في الثاني والعشرين من أغسطس عام 1999 بلغ عدد سكان كوكب الأرض ستة مليارات نسمة. ويتوزع هؤلاء على 189 دولة هم أعضاء الأمم المتحدة، كما يتوزعون على عدد هائل من الجماعات القومية واللغوية والدينية والعرقية، واختصارا فإن علماء الاجتماع يطلقون على أي جماعة تتحدد هويتها على أساس اشتراك أبنائها في صفة موروثة معينة مثل الدين أو العرق أو الثقافة أو اللغة جماعة إثنية، وهو المصطلح الذي يترجم بالعربية إلى جماعة أولية، والمقصود أنها جماعة تقوم على أول ما يصادفه الإنسان في الحياة، سواء لونه وسمات وجهه وجسده التي يولد بها، أو الدين والثقافة واللغة التي يصادفها أول ما يصادف في محيط الأسرة.
ووفقا لبعض الدارسين، فإن الستة مليارات نسمة الذين يسكنون العالم ينقسمون إلى حوالي ستة آلاف جماعة أولية. وبينما لا يزيد عدد بعض أعضاء هذه الجماعات عن عدد سكان قرية صغيرة، فإن بعضها الآخر يتكون من ملايين البشر. ويرى بعض الباحثين أنه من غير المفيد إدراج كل جماعة صغيرة لا يتجاوز عدد أعضائها عن عدد محدود من الأفراد في هذه القائمة، خاصة وأن أغلب هذه الجماعات ليس لها سوى وزن هامشي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد التي تعيش فيها، وأنه من الأفضل بالمقابل أن يتم التركيز على الجماعات الكبيرة من حيث العدد والنفوذ والأهمية. وقد أحصى هؤلاء العلماء 575 جماعة أولية كبيرة موجودة في عالم اليوم.
ومن الممكن أن يتضح لنا كم هو مذهل مدى التنوع الموجود في العالم إذا نظرنا إلى عدد اللغات المعروفة في العالم، باعتبار أن اللغة تعد أبرز ما يميز الجماعات المختلفة عن بعضها. ففي عالم اليوم يوجد حوالي ستة آلاف لغة، وأكبر هذه اللغات من حيث عدد المتحدثين بها هي لغة المندارين، وهي اللغة المعروفة باللغة الصينية، ويبلغ عدد المتحدثين بهذه اللغة أكثر من مليار نسمة. تأتي بعد ذلك اللغة الإنجليزية كثاني أكبر لغة في العالم، حيث يتحدث بها حوالي 500 مليون نسمة، وهو عدد أقل بكثير من عدد المتحدثين باللغة الصينية. ومع هذا فإنه علينا أن نلاحظ أن أكثر من ربع سكان العالم في مختلف البلاد والقارات يمكنهم فهم اللغة الإنجليزية، الأمر الذي يجعل هذه اللغة أكثر لغات العالم انتشارا، حتى لو كان عدد محدود فقط من الناس يتحدثونها باعتبارها لغتهم الأم. ويمكن التعرف على أوسع اللغات انتشارا في العالم من النظر إلى الجدول رقم(1).
جدول رقم (1)
اللغات/الثقافات الكبرى في العالم
إجمالي عدد المتحدثين (بالمليون) اللغة
1025 المندارين (الصينية)
497 الإنجليزية
476 الهندية
409 الإسبانية
279 الروسية
235 العربية
207 البنغالية (في الهند وبنجلاديش)
187 البرتغالية
170 الماليزية الإندونيسية
127 الفرنسية
وفي مقابل الجماعات اللغوية الكبرى في العالم، فإن الأغلبية من اللغات الموجودة في عالم اليوم تكاد تكون لغات مجهولة، بل إن العديد من اللغات التي تتحدث بها جماعات صغيرة العدد باتت معرضة للانقراض، إذ يقدر الخبراء أن الأطفال المولودين لآباء يتحدثون واحدة من بين أكثر من نصف عدد اللغات الموجودة في العالم، لم يعودوا يتحدثون لغة آبائهم. كما أن عدد المتحدثين بحوالي 2000 من اللغات الموجودة في العالم أصبحوا لا يزيدون عن 1000 فرد. وتعد لغات السكان الأصليين في استراليا وأمريكا هي أكثر اللغات تعرضا للتهديد. ففي استراليا على سبيل المثال، يتحدث السكان الأصليون حوالي 200 لغة، غير أن عدد المتحدثين بحوالي مائة من هذه اللغات لا يزيد عن عشرة أفراد، نعم عشرة أفراد فقط. بل إن حوالي الخمسة وعشرين من بين هذه اللغات لا يتحدث بها سوى فرد واحد من كبار السن الذين مازالوا على قيد الحياة.
