نظرات

موقع اجتماعي سياسي و تربوي ونفسي يهتم بالطفل وتربيته وقصصه

                         

النت والفضائيات، عنوانان هامان في كتاب عصر السماوات المفتوحة والفضاء المعلوماتي، بل وفي مجتمعات ما بعد الحداثة، هذه حقيقة لا مراء فيها وربما لا اختلاف عليها. وكل منهما سلاح ذو حدين، حيث لم يعودا فقط أحد أهم، إن لم يكونا أهم، أدوات التسويق والإعلان والإعلام، ولكنهما أيضا أصبحا من أبرز آليات التواصل الشخصي والاجتماعي، والدعوة السياسية والعقائدية، وروافد التراكم المعرفي والمعلوماتي، ونوافذ التبادل الثقافي والحضاري بين الدول والمجتمعات والشعوب، هذا إن أردنا النظر إلى الجانب المضيء من الموضوع. وهما يستخدمان أحيانا، وعلى الجانب الآخر، من بعض الأفراد والجماعات والمنظمات والمؤسسات الداخلية والخارجية ذات الأهداف الخاصة، في محاولات التنميط الفكري والغزو الثقافي وغسيل المخ الجماعي ومسح أو مسخ الهوية (لا فرق فالنتائج متقاربة أو واحدة)، وتسطيح العقل الجمعي، وفي التوجيه السياسي والديني، بل وأيضا في إلهاء الشباب وتغييب العقول، وفي نشر الأكاذيب وترويج الشائعات، خاصة بين الشرائح العمرية الأصغر سنا، والتي تكون بحكم قلة الخبرة أكثر حماسة وتأثرا وتفاعلا مع ما تقرأه وتسمعه وتشاهده، هذا إن أردنا النظر إلى النصف الفارغ من الكوب، لكي تكتمل الصورة.

                       

وقد لا يمر يوم دون أن يقضي الواحد منا دقائق، قلت أو كثرت، أمام النت، يسبح في فضائه، يتصفح في صفحاته، ويقلب بين مواقعه، ليتابع كل جديد وطريف، كل حسب هواياته واهتماماته وأولوياته. أما الغالبية من الصغار والشباب، فهم يقضون أمام شاشات الكمبيوتر يوميا الساعات الطوال، ودون شك إليهم أكثر من غيرهم، يتم تقديم محتواه وتوجيه رسائله في صور براقة وأشكال جاذبة، مما يعمق من تأثيره ويعظم من مخاطره، ليس فقط على الأطفال والمراهقين والشباب والفتيات، ولكن أيضا على الرجال البالغين والنساء الناضجات. وكم من أسر مستقرة انفرط عقدها وتبدد سلامها، ليس بسبب النت، ولكن بسبب التزيد في استعماله أو سوء استخدامه. وليس سرا ما أذاعته شركات التصفح العالمية الكبرى، من أن أكثر المترددين على المواقع المشبوهة في الأعوام الأخيرة، هم من أبناء المجتمعات والمدن العربية والشرق أوسطية، التي ما زالت حتى الآن ترفع شعارات التقليدية والمحافظة، ولا داع لأن نذكر أسماء هذه المدن تحديدا، لأن الحقيقة لن تكون فقط مؤلمة، ولكنها ستكون أكثر من صادمة.

       

أما عن الفضائيات، فحدث ولا حرج، فلقد أصبح غالبية المصريين والعرب من مدمني الجلوس أمام شاشات التليفزيون، فهذا مدمن على البرامج الحوارية و"التوك شوز" التي غالبا ما تستضيف المتحدثين المتحمسين كثيرا، والمتجاوزين أحيانا، ليناضلوا من أجل تحرير فلسطين والعراق، وليحاربوا في معارك الحرية والديمقراطية من استديوهات الفضائيات المكيفة، وليس من خلال القنوات الشرعية أو انطلاقا من قواعدهم الجماهيرية. وهذه أخرى مدمنة على البرامج الدينية، التي يدعو بعضها ولا شك إلى الخلق القيم وللدين الوسطي السمح، بينما يروج الآخر منها لأفكار متطرفة ولفتاوى أحسن ما يمكن أن توصف به أنها غريبة أو مختلف عليها. وإذا أضفت إلى البرامج والقنوات الحوارية والدينية، البرامج والقنوات الفنية والرياضية وغيرها، لوجدت أكثرها، ولا نقول جميعها، لا يدفع المشاهد إلى الحركة والنشاط، ولا يشجعه على الإنتاج والإبداع في ميادين العمل ومضامير الحياة، بقدر ما يعمل على إبقائه ملتصقا بكرسيه محملقا في الشاشة، تحت شعاراتها الشهيرة، "معنا لن تغير القناة"، أو "معانا مش حا تقدر تغمض عينيك".    

                                

وبالتالي فإن أي مراقب منصف لن يتمكن من التوقف عن إبداء دهشته من إسرافنا في التعامل مع النت والفضائيات، وكأن أوطاننا ستتحرر أو بلادنا ستتقدم أو أحوالنا ستتحسن، أو أننا سندخل جنات الخلد بحسبنا من المجاهدين والمكافحين والشرفاء والشهداء، فقط لأننا نجلس أمام شاشات الكمبيوتر والتليفزيون نمارس فضيلة الدعاء على المحتلين الغاصبين، أو الظالمين المفترين، بدون عمل ولا إنتاج، ولا إتقان ولا إبداع.

                                   

سادتي، إننا ندرك جميعا خطورة ما يحدث، فما هكذا تتحرر الأمم، وما هكذا تتقدم الشعوب. فهل من وقفة جادة مع النفس، وهل من دعوة هادفة تتبناها مؤسسات التعليم والثقافة والإعلام خاصة، تنمي الذهنية النقدية، وتعلم الناس، كل الناس، ثقافة الفرز والتجنيب والاختيار والانتقاء، لنحسن التعامل مع العصر وآلياته، بحيث لا تكون أدوات هدم وتخلف وتبعية، وإنما عناصر تقدم ونهضة وإضافة، كما يفعل العالم الأول الذي صنع الموبايل والنت والفضائيات، ثم صدرهم إلينا لنكون أول مستهلكيهم، ولا نقول أسوأهم؟!. فهل من ناصح، وهل من منصت، وهل من مجيب؟!!. 

                       

Email: [email protected]

المصدر: بقلم: دكتورة/ حنان راشد
  • Currently 205/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
68 تصويتات / 1137 مشاهدة
نشرت فى 26 يناير 2010 بواسطة nazrat

ساحة النقاش

محمدمسعدالبرديسي

nazrat
( نظرات ) موقع إجتماعي يشغله هم المجتمع سياسيا وتربويا بداية من الاسرة الى الارحام من جد وعم وخال الى آخره , الاهتمام السياسي أساسه الدين النصيحة و يهتم بالثقافةبألوانها ويعد الجانب النفسي والاهتمام به محور هام في الموقع كذلك الاهتمام بالطفل ثقافة وصحة »

ماذا تود البحث عنه ؟

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

619,782

مصر بخير

                         
* الشكر واجب للسيد العقيد هشام سمير  بجوازات التحرير , متميز في معاملة الجمهور على أي شاكلة ..

* تحية للمهندس المصري محمد محمد عبدالنبي بشركة المياه