القنبلة النووية الإسرائيلية

مقدمة :

ظلت ولفترة طويلة من الزمن حقيقة امتلاك الكيان الصهيوني للقنبلة النووية يشوبه الكثير من الغموض والتناقض والتضارب في الآراء والتحاليل،حيث أن العديد من التساؤلات التي كانت تشغل الرأي العام والخبراء حول المشروع النووي الإسرائيلي هي: هل الكيان الصهيوني امتلك فعلا السلاح النووي؟ أم أن الإمكانيات لديه جاهزة ولكنها مفككة وتحتاج فقط لمدة زمنية قصيرة جدا لتركيبها واعادة تجميعها؟
و يرجع السبب الرئيسي لتلك التساؤلات في طبيعة السياسة الأمنية الصامتة التي انتهجها الكيان الصهيوني حول مشروعه النووي ومنذ بداياته بإدخاله إلى الطوابق السفلية. وبمعزل عن كل الهيئات الرسمية والدولية سلك المشروع النووي الإسرائيلي طريقه ، ولم يستطع أحد حتى الآن الوقوف بالكامل على حقيقة الترسانة النووية لإسرائيل ، و يعتقد العديد من الخبراء النوويون والمراقبون أنها تفوق تقديراتهم.
وقد أنجز الإسرائيليون مشروعهم النووي عبر العديد من المراحل التقنية وأشكال التعاون مع الدول الكبرى التي مكنته في النهاية من امتلاكه للسلاح النووي الذي أصبح الآن حقيقة واقعة.

التعاون الأميركي - الإسرائيلي في المجال النووي :

بدأ التعاون في المجال النووي بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركيه منذ العام 1955 ، وحسب ما ذكر بيتـر براي في كتابه الهام " الترسانة النووية الإسرائيلية"  والذي ذكر فيه أن الرئيس الأميركي ايزنهاور قام بإشراك الكيان الصهيوني في برنامجه النووي الذي حمل اسم )الذرة من أجل السلام) ، وهو مشروع مساعدة أجنبية أميركية للتخفيف من مشكلة الطاقة بالاستفادة من الطاقة النووية، و قدمت أميركا لإسرائيل أول مفاعل نووي، هو مفاعل ناحال سوريك الذي يقع قرب شاطئ المتوسط جنوب تل أبيب وتم تشغيله في العام 1960 بطاقة تقدر بحوإلى1 ميغا واط ثم زيدت طاقته في العام 1969 لتصل إلى 5 ميغا واط، واستعمل في هذ1 المفاعل اليورانيوم المخصب بنسبة 90 في المئة ، وكشفت تقارير نشرت في العام 1974 عن خطة أعلن عنها شمعون يفتاح وهو من كبار علماء الذرة الصهاينة لزيادة طاقة مفاعل سوريك إلى 10 ميغا واط ، واستبعد العديد من الخبراء أن يكون لهذا المفاعل القدرة لصناعة الأسلحة النووية نظراً لأنه ينتج البلوتونيوم من اليورانيوم 238، وذلك يعني أن المادة المنتجة هي غير قابلة للانشطار، إلا أن بيتر براي يؤكد أنه باستطاعة هذا المفاعل أن ينتج أسلحة نووية بسهولة , و ذكر أنه في الفترة الواقعة ما بين 1960-1966 وافقت أميركا علي تزويد إسرائيل بخمسين كيلوغراما من اليورانيوم 235 بخلوص 90 في المئة لتزويد مفاعل ناحال سوريك بالوقود الذري، وأن هذه الكمية تكفي لصناعة عدة قنابل انشطارية، وقد زودت أميركا إسرائيل بالخبرات العلمية وفتحت أبواب مراكزها النووية لتأهيل كوادرها حيث في العام 1960 تم تدريب أكثر من 56 كادراً إسرائيليا على إدارة المفاعلات ، وتم فعلاً تدريبهم في مركز البحوث المسمي مختبـر أرغون الوطني أو أرغون فوريست، ومركز البحوث في أوكريدج، وهما منشأتان نوويتان هامتان تابعتان لهيئة الطاقة الذرية الأميركية  ، وزودت أميركا إسرائيل بمـجموعة كبيرة من المطبوعات العلمية - منذ أوائل الخمسينات - والتي شملت على أكثر من 6500 تقرير عن البحوث النووية التي قامت بها أميركا ، ومن المؤكد أنه كان لمفاعل سوريك أهمية كبيرة في مساعدة الكيان الصهيوني لتطوير الأبحاث والتجارب في المجال النووي حيث اعتبر هذا المفاعل النواة الأولى للبنيه التحتية للمشروع النووي الإسرائيلي .

