والواقع أن السياسات الحكومية فى مجال التكنولوجيا لا تتسم بالجدية أصلاً. فهناك عشرات من مؤسسات ومراكز البحث والتطوير، ولكنها لا تحتوى على كيان حى داخلها، ولا يصدر منها سوى صوت مبحوح. فهى بيروقراطيات كبيرة ذات إنتاجية حقيقية ضئيلة.
وتفتقر الحكومات إلى فهم عميق لقضايا وعمليات البحث والتطوير ، ولا تملك رؤية لاستراتيجيات التنمية التكنولوجية ، ولا أولويات محددة. وينفصم نشاط البحث والتطوير - عندما يوجد حقاً - عن الأهداف الأخرى للسياسات العامة، ربما باستثناء وحيد فى بعض البلاد يخص قطاع الزراعة، وربما قطاع الصحة أيضاً.
وإضافة إلى ذلك ، فثمة مشكلات كثيرة أخرى على نفس الدرجة من الأهمية نلخصها فيما يلى:
أ - افتقار الصناعة للإهتمام ببناء قاعدة ذاتية للبحوث والتطوير التكنولوجى، واعتمادها التام على واردات التكنولوجيا من النظام الدولى أو السوق العالمى. ويبدو هذا العزوف عن بناء مراكز بحث وتطوير داخل شركات الأعمال أمراً مفهوماً، وربما مبرراً جزئياً. فأغلب قطاع الأعمال فى البلاد العربية والنامية يتكون من شركات بالغة الضآلة. ففى مصر تصل نسبة المشروعات التى يعمل بها أقل من 10 عمال الى 99% من اجمالى عدد مشروعات الأعمال.
أما بالنسبة للمشروعات الكبيرة فإن حجمها يعد بدوره ضئيلاً بالمقارنة بالشركات المماثلة فى الدول المتقدمة. ويعد الانفاق على البحوث والتطوير أكبر بكثير مما تستطيع تحمله، وخاصة أن مستوى المخاطرة فى هذا النشاط مرتفع للغاية، كما سبق أن ذكرنا.
ب - وبالتالى تظهر مفارقة كبيرة أو فجوة عميقة بين حجم الطلب الوطنى على التكنولوجيا من ناحية وحجم العرض الوطنى منها أو القدرات الحقيقية للعلم والتكنولوجيا من ناحية أخرى. فالطلب الوطنى على التكنولوجيا يذهب للخارج ، ولا يتجه للداخل. وهو الأمر الذى يقود إلى تنمية التكنولوجيا الأجنبية وقمع تطور التكنولوجيا المحلية.
والواقع أن حجم الطلب المحلى على التكنولوجيا يكفى نظرياً لإحداث تطور هائل للقدرات الوطنية لو أنه اتجه الى الداخل ، وكانت مراكز البحث والتطوير قادرة على الاستجابة الفعالة له تدريجياً. وهو ما لا يحدث. وتقدر بعض المصادر حجم الواردات التكنولوجية لمصر بما يصل الى 8 مليارات دولار عام 1980. وحجم الواردات التكنولوجية للمملكة العربية السعودية بما يصل الى 21 ملياراً فى نفس العام.
وكان ويظل من الممكن إعادة توجيه جزء من هذا الانفاق إلى الصناعة ومراكز البحث والتطوير الوطنية. ولكن الأمر يحتاج الى تعديلات تنظيمية ومؤسسية كبرى لضمان الربط بين الطلب المحلى والعرض المحلى للتكنولوجيا.
جـ- افتقار المجتمع الوطنى للعلم والتكنولوجيا للحيوية بسبب سيادة مفاهيم وأساليب بيروقرطية صرفة فى استيعابه ، وغياب الأطر التنظيمية المستقلة التى تكفل له المشاركة فى السياسات الوطنية للعلم والتكنولوجيا، وضعف البنية الأساسية، والانقطاعات المتواصلة لتاريخه المؤسسى والعلمى والاجتماعى، وغلبة نظرة تشاؤمية على آراء شرائحه الأساسية، وتفضيل الهجرة أو الانصراف لأعمال أخرى غير أنشطة البحث والتطوير. ولهذه الأسباب تتعلق آمال الشرائح الحية فى هذا المجتمع بالدولة ودورها فى توظيفه، وهو ما يجهض الدعوة لدور مستقل نسبياً لهذا المجتمع.
د - الضعف الشديد أو الغياب شبه التام للرأى العام ودوره فى سياسات العلم والتكنولوجيا ، لأسباب تاريخية تتعلق جزئياً بضعف قنوات المشاركة الديموقراطية وجزئياً بسيادة ثقافة غير مواتية للعلم والمعرفة العلمية. ويمثل ضعف أو غياب الثقافة العلمية بين الجمهور أحد أسباب الضعف الشديد للمجتمع العلمى، ووضعه الحرج فى الهيكل الاجتماعى، وانصراف الحكومات عن الاهتمام الجاد ببناء قاعدة وطنية للعلم والتكنولوجيا.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 77 مشاهدة

ساحة النقاش

mowaten
يأتى الربيع العربى للثورات بمتطلبات ضرورية لعل من اهمها هو نشر التوعية السياسية بين المواطنين بوطننا العربى لارساء وتهيأة البيئة للعيش فى جو ديمقراطى طالما حلمنا به »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

284,150