لقد أصبح لنشاط العلاقات العامة في عالم اليوم ضرورة قصوى لكل حكومة ولكل مؤسسة عامة أو خاصة ، وذلك لكي يربطها بجماهيرها التي ازداد وعيها الثقافي وتطلعاتها وارتفعت توقعاتها وآمالها في أن يتوفر لها العيش الكريم المناسب بواسطة المؤسسات الخادمة في القطاعين العام والخاص.
ويمكن أن نحدد خمسة مجالات نشطت فيها العلاقات العامة نشاطاً ملحوظاً في هذا القرن وهي:
1- العلاقات العامة في المجال الحكومي:
يتسم هذا القرن بالزيادة الهائلة في أعباء الحكومات، وارتباط الفرد بها ارتباطاً وثيقا، فلقد أصبحت الدولة الحديثة تسمى بدولة الخدمات والرفاهية وصارت مسئولة عن المواطن منذ تاريخ ميلاده وحتى وفاته وأصبحت الحكومة هي الملاذ الوحيد لحل المشاكل والحاجة والفاقة والمرض والجهل في سائر أنحاء العالم وبصفة خاصة في الدول النامية. وتهدف العلاقات العامة في المجال الحكومي إلى ما يلي:-
<!--التوعية والإرشاد والإعلام:
تهدف العلاقات العامة على مستوى الحكومات السياسية إلى إعلام المواطن بوجه النشاط والحكومة في كافة الميادين السياسية والاجتماعية والثقافية والدبلوماسية والعالمية وذلك بغرض خلق المواطن الواعي والمشارك والمساهم برأيه وتأييده ورضاه عن نشاط حكومته لا سيما في البرامج التنموية التي تحتاج فيها الدول إلى عون المواطنين ومشاركتهم ومساهمتهم المادية والمعنوية.
كما تقوم بشرح وتفسير القوانين ونظم وإجراءات العمل الجديدة في المجالات الاجتماعية والخدمية والاقتصادية حتى يكون مدركاً وملماً بالتغييرات والتي تحدث في نظم العمل والخدمات ، فيسهل عليه إنجاز أغراضه وحاجاته دون عناء.
<!--كسب رضى الجمهور وتأييده للسياسات الحكومية:
لا تستطيع حكومة ما من القيام بأي سياسات قومية كبرى ما لم تهيئ أذهان المواطنين لها وما لم تعمل على كسب رضى الجمهور وثقته في تلك السياسات القومية ، وذلك لشرحها له ومناقشتها معه في اجتماعات سياسية قومية كانت أو إقليمية وفي إذاعية وتلفزيونية وقد تأخذ هذه السياسات القومية شكل مشاريع اقتصادية أو اتفاقيات دولية أو قوانين ولوائح عمل جديدة أو دستور عام للبلاد ، طل هذه النشاطات تحتاج إلى حملات إعلانية توضيحية للشرح والاستئناس بآراء الجماهير قبل إقرار السياسة أو الخطة ، وهكذا يتهيأ قبول الجمهور لتلك السياسات عند صدورها أو تطبيقها.
<!--معرفة الرأي العام فيما يختص بتقييمه لمستوى الأداء العام للخدمات والعمل على تلبية رغباته:
فالحكومة يهمها أن تعرف رأي الناس عن أداء مؤسساتها السياسية كالجهاز التنفيذي المكون من مجلس الوزراء تماماً كما يهمها أن تعرف مدى رضى الناس عن الخدمات الضرورية التي تقدمها لهم الوزارات والمصالح الحكومية كخدمة الكهرباء ومياه الشرب والبريد والبرق والمواصلات والضمان الاجتماعي إلى غير ذلك من الخدمات الضرورية المتعددة .
<!--العمل على دحض الشائعات والحملات والمغرضة بإبراز الحقائق والملابسات:
وتتصدى نشاطات العلاقات العامة القومية للحكومة إلى الحملات الدعائية الجائرة الواردة في الإعلام الخارجي أو الشائعات من بعض الجماعات الداخلية ، وذلك بذكر الحقائق المجردة والصادقة بغرض توعية المواطنين وإعلامهم بالموقف الصحيح والأخبار الصادقة حتى لا يصبح المواطن مطية لتلك الشائعات والحملات الكيدية.