التعاون الفرنسي -الإسرائيلي في المجال النووي  :

قد بدأ هذا التعاون منذ العام 1953 و حتى العام 1967 ، وفي ظل حكومتي جي موليه وشارل ديغول في فرنسا أسفر هذا التعاون في امتلاك الكيان الصهيوني لمفاعل ديمونا، ومن وجهة نظر الدكتور خليل الشقاقي الخبيـر الاستراتيجي في الشؤون الأمنية الإسرائيلية والمنشورة في دراسته (الردع النووي في الشرق الأوسط) أن مفاعل ديمونا هو أهم منشأة نووية إسرائيلية ، وتم البدأ في تشغيل هذا المفاعل في كانون الأول/ ديسمـبر 1963 ، وتقدر طاقته بـ 26 ميغا واط مما يعطيه القدرة على انتاج حوالي 8 كيلوغرام من البلوتونيوم سنويا تكفي لصناعة قنبلة نووية واحدة ، ووفقا للتقارير الصادرة في عام 1980 فقد تم زيادة طاقة الانتاج القصوى في مفاعل ديمونا في السبعينات إلى حوالي 70 ميغا واط ، ولكن حسب اعترافات التقني الإسرائيلي موردخاي فانونو الذي عمل لمدة عشر سنوات في مركز الأبحاث النووية في ديمونا وكان قد هرب من اسرائيل و اختطفته المخابرات الإسرائيلية (الموساد) في ايطاليا العام 1986 ، ويقضي الآن مدة حكم 18 عاما بتهمة افشائه أسرار عسكرية فقد أكد "بأن إسرائيل قد أنتجت حوالي مئة قنبلة نووية وأن مفاعل ديمونا ينتج أربعين كيلو غرام من البلوتونيوم سنوياً" ويذكر خبراء الطاقه النووية أن 8 كيلوغرام من البلوتونيوم تكفي لصناعة قنبلة نووية واحده بقوة 20 كيلو طناً من المتفجرات واستناداً إلى معلومات المهندس الإسرائيلي فانونو فإن ناتج مفاعل ديمونا يبلغ أربعين كغـم بلوتونيوم سنوياً، وهذا يعني أن الكيان الصهيوني يصنع سنويا خمسة قنابل نووية بقوة 20 كيلو طن، وتؤكد هذه المعلومات أيضا بأن طاقة مفاعل ديمونا تصل إلى 150 ميغا واط، ويعلق الدكتور خليل الشقاقي على ذلك بأنه من الصعب تطوير هذا المفاعل إلى هذا الحد بدون إعادة بناءه من جديد أو إيجاد وسائل تبريد مناسبة ، وقد ذكرت تقارير غير مؤكدة أن فرنسا زودت إسرائيل ببلوتونيوم 239 الصالح للاستعمال العسكري. ويقدر بيتر براي أنه حتى يناير 1984 أنتجت إسرائيل ما بين 10 و31 قنبلة نووية مصنوعة من البلوتونيوم، أما أرنولد كريمش وهو عالم أميركي ومستشار علمي لوزارة الخارجية الأميركية فقدر بأن لدى اسرائيل ما يكفي لصنع حوالي 15 قنبلة نووية هذا حتى العام 1984 ، و بقى مفاعل ديمونا محاط بأقصى درجات السرية حتى أن أعضاء البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) لم يسمح لهم بزيارة المفاعل ، وكان يحال موضوع مناقشته في الكنيست إلى لجنة الشؤون الخارجية الأمنية شبه السرية التابعة للكنيست.

