إن التخطيط الإداري هو عملية تحديد الأهداف وتطوير الاستراتيجيات وتحديد الخطط الفرعية وتخصيص الموارد اللازمة لتحقيق هذه الأهداف بكفاءة وفعالية. ويتميز التخطيط الإداري بأنه يوفر إطاراً لاتخاذ القرارات وإدارة المخاطر وتوجيه العمليات الإدارية.
تعد عملية التخطيط الإداري جزءاً أساسياً من إدارة المنظمات وتساهم في تحسين الأداء وزيادة الإنتاجية والكفاءة. وتتضمن عملية التخطيط الإداري أيضاً تحديد الأهداف الاستراتيجية والتكتيكية وتطوير الخطط الفرعية وتوزيع المهام وتخصيص الموارد وتحديد الجدول الزمني للإنجاز.
إن العمل بدون خطة يصبح ضربًا من العبث وضياع الوقت سدى، إذ تعم الفوضى والارتجالية ويصبح الوصول إلى الهدف بعيد المنال.
وتبرز أهمية التخطيط أيضًا في توقعاته للمستقبل وما قد يحمله من مفاجآت وتقلبات حيث أن الأهداف التي يراد الوصول إليها هي أهداف مستقبلية أي أن تحقيقها يتم خلال فترة زمنية محددة قد تطول وقد تقصر، مما يفرض علي الإنسان عمل الافتراضات اللازمة لما قد يكون عليه هذا المستقبل وتكوين فكرة عن ما سيكون عليه الوضع عند البدء في تنفيذ الأهداف وخلال مراحل التنفيذ المختلفة وهم: الرؤية، الأهداف، الوسائل، الجدول الزمني، توزيع الأدوار، وأخيراً، متابعة الخطة.
ويعرفه ألبرت وترستون [Albert Waterston] بأنه: "عملية ذهنية منظمة لاختيار الوسائل الممكنة لتحقيق أهداف محددة"، التخطيط إذًا مجموعة من العمليات المترابطة ماديًّا وبشريًّا، يكون بدايته النظرة الفاحصة والمتعمقة للمستقبل، والتنبُّؤ بأحداثه ومستجداته في مجال موضوع محدد، وذلك من خلال التوجيهات والسياسات التي تصدر من قِمَّة الهرم الإداري، وحساب التقديرات والحقائق الواقعية القائمة.
وتتطلب عملية التخطيط الإداري دراسة متعمقة للبيئة المحيطة بالمنظمة وتحليل للتحديات والفرص المتاحة والتنبؤ بالتغييرات المحتملة في المستقبل.
بشكل عام، يمكن القول أن التخطيط الإداري هو عملية متكاملة تتضمن الكثير من العوامل والمتغيرات وتتطلب خبرة ومعرفة واسعة في مجال الإدارة. وهي عملية مستمرة ويجب أن تتبع باستمرار وتحديث حسب الاحتياجات والتغييرات المستمرة في البيئة المحيطة بالمنظمة.
أما مفهوم التخطيط في الإدارة الإسلامية فيُعَدُّ التخطيط ضرورةً من ضرورات الحياة للإنسان، وذلك بسبب خوفه المستمر من المجهول، والأخطار، والكوارث التي تحدق به، لذا حتَّمت عليه الظروف توخي الحيطة والحذر لمواجهة ذلك المجهول، فبدأ يُخطط لنشاطاته المختلفة، للتغلُّب على ذلك المجهول وما يتعلق به من متغيرات وتقلبات في ظروف البيئة الطبيعية التي يعيش فيها، من تعاقب الليل والنَّهار، وتتابع الفصول الأربعة صيفًا وشتاءً، وربيعًا وخريفًا، لذا فالإنسانُ يَهدف بالتخطيط إلى تنظيم شؤون حياته، ولتطويع المستقبل المجهول لأهدافه وأغراضه.
