لدى المنظمات المعنية ، ونبرز أهمها فيما يلي : -
1- دعم وتطوير النظام القانوني بالمنظمة والعمل على القيام بالدراسات المقارنة والتوصيات بإصدار قوانين جديدة بشأن محاربة للفساد وتضمن المزيد من الشفافية وضرورة تطوير آليات واضحة يتم بمقتضاها تطبيق تلك القوانين من خلال الجهاز القضائي الفعال
2- تكوين لجان للنزاهة في المنظمات المختلفة ، وذلك من خلال تنمية الممارسات الإدارية الأخلاقية والالتزام بالقيم في أداء الوظائف المختلفة ، كما تهدف هذه اللجان إلى التغلب على المشاكل المالية والتصدي لها في حال حدوثها بالإضافة إلى معالجة الحالات التأديبية المختلفة ، وكذلك حالات سوء استخدام السلطة والفساد الإداري .
3- تنمية القيم الدينية والتركيز على البعد الأخلاقي في محاربة الفساد وذلك لأن معظم حالات الفساد تتم بسرية وبطرق عالية المهارة فيكون من الصعب وضع تشريعات وقوانين تقضي على أنماط الفساد بصورة تامة في ظل هذه السرية واستغلال التقدم التقني في تغطية الفساد ، وبذلك يتضح جلياً دور القيم الدينية في مكافحة الفساد والقضاء عليه ، فلا شك أن القيم الدينية في جميع الديانات السماوية تدعو إلى الفضيلة والالتزام بالأخلاق في جميع نواحي السلوك البشري ، ويقوم جوهر تلك القيم على فرض رقابة ذاتية على الفرد في كل أعماله ، ففي حال التزام كل فرد بهذه الرقابة الذاتية والتي تقوم على الخوف من الله سبحانه وتعالى فأن ذلك يعد الأسلوب الأمثل لمنع حدوث الفساد بكل صوره وأنواعه .
4- تهيئة بيئة عمل صحية حيث تقوم بيئة العمل الصحية على ثلاثة محاور هي أرضاء العاملين المتابعة الموضوعية ، وبث روح الجماعة ، فلا شك أن الموظف الذي يتحقق له الرضاء الوظيفي سوف يكون أكثر حرصاً من غيره على الالتزام بالممارسات الإدارية السليمة والابتعاد عن الممارسات الفاسدة ، كما أن المتابعة المستمرة لأداء العاملين في المراحل المختلفة تساعد على اكتشاف الانحرافات أولاً بأول قبل تفاقم تلك الانحرافات ، وكذلك التزام العاملين داخل مؤسسة معينة بروح الجماعة والعمل معاً كفريق واحد يكون من الصعب معه انتشار الفساد فيما بينهم .
5- دراسة وتطبيق آليات المكاشفة والمصارحة من خلال التأكد على التزام موظفي القطاع الحكومي بمسؤولياتهم عن نشر المعلومات للمواطنين عبر آليات منظمة قانوناً والرد على استفساراتهم .
6- تنمية وعي العاملين والمتعاملين معهم بمختلف أشكال الفساد ومعرفة الأدوات والأساليب اللازمة للمكافحة وأهمية بناء الشفافية في الأنظمة الإدارية والمالية وكذلك فوائد تطبيق قيم الشفافية والنزاهة ونظم المحاسبة في محاربة الفساد .
رابعا:- الشفافية فى الرقابة الذاتية .
الشفافية مطلوبة عند تطبيق عملية الرقابة الذاتية , فهى محصله لنتاج الأعمال , بعد ما يتم التقييم الذاتى وتصحيح الأخطاء ذاتيا لزم الأمر من تقديم تقرير بنتائج الأداء المتوازن مع المقاييس والأداء الموضوعة والذى سيرفع إلى المسؤلين فى الإدارة العليا وهذا التقرير يجب أن يكون مدعوما بالشفافبة ,
ونظرا لزيادة الثقة بين الفرد والإدارة وتغير نظرة الإدارة نحو موردها البشري، تلك النظرة المبنية على القدرة والكفاءة والانتماء، الأمر الذي أدى إلى زيادة حماس الأفراد ودافعيتهم نحو تحسين وتطوير الأداء، بالإضافة إلى العمل الجماعي والمشاركة الأمر الذي قلل من أهمية الرقابة الإدارية وتراجعها وزيادة دور الرقابة الذاتية النابعة من قيم الفرد ومدى إحساسه بالانتماء وارتباط المصالح الشخصية مع المصالح العامة.
واتجاه الدول الحديثة لتقوية الرقابة الذاتية , حيث أن كثيرا من الدول ليس لها معايير أخلاقية سماوية فقد اتجهوا إلى إنشاء ميثاق لأخلاق العمل، وقد أكدت دراسة صادرة عن الأمم المتحدة أن وجود ميثاق لأخلاق العمل يعتبر من الوسائل الوقائية المهمة لمحاربة الفساد في الدول النامية .
ويؤكد بعض الباحثين أنه لا بد من غرس القيم الأخلاقية للموظفين وتنمية الرقابية الذاتية من خلال غرس تلك القيم في التعليم العام، ومن خلال التدريب المتواصل .
وقد كثرت الدعوات من قبل المختصين في الإدارة في الدول الغربية إلى استخدام القيم والعادات التي تحث على الالتزام، وهو ما يطبق عليه : أسلوب استخدام القيم في التحكم في السلوك الإنساني (Ethics as Behavior Control)، ويدخل في ذلك مواثيق العمل وأخلاقيات المهنة .
والمتتبع لحركة التطوير الإداري في المنظمات الإدارية الغربية يلاحظ أنها نجحت في إحداث نقلة نوعية وكمية في مستوى الإنتاج من خلال تنمية المهارات الإنتاجية للعاملين وإدخال الأساليب والمعدات التكنولوجية الحديثة لكن هذه المنظمات لا تزال عاجزة عن مكافحة الفساد الإداري ولذلك فلا تستطيع الأجهزة الرقابية الداخلية أو الخارجية اكتشافه أو ضبطه لأن ذلك يتعلق بضمائر العاملين حين يقبلون الرشوة ويمارسون المحسوبية ويسيئون إلى جهود الخدمة ويستقلون الوظيفة العامة والمال العام .
ولذلك فإن التشريع الإسلامي قد أهتم بهذا الجانب من السلوك الإنساني حيث أعتبر أن الشفافية هى مراقبة الله في القول والعمل وفى السر والعلن , وهي أعلى درجات الإيمان وهي من كمال الإحسان.
**************************