الدكتور احمد شلتوت الخبير و الاستشارى الاقليمي للتنميه البشريه

“اهميه التحكم في الذات”كاحد الادوات للوصول للنجاح اشار الي انه في أواخر الستينيات ، أجرى والتر ميشيل -عالم في علم النفس من جامعة ستانفورد- تجربة شهيرة تُدعى “اختبار حلوى المارشميلو”.

حولت هذه التجربة قدرة أطفال في سن الرابعة على “تأجيل المتعة”. وذلك بالطريقة التالية: تم إحضار كل طفل إلى الغرفة وأجلسوهم أمام طاولة عليها وجبة لذيذة (قد تكون حلوى مارشميلو أو ربما دونات) . أخبر العلماء الأطفال أن بإمكانهم تناول الحلوى الآن، أو يمكنهم الحصول على قطعتي حلوى لو انتظروا 15 دقيقة.
جميع الأطفال أرادوا الانتظار (من لا يريد الحصول على حلوى أكثر؟!).لكن كثيراً منهم لم يقوَ على الانتظار، انهارت عزيمتهم بعد دقائق قليلة وأكلوا حلوى المارشميلو. لكن بعض الصغار كانوا أفضل في قدرتهم على تأجيل المتعة حيث استطاعوا الصمود لمدة خمس عشر دقيقة كاملة. في وقتٍ لاحق بعد سنين، عندما فحص الباحثون على هؤلاء الأطفال أنفسهم في المرحلة الثانوية، اتضح أن الأطفال الذين أظهروا مزيداً من التحكم في الذات (أولئك الذين صمدوا لمدة 15 دقيقة كاملة)، تصرفوا على نحو أفضل وكانوا – خلال حياتهم- أقل عرضة للإدمان وقد سجلوا درجات أعلى في اختبار التقييم المدرسيSAT.
كتبت جونا ليرر، بعد أن حكى عن بحث ميشيل في مقالة ممتازة في صحيفة “نيويوركر”، أن ميشيل استنتج -بعد ملاحظة استغرقت مئات الساعات للأطفال من خلال أشرطة فيديو- أن الذين قاوموا الإغراء استخدموا “إستراتيجية تشتيت الانتباه” وهي:
بدل أن يستحوذ المارشميلو” المثير جداً” على تفكيرهم، ألهى الأطفال الصبورون أنفسهم بتغطية أعينهم متظاهرين بأنهم يلعبوا “لعبة الاستغماية”تحت الطاولة، أو بغناء أغنية من”افتح ياسمسم” Sesame Street.
.لم تُهزم رغبتهم بل تم نسيانها فحسب. يقول ميشيل “إن كنت تفكر في المارشميلو و لذته فإنك سوف تأكله. السر أن تتجنب التفكير فيه في المقام الأول”.
ليس من الصعب أن نرى كيف يمكن للتحكم بالذات أن ينبئ بالنجاح في بعض المجالات. التحكم في الذات يعني استبدال متعة قصيرة الأجل بأهداف طويلة الأجل، أن تتجاهل رغبة مشاهدة فيلم وتعمل على كتابة روايتك بدلاً من ذلك.
يمكن أن نرى التحكم بالذات عند من يقرر ممارسة الرياضة أو عدم ممارستها، ولكن هذا مثال بسيط نسبياً.
في الواقع، نحن نواجه مئات من ” قرارات المقايضة” هذه في غضون يومٍ واحد. كما كتب المدوّن المفكر شيلي أنه في غالب الأحيان عندما نتحدث عن مهارة الإنتاجية فإننا في الحقيقة نتحدث عن” التحكم في الذات ” والقدرة المنضبطة على اختيار فعل شئ واحد على حساب آخر ( ربما أكثر إغراءً).
