تسعى كل دول العالم لتوفير أكبر قدر من التعليم لمواطنيها وبأعلى المستويات الممكنة . ولكن قليلاً من الدول يكون قادراً على تحقيق ذلك . أما الدول المتقدمة فقد وفرت التعليم الأساسى لكل مواطنيها ، بل أصبحت الدراسة الجامعية متاحة لمعظم طبقات المجتمع كما هو الشأن في أمريكا وبعض الدول الغربية ولكن دول العالم الثالث ما زالت تسعى لمكافحة الأمية بين مواطنيها ؛ أكثر من نصف التلاميذ في سن الدراسة لا يجدون أماكن في المدارس . ذلك رغماً عن أن بعض تلك الدول تصرف قدراً كبيراً من دخلها القومى في التعليم والذي يصل في بعض الأحايين إلى ربع ميزانياتها . ولعل العقبات التى تجعل الأمر أكثر تعقيداً في الدول النامية هى الزيادة السكانية الهائلة التى تشهدها تلك الدول والحقيقة الماثلة أن معظم سكان تلك الدول هم من الشباب والأطفال وهذا يتطلب سعياً مستمراً من تلك الدول لتوفير مزيد من المدارس والمعلمين ومتطلبات التعليم الأخرى . ذلك مع علمنا بأن هذه الدول تعانى من قلة الموارد والإمكانيات . ولعل الأمر يصبح أكثر صعوبة مع تطلعات هذه الدول وسعيها إلى تعميم التعليم وأن يكون متاحاً للجميع .
أضف إلى ذلك متغيرات كثيرة منها ما تشترك فيه الدول النامية مع الدول المتقدمة من ذلك نوعية التعليم والسعى إلى اعادة النظر في المناهج من وقت لأخر مما تستوجبه حركة تطور المجتمع . فمنذ الحرب العالمية الثانية تسارعت حركة التغيير الاجتماعى والاقتصادى مما استوجب اعادة النظر المستمرة في المناهج وأساليب التعليم وانتاج مواد ومقررات جديدة . ويواكب ذلك ويسير معه توفير المعلمين وتدريبهم بالقدر الكافى لتحمل عبء التغيير . وقد فشلت كثير من سياسات المناهج نسبة لعجز المعلمين وعدم تأهيلهم بالقدر الكافى لمواكبة حركة المجتمعات وقد لاحظ " قودلاد " [ Goodlad 1969 ] أن كثيراً من مشروعات تغيير وتطوير المناهج قد تحطمت عند باب الفصل لعجز المعلمين عن القيام بالمطلوب منهم (1) . وهذا يعزى إلى عوامل يأتى على رأسها عدم كفاءة المعلمين وربما تباين المادة التى يتلقونها مع الاحتياجات الحقيقية . ولعل هذا الأمر الأخير قد يشير إلى أن التدريب الأساسى - إن وجد - فلن يكون كافياً ومتمشياً مع المتغيرات ولا بد من استمرار التأهيل طيلة فترة بقاء المعلم بالمهنة . ويكفى أن نلاحظ المتغيرات المستمرة في هياكل التعليم وفلسفته وأساليبه وإدخال مواد أو إضافات جديدة كالرياضيات الحديثة واللغات والعلوم الانسانية وعلوم الكمبيوتر وخلافه .
لذلك فإن الدول النامية تعانى ليس فقط من التوسع الكمى وانما تشارك الدول الأخرى في تحسين نوعية التعليم وتطورات المناهج . وفي حين أن الدول المتقدمة قد عالجت أمر الكمية على الأقل ببطء وتدرج على مدى سنين طويلة - فإن الدول النامية تواجه كل ذلك وفي أقصر وقت ممكن . ولعل معالجة وتحسين نوعية التعليم تزداد صعوبتها في الدول النامية نسبة لقلة الكتب المدرسية كما أن الوسائل التعليمية غير متاحة وكذلك ندرة المختصين في مجال الادارة وتخطيط التعليم وفوق ذلك عدم توافر المعلمين المؤهلين أكاديمياً وفنياً .
