3 - تحولات في الخريطة الحزبية :
وكان حزب الوفد الجديد هو أول حزب وافقت عليه لجنة شئون الأحزاب السياسية بعد أن نجح مؤسسوه في تخطي العقبات التي وضعها قانون الأحزاب وما تضمنه من شروط لإنشاء حزب جديد. ووافقت اللجنة علي إنشاء حزب الوفد الجديد في 4 فبراير عام 1978 .
ولكن سرعان ما تصاعدت الخلافات بين هذا الحزب والدولة وتحولت الي مواجهة، مما دفع قيادة الحزب الجديد الي تجميد نشاطه فى 7 يونيو عام 1978 بعد حوالي ثلاثة أشهر علي تأسيسه، وحذا حزب التجمع حذوه حيث قررت سكرتاريته العامة حصر نشاطه داخل المقر.
وإزاء ذلك سعي الرئيس السادات الي تنشيط الحياة الحزبية من خلال تأسيس حزب جديد بقيادته سعياً لأن يكون حزب الأغلبية أكثر حضورا وفعالية من الناحية السياسية والجماهيرية. وفي هذا السياق أعلن في شهر يوليو عام 1978 عن نيته في تشكيل حزب جديد تحت إسم الحزب الوطني الديمقراطي. وقام باختيار لجنة مؤقتة من200 عضو من أجل تأسيس الحزب الجديد. وقد سارع أعضاء حزب مصر العربي الاشتراكي فأعلنوا انضمامهم له من قبل أن يتقدم رئيس الوزراء ممدوح سالم باستقالته من رئاسة الحزب في سبتمبر عام 78، بل وقبل أن يقرر الحزب الاندماج في الحزب الجديد، أي الحزب الوطني الديمقراطي.
ومن ناحية أخري ، تم السماح لقوي سياسية أخري بتشكيل أحزاب جديدة. وفي هذا الإطار أعيد تكوين حزب مصر الفتاة تحت إسم حزب العمل الاشتراكي بزعامة إبراهيم شكري وتمت الدعوة لإنشاء الحزب الجديد في يوليو عام 78 . وطلب الرئيس السادات من أعضاء الهيئة البرلمانية لحزب الأغلبية الانضمام له لمساعدته علي الحصول علي النصاب القانوني اللازم لاستكمال شروط تأسيسه، وقد وصل تشجيع الرئيس السادات للحزب الجديد إلي حد قيامه بنفسه بالتوقيع علي وثيقة تأسيسه، وتبعه في ذلك د.مصطفي خليل نائب رئيس الوزراء في ذلك الوقت وعدد من الوزراء، وتولي الأستاذ محمود أبو وافية عديل الرئيس منصب الأمين العام للحزب.
غير أن إعادة تشكيل الخريطة الحزبية علي هذا النحو ، لم يحل دون وقوع أزمة جديدة بعد توقيع الرئيس السادات علي اطار كامب ديفيد في سبتمبر عام 1978، ثم علي معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في مارس عام 1979 . وهو ما أثار معارضة واسعة من مختلف الاتجاهات . وعلي الرغم من أن مجلس الشعب وافق علي المعاهدة بأغلبية كبيرة من بينهم إبراهيم شكري رئيس حزب العمل إلا أن خمسة عشر عضوا رفضوا الموافقة عليها، ووجهوا انتقادات لها بينما امتنع عضو واحد. وقد أدت هذه الظروف الي حل المجلس بناء علي نصوص الاستفتاء المعروف بالاستفتاء علي معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية وإعادة تنظيم الدولة (إبريل عام 1979) وأجريت انتخابات تشريعية جديدة في يونيو عام 1979. وكانت نتيجتها فوز حزب الأغلبية الجديد (أي الحزب الوطني الديمقراطي) بنحو90% من مقاعد المجلس، بينما حصل حزب العمل علي 34 مقعدا، والأحرار علي 3 مقاعد، ولم يمثل حزب التجمع اليساري في هذا المجلس.