<!--اهتمام الحكومة بشئون موظفيها وعمالها:
بأن تهيئ لهم الظروف الطبيعية والصحية للعمل ، وان تدفع لهم أجورهم ورواتبهم التي تتلاءم مع الظروف الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية.
2- أهداف العلاقات العامة على مستوى المنظمات الحكومية:
تهدف العلاقات العامة في أية منظمة من المنظمات الحكومية على وجه الخصوص على تحقيق ما يلي:
<!--إعلام المواطنين بالسياسة العامة: التي تبغي الوصول إليه، كي يكونوا على بيئة من هذه السياسة ليسهل توثيق التعاون المثمر بين المنظمة والمواطنين .
<!--إيصال رغبات وطلبات المواطنين إلى الإدارة العليا في المنظمة: بحيث يساعد وصول هذه الرغبات والطلبات إلى تلبيتها قدر الإمكان .
<!--الاهتمام برغبات وحاجات العاملين (الموظفين والعمال) في المنظمة من الناحية الثقافية والصحية والترويحية، وذلك بدفع الأجور المناسبة ووضع أنظمة الترقية موضع التنفي وعلى قدم المساواة بين الجميع ، بحيث تساعد هذه الأنظمة على توثيق عرى الصلات الطيبة بين الإدارة والعاملين .
<!--الاهتمام والتأكيد على الاتصال بين المنظمة والمنظمات الأخرى: سواء تلك التي تتشابه معها في الانتاج والخدمات الأخرى أو التي تختلف عنها في ذلك بواسطة المطبوعات والنشرات والكراسات والاتصالات التلفزيونية وغيرها من وسائل الاتصال الأخرى ، لأن توثق هذه الاتصالات يؤدي إلى تقوية العلاقة لين هذه المنظمة والمنظمات الأخرى سواء كانت في البلد الواحد أو في البلدان المختلفة .
3- أهداف العلاقات العامة على مستوى المنظمة:
تتولى وظيفة العلاقات العامة في المنظمة دعم الاستجابة المتبادلة بين المنظمة وبيئتها (المجتمع) وكذلك بين إدارتها وبين العاملين فيها ، ولذا تتجه هذه الوظيفة إلى الآتي:
<!--كسب ثقة البيئة الداخلية ودعمها:
ممثلة بالوحدات التنظيمية وجمهورها أي الأفراد العاملين فيها ومنظماتهم (نقاباتهم) وكذلك جمهور المتعاملين (الزبائن والموردين أو المجهزين والوكلاء أو الموزعين) ويتحقق هذا الهدف بوساطة الأهداف الفرعية الآتية:
<!--تحفيز الثقافة المشتركة للمنظمة نحو خلق القناعة بالترابط بين أهداف المنظمة وأهداف جمهورها
<!--توعية الإدارات المختلفة في المنظمة بأهمية كسب ثقة الجمهور.
<!--تعريف الجمهور بفئاته المختلفة بأهمية أهداف المنظمة ودورها في تنمية المجتمع.
<!--الاستيعاب الجيد لحاجات جمهورها ورغباته ومواقفه من المنظمة ومخرجاتها .
<!--مساعدة جمهورها على الانتفاع الجيد من مخرجاتها وعلى الإسهام الجيد في توفير مستلزماتها .
<!--الإسهام في معالجة المصاعب والمعوقات التي تواجهها في علاقاتها بجمهورها .
<!--كسب ثقة البيئة المحيطة بها ودعمها:
ممثلة بسلطات المجتمع ومنظمات الأعمال ، وكذلك بجمهور المواطنين أو الرأي العام ويتحقق هذا الهدف بواسطة الأهداف والفرعية الآتية :
<!--التوضيح الجيد لإمكانيات المنظمة وإسهاماتها في تنمية المجتمع وتقدمه .
<!--إقامة علاقات إيجابية مع المنظمات والأجهزة الحكومية والمعنية بمدخلاتها أو مخرجاتها لضمان الإنسانية في عملها .
<!--استثارة ودعم بيئتها فضلاً عن جمهورها لسياساتها والتغييرات لسياساتها والتغييرات المستخدمة فيه .
<!--التحديد الواضح لاحتياجاتها (متطلبات عملها ومستلزمات نجاحها) وتحفيز مصادر توفيرها لتزويد المنظمة بها .