مصادر الوقود الذري الإسرائيلي وطرق الحصول عليها:

إضافة لما أشرنا اليه سابقاً بأن إسرائيل قد حصلت على كميات هامة من البلوتونيوم من فرنسا وأميركا بشكل رئيسي، واستطاعت أيضاً التعاون في هذا المجال مع دول أخري مثل جنوب أفريقيا ، الأرجنتين، ألمانيا الغربية وتايوان والتعاون الإسرائيلي مع جنوب أفريقيا لم يعد سراً بعدما انكشفت ملفاته على أثر التغيير السياسي فيها ، و كشف عزيز باهاد نائب وزير خارجية جنوب أفريقيا الحالي في مقابله أجرتها معه صحيفة هآرتس الإسرائيلية الصادرة في 20/4/1997 بأن "إسرائيل ساعدت نظام بريتوريا على تطوير برنامجه النووي في الفترة ما بين 1980 -1985 ، و اتسم هذا التعاون بالسرية وأتلف الكثير من الوثائق ، وقد كان البروفيسور الإسرائيلي ديفيد أرنست برغمان هو المسؤول عن هذا التعاون ، وتلقت إسرائيل مقابل هذا حوالي 500 طناً من اليورانيوم الطبيعي التي استخدمت في مفاعل ديمونا"  ، و على إثر تفكك الاتحاد السوفيتي السابق نشطت عصابات المافيا التي تاجرت بالمواد المشعة وحصلت عليها من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق مثل كازاخستان، أوكرانيا، روسيا وغيره، و تم سرقة وبيع فعلي لأكثر من 30 كغ يورانيوم مخصب ، وتم ضبط أكثر من 500 كغ يورانيوم ومواد مشعه أخرى ، حيث تراوحت أسعار اليورانيوم العالي التخصيب والمستخدم في الأغراض العسكرية ما بين 200000 -500000 دولار أميركي لكل كيلوغرام، وبلغ في الأسواق الغير رسميه أضعاف ذلك ، وقد فتح هذا الانفلات والتسيب في جمهوريات آسيا الوسطى أبواباً أمام الكيان الصهيوني للحصول على المواد المشعة ، إما بالاتفافات السرية مع هذه الدول ، أو بالتعاون مع عصابات المافيا النووية.وهناك طرق غير شرعية - سطو، سرقة، رشوة- قد استخدمتها إسرائيل للحصول على اليورانيوم ، وتم تسجيل العديد من الوقائع في هذا المجال نكتفي بذكر بعض منها على سبيل المثال لا الحصر، ففضيحة(بلومبات) التي حصل فيها الكيان الصهيوني على الكعك الأصفر(أوكسيد اليورانيوم ) من بلجيكا بطريقة غير شرعية ، وكذلك فضيحة (نيوميك) وهي شركة أمريكية للتجهيزات النووية سرقت إسرائيل منها وبالتواطؤ مع بعض مسؤوليها كمية من اليورانيوم تكفي لتشغيل مفاعلاتها سبع سنوات على الأقل ، وفي أبريل 1977 " أتهم بول ليفنتال الذي كان من الموظفين التابعين للجنة عمليات الحكومة التابعة لمجلس نواب الولايات المتحدة الأمريكية بأن كمية مئتي طن من ركاز اليورانيوم قد اختفت ومن المؤكد أنها سلمت لإسرائيل "، ناهيك عن عشرات حوادث الرشوة والتواطؤ والاحتيال التي مارسها الكيان الصهيوني للحصول على اليورانيوم أو البلوتونيوم أو غيرها من المشتقات الصالحة للاستعمال في الأغراض العسكرية النووية ، وحاول الكيان الصهيوني تطوير تجاربه وأبحاثه للحصول على الوقود الذري (المادة الانشطارية) ، ففي عام 1953 أصبح لدى إسرائيل القدرة على انتاج الماء الثقيل واليورانيوم المغنّى ، و قام العلماء النوويون الإسرائيليون بإجراء العديد من البحوث على الخامات مثل معالجة الفوسفات ، واستعمال فلوريد النشادر ، واغناء اليورانيوم بأشعة الليزر وغيرها من البحوث ، وتمتلك إسرائيل منشأة لفصل البلوتونيوم عن الوقود النووي المشع - معالجة البلوتونيوم - وأكدت مصادر مختلفة ذلك منها "الوكاله الدوليه للطاقه الذريه " IAEAو"معهد استوكهلم الدولي لبحوث السلامSIPRI  ".