التجربة العالمية في تدريب المعلمين :
لقد ثبت أن التدريب الفعال للمعلمين هو السبيل الأمثل لتحقيق التطور المنشود في التعليم ، لذلك نال اهتمام كل الدول . وقد سعت معظم دول العالم لزيادة التأهيل الأساسى ليصل المعلم إلى المهنة وهو أكثر قدرة على القيام بالدور المنوط به ، فزادت سنوات الدراسة كمتطلبات قبل الانخراط في معاهد التعليم ، وزادت مدة تدريب المعلمين أيضاً في معاهد تدريب المعلمين . ففي بريطانيا مثلاً زادت مدة تدريب المعلمين إلى ثلاث سنوات بدلاً عن سنتين في عام 1960م ثم زيدت وفي وقت وجيز إلى أربع سنوات ليتخرج المعلم بدرجة البكالوريوس . وفي بعض تلك الدول كالولايات المتحدة الأمريكية أصبحت درجات الماجستير أمراً عادياً بين العاملين في حقل التعليم . (2)
أما في الدول النامية فأن التعليم الثانوى يستوجب مؤهلاً جامعياً والتعليم دون ذلك يعتمد على التأهيل من معاهد المعلمين ، والتى تتطلب تأهيلاً أساسياً أو ثانوياً في الأكثر . وقد سعت كثير من هذه الدول لتحسين مستوى معلميها وزادت متطلبات الالتحاق بالمعاهد ؛ ففي كثير من الدول أصبح الدخول إلى معاهد المعلمين مساوياً لشرط دخول الجامعات .
وفي سبيل تحقيق التطور الكمى والكيفى في التعليم تسارعت عملية إنشاء معاهد المعلمين كما أن الجامعات أنشأت الكليات المتخصصة لهذا الغرض وفتحت الأبواب للمعلمين للانخراط فيها . إلا أن الأمر لم يكن بهذه السهولة بالنسبة للدول النامية ، فحركة إنشاء المدارس وتوسع التعليم لم تكن لتواكب تزايد السكان وبالتالى زيادة المعلمين المدربين لم تكن بالقدر الكافى . ففى الهند على سبيل المثال نجد أن 50٪ من المعلمين في المدارس الابتدائية غير مدربين ، وكذلك 90٪ من المعلمين في المدارس الثانوية (3) . وهذا الوضع يكاد ينطبق على معظم دول أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية ودول البحر الكاريبى ، وهنا يبدأ التساؤل عن امكانية معاهد تأهيل المعلمين في توفير العدد الكافى من المعلمين . وفوق ذلك فإن تأسيس تلك المعاهد أمر مكلف ، فتكاليف المبانى والسكن والاقامة بالنسبة للمتدربين وتأسيس تلك المعاهد بالوسائل المناسبة ، وكذلك تأهيل المدربين العاملين بها مما يستوجب أحياناً ارسالهم في بعثات خارجية لمدة عامين أو ثلاثة . كل ذلك بالطبع يكلف أموالاً طائلة .
وفي مواجهة هذا الوضع اضطرت كثير من دول العالم الثالث - نسبة لعجز معاهد تدريب المعلمين عن توفير المعلمين المدربين بالقدر الكافى الذي يتناسب مع زيادة المدارس والتوسع المطلوب في التعليم - إلى استيعاب المعلمين دون تدريب أساسى مما جعل القضية أكثر تفاقماً .
وفي مواجهة مشاكل التعليم والنوعية سعت كل دول العالم إلى النظر في امكانية ايجاد أساليب وطرق جديدة تمكن من الاستغلال الأمثل للموارد وتحقيق احسن النتائج في نفس الوقت كماً وكيفاً ، ولعل دول العالم وخاصة الدول النامية قد وجدت في التدريب أثناء الخدمة مخرجاً لمشكلة تدريب المعلمين ؛ حيث أنه لا يستوجب مغادرة المعلم لمدرسته وبالتالى الاحتياج إلى بديل هو أقل تدريباً من هذا الذي جاء ليحل محله ، كما وأن التدريب أثناء الخدمة يستطيع أن يوفر أعداداً كبيرة من المعلمين في وقت وجيز .
