(٩)
المؤشر
بعض الناس لا تتحرك مشاعرهم الا في البدايات، يهتمون و يغدقون، يجاملون و يعطون، يتخطون المشاكل بمرونة دون نقاش، فلا يتجادلون ، لا يغضبون، يؤثرون، يبهرون،
اخبر هشام اخته بتطورات الموقف مع امال، اخته لا تحدثها بعد ما اشتكت لها مرارا و طلب منها هشام سابقا الا تحدثها و لا ترد على اتصالاتها، و إلا تعتبر علاقتها به انتهت تماما، و هي آثرت السلامة فهي تعرفه جيدا لا أحد يرده عن قراراته و الأفضل ان تحتفظ به اخا و فقط، و هكذا باقي اسرة هشام كبيرة العدد منعدمة التأثير،
تسمح سهيلة لتامر بالاقتراب و التودد، اخيرا، و تستمر مي في نصيحتها بأن تامر أفضل لها كما اخبرتها من قبل، شخصية سهلة، غير هشام تماما، فتوطدت العلاقة بينهما لدرجة انه طلب منها الزواج فوافقت،
وسط دهشة الجميع سارعت سهيلة في اتمام إجراءات الزواج من تامر، و ارتاح هشام جدا، سهيلة لا تناسبه ، جريئة، قوية، ثرية، غضوبة، حادة، لا يهمها احد، هي تشبهه في باطنه، ماذا تريد سهيلة من الزواج به ، تريد ما لا يستطيع هو ان يعطيه، و الخسائر ستكون فادحة، هو يعرف نفسه جيدا، و يعرف ما ينبغي الحفاظ عليه، لا يحتمل عنف المرأة و لا حدة الطباع يبحث عن شريكة متميزة، ينجذب لصاحبات الصفات الخاصة، الملهمات، كفنان مبدع، لكنه ايضا يريد زوجة صبورة مثالية، تحتمله و تتستر عليه، يسترد بها احساسه بالحياة بعد الاهانة التي شعر بها من كثرة شكاوى امال منه، هو لا ينوي التغيير و لا يقوى عليه، يهرب دائما من آلامه بالصمت و يغرق سريعا في وضع جديد،
امال تتابع اخبار زواج سهيلة و تامر، ما يفتح الباب للرجوع لهشام و تؤنب نفسها على تسرعها في غضبها، و تتهم نفسها انها ظلمته و ظلمت سهيلة ، و انها صنعت قصة من خيالها و افتراضاتها، تتمنى ان تقابل هشام لتعتذر له، و تعود الحياة لطبيعتها، لكنها سرعان ما تتدارك، هل الحياة معه كانت على طبيعتها ،، ابدا لم تكن حياتها معه طبيعية ابدا، كانت حياة بلا معنى، بيت عبارة عن مطبخ حار و غرفة نوم باردة، يعذبها التفكير، هل سيعود لها، هل تنتظره، ام تفكر في مستقبلها دونه، مزيد من الحيرة و الانتظار، بمشاعر امرأة مطلقة في مقتبل العمر،
هشام يعرف انه صعب، لكنه شريك جيد، فقط يحتاج احتواء و صبرا، فمتى يجده؟
جهزت سهيلة بيتا جديدا و سهر تامر الليالي مع العمال و مهندس الديكور لينفذ لها كل طلباتها في بيت احلامها، الذي لا ينقصه شيء، غير انها ليست سعيدة لكنها تؤدي دورا بعناية، تضحك و ترقص، و تامر يحلم بحياة اجمل مع عروسه ،
ليلة عرس سهيلة و تامر مبهرة حضرها هشام وحيدا بين اصدقائه،
بينما نيرفانا مع مساعديها تلتقط كل التفاصيل،و هشام يختلس النظر لها، و هي تلاحظ ذلك و توثقه بمرح و بساطة، هو يفهم انها ركزت معه، يستشعر ذلك كخبير،
سهيلة تظن انها تكيده، لكن نظراته اللامبالية تجاهها تحبط محاولاتها،
تستحوذ مي على شهير و هو لايرى غيرها، تعبر له ان زواج سهيلة و تامر غير مبشر، يتعجب شهير لان مي كانت تدفع سهيلة دفعا للزواج من تامر و ينهي الكلام في الموضوع بان يتمنى لهما التوفيق،
تنتهي الليلة و هشام لا يكف عن التفكير في نيرفانا، و يسعى لصناعة فرصة للقاء،،،،
أثناء الاعداد لحفل ختام العام المالي للشركة التي يعمل بها، يذهب هشام لاستوديو نيرفانا، و يخبرها انه يريد التعاقد معها لتصميم و تصوير الحفل بعدما اقنع رئيس مجلس الإدارة بأهمية التوثيق و تصوير الانجازات، توافق على ان يمدها ببعض المعلومات،