وبناء علي الاستفتاء المذكور صدر القرار بقانون رقم 36 لعام 1979 بتعديل بعض أحكام قانون الأحزاب السياسية بحيث نص علي عدم انتماء أي من مؤسسي أو قيادات الحزب أو ارتباطه أو تعاونه مع أي أحزاب أو تنظيمات أو جماعات معادية أو مناهضة للمبادئ التي وافق عليها الشعب في الاستفتاء علي معاهدة السلام وإعادة تنظيم الدولة بتاريخ20 أبريل عام 1979 وكذلك للمبادئ المنصوص عليها في البند أولا وهي: 1 - مبادئ الشريعة الإسلامية 2- مبادئ ثورتي 23 يوليو 1952 و15 مايو 1971 3- مبادئ الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الاشتراكي الديمقراطي والمكاسب الاشتراكية. كما حظرت إعادة تكوين الأحزاب التي كانت موجودة قبل ثورة يوليو 52. فيما عدا الحزب الوطني والحزب الاشتراكي (حزب مصر الفتاة) كتأكيد للمادة 4 من القانون رقم33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي. وأيضا نصت المادة 4 سابعا علي ألا يكون من بين مؤسسي الحزب أو قياداته من تقوم أدلة جديدة علي قيامه بالدعوة أو المشاركة في الدعوة أو التجنيد أو الترويج بأية طريقة من طرق العلانية لمبادئ أو اتجاهات أو أعمال تتعارض مع المبادئ المنصوص عليها في البند السابق.
وشهدت الشهور التالية تصاعدا في الأزمة وصولا الي قرارات سبتمبر الشهيرة، والتي أعلنها الرئيس السادات في الاجتماع المشترك لمجلسي الشعب والشوري في5 سبتمبر عام 1981وكان أهمها القرار الجمهوري رقم493 لسنة81 بالتحفظ علي كل من توافرت قبله دلائل جدية علي أنه ارتكب أو شارك أو جند أو استغل علي أية صورة كانت الأحداث التي هددت الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي أو سلامة الوطن وتضمنت كشوف الذين تقرر التحفظ عليهم 1536 فرداً من قيادات المعارضة من كافة الاتجاهات السياسية. وكذلك القرار الجمهوري رقم494 بإلغاء التراخيص الممنوحة بشأن إصدار بعض الصحف والمجلات من بينها صحفيتان حزبيتان هما الشعب و الأهالي .
4 - الخريطة الحزبية الراهنة :
مع تولي الرئيس مبارك لمقاليد الحكم في15 أكتوبر عام 1981 كانت أولي مهامه هي العمل علي إعادة الاستقرار للبلاد. واتخذ عدداً من الاجراءات الهامة في هذا الاتجاه، منها قرار الإفراج عن المعتقلين السياسيين ، فضلا عن السعي الي تهدئة العلاقة مع أحزاب المعارضة جميعها. وتمثل ذلك بشكل واضح في استقبال الرئيس لرموز المعارضة في مقر رئاسة الجمهورية فور الإفراج عنهم وأعلن في نفس الوقت ركائز أربع تقوم عليها سياسة مصر وهي :
* ديمقراطية تتيح لكل مواطن حق المشاركة وفق أحكام الدستور في مسئوليات الحكم وإصدار القرار.
* مواجهه الشعب بالحقائق مجردة من أي تلوين أو تزوير.
* طهارة الحكم وقدسية القضاء.
* التصدي للأزمة الاقتصادية بوسائل علمية مدروسة ومخططة لحماية المستقبل ولمعالجة مشكلات الحاضر بنظرة واقعية صادقة.
وأتاح ذلك مناخا أكثر مما أدي الي حالة من الانفراج السياسي بين الحكم وأحزاب المعارضة، وهو ما دفع حزبي الوفد والتجمع إلي العودة إلي ممارسه نشاطهما.
وفي واقع الأمر، فإن النظام السياسي في عهد الرئيس حسني مبارك شدد علي الديمقراطية أكثر من أي شئ آخر كمصدر لشرعية النظام لا يمكن المساس به.
وقد لعب القضاء، بما تمتع من استقلالية في عهد الرئيس مبارك، دورا هاما في مساندة النظام الحزبي وفي ظهور العديد من الأحزاب السياسية الموجودة حاليا.
