ثلاث جمل قصيرة أود لو تصبح هى محور الحوار القصير الذى يجب أن نجريه جميعاً بين بعضنا البعض.
- الأولى هى أنك جدير بأن تكون عالماً أو مبتكراً .
- الثانية هى أن الوطن يحتاجك بشدة بهذه الصفة .
- الثالثة هى أنك تستطيع أن تفعلها .
غاية هذه الجمل القصيرة هى أن نبدد وهماً شائعاً بين الناس هنا فى بلادنا، وهو أن العلماء والمبتكرين هم فئة وحيدة من الناس خلقت منذ البداية كفئة من العباقرة. وأن العلم والتكنولوجيا هى طلاسم بعيدة كل البعد عن متناولنا ، وعن دنيانا وقدراتنا .
سوف تعجب يا صديقى إن قلت لك أن غالبية كبيرة ممن صاروا علماء ومبتكرين كباراً لم يكونوا فى البداية من الأفذاذ. وعدد كبير منهم لم يكن له سجل دراسى متميز فى المراحل الأولى من التعليم . وأن بعضهم قد ولج الطريق الى العلم وإلى دنيا الاكتشاف والاختراع والابتكار والتجديد فى سن متأخرة والأهم هو أن أكثرهم لم يكن يظن أبداً أنه من العلماء أو أن مصيره سينتهى به الى المجد والشهرة والتقدير والاحترام الذى يحظى به العلماء فى كثير من المجتمعات. بل كان بعضهم ينظر الى العلم والتكنولوجيا وكأنها طلاسم معقدة وبعيدة عن الإدراك والتناول.
غاية ما أود أن أقوله هنا هو أن كلاً منا يستطيع فعلاً أن يكون عالماً ومبتكراً ومجدداً فى ميادين مختلفة للمعرفة الإنسانية وتطبيقاتها النافعة، الأمر يحتاج إلى كثير من الجدية وانبعاث فى احترام الذات، والرغبة الأكيدة فى مواصلة التعلم بكل السبل المتاحة وغير المتاحة. ثم أنه يحتاج إلى نوع خاص من التأمل والبحث يطرح فيها المرء أسئلة معينة تقوده إلى اكتشاف نقص أو الحاجة إلى استكمال معرفة أو غرض نافع، فيجتهد فى ذلك حتى يجده. ليس مهماً أين يقع مجال هذا الاكتشاف والتجديد. فالأقرب الى المنطق هو أن يقع فى مجال تهواه وترغب فى الاجتهاد فيه، ومواصلة مشوار المعرفة الذى بدأه آلاف قبلك وسيكمله آلاف بعدك.
المفتاح الأهم لذلك كله هو التفكير العلمى والثقافة العلمية. فأنت قد تلقيت دروساً كثيرة فى الرياضيات والفيزياء والأحياء وغيرها من العلوم. وكل هذه الدروس قابلة للتطبيق فى الحياة اليومية، وفيما هو أبعد من الحياة اليومية. ولعلك بإعمال التفكير فى هذه الدروس تبدأ أول خطواتك على طريق أن تصبح عالماً ومبتكراً أو مجدداً فى مجال من المجالات.
وقبل كل شئ أود أن أبوح لك بالخجل الذى أشعر به مع أبناء هذه الأمة، لأن آباءنا البعيدين، سواء الذين أسسوا الحضارة الفرعونية أو الذين نهضوا بالحضارة العربية الإسلامية قد منحونا شيئاً ثميناً نستطيع أن نفخر به وهو العلم والتقدم الذى إرتادوه لمصلحة البشرية. أما نحن فلم نتمكن حتى الآن من البناء على ما أنجزوه، أو وضع نهاية حاسمة للفقر والتخلف.. الذى هو مهانة وعار لابد أن نستأصل جذوره.