ونشرت نيويورك تايمز في عددها 19/ 7/ 1970 " أن إسرائيل تمتلك منشأة لفصل البلوتونيوم زودتها بها فرنسا وساعدتها في انشاءها، وقد اتفق الطرفان علي ترتيبات تحقق لإسرائيل عملية الفصل"، وهذا ما أكده شهادة فانونو ، بأن فرنسا قد بنت لإسرائيل معملاً لفصل البلوتونيوم عند بنائها مفاعل ديمونا.

نظم إيصال السلاح النووي الإسرائيلي :

تمتلك إسرائيل حالياً عدداً مهماً من الطائرات ذات الأداء العالي والقادر على حمل رؤوس نووية، ففي العام 1966 حصلت من أميركا على 48 قاذفة قنابل سكايهوك أي - 4 والتي يبلغ مداها حتى 3000 ميل وتبلغ حمولتها 800 رطل، وفي العام 1968 حصلت أيضا على مقاتلة قاذفة من طراز فانتوم 2 اف-4 مزودة بمرجع ارتفاع عمودي وجهاز حاسبة الكتروني للقذف يعرف باسم (اي جي بي- 7) مصمم للاستعمال في مهام الضربات النووية ، وهناك عدد آخر من الطائرات الحديثة والقادرة على حمل رؤوس نووية استلمتها إسرائيل في الثمانيات مثل (كفير سي - 2)، (اف 15 ايغل) و (أن - 16 فالكون) ، ويتراوح مدي الطائرات الإسرائيلية بين حوالي 750 إلى 2000 كم، و يوجد لدى إسرائيل مـجموعة من صواريخ "لانس" قصيرة المدى، وذكرت تقارير عديدة شبه مؤكدة أن إسرائيل قد أنتجت صاروخي أريحا قصير المدى، وأريحا-2 متوسطة المدى القادرين على حمل رؤوس نووية ، ويبلغ مدى صاروخ "لانس" 120 كم  و صاروخ أريحا 480كم، وصاروخ أريحا - 2 حوالي 1450كم.

حقيقة الترسانة النووية الإسرائيلية :

ورد في صحيفة صانداي تايمز في عددها الصادر بتاريخ 5/10/1986 "أن فريق التبصر التابع لهذه الصحيفة أتصل بخبراء في الطاقة النووية للتحقق من صحة شهادة التقني فانونو، لأن هذه الشهادة لا تكشف أن إسرائيل تمتلك القنابل النووية فحسب ولكنها تبين أيضا أنها أصبحت دولة نووية كبرى، وذكرت الصحيفة أن شهادة فانونو والصور التي وفرها وتفحصها الخبراء النوويون تؤكد أن إسرائيل أصبحت سادس قوة نووية في العالم بعد أميركا،روسيا ،الصين ، بريطانيا وفرنسا" ، و نشرت مجلة جينز انتلجنس ريفيو المتخصصة في المسائل الدفاعية في عددها الصادر بتاريخ 15/11/1994 في لندن أن إسرائيل لديها سبعة منشآت نووية وتمتلك 200 سلاح نووي، و أوردت المجلة مجموعة من المعلومات التي لم تنشر من قبل تظهر حجم المنشآت النووية الإسرائيلية ، و استندت في معلوماتها إلى صور التقطتها الأقمار الصناعية التجارية الفرنسية والروسية لتحليل سبعة مواقع نووية وحددت أماكنها وطبيعتها كالتالي:
1-  والأكثر شهرة والذي كشف عن وجوده في العام 1986 المهندس الإسرائيلي فانونو، ويقع في ديمونا بصحراء النقب (جنوب)، ويحتوي على مفاعل نووي، ومصنع لإعادة معالجة البلوتونيوم، ولا تتيح الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية معرفة المزيد عن هذه المنشآت النووية نفسها والمحجوبة تماما عن الأنظار الخارجية بستار كثيف جدا من الأشجار.
2-  موقع سوريك (وسط غرب) ويطلق عليه اسم (لوس آلاموس ) الإسرائيلي وهو يضم منشآت للأبحاث النووية ومفاعلاً للأبحاث أمريكي الصنع.

3- موقع (بالميكيم) للتجارب الذي يبعد بضعة كيلومترات شمالا عن سوريك وهو مخصص لإجراء تجارب على الصواريخ النووية مثل "أريحا" .

4- موقع (يوديفات) الذي يبعد ثلاثين كيلو متر شرق حيفا ويستخدم هذا الموقع في تجميع وتفكيك الأسلحة النووية الإسرائيلية.

5- موقع (عيلبون) الذي يبعد عشرين كيلومتر إلى الشرق من (يوديفات) وفيه تخزن الأسلحة النووية التكتيكة.

6- موقع (بير يعقوب) على مقربة من مدينة الرملة وعلى بعد 35 كيلومتر شمال غرب القدس، وفيه يتم تصنيع صواريخ أريحا -2 النووية، وأوضحت المجلة أن الموقع يضم منشآت مهمة تحت الأرض.

7- موقع (كفار ذكريا) وتعتبر "جينز" هذا الموقع الذي تفوق مساحته العشرين كيلومتر مربع قلب نظام "الردع النووي الإسرائيلي" وتظهر الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية أنه مستمر بالتوسع ويتألف من خمسين تحصينا تحت الأرض يضم كل منها قاعدة لإطلاق صواريخ "أريحا - 2" و أقيم هذا الموقع الشديد الأهمية في وسط الدولة العبرية .
و كان لهجرة اليهود السوفيت بعد نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي السابق أثراً مهما في تطوير العديد من المجالات العلمية ومنها المجال النووي في إسرائيل، حيث مكنت هذه الهجرة من حقن الكيان الصهيوني بالكوادر العلمية والعسكرية ذات الخبرة والتجربة، وكشفت إيرا بن شتريت الناطقة باسم وزارة الاستيعاب والهجرة تفصيلات حول ثقافة اليهود السوفيت واختصاصاتهم بأن" من بين الذين وصلوا ما بين شهري يناير - أبريل 1990، كان عدد أصحاب المهن والخبراء 19975 شخصا وعدد الأكاديميين وأصحاب الشهادات العلمية 6629 شخصا وعدد المهندسين 3400 شخصا، إضافة إلى 5778 اختصاصيا تقنيا وفنانا ورساما وموسيقيا و797 ممرضة ، 2270 موظفا إضافة إلى 255513 عاملا مؤهلا.

إسرائيل تتبنى سياسة "الردع النووي" وتحارب "توازن الرعب" :

عند انفجار قنبلة نووية ينطلق حوالي 50 في المئة من قوة طاقة هذه القنبلة الانشطارية النووية على شكل موجة تدمير ونسف وتصادم ، بينما ينطلق حوالي 35 في المئة على شكل اشعاع حراري، وينطلق حوالي 15 في المئة على شكل اشعاع نووي، وقد نجحت إسرائيل في تصنيع أسلحة نووية تكتيكية ، و ذكر الدكتور خليل الشقاقي وبناء على حسابات علمية دقيقة بأن التدميـر الكامل للمراكز السكانية (الإسرائيلة) الرئيسية الثلاثة في تل أبيب والقدس الغربية وحيفا التي يبلغ مجموع مساحتها 141 كيلومتر مربع ومجموع سكانها 800 ألف نسمة حتى عام 1990 وداخل حدود المدن يتطلب 12 قنبلة نووية قوة الواحدة 20 كيلو طن ، كذلك فإن التدمير الكامل لمدن مصر الرئيسية الثلاث القاهرة والإسكندرية والجيزة التي تبلغ مساحتها حوالي 144 كيلومتر مربع وعدد سكانها حوالي 5ر11 مليون نسمة حتى عام 1990 سيتطلب حوالي 12 قنبلة نووية بنفس القدرة السابقة  وتستطيع الأسلحة التكتيكية ضرب أهداف تقع في مناطق محددة وقد أوجز خليل الشقاقي إمكان نجاح التهديد الردعي النووي في ثلاث نقاط (توفير أسلحة نووية ونظم ايصال تعطي الرادع المقدرة المؤكدة على معاقبة المهاجم، قد ينجح الردع طالما أن الطرفين لايمتلكان أسلحة استراتيجية ذات مقدرة هجومية تواجه الأسلحة الاستراتيجية للطرف الآخر، على الرادع صياغة تهديده النووي ثم ايصال ذلك التهديد إلى الطرف الاخر).

