نظرات

موقع اجتماعي سياسي و تربوي ونفسي يهتم بالطفل وتربيته وقصصه

لا يحتاج أي مراقب منصف إلى بذل جهد يذكر ليكتشف معاناة الغالبية من الأسر المصرية من الارتفاعات المبررة أحيانا وغير المبررة أحيانا أخرى في أسعار الكثير من السلع الغذائية وغير الغذائية الحيوية والاستراتيجية، إضافة إلى ارتفاع التكلفة الحقيقية للخدمات الأساسية التي يحتاجها كل مواطن مصري، حتى تلك التي يعلن عنها أنها مجانية، كالتعليم والصحة، مما جعل إعادة فتح ملف أجور ورواتب الموظفين أمرا ضروريا. وبنظرة سريعة على أوضاع الموظف العام في الدول التي سبقتنا في مضامير التقدم، وفي عرف كافة المجتمعات التي يتمتع بنيانها بالعافية، تعتبر الرواتب محركا للعمل وقوة دافعة للتميز والإنتاج وأجرا مجزيا يتقاضاه العامل لقاء سلعة ينتجها أو خدمة يقدمها للوطن ولأبنائه. والكثير من هذه الدول تمنح العاملين بالحكومة ميزات مالية أفضل من القطاع الخاص، لأنها تريد للموظف العام أن يكون بعيدا عن أية مؤثرات اقتصادية تجعله متقاعسا أو متحيزا أو مستعدا لقبول الرشوة. أما في مصر الغالية علينا رغم قسوة الظروف وشظف العيش أحيانا، فإن الرواتب والأجور تحولت إلي "إعانة بطالة مستترة للموظفين"، الذين علي الجانب المقابل انعدم عند أكثرهم الحافز وانخفضت ساعات إنتاجيتهم فلم تعد تتجاوز في غالبية المواقع 27 دقيقة يوميا في المتوسط حسب تقارير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

ومن اللافت للنظر في ملف الرواتب والأجور في مصر أن بؤس موظفي الحكومة ليس مطلقا، ولكنه ينطبق علي نسبة تقارب أو تجاوز الـ 90% من الموظفين، ذلك أن هناك وزارات غنية تتوافر لها موارد مالية يحسدها عليها الكثيرون، فتغدق علي موظفيها بما يخرجهم من حالة الكفاف، بل وبما يضع بعضهم علي عتبات الثراء، حيث قد يتجاوز بها الراتب الشهري لأحد الموظفين المبتدئين مجمل الدخل الشهري لأحد مدراء العموم أو وكلاء الوزارة في الوزارات والأماكن الأخري غير المحظوظة. ولقد تفوقت العبقرية البيروقراطية المصرية علي نفسها حينما ابتكرت بنودا متعددة للمكافآت والبدلات والحوافز بهدف تأمين كبار الموظفين وغيرهم من الواصلين والوجهاء والأكابر والمحظوظين، ليصل الدخل الشهري لبعضهم إلي 50 أو 60 ألف أو مائة ألف جنيه، وبسبب انعدام أجواء الشفافية، قد تتجاوز الشائعات الواقع بكثير، فيتزلزل السلام الاجتماعي، ويتعزز الحقد الطبقي، وتنهار العدالة الاجتماعية، ويضرب الانتماء الوطني في مقتل.

ومن الملاحظ أيضا أن التقارير المتعاقبة للجهاز المركزي للمحاسبات ترصد سنويا صورا ونماذج عديدة لسوء توزيع الموارد، وللخلل الفاضح في أولويات إنفاقها، في الوقت الذي يئن فيه المواطن المصري تحت وطأة أعباء الحياة وتكاليفها المتصاعدة، فتبدو الصورة لعموم المواطنين وكأن حكومتنا ووزراءنا مش من هنا أو مش عايشين معانا!!.

وبالرغم من محاولات الحكومة المتكررة لتحسين رواتب ودخول الموظفين، إلا أن هذه الزيادات لاتزال أدني بكثير من الاحتياجات، ولا تزال أسعار وتكاليف السلع والخدمات، حتي تلك التي تقدمها أو تشرف عليها الدولة، أعلي كثيرا من إمكانيات عموم المواطنين. وإذا كان هذا حال العاملين بالميري الذي كان الالتحاق به يوما أملا لكل المصريين، فكيف يكون حال أبناء مصر الآخرين من العمال المؤقتين والفلاحين والأجراء والفقراء؟!!. فلا تعجب قارئي العزيز إذا كان الكل يشكو والجميع يتبادلون الاتهامات، وعندما يسأل البعض: من أين نبدأ؟، تكون الإجابة: لا بد من العمل وفي أسرع وقت ممكن على إحداث إصلاحات هيكلية في نظام الرواتب والحوافز والأجور، بما يعيد للموظف العام هيبته وكرامته، وبما يرفع من مقاومته للانحراف ويعزز عمليا من استعلائه على الرشوة والفساد، وبما يضيق من الفجوات المتزايدة بين الطبقات ويدفع بميزان العدالة الاجتماعية شديد الاعتلال وبادي الاختلال حاليا إلى الاقتراب تدريجيا من نقطة التوازن ومن منطقة الاعتدال والاتزان، وبما يرفع الحد الأدنى لأجر العامل إلى الحد الآمن الذي يوفر له القدر المناسب من متطلبات الحياة الكريمة لتقوية حوافز الإنتاج ولتشجيع التميز والإبداع. وإلى أن يحدث هذا فعلى كل منا أن يتوفر على إصلاح شأنه وأن يجتهد في تقويم ذاته، فلا يغير الله ما بقوم سادتي حتى يغيروا ما بأنفسهم.

المصدر: * رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للتنمية وحماية المستهلك
  • Currently 39/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
12 تصويتات / 562 مشاهدة
نشرت فى 10 ديسمبر 2010 بواسطة nazrat

ساحة النقاش

محمدمسعدالبرديسي

nazrat
( نظرات ) موقع إجتماعي يشغله هم المجتمع سياسيا وتربويا بداية من الاسرة الى الارحام من جد وعم وخال الى آخره , الاهتمام السياسي أساسه الدين النصيحة و يهتم بالثقافةبألوانها ويعد الجانب النفسي والاهتمام به محور هام في الموقع كذلك الاهتمام بالطفل ثقافة وصحة »

ماذا تود البحث عنه ؟

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

642,526

مصر بخير

                         
* الشكر واجب للسيد العقيد هشام سمير  بجوازات التحرير , متميز في معاملة الجمهور على أي شاكلة ..

* تحية للمهندس المصري محمد محمد عبدالنبي بشركة المياه