ويعتقد البعض أن لإدارة العلاقات العامة نوعان من الوظائف بعضها يعتبر وظائف أساسية وجوهرية ، تقوم بها العلاقات العامة وتكون مسئولية عنها أمام الإدارة العليا ، ووظائف أخرى تشترك بها مع الإدارات الأخرى في المنطقة الواحدة ، فدراسة وتحليل آراء المواطنين وتقديم التقارير والمقترحات والتوصيات التي تهتدي بها الإدارة العليا عند رسم السياسة العامة للمنظمة، ونقل وجهات نظر المنظمة إلى الجماهير والتأثير على نشاطهم بواسطة الوسائل الإعلامية العديدة تعتبر والوظائف الأساسية للعلاقات العامة .
كما وقد تشترك إدارة العلاقات العامة مع الإدارات الأخرى بصورة غير مباشرة، كاشتراك العلاقات العامة مع إدارة الأفراد في إعداد المطبوعات والنشرات المتعلقة بشرح أعمال المنظمة وتنظيماتها الداخلية (دليل المنظمة) واشتراكها مع إدارة التسويف في التعريف بالإنتاج الجديد وفائدته وإعداد الإعلانات المتعلقة بهذا الإنتاج، وتتعاون مع إدارة الإنتاج في الموضوع ، وتشترك مع الإدارة المالية في إعداد التقارير المالية والميزانيات العمومية بأسلوب سهل الفهم ويثير الاهتمام، وأخيراً فإن إدارة العلاقات العامة ، في بعض الأحيان تقوم بالإشراف على كافة مراسلات المنظمة لغرض ضمان التزامها بأسلوب المجاملة والمودة واللطف في مخاطبة المنظمات الأخرى ومع كافة المتعاملين معها، وفي كثير من الأحيان يتم التعاون بين مدراء الإدارات المختلفة في المنظمة الواحدة، عن طريق تشكيل لجنة منهم يتم بواسطتها التشاور وتنسيق العمال المتعلقة بنشاط العلاقات العامة ولذلك لوجود أكثر من علاقة واحدة بين هذه الإدارة والإدارات الأخرى.
4- العلاقات العامة في المجال الاجتماعي التطوعي:
إن المؤسسات الاقتصادية تستطع أن تتبين بسهولة حقيقة رأي الناس في منتجاتها ومدى ثقتهم فيها من متابعة حركة المبيعات يوماً بعد يوم وشهر بعد شهر، غير أن هذا المؤشر السريع غير متوفر لدى كثير من المؤسسات الاجتماعية التي تقدم خدمات اجتماعية تطوعية للمجتمع ، ولذلك فلا غنى لها عن استطلاع الرأي العام من وقت لآخر لضمان تأييد ودعم الجماهير لخدماتها ، ولمعرفة متطلبات الجماهير فيما يختص بنوعية الخدمة وجودتها أو تعديلها أو تبديلها حسبما يرى الرأي العام من الجهة الأخرى.
فعلى سبيل المثال قد تريد المؤسسة أن تعرف نفسها للجمهور بأنها تعمل في قضية الرعاية الاجتماعية للمعوقين أو رعاية الصم والبكم في المجتمع ، ولذلك فهي تريد أن تثير اهتمامهم بقضيتها وتكسب تعاطفهم معها وتحفزهم للمساهمة الفعلية بالمال والجهد والوقت في مشاريعها.
مثل هذه المؤسسة تحتاج فيما تحتاج إليه إلى حملات توعية وبرامج متنوعة في العلاقات العامة لتحقيق أهدافها نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الآتي:
<!--غرس الشعور بالمشاركة والمسئولية :
وهذا من الأمور التي ينبغي الاهتمام بها في برامج العلاقات العامة وهذا الأمر لا يتطلب إعلام المواطن به فحسب ولكن لابد من توليد الشعور فيه بالمشاركة والمساهمة الإيجابية، وربما تحتاج الحملة إلى تكثيف الإعلام وشرح القضية من خلال الكتيبات المصورة واللوحات والأفلام والتمثيليات والاجتماعات والندوات.