ولقد اهتمَّت الحكومات والمنظَّمات بالتخطيط كوسيلة للتحكم في ظروف المستقبل، لتسخيرها لمشروعاتِها وأهدافها عن طريق تَحديد الأهداف، ووضع السياسات، وتصميم البرامج، وتحديد الخطوات والإجراءات والقواعد في إطار زمني محدد، فالتخطيط يُساعد على عدم ترك الأمور والأحداث لعامل الصُّدفة أو الصواب والخطأ، وقبل أن نُحدد مفهومَ التخطيط في الإدارة الإسلامية، سنعرض هنا بعضَ تعريفات مؤلفي الإدارة الغربيين على اختلاف أفكارهم ومدارسهم، حيث يعرفه [هايمان] بأنه: "تحديد سابق لما سيتم عمله، وتحديد لخط سير العمل في المستقبل، يضم مجموعة منسجمة ومتتابعة من العمليات، بغرضِ تَحقيق أهداف معينة".
إنَّ العالَم الإسلامي في مُختلف مراحله وعصوره قد شهد أنواعًا كثيرة من التخطيط، اشتمل على جميع عناصر التخطيط الحديثة من حيث الإعداد والتنفيذ، شاملاً جميعَ نشاطات الدولة الإسلامية، وهو تَخطيط لا يَختلف كثيرًا عن التخطيط المعاصر إلاَّ في نواحي قليلة، مثل: حجم الخطة، والوسائل والأدوات.
وما يُميز التخطيط الإسلامي للسياسات العامَّة والمبادئ التي تستند إليها الدولة الإسلامية، هو أنَّ الله سبحانه وتعالى مبدعُه وواضعه، ورسول الله . ﷺ . وخلفاءه هم مَن يقوم بتنفيذه، وفيما يلي عرض لماهية التخطيط وصوره في القرآن الكريم والسنة النبوية.
المعنى اللغوي: يقول ابن منظور: الخط الطريقة المستطيلة في الأرض، وخط بالقلم: كتب، والتخطيط أي التسطير، والخِطَّة بكسر الخاء أي الأرض والدار يخطها الرجل، يحتجزها ويبنى فيها. والخُطَّة بالضم هي شبه القصة والأمر، وفى حديث الحديبية:” لا يسألوني خُطَّة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ” وفى حديثها أيضاً: ” إنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ” أي أمرأ واضحاً في الهدى والاستقامة، وفى رأسه خطة أي أمر ما، وقولهم: خطة نائية أي مقصد بعيد.
المعنى الاصطلاحي: هو منهج إنساني للعمل يستهدف اتخاذ إجراءات في الحاضر ليجني ثمارها في المستقبل.
أمَّا مفهوم التخطيط الإداري في الإسلام، فيعرفه الدكتور فرناس عبدالباسط بأنه: "أسلوب عمل جماعي، يأخذ بالأسبابِ لمواجهة توقعات مستقبلية، أو يعتمد على منهج فكري عقدي يؤمن بالقدر ويتوكل على الله، ويسعى لتحقيق هدفٍ شرعي، هو عبادة الله وتعمير الكون"، ويرى الدكتور حزام المطيري أنَّ هذا التعريف يُلغي الدورَ الفردي في التخطيط، لهذا يورد تعريفًا آخر أكثر شمولية، فيقول: إنَّ التخطيط الإسلامي هو "التفكير والتدبر بشكل فردي وجماعي في أداء عمل مستقبلي مشروع، مع ربط ذلك بمشيئة الله تعالى ثم بذل الأسباب المشروعة في تَحقيقه، مع كامل التوكل والإيمان بالغيب فيما قضى الله وقدره على النتائج".
أخيراً، يمكن القول بأن التخطيط الإداري في الإسلام يعد مفهومًا مهمًا يساعد في تحقيق الأهداف والمبادئ الإسلامية، ويساعد في تحسين الكفاءة والإنتاجية والعدالة والشفافية في المنظمات الإسلامية. يمكن أن يساعد التخطيط الإداري في الإسلام المسلمين على تحقيق أهدافهم وتنظيم حياتهم اليومية وأعمالهم بطريقة مرتبة ومنظمة. ويمكن تحقيق هذا الهدف عن طريق تطبيق مبادئ التخطيط الإداري الإسلامي في المنظمات الإسلامية والشركات والمؤسسات المختلفة، والعمل على تحقيق الأهداف المحددة بطريقة شفافة وعادلة. وبالتالي، يجب على المسلمين أن يولوا اهتمامًا كبيرًا للتخطيط الإداري وتطبيقه بطريقة صحيحة في جميع المنظمات الإسلامية