وبغض النظر عن كل هذه التفصيلات، فإن الحقيقة الواضحة هي أن سكان العالم ينقسمون إلى عدد كبير من الجماعات الأولية، وأن عدد هذه الجماعات يفوق بكثير عدد الدول الموجودة في العالم، بحيث أنه يمكن أن نستنتج بثقة أن أغلب دول ومجتمعات العالم هي من نوع المجتمعات التعددية أى تلك التي تعيش فيها جنبا إلى جنب جماعات أولية مختلفة متنوعة ومتعددة.
كما هو واضح، إذاً، فإن عدد الجماعات القومية والدينية والعرقية يبلغ عدة أضعاف عدد الدول الموجودة في العالم. فالتنوع في خصائص البشر لا يقتصر على ذلك الحادث على مستوى الكون، ولكننا نجده في داخل الدول نفسها. فالعالم لا يعرف سوى عدد محدود من الدول التي تتسم بتجانس سكاني كامل، أما أغلب دول العالم فإنها تتميز بتنوع سكانها إلى عدد من الجماعات الأولية، حتى أن حوالي المليار نسمة، أي حوالي سدس سكان العالم، هم عبارة عن أقليات عرقية أو دينية أو ثقافية تعيش في مجتمعات ينتمي أغلب أبنائها إلى جماعة أولية مختلفة عن الأغلبية من السكان .
وقد يبلغ التنوع والتعدد في مجتمع من المجتمعات ذروته، حتى لا تكاد تستطيع أن تطلق على أي جماعة تعيش فيه صفة الأغلبية، في الوقت الذي لا يتسم فيه المجتمع بما يكاد يكون تماثلا وتجانسا تاما سوى في عدد قليل جدا من المجتمعات. أما في أغلب المجتمعات فإن الحالة السائدة فيها هي صورة مجتمع تسوده أغلبية واضحة إلى جانب أقلية واحدة أو عدد محـدود من الأقليات.
ويبلغ التنوع أقصاه في حالة بعض الدول مثل الهند التي وصل عدد سكانها في العام 2000 مليار نسمة، فهي ثاني أكبر بلد في العالم من حيث عدد السكان بعد الصين. فأبناء الهند يتحدثون حوالي 1500 لغة ولهجة. وبينما لا يزيد عدد المتحدثين ببعض هذه اللغات أو اللهجات عن عشرات ألوف قليلة، فإن المتحدثين ببعضها الآخر يبلغ عشرات الملايين من البشر. لهذا نجد الدستور الهندي يعترف بخمس عشرة لغة، باعتبار كل منها اللغة الرسمية السائدة في ولاية أو أكثر من ولايات الهند التي يبلغ عددها 25 ولاية. هذه اللغات الخمس عشرة هي اللغات الأسامية والبنجالية والجوجاراتية والهندية والكانادية والكشميرية والمالايلام والماراسي والأوريا والبنجابية والسنسكريتية والسندية والتاميل والتيلوجو والأوردو. لا أظن أن أغلبنا سمع بأغلب هذه اللغات، ومع هذا فإن بضع عشرات من الملايين يتحدثون بكل منها، الأمر الذي لا يسمح بتجاهلها، بل إنه حتى لا يمكن تجاهل لغات أقل أهمية وانتشارا منها بكثير، حتى أن حزب المؤتمر، أقدم أحزاب الهند والذي حكم البلاد لأطول فترة منذ الاستقلال، يصدر مطبوعات بأكثر من 500 لغة، حتى يمكنه الوصول بأفكاره إلى أوسع عدد ممكن من المواطنين الهنود.
ساحة النقاش