التدريب اثناء الخدمة :
ظهرت فكرة تدريب المعلمين أثناء الخدمة كرد فعل لعجز معاهد تدريب المعلمين عن توفير العدد الكافى من المعلمين لمواكبة الزيادة المضطردة في المدارس وزيادة الطلاب . كما أن التدريب أثناء الخدمة ازدهر مع المفاهيم الجديدة والتى دعت إلى استمرارية التعليم والتدريب طوال فترة العمل لزيادة التأهيل ومواكبة المستجدات . وقد دعا الاسلام من قبل إلى ذلك " تعلم العلم من المهد إلى اللحد " ولكن الفكرة في العصر الحديث ازدهرت في بداية السبعينيات حيث ظهرت مفاهيم التعليم طول الحياة أو التعليم المستمر [ Continuing and lifelong education ] والتى تبلورت في تقرير اليونسكو بقيادة العالم فير [ Fawre ] والذى ظهر عام 1972م (4) وقد ساعد التدريب أثناء الخدمة بعد ذلك في الاهتمام بالأنشطة داخل الفصل وفكرة المشروعات وإدخال أساليب جديدة في التعليم .
وقد وجد مخططوا المناهج في التدريب أثناء الخدمة ضالتهم التى تمكنهم من ادخال أفكار جديدة ومشروعات . وقد واكب ذلك ، الاهتمام بالعنصر البشرى والذى هو الأداة التى تحدث التغيير . وصاحب ذلك ، اهتمام الدول وكثير من المنظمات بالتدريب أثناء الخدمة . كما نشأت دراسات وتعاون دولى في هذا المجال مما أوجد كثيراً من الامثلة والتجارب التى انتقلت من الدول المتقدمة الى الدول النامية . كما أن هناك العديد من التجارب التى نشأت وتبلورت في الدول النامية .
ومن خلال البحث والتمحيص يمكن ملاحظة أن التدريب أثناء الخدمة قد حقق خمسة أهداف في تدريب المعلمين هى :
(1) القيام بمهمة التدريب الأساس ، مثال ذلك تدريب معلمى المدارس الابتدائية والوسطى في السودان .
(2) القيام برفع مستوى المعلمين غير المؤهلين تأهيلاً تاماً .
(3) القيام بالتدريب التأهيلى في حالة ادخال مناهج جديدة أو مواد اضافية كما في الرياضيات والعلوم واللغات وخلافه ولباكستان تجربة ثرة في ذلك .
(4) القيام بتدريب المعلمين للقيام بأدوار جديدة لم يتم تأهيلهم لها في الأساس .
(5) القيام بالتدريب التأهيلى أو المستمر والذى يتطلب عودة المعلم من وقت لآخر للتدريب لمدّه بأحدث النظريات والممارسات في مجال التعليم .
وهناك بعض البرامج التى سعت إلى تحقيق أكثر من هدف كما في زمبابوى إذ هدف تدريب المعلمين إلى مواكبة المتغيرات الجديدة في المناهج واعادة تأهيل معلمى المدارس الابتدائية ، ولعل من الأشياء المستخدمة في هذه المجالات تدريب المعلم للقيام بدور جديد بعد ادخال مناهج جديدة أو مواد جديدة ، وفي كل هذه الأحوال - نجد أن - التدريب أثناء الخدمة يخدم هذه الأغراض بكفاءة عالية وبالسرعة المطلوبة والتى تحقق الأهداف في الوقت المحدد .
