القوى المحركة...!!
هناك ثلاث قوى، تتحرك وتتفاعل في أي مجتمع إنساني، قوة الدين، وقوة القانون، وقوة الإعلام.
هذه القوى الثلاثة، بإمكانها أن تبني وتطور وتغير كيان المجتمع، والوجه الآخر لهذه القوى، هو الهدم والغدر والخداع والتلفيق!
أشير لهذه القوى، لأننا في مشوار حياتنا اليوم في مصر، ومن خلال انطلاقه الثورة المصرية، نعيش في ظروف حياتيه ومجتمعية غريبة التفسير والشرح والتوضيح، وباختصار نعيش في حالة من الفوضى والتخبط (Chaos) ، تفسيرات دينية تهدف إلى جذب أكبر عدد ممكن من المؤيدين لكي تتمكن هذه التيارات الدافعة لهذا التحرك للوصول إلى السلطة.
غياب القانون حيث بسط المجرمون والبلطجية شروطهم وأتواتهم، دون مانع أو رادع! والإعلام موجه، ويخدم التيارات الصاعدة أو أصحاب النفوذ والمؤثرين لخدمة مصالحهم.
المحلل لكل الخبرات التاريخية التي مّر بها الوطن المصري المطحون منذ ثورة 1952، يلمس بوضوح تفعيل وتأثير هذه القوى الثالوثية، في تحديد إطار وأجواء السياسة التي فرضتها الحكومات المتعاقبة. فالحفنة الحاكمة تستغل هذه القوى لخدمة مصالحها ورؤيتها، لاقناع الشعب وفرض سياستها بكل الوسائل الأخلاقية واللا أخلاقية، الإنسانية واللا إنسانية.
قبل ثورة 25 يناير 2011، ثلاثون عاماً مرت على الوطن المحطم، والفساد ينخر في هيكلية المجتمع، فالقانون يتم تفصيله وتطبيقه لخدمة أصحاب النفوذ والمنتفعين، انعدام الأمن، وتفشي السرقات حتى أن التصرفات قد تطورت إلى أمور بشعة لدرجة اختطاف الأطفال والبالغين واقتراح الفدية بالأمر الواقع!!، تفشي البطالة وزيادة الإعتصامات، وتعجيز الإنتاج وعدم مواصلة العمل. عدم احترام الدولة للاحتياجات المُلحة للمواطن، الافتقار للخدمات الضرورية للإنسان، تحطيم الإطار البيئي والإمكانيات الطبيعية وتفشي القذارة في كل مكان، فشل السياسات التعليمية والصحية، إنعدام الثقة بين المواطن والمسئولين، والمواطن والآخر...الخ.
امتاز سيناريو السلطة الحاكمة بتلفيق الأمور، وتحذير المواطن البسيط، وتخديره بالوعود المنمقة.. كل شئ مرجعة الدين، وإساسة القانون المُلهم والذي لا مثيل له على مستوى العالم كله.. الحبكة المؤثرة والخادعة يعرضها الإعلام، والتحية والتقدير لأصحاب المناصب والنفوذ.
هذا هو وضعنا، وللأسف نستمر في التيارات المُهلكة، التي تزعزع الروح المعنوية، ويدفع ذلك إلى السلبية وفقدان الأمل في مستقبل قريب ومستقر.
ينصلح كيان المواطن إذا استخدمنا جوهر هذه القوى، فالدين هو البحث عن المطلق، والأديان هي أنساق للمعتقدات والممارسات، وتشكل معايشتها الجانب الأخلاقي للسلوك. والسلوك الديني سلوك مقدس، يعيشه الإنسان في حياته من خلال إيجابياته في التصرفات واحترامه للآخرين، وانفتاحه للتعاون والتضامن. تطورت كثير من البلدان، لأنها فصلت الدين عن السياسة. ويعتبر الدين طريقاً نظامياً أو تقليدياً نحو النجاة أو الخلاص. والمعتقدات الدينية تختلف إختلافاً بيناً من دين لآخر. ومصداقية المعتقد. لاتتأتى بالضغط والبطش والفرض بالقوة والتهديد والخطف وإشعال الحرائق!، إنما الدين شهادة حياتية، تتفاعل للبناء المجتمعي والسلام مع الآخرين رغم الاختلافات في المعتقدات.
القانون مكون من معايير واضحة تنظم السلوك الإنساني لتأمين الضبط والحراك الاجتماعي. والقانون لا يُفصل من أجل الحاكم أو الحفنة المسيطرة، والسلطة الرسمية العامة (السياسة) تقوم لفرض القوانين وتفسيرها. فالقانون ظاهرة اجتماعية، وهو وسيلة هامة من وسائل الضبط الاجتماعي. ويمثل القانون قمة التنظيم الاجتماعي للسلوك الإنساني حيث يحدد ما يجب على الفرد عمله وما يجب عليه الامتناع عنه.
والإعلام أو وسائل الاتصال الجماهيرية (Mass Media) ونعني بالتفسير الإيجابي، الطرق التي يمكن بها إيصال فكرة أو رأي إلى أكبر عدد من أفراد المجتمع من خلال الجرائد والرادــــــــيو والتليفزيـــــــون والسينمــــــا وFace Book و Twitter ..الخ، والإعلام يحمل أنواعاً معنية من الرسائل، وأيضاً في خلق تأثيرات هادفة إعلامياً أو تثقيفية أو ترفيهية، وللأسف الإعلام عادة ما يكون مرتبطاً بسلطة، سلطة الدولة أو سلطة الأحزاب أو سلطة الملياردير، وبلا شك لكل سلطة رؤيتها ومصلحتها، فتسعى لتوظيف الإعلام لخدمتها، حتى لو لزم الأمر إلى التزييف والخداع وطمس الحقائق، وهذا ما حدث في واقعة ماسبيرو الشهيرة يوم 9 أكتوبر 2011 في القاهرة.
إن التفكير في علاقة وثيقة، إيجابية وبناءة بين هذه القوى، هي من ضرورات البحث عن الاستقرار السياسي في مصر بعد انطلاقة الثورة الشبابية العظيمة يوم 25 يناير 2011.
مجدي جرس
نوفمبر 2011