عندما ينهار التنظيم الهرمي الإداري التقليدي في مكان العمل فإننا نحظى جميعاً بمزيد من الحرية والمرونة. وأكثر من ذلك، يمكننا وضع أهدافنا الخاصة طويلة الأمد، و يمكننا تحديد جداول أعمالنا الخاصة ، بإمكاننا أن نعمل في مكتب أو في مقهى، يمكننا أن نتخذ قراراتنا بأنفسنا حول ما نركز عليه اليوم وما نركز عليه غداً . لكن هذه “الحرية”ترافقها أيضاً مسؤولية؛ مسؤولية أزعم أنها تتطلب قدرة عالية على التحكم في الذات.
الخلاصة، تويتر هو حلوى المارشميلو الجديد (أو الفيسبوك أو فورسكوير، وغيرها من الملهيات…اختر السم الخاص بك!). في أي لحظة، ينتظرنا عدد هائل من “مُتع” كهذه.رسائل البريد الإلكتروني والرسائل من وسائل الإعلام الاجتماعية والرسائل النصية …هي بمثابة أجزاء غيرمترابطة من المعلومات الفريدة الغير متوقعة التي تنشّط دارات دماغنا وتدغدغها وتستحث رغبتها للبحث أكثر.
قدرتنا على مقاومة مثل هذه الإغراءات-المشتِتة- وتركيزنا على العمل الشاق للشخص المبدع هو جزء لا يتجزأ من عملية دفع الأفكار العظيمة إلى الأمام.
ومع ذلك، التحكم في الذات ليس كل شيء!
أنجيلا دوكورث (الباحثة في جامعة هارفرد ) ونتيجة لاهتمامها الشديد بالسمات التي يمكن أن تكون إشارة إلى إنجاز بارز، بدأت من حيث انتهى والتر ميشل. وجدت دوكورث -كما وضّحت في خطاب لها على تيدكس-أن ” التحكم في الذات ” يعد مؤشراً ممتازاً على قدرتك على إكمال أنواع معينة من المهام الصعبة، كأن تستمر على حميتك الغذائية أو تدرس للاختبار، أو تتوقف عن تفقد بريدك الإلكتروني. لكن “التحكم في الذات” لا يُعد العامل الأكثر أهمية عندما يتعلق الأمر بتوقع النجاح في إنجازٍ ذا تحدٍ كبير للغاية.
تشكّ دوكورث أيضاً بصفات كـ الموهبة والذكاء كمؤشرات موثوق بها على إنجازات هامة. وذلك لسبب وجيه:
نعود إلى عام 1926م حيث نشرت طبيبة نفسية، تُدعى كاثرين مورين كوكس، دراسة أجريت على 300 من العباقرة المشهورين بداية من ليوناردو دافنشي إلى جوتفريد لايبنتز وتشارلز داروين وآلبرت آينشتاين. كوكس، والتي عملت للذكاء مع لويس تيرمان على تطوير اختبار ستانفورد بينيه للذكاء (IQ)، كانت فضولية تجاه معرفة العوامل التي تقود إلى” العبقرية المُثْبتة “، إلى أولئك الذين يتمكنون من ترك بصمة لهم في هذا العالم.استطاعت الطبيبة كوكس تحديد مجموعة من الصفات التي قد تعتبر بمثابة نبوآت بـ”العظمة” بعد أن قرأت عن حياة مئات من العباقرة المشهورين.
بعد أن درست الباحثة دوكوورث اكتشافات كوكس، قامت بعزل صفتين اثنتين والتي تعتقد أنها أفضل مؤشرين على الإنجاز البارز.
• الميل إلى عدم ترك المهام لمجرد التغيير فقط : “عدم السعي إلى عمل شئ بغرض التجديد” أي “عدم البحث عن تغيير”
• الميل إلى التمسك بالمهام وعدم تركها عند مواجهة العقبات: ثبات ، تماسك ، مثابرة
خلاصة هاتين الصفتين عند دوكورث صفة واحدة أسمتها ” العزيمة” وعرّفتها بـ “المثابرة والحماس من أجل تحقيق هدف طويل الأجل”وقد بدأت في اختبارها على أساس أنها صفة تنبئ بإنجاز متميز. وهنا مقال حديث في صحيفة نيويورك تايمز يلخص بحث دوكورث:
“لاحظت دوكورث أن أولئك الذين يحققون أموراً كبيرة غالباً ما يجمعون ما بين الشغف للقيام بمهمة ما وبين تفانِ لا يتزعزع لتحقيق هذه المهمة مهما كانت العقبات ومهما استغرق بقاؤها “..