وقد كانت بداية ظهور أشكال التدريب أثناء الخدمة أمراً طوعياً في شكل (كورسات) قصيرة تقدم في أزمان متفرقة ويشترك فيها المعلمون الأكثر التزاماً بمهنة التعليم والأكثر طموحاً . كما ساهمت منظمات واتحادات المعلمين في تبنى بعض أشكال التدريب أثناء الخدمة ، وكذلك مراكز واندية التعليم والمعلمين . ولكنّ هناك أشكالاً كانت أكثر ممارسة وتبنتها الوزارات والإدارات المرتبطة بالتعليم وأخذت شكلاً رسمياً . وهى تأخذ ثلاثة أشكال :
(1) (الكورسات القصيرة) أو ما يسمى (بالساندوتش كورس) [ Sandwich Course ] ومن الأمثلة ما وجد في البرازيل وناميبيا .
(2) الفصول المسائية وهذه انتشرت في بلاد كثيرة منها على سبيل المثال غينيا والسودان .
(3) التدريب الذى اعتمد نظام التعليم المفتوح .
وهذا الأخير هو أكثرها فعالية وانتشاراً ؛ إذ لا تخلو دولة من ممارسته وقد تعددت أشكاله ، وهو الذى سيكون محور حديثنا خلال هذه الدراسة .
ويمكن الآن استخلاص بعض المفاهيم والأسس التى يمكن الاستفادة منها وجعلها أساساً لمستقبل العملية التدريبية والتى يمكن تلخيصها فيما يأتى :
(1) إنّ تطوير مستوى المعلمين وتدريبهم يجب أن يكون عملية مستمرة وطوال فترة العمل ، ويشمل ذلك التدريب الأساسى ، والتدريب أثناء الخدمة .
(2) إن أساليب تدريب المعلمين يجب أن تكون متنوعة ومتجددة وتشمل التدريب في المعاهد التقليدية ، وفي الجامعات والتى تستوجب التفرغ الكامل للدراسة ، وكذلك كل أشكال التدريب أثناء الخدمة والتدريب المفتوح والتدريب السريع والقصيـر الأجـل ، والتدريب بالراديو ، والتلفزيون والحاسب الآلى ، وخلافه .
(3) البرامج التدريبية يجب أن تكون عملية ومرتبطة بالواقع والممارسة وأن تعالج المشاكل التى تواجه المعلمين داخل الفصول .
(4) تطور المناهج وتطوير قدرات المعلمين يجب أن تسيرا جنباً إلى جنب حتى تتحقق الأهداف التعليمية والتربوية .
(5) برامج التدريب أثناء الخدمة يجب أن تشمل كل العاملين في مجال التربية والتعليم ، خاصة المعلمين في الأرياف والمناطق النائية ، وهؤلاء أشد حاجة للتدريب ، وكذلك الكوادر الإدارية والعاملين في التخطيط والمعلومات واعداد المناهج والتقويم وخلافه ، وان يكون هناك تعاون وتنسيق بين كل هذه الأشكال التدريبية .
مفهوم التعليم المفتوح :
يمكن القول بان التعليم المفتوح يتفق في مضونه وغاياته مع التعليم التقليدى إلا أنه يختلف عنه في الاسلوب والطريقة التى تتم بها عملية التعليم والتدريب .
كما يمكن القول أن التعليـم المفتـوح هـو تطـور للتعليـم بالمراسلـة [ Correspondence education ] وهو الذي اعتمد على استعمال البريد في ارسال المواد التعليمية ، وانتشر على نطاق واسع ، خاصة في الدول المتقدمة . ولكن في السنوات الثلاثين الأخيرة حدث تطور كبير في المفهوم والممارسات وأخذ شكلاً مختلفاً عن التعليم بالمراسلة ، وزادت المؤسسات التعليمية والتدريبية التى تأخذ بهذا النمط ، وتضاعفت أعداد الطلاب المستفيدين منه . وقد ساهمت عوامل كثيرة في ذلك أهمها التطور التكنولوجى والذى أضاف معينات كثيرة ووسائل سمعية وبصرية . وقد أوضحت الدراسات أنّ التعليم المفتوح انتشر على كل المستويات التعليمية ، فنجد على المستوى الجامعى في شكل الجامعات المفتوحة وغيرها ، وكذلك على مستوى التدريب الإدارى ، والتعليم الثانوى ، ومستوى محو الأمية والتنمية الريفية إلا أنه كان أكثر انتشاراً ونجاحاً على مستوى تدريب المعلمين .