وهنا نود أن نشير إلى أن إسرائيل لم تعترف رسميا بامتلاكها السلاح النووي ولكنها تحاول الاستفادة من التيقن العالمي والإقليمي بأنها تمتلك هذة القدرة وتستثمره لفرض شروطها وتهديداتها لدول المنطقة ، و استراتيجية الأمن الإسرائيلي على المستوي العملي قائمة على الاستفادة من امتلاك السلاح النووي، ويعتقد الصهاينة بأن امتلاكهم لهذه الترسانة النووية قد يحقق لهم سياسة ردع تحفظ التوازن والانسجام الاقليمي في الشرق الأوسط عموماً والمنطقة العربية على الخصوص ، وأن مبدأ التفوق العسكري ، ومبدأ الردع والحرب الوقائية والاجهاضية سيساعدهم في رسم خريطة المنطقة  وفق مصالحهم.
أما فيما يخص "توازن الرعب" والذي يتمثل لدى قادة العدو العبـري بامتلاك أي من الدول العربية والإسلامية للسلاح النووي ويعتبرونه أيضا من الخطوط الحمراء، حتى لو كان ذلك النشاط النووي موجها إلى القضايا السلمية، ومارس الكيان الصهيوني ممارسات بشعة ومكشوفة في محاولة منه لمنع دول المنطقة العربية والإسلامية الاستفادة من التكنولوجيا النووية ، وهذا ما أكده البروفيسور الإسرائيلي يوفال نئمان عندما قال " بأن سياسة إسرائيل هي منع ظهور خطر حصول العرب على سلاح نووي ، وقد نجحنا في ذلك على مدى 38 عاماً ، وليس هناك سبب يدعونا للتخلي عن هذا الجهد ، فالمسألة تتطلب نشاط استخباراتنا"، وحركة الاغتيالات للعلماء العرب والمسلمين التي نفذتها أجهزة الموساد الإسرائيلي في معظم دول العالم تؤكد منطقهم وسياساتهم في هذا المجال، حيث قام الموساد في شهر 6/1980 باغتيال عالم الذرة المصري يحيى المشد في فرنسا الذي أسندت اليه مهمة الاشراف على المفاعل النووي العراقي ، وكذلك قيام الطائرات الإسرائيلية بضرب المفاعل العراقي "أوزيراك" في العام 1981 ، ثم محاولاتهم الحثيثة بالقيام بأعمال تخريبية ضد المنشآت النووية الباكستانية و التهديد بتوجيه ضربة عسكريه إلى إيران بحجة أنها يمكن خلال 8-15  عام أن تمتلك القدرة لتصنيع السلاح النووي ، وغيرها من الممارسات الإرهابية.
أما على المستوى الإعلامي والسياسي فإثارة موضوع القنبلة النووية الإسلامية إعلاميا وسياسيا واستثمارها في الدعاية لتعبئة الرأي العام الغربي تعتبر من أدوات الحرب الجديدة التي تستخدمها إسرائيل ، حيث تثير أقصى درجات المخاوف غير الموضوعية من هذا الخطر النووي المزعوم، للضغط على الدول العربية والإسلامية الرافضة لمنطق التعايش والاستسلام للواقع الإسرائيلي، وكمحاولة لوضع الحواجز والقيود وتكبيل هذه الدول والإبقاء على تخلفها بحرمانها من الحصول على أي شكل من أشكال التكنولوجيا ـ العراق نموذجا ـ في حين يسعى الكيان الصهيوني للحفاظ على تفوقه المطلق، وأيضا إعطاء المبررات لبقاء الدول الأجنبية في المنطقة والتي تحقق له المظلة السياسية والأمنية.