قامت بتطوير اختبار لقياس “العزيمة ” أسمته “مقياس العزيمة ” وهو اختبار بسيط بصورة خادعة حيث يتطلب منك تقييم نفسك من خلال 12سؤالاً فقط, من ” أنا أنفذ أي عمل أبدأ فيه” إلى “في كثير من الأحيان أحدد هدفاً وفي وقت لاحق أختار السعي إلى هدف آخر”. يستغرق الاختبار حوالي 3 دقائق لإتمامه ويعتمد كلياً على التقرير الذاتي.
و عندما قامت بتطبيق الاختبار في الميدان، وجدت أنه وبشكل ملفت مؤشر على النجاح . في جامعة بنسلفانيا، مكنت التقديرات العالية لاختبار “العزيمة”الطلاب ذوي الدرجات الجامعية المنخفضة نسبياً من تحقيق معدلات عالية بالرغم من ضعف درجاتهم.
تمكنت دوكورث ومعاونيها من إجراء هذا الاختبار على أكثر من ألف ومئتي طالب عسكري جديد عندما انضموا إلى المدرسة العسكرية “ويست بوينت” وبدأوا الدورة الصيفية المرهقة المعروفة بـ” ثكنة الوحش “. فالجيش لديه تقييمه المعقد الخاص به المسمى بـ “مجموع نقاط المرشح ” للحكم على الطلاب العسكريين الجدد و توقع من منهم سوف يصمد أمام متطلبات “ويست بوينت”. ويشمل التقييم الدرجات الأكاديمية، وقياس اللياقة البدنية و القدرات القيادية . في نهاية دورة ” ثكنة الوحش ” اتضح أن المقياس الأكثر دقة الذي واصل عليه الطلاب ومنهم من انقطع عنه كان استبيان العزيمة للباحثة دوكورث المشتمل على 12 فقرة.
نفّذت دوكورث دراسة مشابهة للتنبؤ بالنجاح على أطفال تنافسوا في مسابقة التهجئة، مرة أخرى اتضح أن العزيمة – وهي في هذه الحالة: القدرة على مواصلة هدف الفوز بالمسابقة والسعي الحثيث لتحقيقه– كانت أفضل مؤشر للنجاح. كانت نتيجة معدل الذكاء اللفظي عاملاً من العوامل لكنها ارتبطت ارتباطاً عكسياً مع نتيجة اختبار العزيمة. خلاصة الموضوع أن الأطفال الأكثر ذكاءً يقومون بعمل جيد أحياناً لكنهم لا يبذلون جهداً كبيراً. عامل التحكم في الذات كان عاملاً موثراً أيضاً لكنه لم يكن مؤشراً يُعتمد عليه ينبئ بالنجاح كمؤشر العزيمة والإصرار ولم يكن أيضاً عاملاً ضرورياً جداً. حيث أنه كان هناك أطفال مستوى تحكمهم في الذات ضعيف لكنهم يملكون عزيمة كبيرة وهم يقومون بعمل ممتاز.
إن كان الأمر لا يزال قيد البحث والدراسة، يمكننا الآن أن نؤكد بشكل مريح أن العزيمة والمثابرة على العمل الشاق هي ركيزة الإنجاز الغير عادي.
ولا تزال اكتشافات دوكورث تثير بعض التساؤلات الملحة، هل العزيمة والثبات قدرة فطرية كـ الذكاء أو الموهبة؟ أو يُمكن للعزيمة أن تُزرع؟

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1244 مشاهدة
نشرت فى 20 يوليو 2012 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,876,505

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters