برزت عدة تعريفات لمفهوم الاقليمية ارتبطت بتعدد المعايير المحددة له، فهناك اتجاه يربط الإقليمية بالمنظمة الإقليمية ، اى انه لا يفرق بينهما، حيث يرى أصحاب هذا الاتجاه انهما مرادفان لنفس الشئ ، ويستند فى ذلك الى تعريف خاص للإقليمية مفاده أنه بجوار المنظمات الدولية العالمية يمكن إنشاء منظمات دولية إقليمية تضم فى عضويتها الدول التى ترتبط فيما بينها بروابط تاريخية وجغرافية وحضارية اكثر من غيرها وتهدف الى العمل على حل ماقد ينشا بينها من منازعات بالطرق السلمية وبالتالى تدعيم الأمن والسلم الدوليين على حد سواء.
واتساقا مع الربط السابق بين الإقليمية والمنظمات الإقليمية يبرز اتجاه ثان ينطلق فى تعريفه للمنظمات الإقليمية من كونها ترمز الى الحركات السياسية والاجتماعية التى تسعى الى اثارة الشعور بالشخصية المحلية او المطالبة بالحكم الذاتى او الانفصال عن الكيان الأكبر ويعود السبب فى ذلك الى عوامل مختلفة منها ماهو ثقافى أو اقتصادى أو سياسى.
فى المقابل يبرز اتجاه ثالث يحرص على تجريد مفهوم الإقليمية من اى محتوى معين ، وينظر اليها ككلمة غير كاملة المعنى يجب ان تضاف اليها خاصية او كلمة اخرى حتى نستطيع فهم معناها.ولذا يتحدث اصحاب هذا الاتجاه عن الإقليمية السياسية او المذهبية،والإقليمية الجغرافية، والإقليمية الحضارية، والإقليمية المطلقة. فبالنسبة للنوع الأول يفسرها هذا الاتجاه بكونها الإقليمية التى لا ترتبط بمكان بل برباط سياسى او مذهبى بهدف تحقيق أهداف معينة سواء كانت عسكرية او سياسية، مثال ذلك إقدام الدول الشيوعية على تكوين حلف وارسو حيث يقوم هذا الحلف على وحدة المذهب السياسى فى مفهومه العام، وكذلك الحال بالنسبة لـ حلف شمال الاطلنطى فهو غير قاصر على دول شمال الاطلنطى وإنما يضم دولاً اخرى مثل الولايات المتحدة الامريكية .
أما الإقليمية الجغرافية فهى تعنى التجاور الاقليمى فى رقعة جغرافية واحدة كتجاور مصر والسودان وهو ما تعبر عنه بوضوح منظمة الدول الأمريكية ومنظمة الوحدة الافريقية.
فى حين تتحدد الإقليمية الحضارية بحدود توافر روابط ذات طابع حضارى من شأنها أن تقوى اى رباط سياسى بين الدول وتعمق ذاتيته، فعلى سبيل المثال كان إنشاء جامعة الدول العربية نموذجا لتوافر مثل هذه الروابط (وحدة اللغة والثقافة والتاريخ والدين).
وأخيرا الإقليمية المطلقة ، وتعنى الاقليمية غير المتصفة بصفة عامة وتنطبق على كل منظمة دولية لا تتجه بطبيعتها نحو العالم، حيث تقصر أهدافها ونطاق عضويتها على عدد معين من الدول يجمعها رباط خاص بصرف النظر عن طبيعة هذا الرباط جغرافيا كان أو سياسيا أو غيره.
وبالنظر الى الأنواع والمسميات الإقليمية السابقة ، يمكن وضع تعريف محدد لها هو الهيئات الدائمة التى تضم فى منطقة جغرافية معينة عددا من الدول تجمع بينها روابط التجاور، والمصالح المشتركة، والتقارب الثقافى واللغوى والروحى، تتعاون جميعا على حل ما قد ينشأ فيها من منازعات حلا سلميا وحماية مصالحها وتنمية علاقاتها الاقتصادية والثقافية.
ثانيا : تعريف النظام الاقليمى:
رغم حداثة هذا المفهوم كمستوى للتحليل فى العلاقات الدولية إلا أنه يمكن إرجاع جذوره الى الفكر السياسى المتعلق بالشئون الدولية الى عقد الستينيات. فقد شكل مفهوم الإقليمية أحد الموضوعات الأساسية فى مجال التنظيم الدولى، وخاصة مع ما صاحبه من جدل ممتد حول ما يسمى بالعالمية فى مواجهة الإقليمية وأى المنهاجين ينبغى اتباعه لتنظيم المجتمع الدولى وحفظ السلم بين دوله، حيث انطلق أنصار العالمية الى التأكيد على أهمية إيجاد تنظيم عالمى يشمل كافة الدول ، بينما رأى أنصار الإقليمية ان الأفضل إيجاد تنظيمات إقليمية نظرا لسهولة إقامتها وكونها اكثر قدرة على الحركة والفاعلية بالمقارنة بالتنظيمات الدولية بالإضافة للتأكيد على أن الإقليمية ليست بديلا عن العالمية بل إنها خطوة لتحقيقها.
النقطة الثانية التى يثيرها هذا المفهوم ترتبط بموضوع التكامل الدولى والذى يعتبر التكامل الاقليمى أحد محاوره الأساسية ، وقد تناولت نظريات التكامل الاقليمى شروط العملية التكاملية والمتطلبات اللازمة لنجاحها، فى هذا الإطار يتم تناول عدة عوامل مثل وجود العدو الخارجى المشترك الذى يوحد البيئة الموضوعية للتكامل، ووجود الدولة القائد او الدولة النموذج التى تتصدى لقيادة العملية التكاملية، والإحساس بالتوزيع العادل للمكاسب وللأعباء، ووجود الثقافة السياسية المشتركة، ووجود نخب سياسية حاكمة ذات أهداف وسياسات متقاربة، ووجود المنظمات الإقليمية الحكومية وغير الحكومية القادرة على تنشيط التبادلات والتفاعلات.
ولذلك يتميز اى نظام اقليمى بنمط معين من التفاعل ( او العلاقات المتبادلة) بين أطرافه، ويحكم هذا النمط التفاعلى متغيران أساسيان أحدهما كمى والآخر كيفى. فبالنسبة للمتغير الكمى نجد انه يرتبط بمدى خضوع التفاعلات الحادثة فى الساحة الإقليمية لقواعد وقوانين منتظمة ومعروفة سلفا، فضلا عن درجة التزام الأطراف الإقليمية بهذه القوانين، أما المتغير النوعى فيتعلق بوصف طبيعة العلاقات السائدة بين هذه الأطراف، والتى يمكن التعرف عليها من خلال دراسة ثلاثة أبعاد أساسية، هى:
ـ تكافؤ العلاقات داخل النظام، فهناك أنظمة إقليمية تقوم على درجة كبيرة من المشاركة، اى حق كل طرف فى المبادرة باقتراح سياسات عامة للنظام كله وتملكه لفرصة عادلة فى مناقشة الاقتراح بجدية من قبل الأطراف الأخرى.
ـ حركة النظام التى ترتبط بدرجة ملاءمة الترتيبات الإقليمية لتحقيق تحسن مطرد فى مستوى إنجاز النظام ككل، الى جانب إبراز قدرته على التأقلم مع الظروف والمستجدات بما يتوافق والإنجاز التنموى.
ـ تكاملية النظام وتعنى بقدرة النظام على تدعيم اتجاه طويل المدى نحو زيادة القواعد والقوانين السائدة فى النظام وفى مقابل تقليص صفة السيادة التى تتمتع بها أطرافه، ومن ثم بروز ميل نحو تكوين ولاءات اجتماعية سياسية لسلطة واحدة داخل الإقليم ككل على حساب الولاءات المركزة حول السلطة داخل الدولة والأطراف الأخرى المكونة لهذا النظام. والحقيقة ان نمط التفاعلات داخل اى نظام إقليمى يتطور من خلال التداخل بين عاملين أساسيين هما درجة التنسيق فى مواقف الأطراف تجاه القضايا الجوهرية للنظام، وهيكل القوة السائد فيه وتحولاته ، فالنظام الاقليمى يتطور تبعا لدرجة نضوج عملية الإجماع داخله.
وإزاء هذه الخلفية، تتعدد الاتجاهات فى تعريف مفهوم النظام الاقليمى ولكن يمكن التمييز بين ثلاثة اتجاهات رئيسية تنطلق كل منها من معيار محدد:
الاتجاه الأول يركز على اعتبارات التقارب الجغرافى ويجعل من هذه الاعتبارات أساسا للتمييز بين النظم الإقليمية.
اما الاتجاه الثانى فينطلق من أهمية توافر عناصر التماثل بين الدول التى تدخل فى نطاق إقليم ما من الناحية الثقافية او الاجتماعية او الاقتصادية.
فى حين ينتقد الاتجاه الثالث الاتجاهين السابقين على أساس أن الدول المتجاورة او المتشابهة لا يشترط بالضرورة ان تكون على علاقات وثيقة فيما بينها وأن العامل الحيوى فى اى نظام اقليمى هو مدى وجود تفاعلات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية بين الدول وبعضها البعض.
واتساقا مع الاتجاهات الثلاثة السابقة، وتجنبا للدخول فى مزيد من الاختلافات الفرعية حول تعريف النظام الاقليمى ومكوناته، فإنه يمكن القول ان هناك اتفاقا عاما على عدد من العناصر الواجب توافرها فى النظام الإقليمى هى:
ـ أن يرتبط بمنطقة جغرافية معينة، وذلك على أساس ان حجم التفاعلات بين الدول المتقاربة جغرافيا عادة ما يكون أكبر وأكثر كثافة بين الدول غير المتجاورة، فالدول التى تقع فى قارات متباعدة عادة ما تكون التفاعلات بينها محدودة، ولايستثنى من ذلك سوى الدول الكبرى التى قد تتفاعل ، وبكثافة ، مع دول ومناطق بعيدة عنها لاعتبارات استراتيجية عسكرية واقتصادية.
ـ أن لا يقل عن ثلاث دول .
ـ أن لا يضم أيا من الدول العظمى بين الوحدات المكونة له ، على أساس ان وجود إحداها يربطه بالنظام الدولى مباشرة ، بمعنى انه يجب التفرقة بين ان تمارس الدول العظمى ضغوطا او نفوذا على النظام الاقليمى من خلال التفاعلات الاقتصادية او العسكرية مع دول النظام الاقليمى، وبين ان تكون عضوا فيه أو أحد مكوناته.
ـ ان وحدات النظام الاقليمى تدخل فى شبكة معقدة من العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة بالنظام والتى تملك تسييرها ذاتيا وفقا لحركتها المنبثقة من هذه التفاعلات باستقلال عن النظام الدولى او نفوذ الدول الكبرى. ولا يعنى ذلك بطبيعة الحال الحديث عن استقلال كامل للتفاعلات الإقليمية، وهو الأمر الذى لا يمكن تصوره وخاصة فى ضوء ثورة الاتصالات والمواصلات المعاصرة واعتبارات الاستراتيجية الدولية. فالولايات المتحدة الامريكية على سبيل المثال تستطيع أن توثر فى حجم وطبيعة التفاعلات فى نظام اقليمى ما من خلال صفقات التسليح او المعونة الاقتصادية او الدعم السياسى لبعض الدول او من خلال التدخل العسكرى المباشر او التهديد به، ولكن تظل النقطة المحورية هنا والتى يجب التأكيد عليها هى ان التفاعلات الإقليمية لا يجب ان تكون مجرد رد فعل وامتداد لسياسات الدول الكبرى او العظمى، بل يجب ان تستند الى ظروف الإقليم وطبيعة نظمه السياسية والاجتماعية ونوع العلاقات التى تربط بين أعضائه.
وفى هذا الإطار، يمكن وضع تعريف محدد للنظام الإقليمى بأنه يمثل مجموعة من الدول الموجودة فى منطقة جغرافية وتوجد بينها شبكة معقدة من التفاعلات السياسية والاقتصادية وغيرها.
ساحة النقاش