فعندما أعلن حزب الوفد أنه قرر في اواخر عام 1983 إنهاء تجميده لنشاطه السياسي واستئنافه العمل السياسي وفقا لبرنامجه في حدود أحكام القانون والدستور، أصدر رئيس لجنة شئون الأحزاب بيانا يؤكد فيه أن الحزب كان قد حل نفسه ومن ثم فليس له وجود قانوني مشروع يسمح له بممارسة أي نشاط سياسي، إلا بعد أن يقدم اوراق تأسيسه مرة أخري الي اللجنة. بالتالي كان علي الحزب أن يلجأ إلي القضاء ليتمكن من العودة لممارسه نشاطه. وتمحورت حجته حول كون القرار الصادر عنه عام 1978 مجرد قرار تجميد وليس قرار حل، حيث أن الهيئة العليا للوفد كانت قد رفضت قرار الحل وقررت فقط تجميد نشاطه. وانتصر القضاء لصالح حزب الوفد الجديد في عام 1983. وفي 2 يناير عام 1984 عندما قضت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة بإجماع الآراء برفض الطعن المقدم من الحكومة ضد الحكم الصادر لصالح حزب الوفد. وهكذا عاد الحزب الي الساحة السياسية. كما صدر أيضا في عام 1983 حكم المحكمة لصالح إنشاء حزب الأمة بعد أن رفضت لجنة شئون الأحزاب الطلب المقدم لتأسيسه.
وفي عام 1991 أصدرت دائرة الأحزاب بالمحكمة الإدارية أحكامها بالموافقة علي قيام ثلاثة أحزاب سياسية هي حزب الخضر المصري و الاتحادي الديمقراطي و مصر الفتاة بعد أن كانت لجنة شئون الأحزاب قد اعترضت علي الطلبات المقدمة من وكلاء لمؤسسي تلك الأحزاب. وذهبت المحكمة في أسباب حكمها إلي أنها وافقت علي تشكيل هذه الأحزاب لأن برامجها متميزة عن برامج الأحزاب القائمة وتتوافق أهدافها وأساليبها مع الشريعة الإسلامية ومبادئ ثورتي23 يوليو و15 مايو وتهدف الي الحفاظ علي الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الاشتراكي، كما أنها لا تقوم علي أساس طبقي وتحترم سيادة القانون والحفاظ علي مكاسب العمال والفلاحين. وهو يخالف ما ذهبت إليه لجنة الأحزاب عند رفضها للطلبات المقدمة من تلك الأحزاب.
وبالرغم من أن القضاء قد رفض تأسيس حزب للناصريين- في عام 1991- مستندا في رفضه علي طبيعة برنامج الحزب، الذي رأت فيه المحكمة المختصة (أنه يدعو الي عودة النظام الشمولي الذي ساد في فترة الناصرية ولا يؤمن بالديمقراطية أو تعدد الأحزاب طبقا لما جاء في الدستور المصري)، إلا أنه عاد وأصدر حكما بتكوين الحزب العربي الديمقراطي الناصري بتاريخ 20 أبريل عام 1992 .
وفي مارس عام 1992 أيد القضاء قيام حزب الشعب الديمقراطي وألغي قرار لجنة شئون الأحزاب بالاعتراض علي قيامه، كما صدر حكم قضائي بعودة حزب مصر العربي الاشتراكي لممارسة نشاطه.
وفي يونيو عام 1993 أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكما بالموافقة علي تأسيس حزب العدالة الاجتماعية وإلغاء قرار رئيس لجنة شئون الأحزاب بالاعتراض علي تأسيس الحزب، بدعوي عدم تميز برنامجه عن برامج الأحزاب القائمة. وتلي ذلك حكم القضاء بقيام حزب التكافل الاجتماعي. وقد وافقت لجنة الأحزاب في فبراير 2000 علي تأسيس حزب جديد تحت إسم حزب الوفاق الوطني وهو أول حزب يتم الموافقة عليه منذ منتصف التسعينات . ووصل عدد الأحزاب بذلك 15 حزبا . ويمكن تصنيف هذه الأحزاب وفقا لتاريخ نشأتها إلي ثلاثة أجيال وذلك علي النحو التالي :
الجيل الأول ( تأسس عام 1976) ويضم :
1- حزب مصر العربي الاشتراكي.
2- حزب الأحرار الاشتراكيين.
3- حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي.
والجيل الثاني ( تأسس خلال الفترة76-1990) ويضم :
4 - الحزب الوطني الديمقراطي .
5- حزب الوفد الجديد.
6 - حزب العمل الاشتراكي.
7 - حزب الأمة.
والجيل الثالث ( تأسس خلال الفترة منذ1990-2000) ويضم:
8 - حزب الخضر المصري.
9 - الحزب الاتحادي الديمقراطي.
10 - حزب مصر الفتاة.
11- الحزب العربي الديمقراطي الناصري.
12 - حزب الشعب الديمقراطي.
13 - حزب العدالة الاجتماعية.
14 - حزب التكافل الاجتماعي
15 - حزب الوفاق الوطني.
ساحة النقاش