وهنا يأتى مقام جملتى الثانية وهى أن الأمة تحتاجك أنت شخصياً..تحتاج الى كل منا.. وتحتاجنا جميعاً أن نصبح علماء ومبتكرين ومجددين.. فينشأ جيل فيه من العلماء والمطورين من يستطيع أن يقتلع جذور التخلف والجمود ، وأن يمكَّن بلادنا من أن تلحق بركب التقدم وأن تنافس حتى أمريكا وأوروبا واليابان.
فبدون العلم والتكنولوجيا والابداع فيهما لن تستطيع مصر أن تشق طريقها الى التقدم. بل ولن تستطيع أن تدافع عن نفسها ضد أعداء لا يريدون لها خيراً. والأرجح أنها لن تستطيع مجرد الاحتفاظ بمكانتها وسط الأمم. فالجميع يجرى فى سباق محموم إلى التقدم الاقتصادى والاجتماعى. والكثيرون ممن كانوا وراءنا بقرون عديدة قد سبقونا بكثير إلى الأمام.
وليس من المنطقى أو الصحيح أن ننتظر طويلاً أو أن نكلف أجيالاً مقبلة بأن تفعلها، أى أن تطلق طاقاتها وخيالها وإرادتها لجعل مصر منصة متقدمة للعلم والتكنولوجيا والتقدم بصفة عامة. فلو قام كل جيل بنقل المهمة الى جيل تال فسنكون كمن يعلق شعار الغذاء غداً مجاناً فى هذا المحل. فقد لا يأتى غداً أبداً، إلا إذا بدأ الآن.
ثم ما هو المنطق فى أن ننقل المهمة الى أكتاف أبنائنا أو أجيالنا المقبلة؟ إننا لو لم نبدأ بجدية وحزم كاملين فى اقتحام ميدان التجديد والابتكار منذ الآن، فماذا نترك لأبنائنا وأجيالنا المقبلة ؟
ثم لماذا نتهرب من المسئولية، ونحن نستطيع أداءها على أكمل وجه. إنك تستطيع شخصياً أن تفعلها، أعنى أن تبدأ المشوار مع نفسك ومع أصدقائك ثم مع أبنائك ولا يراودنى شك أنك تستطيع أن تصبح مجدداً ومبتكراً فى مجال ما. وبذلك تحقق نفسك وتساعد بلادك على النهوض من محنة امتدت لأكثر من ألفى عام.
ثم أنه ليس من الضرورى أن تكون عالماً أو مبتكراً بالمعنى الشائع، أى المشتغلين فى مراكز البحوث والتطوير فى ميادين بعينها. بل يكفى تماماً أن تتثقف بالعلم، وأن تساعد على نشر الثقافة العلمية، وأن تقوم بدورك كمواطن فى المطالبة بسياسة جادة للعلم والتكنولوجيا، وأن تتعاون مع غيرك فى التفكير فى الأسس السليمة لهذه السياسة، وفى إصلاح شئون المؤسسات العلمية والتكنولوجية بما يمكَّنها من القيام بمهامها على أكمل وجه.
نحن نحتاج إلى بداية جديدة، وإلى مناخ جديد لكى نبدأ نهوضنا التكنولوجى العلمى ولا نستمر عالة على الآخرين أو مجرد مستهلكين لما ينتجه ويبدعه الآخرون. نحتاج الى موجة من الحماس المتفهم لدور العلم والتكنولوجيا فى النهضة والتقدم، ونحتاج أن تسرى هذه الموجة فى دمائنا وعروقنا، ونحتاج أن نبنى رأياً عاماً نشطاً يطالب ويشارك ويراقب الأداء فى هذا المجال وغيره من مجالات التقدم.
بذلك يصبح العلم والتكنولوجيا هو الموضوع الأول على جدول أعمالنا. فمصر جديرة بالنهضة ، وهى قادرة على القيام بها.
نشرت فى 3 أكتوبر 2011
بواسطة mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
284,500
ساحة النقاش