وزير الآثار المرشح حمل خيمته وعاد لميدان التحرير عقب استبعاده. وفي الخيمة أعلن أنه سيواصل اعتصامه إلى أن يقتلع الفساد، وأنه فعل ما عجز عنه عصام شرف بعد أن أصبح رئيسًا للحكومة منزوع الصلاحيات.
الميدان صار عنوانًا للباحثين عن بطولات، ومقبرة لأحلام شعب في الديمقراطية والحريات والرخاء. وها هو شرف يخرج عن صمته معلنًا أن هناك من يعطل أداءه، ويمنعه من إنجاز دوره في سبيل نهضة الدولة.
وليته كان أشجع من ذلك وقالها بصراحة: إن ميدان التحرير هو المعطل لحكومته ورمز الفوضى الضاربة في البلاد، وأنه -أي شرف- وقع في غلطة لا يفعلها قائد ومسئول عندما حاول في تشكيلة حكومته، خطب ودّ المعتصمين الذين يصلبون خصومهم عرايا فوق أعمدة الإنارة!
أغرب توصيف للميدان جاء على لسان جورج إسحاق بأنه الجمعية العمومية للشعب التي إذا أمرت يجب أن تُطاع. الجمعية العمومية مجموع أعضاء نقابة مهنية أو هيئة أو نادٍ وما شابه، وهي التي تنتخب مجلسها.
وبهذا التوصيف، فإن ميدان التحرير شعب مستقل له سياساته، وقد سكنه هؤلاء القوم بوضع اليد وفصلوه عن باقي الوطن، حتى إن المار منه إلى شارع قصر العيني مثلاً أو العكس لا بد أن يمر من نقاط جوازات تسأله عن الهوية وتسمح بعبوره أو تعيده إلى بلاده، أقصد من حيث أتى.
في إحدى الخيم يقيم وزير داخلية الميدان وهو شاب من سوهاج متخرج في كلية الحقوق، فشل في الحصول على وظيفة في العهد البائد.
يقوم الوزير بوضع خطط الحماية والحفاظ على حدود دولة الميدان من أي هجوم مباغت، وتوزيع صبية التفتيش على النقاط المختلفة طوال 24 ساعة.
وقد عاش ساعات عصيبة عندما وصل إلى مسامعه أن الجماعة الإسلامية ستقوم بتطهير الميدان بالقوة، فاستنفر المعتصمين ووزع حراساتهم، ولجأ إلى الدروع البشرية وهم الأطفال والنساء، بحيث يظلون في الخيم ولا يتركونها.
وعندما انقطعت الكهرباء عن الميدان قبل يومين لمدة 23 دقيقة، أصيبت الدولة الصغيرة بالذعر، وتعالت صرخات النساء والأطفال؛ ظنًّا بأن الهجوم قد بدأ. وعلى الفور تم تكثيف حراسات النقاط والحواجز.
كوميديا سوداء! لا أعلم لماذا تسكت عنها الدولة ولا تقيم القانون؟!
إننا أمام واقع فرضه قطاع الطرق بدون أن يلقوا أي مقاومة، بل ينافقهم الإعلام بجميع وسائله، بما فيه الإعلام الحكومي لدولة مصر المجاورة الشقيقة!
أي ديمقراطية في العالم تفعل ذلك؟!.. ولماذا يسكت الشيوخ ومن بينهم خطيب الميدان الثائر ورجل جمال وعلاء وأمن الدولة سابقًا عن الفتيا في أمر من يهلك نفسه بالإضراب عن الطعام والشراب.. هل هو ثائر مؤمن شهيد سيدخل الجنة، أم سيدخل النار باعتباره مات منتحرًا؟!
إن السلطات لو أرادت، تستطيع أن تخلي الميدان من محتليه في دقائق معدودة، خصوصًا أثناء الليل الذي لا تضم خلاله الخيم سوى مئات قليلة بنسائهم وأطفالهم، لكنها لا تشاء؛ لأن قراراتها وأياديها مرتعشة.
لكي نجتاز الأزمة الحالية ونعيد للوطن أمنه وللناس أعمالها ورزقها، يجب فرض القانون على الجميع بالقوَّة بلا خوف، ومحاسبة هؤلاء الذين شبحوا خصومهم وصلبوهم عرايا.
وإن كنا نتخوف من غضب وردة فعل حكومة دولة ميدان التحرير، فلنرفع شكوى للأمم المتحدة عن انتهاكات حقوق الإنسان التي عرضتها القنوات الفضائية، ولنطلب وساطة البيت الأبيض حتى يتم السماح للمواطنين باجتياز الميدان إلى بيوتهم أو أعمالهم أو مصالحهم!
أو يقوم عصام شرف بزيارة الميدان ليوقع على بروتوكولات واتفاقيات اقتصادية وسياسية وإعفاء مواطني الدولتين من التأشيرات!!
ساحة النقاش