ولعل أكثر اسمائه انتشاراً في العصر الحديـث هـو التعليـم عـن بعـد [ Distance Education ] إلا أن الاسـم الشائـع فـي العالـم العربـي هـو [ Open learning ] التعليم المفتوح ، كما أنه قد ازداد استعماله في كثير من بلاد العالم . وقد نشأت الكثير من المؤسسات التى ترعى هذا النمط من التعليم في كل قارات العالم وأكبر منتدى هو المجلس العالمى للتعليم عن بعد ومقره في أسلو في النرويج (6) . [ International Council for Distance Education ]
ولعل أهم خصائص التعليم المفتوح ومميزاته الآتى :
(1) أن هناك فصلاً دائماً بين المعلم والمتعلم وهذا يميز التعليم المفتوح عن التعليم التقليدى .
(2) ان هناك مؤسسة تقوم بالتخطيط للعملية التعليمية ثم التنظيم ، خاصة تجهيز وإعداد المواد التعليمية ثم الاشراف الادارى على الطلاب . هذه الخاصية تميز التعليم المفتوح عن الدراسة الذاتية والاطلاع الخاص .
(3) استعمال التكنولوجيا الحديثة في التعليم ، وتشمل المواد المطبوعة ( وهذه شهدت تطوراً كبيراً من ناحية الوسائل والتكنولوجيا المستعملة فيها ) – الاذاعة والتلفزيون والفيديو والكمبيوتر وهذه تصل بين المعلم والمتعلم وتحمل عبء معظم العملية التعليمية .
(4) وجود اتصال مع جانبين [ Two - Way Communication ] يجعل الطالب والعملية التعليمية تستفيد من ذلك . وهذا يميز التعليم المفتوح عن الاستعمال التقليدى للتكنولوجيا في التعليم .
(5) اختفاء وجود الجماعة على طول العملية التعليمية بمعنى أنّ الناس يتعلمون فرادى وليس في جماعة . الآن هناك امكانية تنظيم لقاءات لأغراض تخدم العملية التعليمية والأغراض الاجتماعية والنفسية .
(6) وجود العديد من مظاهر العمليات الصناعية في التعليم المفتوح اكثر من التعليم التقليدى .
النقطة الأخيرة والخاصة بالمظاهر الصناعية في التعليم المفتوح من نظرية [ بيترز Peters 1983م ] والذى افترض ان التعليم المفتوح هو أقرب إلى العمليات الصناعية حيث تظهر فيه مظاهر تقسيم العمل( Division of Labour ) الذى يقوم بإعداد المواد التعليمية ليس بالضرورة نفس الشخص الذي يقوم بالاشراف على الطلاب ...الخ وانتاج المواد التعليمية بكميات كبيرة حيث يتعامل التعليم المفتوح مع إعداد هائلة من الطلاب أقرب ما يكون للانتاج الصناعى ثم وجود كثير من مظاهر النهج العلمى .
إذن فإن الدراسة ذاتية تتم في المنزل ولا توجد فصول دراسية منتظمة فالطالب يتلقى المواد الدراسية والتى تكتب بطريقة معينة مع التوجيهات اللازمة حول طريقة الدراسة . والطالب يدرس في الوقت الذي يناسبه وفي هذا الكثير من المرونة والحرية يمثل اختلافاً جذرياً عن التعليم التقليدى والذي يستوجب حضوراً شخصياً والتزاماً . والدارس مع ذلك يتلقى إشرافاً من على البعد من متخصصين تعينهم المؤسسة التعليمية .
