فبوسعنا مثلاً أن نتحدث عن نوعين مختلفين من المنظومات المعروفة، وهما:-
1 - المنظومة السوفيتية والمنظومة الأمريكية :
ففى المنظومة السوفيتية - قبل انهيار النظام كله - تهيمن الدولة على عملية صنع السياسة العلمية والتكنولوجية، وتضعها على ضوء ما تراه من تحديات فى النظام الدولى، وبهدف التأثير عليه من خلال مخرجات أو منتجات هذه السياسة. ثم تفرض الحكومة هذه السياسة بتفصيلاتها من أهداف وبرامج على الصناعة، التى تفرضها بدورها على العلماء والفنيين المشتغلين فيها،
أما فى المنظومة الأمريكية، فقد تطورت الأمور حتى صار هناك تحالف بين الحكومة والصناعة، التى تقوم بتشغيل أعداد هائلة من العلماء والفنيين وتملى عليهم سياساتها وخططها الى حد كبير. ومع ذلك ، فإن المجتمع العلمى والرأى العام لديهم قدر متزايد من التأثير على سياسات الحكومة، ويستطيعون التأثير فيها. أما تأثيرهم على الصناعة فمحدود للغاية.
ويلاحظ هنا أن النظام الدولى يلعب دوراً أقوى بكثير بسبب قدرة السوق العالمى على التأثير المباشر فى الصناعة، ووجود روابط أقوى بين الدول الرأسمالية المتقدمة. كما يلاحظ أن الحكومة لا تسيطر على الصناعة ولا تحتفظ معها سوى بعلاقة محدودة، وأساساً من خلال مراكز البحوث والتطوير فى الشركات الكبيرة. وتقدم الحكومة دعماً مالياً للمجتمع العلمى، كما يستطيع المجتمع العلمى - من خلال مؤسسات مثل مؤسسة العلوم الأمريكية والعلاقات الشخصية - التأثير فى السياسات الحكومية. ويقوم الرأى العام ببعض الدور فى الضغط على الحكومة والصناعة، وإن كان هذا الضغط لا يزال ضعيفاً .
وتعد الصناعة هى المحدد الرئيسى للتطور التكنولوجى فى الولايات المتحدة . ويقبل هذا النموذج بتنويعات متعددة فى الدول الغربية المتقدمة الأخرى. ففى ألمانيا مثلاً لا تقوم الحكومة برسم السياسات العلمية والتكنولوجية، وتكتفى بدعم مؤسسات المجتمع العلمى الذى يقوم هو بانفاق أموال الدولة، ووضع الخطط اللازمة لتحقيق أهدافه وأهداف الدولة.
2 - منظومة الدول النامية :
ويختلف النموذجان السابقان اختلافاً تاماً عن غالبية الدول الفقيرة والنامية. فالمشكلة الأساسية التى تواجه هذه الدول هى الضعف الشديد لدور الصناعة والحكومة فى دفع التطور التكنولوجى. فالصناعة غالباً لا تملك الموارد اللازمة أو الحوافز الضرورية لتكوين قدرات محلية للعلم والتكنولوجيا. وهى تفضل استيراد التكنولوجيا بدلاً من إنتاجها وتوليدها محلياً. ولذلك فهى مندمجة - فى اتجاه واحد - مع السوق العالمى للتكنولوجيا. وغالباً ما أصبح للدولة مؤسسات متخصصة فى العلم والتكنولوجيا، وهى تهيمن بالتالى على المجتمع العلمى، ولكن هذا المجتمع غير قادر على التشغيل الفعال لتلك المؤسسات أولاً بسبب عدم كفاية الموازنات، وثانياً بسبب انقطاع الصلة مع الصناعة، أما الرأى العام فلا يقوم سوى بدور ثانوى للغاية.
أن مشكلة بناء منظومة للعلم والتكنولوجيا فى الدول الفقيرة والنامية تتجاوز التبسيطات المخلة للفكر التقليدى. ويركز هذا الفكر على جانب أوحد ، وإن كان أساسياً من الصورة ، وهو مدى اهتمام الحكومة ببناء القدرات الوطنية للعلم والتكنولوجيا مقاساً بالانفاق على هذه الأنشطة كنسبة من الناتج المحلى الاجمالى.
ومن المتفق عليه عالمياً أن للحكومة دوراً رئيسياً فى دعم أنشطة البحث والتطوير، بشتى الوسائل، كما أن من المتفق عليه أيضاً أنه بدون دور الحكومة، سيكون معدل تطوير القدرات الوطنية للعلم والتكنولوجيا بطيئاً وسيكون التطور نفسه بعيداً عن التوازن وإعتباطياً الى حد كبير .
ويمثل الانفاق الحكومى مؤشراً على مدى الاهتمام بتنمية القدرات الوطنية للعلم والتكنولوجيا. فبينما تنفق الدول المتقدمة ما يتراوح بين 2% و3% من ناتجها المحلى الاجمالى على أنشطة البحوث والتطوير التكنولوجى، يكشف الجدول التالى عن ضآلة نسب هذا الانفاق للدول العربية الرئيسية.
نسب الانفاق على البحوث والتطوير
فى عدد من الدول العربية بترتيب تنازلى
عامى 1992 و 1996*
% الانفاق على البحوث والتطوير من الناتج المحلى الدولة
1996 1992
0.36 0.37 مصر
0.31 0.31 الأردن
0.29 0.30 موريتانيا
0.24 0.22 الكويت
0.22 0.25 المغرب
0.22 0.06 اليمن
0.21 0.07 السودان
0.15 0.12 سوريا
0.15 0.11 السعودية
0.14 0.12 تونس
0.08 0.07 الجزائر
0.08 0.05 عمان
0.07 0.04 البحرين
0.07 0.06 قطر
0.06 0.17 لبنان
0.05 0.04 ليبيا
0.04 0.04 العراق
0.03 0.03 الامارات
0.15 0.12 متوسط
* Source : ESCWA. Research and Development Systems in the Arab & States: Development of Cince and technology idicators: 1998, p.30 Table (26).
غير أن هذا الانفاق على ضآلته لا يكشف عن المشكلات الحقيقية، ولا الأكثر أهمية فى عملية بناء منظومات وطنية للعلم والتكنولوجيا. فبالنسبة للسياسة العامة (أى السياسة التى تضعها الحكومة) تبدو مشكلة ضعف المؤسسات أكبر من المشكلة المالية.
ساحة النقاش