روعة الإحساس

كنا نسير للأمام أو هكذا كنا نظن فنظرنا نكتشف ما قطعناه وجدنا أنفسنا نسير للخلف وفقدنا ما إحتويناه

<!--

<!--<!--

همس الصغار

ورث أبى جبروت جدي وشدته لم أره يضحك قط ولم أره يسر إلى أمي بحديث كان يستهويه أهانتها وضربها أمامنا والغريب أنى لم أرى أمي يوما تشكوا أو تتمرد أو تتمتم مع نفسها لا اعرف أين اخوالى وجدي من أمي ولم أرها يوما خرجت تزور أهلها الذين لا اعرفهم كنت اكره أبى واكره تجبره وتسلطه علينا هذا الطاغية الذي لم يشعرنا يوما بحنان الأبوة

ا

 

عقل جمله وصاح بصوته الشيطاني هرولت له من داخل الخيمة وناولته الإبريق سكبه على الأرض ومن أكوام التراب حوله اخذ يعجن الطين  ويكوره ويبلط به ظهر الجمل غرس مخيطه تحت جلد الجمل حتى نفذ من الجهة الأخرى التقطه وجرجره إلى أعلى  توغل خيط المخيط المصنوع من الكتان بين عروق الجمل ليصنع ثقوبا مفتوحة من جلد الجمل  اخذت الثقوب  تنزف دما اصفر بفعل ذهاب وإياب الخيط  لوي الجمل  عنقه وكاد أن يلتهم ذراعه من شدة الألم تجاهله وتركه ينزف

2

 خرج الصغير من داخل الخيمة ونشر ذراعيه في الهواء يعبئ صدره من نسيم الغروب استنشق دفعة وملئ بها صدره  تسمر حينما رآه يعجن الطين تلون وجهه وتعقربت حواجبه تفاداه دون أن يلقى عليه السلام غاظه ما فعله ابنه فصاح ثانية هرولت من داخل الخيمة تجاهه صفعها وقال لها أملئ الإبريق يا نحس نظر الابن إلى أبيه متجهما دون أن يعلق بكلمة  صاح الأب غاير فين لم يجبه ونظر إليه بحنق أكمل الأب روح الله لا يرجعك أشاح الابن بيده في قرف وتأفف بكلمات ساخطة ثم ولاه وأدبر في سيره

3

 إمام القبر برك على ركبتيه واخذ يبكى ويحثث قامة القبر ويمسح بها وجهه يدقق النظر في الثقوب لعله يراها تواتر نزيف عينيه وهو يلمح الشمس الذهبية تتأهب للاختباء خلف الجبل نظر إلى أبيه البارك فوق الجمل  بدا صغيرا جدا لا يكاد يراه من طول المسافات التي قطعها للوصول للقبر  عاود النظر إلى قبر أخته يتذكر ضحكاتها وكلام الطبيب له كانت تخاف من أبيها وترتعش إذا رأته فعقيدته أن البنات خطيئة وباب للعار يجب غلقه  والسلامة منها هو قبرها وهى  تتسلل في غيابه مع الصغار تلعب وقبل موعد عودته تعود حتى لا يراها وذات يوم وهو عائد من مدرسته  رآها تلعب على جرف الترعة هرولت إليه واحتضنته وهى تترجاه ألا يخبر أبيها ابتسم وقبلها وأعطاها حلواه وحذرها ألا تتأخر كانت تحبه وكثيرا ما بعثرت كتبه وأضاعت بعضها تحب أن تتعمق في خصوصياته كان ينهرها برفق وكانت تحتضنه وهى نائمة وان غافلها وانصرف من جوارها استيقظت تبكى  وذات يوم لمحها تتوكأ على عصا وإذا حضر أبيها تخفيها وتتجبر على نفسها وتتظاهر بأنها لا تعانى من شئ اقترب أخيها منها لما رآها تتحامل على ساقها وتوكز على رجلها  رأته وبكت وترجته أن لا يخبر أبيها رفع ساقها ولما كشف سروالها وجد الساق خضراء بلون العشب الذي يحضره أبيه للجمل تفحص بطن رجلها وجد ثقب ينزف صديد برنزي اللون تغيرت ملامح وجهه وزادت دقات قلبه واحتضنها فأخبرته بأنها كانت تلعب مع الصغار عند الترعة فانغرس في قدمها مسمار  أخرجوه لها بصعوبة وخافت أن تخبر احد فيخبر أبيها فيضربها