<!--أسلوب تنظيم الزيارات:
وذلك لأن الرؤية بالعين هي أكثر إقناعاً من السماع، فتأثير رؤية النشاط الاجتماعي المقدم فعلياً أقوى بكثير من محاضرة أو خطبة عصماء في موضوع الرعاية الاجتماعية. ومن المفيد دعوة قادة الرأي العام، والشخصيات ذات الأثر التي تؤمن بالخدمة الاجتماعية وبالمسؤولية الاجتماعية وبمساعدة الضعيف والمنكوب في المجتمع المحلي حيث أنه من المفيد دعوتهم لمشاهدة النشاطات الاجتماعية وإشعارهم بضرورة مشاركتهم فيها، بل وجعلهم أعضاء دائمين في لجان ومجالس إداراتها.
<!--أسلوب تنظيم حملات التبرعات:
أن من أهم نشاطات العلاقات العامة في المؤسسات الاجتماعية أن تجمع التبرعات من المؤسسات الاقتصادية والأفراد الأثرياء والجمعيات والحكومة وأن أسلوب جمع التبرعات يعتبر في حد ذاته أسلوبا لربط الجماهير بأهداف المؤسسة والتعاطف معها ، ويمكن أن يتم جمع التبرعات من خلال النداءات بالبريد وإقامة الحفلات الترفيهية والأسواق الخيرية ، ويمكن استخدام الشخصيات البارزة في المجتمع والمؤثرة فيه في حملات التبرعات لأنها أقدر من غيرها على إقناع الناس بوجاهة المشروع والمساهمة الإيجابية فيه بالمال والمواد.
5- العلاقات العامة في المجال السياسي :
في الدول التي تأخذ بالديمقراطية البرلمانية وتعدد الأحزاب السياسية، يكون للعلاقات العامة دور كبير في استقطاب الجماهير والتأثير عليهم لصالح سياسي معين أو حزب من الأحزاب السياسية المتنافسة على كراسي الحكم، سواء كان ذلك في الانتخابات العامة على الصعيد القومي أو الإقليمي أو المحلي.
ولقد كانت الحملات الانتخابية واستخدام محترفي العلاقات العامة وخبراتها لبلورة السياسات الحزبية وشرح أبعادها للجماهير وتهيئة الرأي العام والتأثير عليه كانت من أقدم النشاطات في مجال العلاقات العامة الحديثة، وكان للصحفيين دور بارز في الإعلان عن المرشحين وسياساتهم، ومن هؤلاء الصحفي لويس ماكنهري الذي كان مستشار العلاقات العامة للرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت 1920، وعلى صعيد التاريخ العربي المعاصر الصحفي محمد حسين هيكل في صحيفة الأهرام والمذيع أحمد سعيد في ربط الجماهير العربية بقيادة جمال عبد الناصر في الستينات وأوائل السبعينات من هذا القرن.
وتعتبر المقدرة على الخطابة من جانب السياسيين أنفسهم والتحليل السياسي الرفيع وتحرير رسائلهم وخطبهم بواسطة مستشاريهم في العلاقات العامة هي الوسائل الأساسية في إقناع الجماهير بقيادتهم وببرامجهم الانتخابية والحزبية، حيث أن الدلائل تثبت أن الجماهير يتأثرون بما يرون ويسمعون فعلاً، ويفاوضون بين المرشحين على أساس مقدرتهم الخطابية ولباقتهم في المناقشة والمجادلة والقدرة على الإفحام الفوري لمنافسيهم وشرح فلسفتهم في الحكم والإدارة، ومن هذا المنطق فإن الحملات الانتخابية للسياسيين تركز على أسلوب شخصيات المرشحين على شاشات التلفاز وفي الليالي السياسية بأسلوب مكثف وجذاب الأمر الذي زاد من تكلفة تلك الحملات الدعائية الانتخابية وجعلها وقف على الأثرياء والقادرين مالياً على تحمل أعبائها الباهظة.
لقد أصبح رجل العلاقات العامة شخصياً لا غنى عنه لأي سياسي في العصر الحديث، بل أصبح شخصاً ملازماً للسياسي في حركاته وسكناته يبرمج له الخطب ويكتب له الرسائل الصحفية ويعلن عن برامجه وتحركاته، ويعمل كحلقة وصل بينه وبين جماهير الناخبين يستقطب تأييدهم ويحمل عنهم آرائهم وطموحاتهم للسياسي.