ولعل من أهم ما يميز هذا النمط من التعليم الاستعمال المكثف للوسائل والوسائط التعليمية التربوية والتى يمكن ان نلخصها في الآتى (7) :
أ ) المادة المكتوبة : [ Written text ] أو المذكرة الدراسية وهى أهم الأجزاء ، وتكتب خصيصاً للدراسة الذاتية بحيث تقسم إلى أقسام وتشتمل على رسوم وأشكال توضيحية وأسئلة . يطلب من الدارس الإجابة عنها ومعالجتها للتأكد من استيعابه لأى جزء قبل الانتقال إلى الجزء الآخر .
ب) مجموعة وسائط تعليمية تشتمل على تراث تكنولوجيا التعليم ووسائل سمعية وبصرية راديو ، تلفزيون ، فيديو ، تعليم مبرمج ، كمبيوتر ، تسجيل صوتى ..... الخ . والملاحظ أن المؤسسات التعليمية تتفاوت تفاوتاً شديداً في الاختيار من هذه الوسائط .
ﺟ ) الإشراف على الطلاب ، وهذا متوافر في معظم برامج االتعليم المفتوح إذ يعين مشرف للطالب في الدراسة يشرح له بعض المسائل الصعبة كما يصحح واجباته ويعطيه التعليقات المناسبة التى تساعده في الدراسة وقد يعقد دروساً جماعية لمجموعة من الدارسين لمعالجة بعض المسائل التعليمية .
مميزات التعليم المفتوح في تدريب المعلمين :
كما ذكرنا فإنّ مجال تدريب المعلمين هو أكثر مجالات استعمال التعليم المفتوح ، وذلك للخصائص والمميزات التى يتسم بها ، ويمكن عرض هذه المميزات مع مراعاة المقارنة بين التدريب المفتوح والتدريب التقليدى الذى يتم في معاهد تدريب المعلمين :
(1) إنّ إرسال المعلمين للتدريب في معاهد المعلمين والجامعات يستوجب إبعادهم عن المدارس وإيجاد البديل لهم وهؤلاء بالطبع يكونون غير مدربين ، أما في التدريب المفتوح فإنّ المعلم يبقى في مدرسته والبديل غير مطلوب لأنه يقوم باعبائه كاملة .
(2) التدريب في معاهد المعلمين يستوجب تدريب معلمى تلك المعاهد والكليات بواسطة أساتذة في تلك المعاهد والكليات . أما التدريب المفتوح فانه يعتمد على متعاونين في اعداد المواد الدراسية كأساتذة الجامعات والكليات . كما يعتمد على المتخصصين في الاشراف على الدارسين وهذا يحقق دخلاً اضافياً وعملاً مفيداً لاساتذة الجامعات والمشرفين الذين يتم ترشيحهم من قدامى المعلمين ذوى الخبرة الطويلة .
(3) وقد وجد أن التعليم المفتوح اقل تكلفة من التعليم التقليدى لكونه لايعتمد على بنيات أساسية عالية التكلفة كالقاعات والمدارس والمبانى الأخرى . ولا يعتمد على أساتذة ومعلمين على أساس التعيين الدائم . ولذلك فهناك دراسات عديدة على أنه أقل تكلفة . فقد وجد ليل [ Lile] في دراسة له عام 1966م ان تدريب المعلمين عن طريق التعليم المفتوح يكلف 341 دولار ومعاهد المعلمين 820 دولار للطالب الواحد . وفي دراسة أخرى وجد كاوندا عام 1972م ان التدريب عن بعد يكلف نصف تكلفة كليات المعلمين في زامبيا . وفي دراسة حول المنحى متعدد الوسائل في السودان وجد انه يكلف حوالى ربع تكلفة معاهد إعداد المعلمين .
(4) تكلفة إعداد المعلمين باهظة جداً خاصة إذا أضيف لها السكن واقامة الدارسين وإعداد المدربين ، ومع ذلك فان الخريج يحتاج إلى ثلاث سنوات أو أربع قبل أن يتخرج وهذا يستغرق زمناً طويلاً ولا يتناسب مع الحاجة العاجلة للمعلمين .