4

 حملها إلى الطبيب الذي نصحه بسرعة التوجه إلى المستشفى وهناك ثار الأطباء على إهمالهم لها بصعوبة اقنع الطبيب أنهم لا يعلمون بحالها وما أصابها  أصر الطبيب على احتجازها بالمستشفى مما استوجب عليه أن يخبر أبيه الذي ثار وصفع أمه التي حذرها من اختلاط البنت بالأولاد وانه حذرها ألا تخرج من البيت حاول إقناعه بأن حالة أخته خطيرة لم يعنيه هذا بقدر ما يعنيه أنهم كسروا كلامه رافقه إلى المستشفى ثم إلى غرفة أخته التي رأته وتيبست في مكانها بصق عليها ثم افرد إصبعه تجاه صدرها ووكزها   متوعدها بعقاب لم ترى مثله ثم انصرف ولم يأتي لزيارتها ثانية واخذ يكيل للأم أقصى الألفاظ على تكسيرها كلامه ذهب الصغير إلى المستشفى فوجد الطبيب واجم الوجه محتقن العينين وهذا هو قناع مصطنع تعود ارتدائه  إذا أراد أن يخبر أهل المريض بشئ لا يسرهم انحنى إليه مقتربا من أذنه وهمس له بكلمات أتت على ما في جوفه فجعلته زلزالا مصحوبا ببركان يفور في جوفه حتى سمع كركبة بطنه  هرول إلى الحمام ثم خرج ولا زالت سياط كلمات الطبيب تكربج قلبه الذي نصحه بمرافقتها إلى البيت لتستريح ويعفيه من إجراءات استخراج التصاريح والتشريح والتحقيق  أيقن أن أخته في نهاية رحلتها انسكب على الأرض يبكى ويلطم خديه أفاق على تجمع الناس من حوله يتصعبونه ويشفقون عليه استجمع قوته المزيفة ودخل عليها سارقا ابتسامة حزينة الصقها على شفتيه وجدها على السرير مقرفصة رأته ابتسمت وأفردت ذراعيها وارتمت بين أحضانه  وهى تقبله أخبرته بأنها جائعة إغرورقت عيناه  لم يرى عليها أعراض المرض الذي ينخر في أحشائها ويلتهم عظامها بفعل المسكنات التي تبتلعها  وكأنها تعافت احتضنها ثانية وأخبرها بأنه سيرافقها إلى البيت ليأكلا سويا  ورمق الطبيب بعينه الذي هز برأسه مواسيه ومشجعه كتب الطبيب تصريح الخروج وأعطاه له حملها على كتفه وهو يشعر بحنين إليها وغربة انغمس فيها واخذ يعتصرها ويضمها إلى قلبه وهى على أكتافه تتكلم بطلاقة وحيوية  وبأناملها تحسس على أذنه وتداعبه وهو يضحك قالت له لن اذهب إلى اللعب ثانية ولن أخالف أمر أبى ولن اذهب إلى الترعة مع الصغار بشرط أن تعطيني حلواك عند عودتك من المدرسة  تقاطرت عيناه بالدموع

5

 وجد أبيه يقف أمامه خارج المستشفى بنبوته وعمامته المكومة فوق رأسه  رأته فقبضت على رقبة أخيها وغمضت عيناها حتى لا تراه  وألصقت خدها بخده وهمست له في أذنه هل أخبرته بشئ لا تخبره حتى لا يضربني ولن العب ثانية ربت على كتفها وهدأ من روعها وطمأنها بأنه لم يخبره بشئ صاح الأب ( خلاص المنزوعة دى تروح يا دكتور ) لم يجبه الطبيب ونظر إليه باحتقان وانصرف  وفى الطريق شعر أن الحمل الذي على أكتافه بدأ بتثاقل ويهوى به إلى أسفل نظر إليها فوق كتفه تحسس وجنتيها وجدها ساخنتين وسرعان ما دبت البرودة في جسدها سال رحيقها الدافئ على خده وسقطت رأسها المنتصبة على كتفه حتى  تثاقلت ذراعيها وارتخت أعضاءها وانغمست في نوم عميق لم تفق منه أبدا