إسرائيل والاتفاقات الدولية المتعلقة بنزع أسلحة الدمار الشامل:

لم يوقع الكيان الصهيوني على المعاهدة الدولية للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل NPT ،التي تم الشروع بالعمل بها في العام 1970 ، وقد لوحظ في اجتماع الدول الأعضاء في المعاهدة التي عقدت في أبريل 1995 في نيويورك بوجود تباين وخلافات بين العديد من الدول العربية والإسلامية مع إسرائيل، التي أصرت على عدم توقيعها على هذه المعاهدة ، وقد تحدى عازر وايزمن رئيس الكيان الصهيوني لدي زيارته إلى القاهرة وقبل انعقاد القمة حيث أكد بأن "إسرائيل لن توقع على هذه المعاهدة حاليا" مما أثار حفيظة العديد من الدول الموقعة على هذه المعاهدة ، على الرغم من أن الموقف المصري حاول في البداية ربط توقيعه على المعاهدة بتوقيع إسرائيل عليها ، أو اخضاع منشآته للتفتيش إلا أن الموقف المصري والعربي أصيبا بخيبة أمل من موقف الادارة الأميركية التي مارست ضغوطاً لكي لا يتجاوز التصعيد المصري النقد والتعبير عن الاستياء ، مما أدى إلى فشل العرب لحشد إجماع قوي ، وكذلك تراجع الموقف المصري عن التعهد بجعل الموضوع النووي قضية حساسة في العلاقات العربية-الأميركية و المصرية- الأميركية.
إن الحقيقه الواضحة للعيان أن أميركا سعت دائماً إلى طمس قدرات إسرائيل النووية ، وإغلاق الباب أمام مناقشتها ، واتضح هذا السلوك الأميركي في قمة نيويورك لتجديد التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحه النووية ،ومن المؤكد أن الموقف الأميركي من امتلاك إسرائيل القدرات النووية لم يكن إهمالاَ بسيطاً فحسب " بل كان سياسة واعية تقوم على تجاهل الحقائق ، ولقد عرض الكاتب الإسرائيلي سيمور هرش في كتابه خيار شمشوم في دراسته الشاملة حول طريقة قيام إسرائيل بتطوير ترسانتها النوويه والموقف الأميركي من البرنامج النووي الإسرائيلي بما يؤكد ذلك"، وهناك احتمال أن ينبثق عن العلاقة الاستراتيجية الدافئة بين الكيان الصهيوني وأميركا سعي الأخيرة لتهيئة البيئة الدولية لقبول إسرائيل في مجموعة دول النادي النووي في مقابل التزام إسرائيلي بعملية التسوية مع العرب والفلسطينين حتى نهايتها وبهذا يتحقق المبدأ الإسرائيلي "الأمن مقابل السلام" ، وهذا المسعى الأميركي يؤكده سماح الوكالة الدولية للطاقة النووية بإشراك حكومة تل أبيب كعضو مراقب في إحدى اللجان الفنية التابعة لها دون أن تشترط عليها التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.
إن العلاقة الأميركية - الإسرائيلية تتجاوز في حرارتها كل التصورات والتحليلات ، و الالتزام الأميركي بما يسمى أمن إسرائيل هو التزاماً عقائدياَ وسياسياً ويمس كافة المجالات لبناء وتقوية الدولة العبرية، وقد عبر الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون عندما ذكر في كتابه الفرصة السانحة " أن التزامنا نحو إسرائيل عميق جداً ، فنحن لسنا مجرد حلفاء ، ولكن مرتبطون ببعضنا بأكثر مما يعنيه الورق ، ونحن مرتبطون معهم ارتباطاً أخلاقياً" ، وورد هذا الالتزام أيضاً على لسان الرئيس الأمريكي كلينتون عندما صرح في كلمته أمام الكنيست الإسرائيلي في مارس 1995 مبشراً بمستقبل جديد لإسرائيل حين قال" أن دائرة أعدائكم تنكمش وزمنهم قد ولى ، وعزلتهم المتزايدة تنعكس في يأس أفعالهم المزرية  لقد نبذتم في هذه المنطقة يوماً واليوم تحتضنون أكثر فأكثر".

وهنا لسنا بصدد استعراض العلاقات الأميركية- الإسرائيلية التي تحولت من علاقة وكالة كاملة إلى علاقة شراكة كاملة.