(5) وبالمقابل فالتدريب المفتوح لا يحتاج إلى مبان ، ويستعمل أقل عدد من الأساتذة الدائمين وأن عدداً كبيراً من الدارسين يمكن استيعابهم في البرامج التدريبية وهذا يوفر وضعاً أكثر مرونة . أضف إلى أن التدريب المفتوح يصل إلى المعلمين في المدن والأرياف أينما وجدوا .
(6) في حين أن التدريب المفتوح يصل للمعلمين في أماكن وجودهم ، فإنّ التدريب التقليدى يستوجب نقل المعلمين من الأرياف إلى المدن حيث معاهد التدريب وهنا يواجهون مشاكل الاستقرار في المدن وفي اغلب الاحيان لايعود هؤلاء إلى مناطقهم . ففي دراسة تمت في عام 1980م في الاتحاد السوفيتى ( سابقاً ) وجد أن 38٪ من المعلمين لايعودون إلى مواقع عملهم بعد اكتمال تدريبهم .
(7) في حالة وجود مواد تدريبية تبث من خلال أجهزة الاعلام الجماهيرى الراديو والتلفزيون والتى يصل ارسالها إلى كل البلاد -فإن ذلك يحقق فوائد لكل التعليم والمجتمع عامة . وقد ذكر كبواسا وكاوندا أنّ برامج تدريب المعلمين التى يستفيد منها حوالى 8000 معلم تنعكس فائدتها على أكثر من نصف مليون شخص في كينيا . وقد قدر موسى ان 46٪ من أساتذة الجامعات البريطانية يستعملون مواد الجامعة المفتوحة في دراستهم .
(8) أوضحت الدراسات التى تعالج وجهة نظر الدارسين من المعلمين أنهم يفضلون ان يتأهلوا دون مغادرة مناطقهم خاصة المتزوجين منهم ؛ لأن ذلك يعفيهم من تكلفة السكن ، أو الصرف على أسرهم ، وتعدد جهات الصرف بالنسبة لهم وللأسر . كما وجد أن التدريب المفتوح يحقق الحرية في الدراسة في تطوير عاداتهم الدراسية ويمكنهم من برمجة دراستهم في الوقت المتاح لذلك .
واخيراً لوحظ أن البقاء في نفس مناطق العمل لايحرم بعض المعلمين من أعمال كالزراعة وخلافه وهذه تسهم أسهاماً كبيراً في زيادة دخلهم واستقرارهم .
(9) إنّ المعلمين في المناطق الريفية والبعيدة عن المدن لايجدون المجال للرجوع للمكتبات ، أما في التدريب المفتوح والذى يوفر لهم كثيراً من المواد الدراسية والجاهزة التى تمدهم بما يحتاجون من مراجع ومواد دراسية تساعد في تدريبهم كما تساعدهم كذلك في تحضير الدرس للطلاب . وبالطبع فإنّ معاهد المعلمين تحرمهم من ذلك ؛ لأنها تسترجع منهم كل الكتب التى يستعملونها أثناء الفترة التدريبية .
أنماط الممارسة في تدريب المعلمين :
إنّ أشكال وأنواع التعليم المفتوح في تدريب المعلمين قد تعددت . كما أن الأهداف التى تخدمها قد تنوعت أيضاً مما نتج عنه ممارسات وتجارب عديدة نستعرضها في هذا الجانب ، فالأهداف التى يحققها التعليم المفتوح في تدريب المعلمين هى :
(1) التأهيل الأكاديمى للمعلمين : تناولت بعض الممارسات تأهيل المعلمين غير المؤهلين أكاديمياً . كما هو الحال في حالة تأهيل معلمى المدارس المتوسطة في كينيا إلى مستوى الثانوية ونفس الشئ في ملاوى منذ عام 1965م .
