لماذا نضحك على أنفسنا..؟
في الأجواء المصرية.. تتفاعل الأفكار، وتكثر أساليب التفاخر والتعظيم بحضارة سبعة ألاف سنة، وامتلاك الإمكانيات والقدرات الفريدة من نوعها، وإننا هنا في "أم الدنيا" نمتلك ثروات نادرة وموقعاً لا مثيل له.!
تنطلق الشعارات، وتؤكد بعض التيارات أن الإنسان المصري متدين بفطرته، ويمتلك الثروات والقدرات، التي لا تحصى ولا تُعد!
الغنى والمميزات ، والصفات العظيمة، التي نصيح بها، خاصة في الأجواء الانتخابية التي تمر بها البلاد، هذه الصيحات المسكنة، والشعارات الجوفاء تحتاج إلى التفكير السليم، والتحليل والنقد، والقبول أو الرفض بكل حرية واقتناع، وللأسف ننساق بدون إبداء أي رد فعل، وهذا يرجع لاستخدام المخدر الديني لفرض الأمر الواقع، ونقبل كل ما نسمع أو ما نقرأ، أو ما نراه، بدون النقد أو التحليل.
ومن الشعارات الجاذبة في أجواءنا، مقولة أن المصري "متدين بفطرته"، وهذا يعني أنه لا يحتاج إلى قانون وضعي لتوجيه أفعاله وسلوكه!، والمقصود بمفهوم الفطرة الإمكانيات، والقدرات الطبيعية التي نولد بها، مثل الطباع والصفات، ونشير بذلك للدلالة على أن بعض العناصر أو العوامل في المعرفة الإنسانية موروثة، وبالتالي تظهر في الإنسان مستقلة عن التجريب.
وهناك تفسير آخر للإمكانيات الفطرية، بأنها نسق من القواعد، والمبادئ، تسير بمقتضاها الشئون الإنسانية، مستقلة عن أي قانون وضعي، وتستمد وجودها من تفكير الإنسان الصادر عن طبيعته كمخلوق واعي واجتماعي، يحترم ويساير السلوك الاجتماعي المقرر على أساس العرف والدين، لا على أساس القانون الوضعي.
الميزات والصفات، والفضائل والقيم التي نلصقها بأنفسنا، تعكس واقعاً وأسلوب حياة عكس مضمونها،الحماس والأفعال التي نطلق بها هذه الخصائص، تدل على أننا نغرق في أمراض نفسية وإنسانية لا حصر لها، يكفي أن نلاحظ أسلوب التعامل في حياتنا اليومية، أية مشكلة تصادفنا، منطق العلاج لها هو العنف، الضرب والقتل والسخرية. أمام التحديات التي تواجهنا اليوم، هل هناك حوار جاد وبناء بيننا؟ نبحث لهدم كل ما هو جاد وإيجابي ومثمر، سواء تجاه المسئولين أو تجاه الطبيعة والتاريخ الذي حبانا بغنى حضاري وثقافي.
الإمكانيات الطبيعية، تتفاعل وتؤثر في النمو الاجتماعي المتوافق إلى أقصى حد مستطاع، ونقبل الذات والثقة بالذات، ونقبل الواقع وتكوين اتجاهات وقيم سليمة، والتقدم المستمر نحو السلوك والأفعال الأكثر نضجاً، والمشاركة الخلاقة المسئولة في الأسرة والعمل، والجماعات المتعددة، والاتصال والتفاعل السليم مع الأحداث والمتغيرات في حدود البيئة التي نعيش فيها، والاستمتاع بالحياة بكل إمكانياتها الفنية والتكنولوجية والجمالية والمادية..الخ، وتنمية المهارات الاجتماعية التي تُفعّل التوافق الإنساني والاجتماعي السليم والسوي، وتحقيق النمو الأخلاقي والعلمي والفكري، كذلك تحقيق الدوافع للتحصيل والنبوغ والتفوق، وإشباع الحاجات الضرورية مثل الحاجة إلى الأمن، والانتماء، والمكانة والتقدير، والحب والمحبة والاحترام للآخر مهما كانت انتماءاته، والتوافق والمعرفة وتنمية القدرات والنجاح والدفاع عن النفس بالطرق السليمة، والضبط والتوجيه والحرية والتضامن.
يشير الواقع الذي نعيش فيه، في مصرنا الحبيبة، إننا أمام تحديات إنسانية واجتماعية واقتصادية وسياسية ودينية...الخ، اضطراب العوامل الثقافية والحضارية، اضطراب في التنشئة الاجتماعية والأسرية، وانحدار المستوى الصحي والتعليمي والمهني، سوء التوافق في المجتمع ومشكلات الأقليات وسوء التوافق في العمل، وتدهور القيم والضلال الفكري، نعيش نوعاً من السلبية والانهزامية في تصرفاتنا وسلوكنا، رغم النقلة الثورية التي وضعتنا في أطار من الحرية والتجديد، إلا أننا، مازلنا نعيش في جو قاتم، يسيطر عليه تصرفات التشتت وعدم الترابط والتعاون، واضطراب محتوى التفكير السليم، مثل الأوهام والوساوس والمخاوف، وفقر الأفكار وتحليل التوجيهات الهدامة المطروحة، نعيش في خمول وضغط فكري، وإقحام الدين في كل المحاور، دون احترام حرية الإنسان! انشغلنا بالتناقضات والحلال والحرام، والأفكار البدائية والسفسطة، وتقمصنا الحكم بالقوانين الجامدة على المرأة وملبسها وتصرفاتها في الحياة، وكأن علاج مشكلات مصر تكمن في موضوعات المأكل والمشرب والمرأة.!!
التدين بالفطرة يجب أن يُفهم بأنني أعيش بأسلوب في حياتي وبيئتي، وعملي وواجباتي ومسئولياتي السياسية والمهنية والاجتماعية. التدين يعني السلوك السليم في الحياة والعمل، والتعاون والتضامن من أجل بناء واقع ومستقبل أفضل، كل يعمل انطلاقاً من دوافع إيجابية ومحركة للسلام والتوافق والانسجام والتفاهم والحوار والحب والمحبة ومواجهة كل التحديات المحبطة.
كفانا الضحك على أنفسنا وعلى الآخرين. والقيم التي نؤمن بها، نؤكدها بالحياة والعمل والفعل، والانفتاح على كل فكر واحترام التعددية.
مجدي جرس
يناير 2012