هل نأمل في التغيير ..؟؟
ينتابني الصراع الفكري والمعنوي، عندما أتأمل الأمواج العاتية التي يصطدم بها الواقع المصري الآن، وهو الموطن الذي يحتضن اليوم 80 مليون نسمة في الداخل، وحوالي 7 مليون مهاجر مصري في ربوع العالم المتقدم.
يدور في ذهني أكثر من هاجس، تدفعه تيارات التفاؤل واليأس ولكنني ارتاح لبواعث التفاؤل.. وهذا يعني، أنه رغم التقاعسات المحيطة بنا، يجب أن نبذل الكثير من المجهودات والتضحيات، ونقلع عن السلبية والهمجية، وتعطيل المصالح العامة، لنواجه بكل شجاعة ومصداقية مشاكلنا الحيوية، مواجهة احتياجات المواطنين في المناطق العشوائية، والتي يقطن فيها أكثر من 15 مليون نسمة، دعم الطبقات المهمشة في المجتمع المصري والتي تصل نسبتها إلى 40% من عد سكان مصر، الاهتمام بصحة المواطن بعد تفشي كثير من الأمراض كالسرطان والفشل الكلوي وفيروس سي (C) ..الخ. ومواجهة مشاكل الإسكان والصرف الصحي ومياه الشرب، والقضاء على الأمية حوالي 30% من سكان مصر افتقروا إلى التعليم، التصدي لتجارة المخدرات والإدمان عليها، وحقيقية هذا مختصر لبعض المشاكل التي تنخر في هيكل الوطن، والتي يجب أن نستثمر كل إمكانياتنا وقدراتنا لعلاجها.
التغيير الذي نتمناه، في شتي أمور حياتنا، يحتاج إلى بركان داخلي، انطلاقة ثورة 25 يناير خلصتنا من جو تام وهدام، قتل روح المواطن للتعامل الحر والبناء والخلاقّ ولكن هل تساءلنا أن هذه الثورة لم تنته بعد؟ لماذا؟ لأننا فعلا لم نتغير في كياننا الإنساني، وسلوكنا وتصرفاتنا، واحترام كل المكونات المجتمعية من قوانين ومفاهيم حياتنا، واحترام الاختلاف والتنوع والاختيار الحر.
ونحن في مسيرة العهد الجديد نلمس ونلاحظ كيف تتفاقم الصراعات المذهبية والسياسية والاجتماعية؟ نختلق القوانين الغيبية ونتفنن في التبرير والتشهير، وتسعى بعض التيارات بتفكيرها العقيم لكي نرجع إلى العصور الوسطى، ونتقاتل انطلاقاً من مفاهيمنا الدينية للأسف.. أضعنا طموحنا الثوري وقوانا، وقيمنا في صراعات واهية، ونتصارع مع الهواء كما يفعل الفارس دون كيشوت.
بناء مستقبل مصر يتطلب تفاعل والتزام كل مواطن، كبير وصغير، من أجل البناء والعطاء. وأتذكر هنا الفاجعة الطبيعية التي واجهتها اليابان منذ شهور (التسونامي) والذي حدث في مارس 2011، وضرب اقتصادها ضربة قاسية. ماذا كان رد المواطنين اليابانيين لدعم وطنهم؟ إنهم تبرعوا من مالهم الخاص، لإغاثة المناطق المنكوبة بما يوازي 2 مليار دولار، أي حوالي 120 مليار جنيه مصريّّ والنموذج الآخر عندما وقعت الأزمة الاقتصادية في آسيا عام 1997، طلبت كوريا الجنوبية من مواطنيها التبرع بفائض الذهب الذي يمتلكونه لتخطي التجربة الاقتصادية الصعبة، وفعلاً ازدحم المواطنون الكوريون يحملون جزءاً من مشغولاتهم الذهبية للتضامن في دعم اقتصاد بلدهم.
هنا في مصر، ورغم النقلة الثورية التي فجرها الشباب، نواجه انحسار اقتصادي من جراء وضع السياحة، وتوقف الكثير من المشروعات الحيوية، وتفاقم نسبة العاطلين عن العمل، وأننا نستورد أكثر من 65% من احتياجاتنا الغذائية... هذه الظاهر الحيوية لاقتصادنا، تجعلنا ننطلق بكل جدية نحو ثورة البناء والعطاء والمجهود، وتغيير روحنا السلبية في العمل، واحترام الأخلاقيات والقوانين الوضعية.. أننا نحتاج حقيقة إلى ثورة في العلم وثورة في الإنسانية.
مجدي جرس
16/7/2011