تفكر نيرفانا في حياة هشام و تسأل مي عنه فتخبرها عن تفاصيل طلاقه من زوجته، و رفضه القاطع لكل محاولات العودة، و تستشعر مي ان شيئا ما يحدث،
تحدث مي سهيلة في احساسها بميل هشام نحو نيرفانا ، فيشتعل غضبها، و كذلك تحدث آمال لتحاول العودة لهشام قبل ان يتورط في علاقة جديدة مع نيرفانا ، تحزن امال جدا لتكمل مأساتها مع طفلتها تبكي، و امها معها في شقتها التي تركها لها هشام كحاضنة دون مشاكل لكنه لا يسأل ابدا و لا يفكر و لا ينفق، تقرر التفكير و التصرف بواقعية، فتلجأ إلى رفع قضايا نفقة على هشام بمساعدة شقيقها، مادام قرر ان يرتبط و يدخل في علاقات جديدة فليعطها هي و ابنتهما حقوقهما،
تتكرر لقاءات هشام مع نيرفانا يمدها بالكثير من المعلومات عن الشركة، يبهرها بحديثه، و ثقافته و افكاره الإبداعية في المادة الفيلمية ، يستقبلها في مكتبه، يتناول معها القهوة في اماكن تناسب ذوقها الخاص، كيف يعرف ما يعجبها، كيف يغزو حياتها و لا يترك لها وقتا، يحاصرها، اي فيلم ستصوره، ينتابها قلق كبير من طغيان وجوده، تمر اوقات الاعداد و التصميم و التصوير و المونتاج و الاخراج حتى تسلمه الفيلم،
ثم تغلق موبايلها لتهدأ، تخلو بنفسها،
ترتاح لانها انهت فيلم شركة هشام،
تستعيد علاقتها بنفسها بهدوء، تعود لطقوسها، اصدقائها، اعواد البخور مع فنجان القهوة و الشموع، تتنفس بعمق و راحة روحية تعشقها،
يعود هشام ليلح في الاتصال بها ، يطلب مقابلتها، فتفعل، تسأله بوضوح عن آمال و ابنته يرفض التحدث في الامر، تحاول ان تعرف يخبرها انها اسرار بيوت و اذا وافقت على الارتباط به تعتبر نفسها زوجته الأولى و الاخيرة، و لا حديث لديه غير ذلك،
تفكر مرة أخرى، هل فعلا يحبها، هل هو شريك روحها، لديها مؤشر روحي يحذرها منه و من مجتمعه، تطلب التعرف على اخته، يجمعهما معا، ليسود كلام عام سطحي ، و لا شيء غير ذلك، احساس داخلها بغموض لا تحبه، و هو لا يكف عن محاصرتها و ابهارها،
تعود لفيلم فرح مي، تراقبه، تراقب امال، تراقب سهيلة، تنتقل لفيلم فرح سهيلة، تراقب نظرات سهيلة و مي و هشام و تامر و شهير، علاقات شائكة، كأنهم أصدقاء!! ، لا ترتاح لهم، لم تعد المسالة تصميم حفلات و تصوير و اخراج، تنظر إلى واقع غريب لا تألفه، و لا تتآلف معه، يستطيع هشام ان يجذب الاهتمام نحوه بسهولة و سرعة، شخص يستحق الإعجاب، لكن الحب له قوانين أخرى،
،،،
تتفق معها سهيلة على تصميم حفل عيد ميلادها في بيتها الجديد و انها تريده حفلا مميزا مهما تكلف ذلك،
تنشغل نيرفانا عن هشام في تصميم حفل سهيلة، و تقابله يوم الحفل،
تصور مع مساعديها كل التفاصيل كعادتها لكن الاحساس الجديد هو القلق و الترقب، هؤلاء المتشابهون المنسجمون لا يشبهونها، علاقاتهم الغامضة، نظراتهم الحائرة، حتى هشام لا ترتاح لنظراته حين تحاصره سهيلة مع استسلام تامر و انغماسه في حفل بديع، مراقبة مي لكل شيء، حتى انها طلبت بان تكون كاميرا احد المساعدين تتابعها، هي غريبة مسيطرة إلى درجة الخطر، تصنع الاحداث ببساطة احترافية، علاقتها بكل المحيطين عميقة جدا، هي محور حياتهم ، لا شيء يحدث دون تخطيطها، تتدخل في كل التفاصيل، و تبدي مثالية مدهشة، تحاول مي ان تركز معها طوال الوقت، ان تستحوذ على ثقتها، لكن نيرفانا تنصرف عنها لانشغالها بعملها، مي تنجح دائما ان تقتحم حياة كل الاصدقاء وقتما تشاء، بل تجعلهم هم الذين يلجأون اليها دائما،