(2) عندما يكون المعلمون مؤهلين أكاديمياً يستعمل التعليم المفتوح للتأهيل الفنى والتدريب على طرق التدريس . ونجد هذا النوع في العديد من الجامعات الأسترالية حيث تتيح للمعلمين التأهيل المهنى من خلال (كورسات) تستعمل أساليب التعليم المفتوح ، ومن التجارب المشهورة كذلك في هذا المجال جامعة الهند الغربية التى فتحت المجال لكورسات تأهيلية للمعلمين لعديد من جزر البحر الكاريبى . ولعل التعليم المفتوح هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق التدريب نسبة لتباين تلك الجزر وصغرها وعدم مقـدرة العديـد من المعـاهد للوفاء بهذا الغرض.
(3) النوع الثالث هو الذي يجمع بين التأهيل الأكاديمى والفنى ، أى تحقيق التعليم الأكاديمى الأساسى وإكساب المعلمين مهارات فن التدريس . كما هو الشأن في معاهد التأهيل التربوي في السودان وكذلك بتسوانا ، حيث تم تدريب وتأهيل أكثر من 80٪ من المعلمين عن طريق التعليم المفتوح .
(4) النوع الرابع يشمل برامج تشتمل التأهيل الأكاديمى لمواد بعينها كالرياضيات الحديثة ، والعلوم ، واللغات وخلافه . وقد أسهم هذا النوع من التأهيل الأكاديمى لمواد جديدة كالرياضيات الحديثة في موريشص وتدريس العلوم في مدارس الأساس في شيلى .
الأساليب والوسائل التعليمية :
ومن ناحية أخرى فقد تعددت كذلك الأساليب والوسائل التى أستعملت في أنحاء مختلفة من العالم ويمكن القول إن هناك أربعا من الممارسات هى :
(1) برامج أستعملت المادة المكتوبة فقط في التأهيل وهذه اشبه ما تكون بالتعليم بالمراسلة الذى أستعمل منذ القرن الماضى . هذا النوع نجده في بورما وداهومى وجزر الهند الغربية .
(2) نوع آخر اعتمد على المادة المكتوبة ، ولكن أضيف إليها التسجيل الصوتى كما هو الحال في معهد التأهيل القومى في نيجيريا . والملاحظ أن كلا هذين النوعين يمتازان بقلة التكلفة ؛ فالتسجيل الصوتى لا يكلف كالوسائل التعليمية الأخرى .
(3) كما نجد برامج لتدريب المعلمين استعملت البث الإذاعى ( الراديو والتلفزيون ) مع المادة المكتوبة وقد أشتهرت بذلك جامعة الراديو والتلفزيون في الصين .
(4) ممارسات استعملت المادة المكتوبة مع اللقاءات العلمية والتى تتم من وقت لآخر وهذا النوع انتشر على نطاق واسع في جامبيا في أفريقيا وكذلك في برامج تدريب المعلمين في شيلى بأمريكا الجنوبية .
لعل هذا النوع الرابع هو أكثر الأساليب استعمالاً ، وهو الذى تتبعه في الآونة الأخيرة الجامعات المفتوحة التى انتشرت في مختلف بقاع العالم النامى والمتقدم ، ولعل أشهر الممارسات نجدها في الجامعة البريطانية المفتوحة وجامعة العلامة إقبال في باكستان ، والجامعة المفتوحة في تايلاند ، وهنا نجد المادة المكتوبة والوسائل الإلكترونية من راديو وتلفزيون وفيديو وخلافه كل ذلك بجانب اللقاءات والتى يتم فيها حضور الدارسين لفصول نظامية من وقت لآخر هذا النوع نجده كذلك وبممارسات متنوعة في كل من كينيا ، ساحل العاج ، الجزائر ، بتسوانا ، يوغندا ، نيجيريا ، سيرلانكا ، وسوازلاند .
المصدر: مختار عثمان الصديق – التعليم المفتوح . مجلة العلوم المجلد الثانى . العدد الأول .
نشرت فى 3 أكتوبر 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,776,409