ملاحظات واستنتاجات:

نستنتج مما سبق عده ملاحظات تمس جوهر النشاط النووي الإسرائيلي ، و كذلك طرق مواجهة تحدياته ،

1-  إن فكره إدارة القوة وموازين وضوابط هذه الإدارة على المستوى العالمي لم يحكمها يوماً ميزان العدالة والتوازن ، وإسرائيل تتعامل مع نظرية ضبط التسلح كوسيلة لإنجاح قوتها الردعية ، وأن امتلاك الكيان الصهيوني لترسانة نووية سيساهم في خلق حالة عدم ثبات أمني في المنطقة و (خطوات على منحدر زلق) ، وسيفتح الباب أمام حاله من سباق التسلح الإقليمي لامتلاك أسلحة دفاعية استرايتجية قادرة على تعديل الخلل في التوازن الاستراتيجي بين دول المنطقة وإسرائيل.

2- إن الانفتاح الحاصل في العالم اليوم على إثر ثورة الاتصالات ، وثورات الشعوب لقادر بأن يحجم أي حصار علمي ، أمني، سياسي أو اقتصادي.

3- إن العجز الاقتصادي كان أحد أهم العوامل في تفكك الاتحاد السوفيتي السابق والذي كان من أكبر الدول النووية في العالم ، وسيظل هذا العامل مؤثراً على دول كبرى أخرى مثل أمريكا، فالمطلوب منا كأمة عربية و إسلامية و نحن نسعى لتعديل الخلل في موازين القوى مع أعدائنا ألا نغفل أهمية التكامل الاقتصادي البيني في تحقيق الاستقلال العلمي والتكنولوجي.

4-  المطوب منا جميعاً دول وشعوب الحذر وألا نغفل عن مقولة " أكلت يوم أكل الثور الأحمر"، والهجوم الإعلامي المنظم الذي يقوم به التحالف الأميركي - الإسرائيلي تحت عنوان "الإرهاب الإسلامي النووي" هو محاوله للفصل بين العالمين العربي والإسلامي وإثارة الشقاق والتناحر الإقليمي بينهم حتى يبقى الكيان الصهيوني يتمتع بتفوقه النووي وهيمنته الإقليمية، وأن القبول لواقع الاحتلال الإسرائيلي سيحمل توقيعنا على شهادة حذفنا من على خريطة الثقل الإقليمي والعالمي.
5- إننا في حاجة ماسة إلى تقوية وحماية روح المقاومة لدى شعوبنا وعلى الخصوص الشعب الفلسطيني واللبناني ، حيث يعتبر ذلك أحد أهم الوسائل الناجحة في مواجهة سياسة الردع النووي الإسرائيلية.

absalman

دكتور / عبدالعاطي بدر سالمان جيولوجي استشاري، مصر [email protected]

  • Currently 70/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 1040 مشاهدة

ساحة النقاش

enasssalman

مقالات قيمة يا دكتور عبد العاطى فقبل أن اقرئها كنت اجهل الكثير عن ماهية السلاح النووى حتى قرأت عن استخدام اليورانيوم المخصب فى انتاج البلوتنيوم الذى يستخدم فى صناعة القنابل النووية فشكرا لسيادتك و أتمنى ان أقرأ مقالا لسيادتك يتضمن معلومات عن قدرة باكستان النووية

absalman

يوجد بالموقع حاليا مقالة عن قدرة باكستان النووية والقصة الكاملة لدخول باكستان النادي النووي

absalman

شكرا علي التعليق الطيب وتمني لك كل التقدم والخير، بانسبة لباكستان سوف أحاول أن أضع بعض المعلومات الخاصة بهذا المجال ،،، شكرا

AlSeragSoft

بارك الله فيك واكثر من امثالك

absalman

شكرا علي رسالتكم الكريمة ولكم مني خالص أمنيات الخير

salma333

رائع وشجاع لك الشكر والتقدير
تحياتى :واحة سيوة

absalman

شكرا إلي: واحة سيوة
وواحة سيوة من أجمل بقاع مصر ، أتمني يصل مشروع العصر لتنمية مصر ليشمل واحة سيوة الجميلة، وأرجو أن تزودنا بشئ من عندكم حتي نسعد بمشاركتكم مع خالص أمنيات الخير

دكتور: عبدالعاطي بدر سالمان

absalman
Nuclear Education Geology & Development »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,352,463