6

 أفاق على كلبه وهو يلاعب ذيله وينحني أمامه باسطا ذراعيه  متوسدا رضاه أومأ للكلب ثم ابتسم اقترب الكلب منه موحيا له بالانصراف بعد أن غلف الفضاء من حوله عتمة خفيفة توحي بظلام قاحل رافق كلبه إلى الخيمة فوجد أباه على حاله والجمل ملقى على الأرض بغير حراك والأب يحفر له حفرة لدفنه تجاهله ودخل الخيمة يرافقه كلبه وجد أمه تحصى ( هدوم الصغيرة وترتبها في صندوقها وهى تبكى جلس بجوارها يبكى اخذ الأب خارج الخيمة يصيح  بعد أن سقط في الحفرة التي حفرها للجمل والجمل بارك بحثته فوقه  يطبق على أنفاسه ولكن لم يجبه احد

 

mohamedzeinsap

كتبنا وكنا نظن أننا نكتب وقرأت ما كتبنا أكتب تعليقك ربما يكون نافلة القول التى تقيمنا إنتقد أو بارك أفكارنا لربما أنرت لنا ضروبا كانت مظلمة عنا أو ربما أصلحت شأننا أو دفعتنا لإصلاح شأن الآخرين

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 364 مشاهدة
نشرت فى 24 ديسمبر 2012 بواسطة mohamedzeinsap

محمد زين العابدين

mohamedzeinsap
نحن نتناول إحساسك ومشاعرك وغربتك نكتب لك ..... وتكتب لنا فى السياسة والادب والشعر والقصة والسيرة والدين نحن هنا من أجلك و...... ومن أجلنا لكى نقاوم حتى نعيش بأنفاسنا المحتضرة وآمالنا المنكسرة وآحلامنا البعيدة نحن المتغربين بين أوطانهم والهائمون فى ديارهم »

عدد زيارات الموقع

143,223

تسجيل الدخول

ابحث

ذاكرة تغفل..... ولكن لا تنسى




في قريتنا الشئ الوحيد الذي نتساوى فيه مع البشر هو أن الشمس تشرق علينا من الشرق وتغرب علينا من الغرب نتلقى أخبار من حولنا من ثرثرة المارين بنا في رحلاتهم المجهولة نرتمي بين حضن الجبل يزاحمنا الرعاة والبدو الأطفال عندنا حفاة يلعبون والرجال عند العصارى يلقون جثثهم أمام البيوت على (حُصر ) صُنعت من الحلف وهو نبات قاسى وجاف والنساء ( يبركن بجوارهم ( يغزلن الصوف أو يغسلن أوعيتهم البدائية حتى كبرنا واكتشفنا بأن الدنيا لم تعد كما كانت .... ولم يعد الدفء هو ذاك الوطن.......... كلنا غرباء نرحل داخل أنفسنا ونغوص في الأعماق نبحث عن شئ إفتقدناه ولا نعرفه فنرجع بلا شئ .. قريتنا ياسادة لا عنوان لها و لا خريطة ولا ملامح وكائناتها لا تُسمع أحد نحن يا سادة خارج حدودالحياة في بطن الجبل حيث لا هوية ولا انتماء معاناتنا كنوز يتاجر بها الأغراب وأحلامنا تجارة تستهوى عشاق الرق وآدميتنا مفردات لا حروف ولا كلمات لها ولا أسطرتُكتب عليها ولا أقلام تخطها نحن يا سادة نعشق المطر ولا نعرف معنى الوطن نهرب إلى الفضاء لضيق الحدود وكثرة السدود والإهمال... معاناتنا كنز للهواة وأمراضنا نحن موطنها لا تبارحنا إلا إلى القبور ... وفقرنا حكر احتكرناه ونأبى تصديره نحن أخطاء الماضي وخطيئة الحاضر ووكائنات غير مرغوب فيها...طلاب المجد نحن سلالمهم وطلاب الشهرة نحن لغتهم ... نحن يا سادة سلعة قابلة للإتجار بها ولاقيمة لها .. نحن مواطنون بلا وطن