سوف نتحدث في هذا المقال -الذي سيكون على جزئين- على "خريطة العقل" [أو الخريطة الذهنية] كطريقة لتوليد الأفكار الإبداعية ..
خريطة العقل .. كما هو معروف لدى الكثيرين .. هي طريقة إبداعية فعالة لتدوين الملاحظات وملخصات الكتب .. كما أنها استخدمت إلى جانب مهارات أخرى (كالقراءة السريعة) ..
إلا أن "توني بوزان" [الذي اقترنت هذه الطريقة بإسمه]- ومن خلال كتابه "قوة الذكاء الإبداعي" - حاول إبراز "خريطة العقل" كطريقة لتوليد الأفكار الإبداعية ..
المخ ..
يقوم المخ بتقسيم وتوزيع أنشطته - بصورة غريزية - على شقي المخ على النحو التالي ..
الشق الأيسر من المخ : يعالج: الكلمات، المنطق، الأرقام، تتابع الأحداث، التخطيط، التحليل والقوائم.
الشق الأيمن من المخ : يعالج: التكرار النظامي للأحداث، الوعي الجغرافي، الأبعاد، الخيال، أحلام اليقظة، الألوان والوعي التام.
حيث كلما نشط شق دخل الشق الآخر في حالة من الإسترخاء والهدوء ..
والعقل المبدع هو الذي يستخدم كل أجزء مخه (الشقين معاً) .. مما يعني أننا - أو غالبيتنا - نستخدم نصف مهارات المخ فقط ، إما أننا نستخدم الشق الأيمن لوحده أو الأيسر لوحده وقلما استخدمناهما معاً في نفس الوقت .. وبالتالي فإن نسبة كفاءة المخ تقل بـ 50 بالمائة ..
لاحظ معي هذا المثال ..
تصور لو قلنا لعدّاء أن يجري مسافة 200 متر .. وأجزنا له استخدام كل أعضاء جسمه .. فطبيعي أن معدل الكفاءة سيكون جيد .. لكن، لو قمنا بربط ذراعه الأيسر وساقه اليسرى وشددناهما إلى خلف ظهره .. ثم طلبنا منه أن يعدو مسافة 200 متر .. فالأكيد أنه سيسقط بعد مرور ثانيتين فقط، ، فعلى الرغم من أننا قمنا بتعطيل نصف أعضاء هذا العدء التي يستخدمها في الجري، إلا أن كفاءته أصبحت"صفر".. نفس الشيء يحدث داخل العقل في شقيه الأيمن والأسير ..
وبالتالي ماهي الطريقة التي من خلالها يتمكن كل واحد منا من استخدام شقي مخه -الأيمن والأيسر- حتى يتمكن من الإتيان بأفكار إبداعية فعالة وغير مألوفة ؟؟ ..
لاحظ معي هذا السؤال ..
متى تطرأ عليك بعض الحلول لمشاكلك، أو بعض الخيالات وأحلام اليقظة ؟؟ ..
دعني أجب بدلاً عنك .. لاحظ هذه الأمثلة ..
- أثناء الإستحمام.
- أثناء التنزه في الريف.
- قبل النوم.
- أثناء النوم.
- بعد الإستيقاظ من النوم.
- أثناء الإستماع إلى الموسيقى.
- أثناء العدو في الهواء الطلق.
- عند قيادة السيارة لمسافات طويلة.
- أثناء السباحة.
- أثناء الإستلقاء.
- أثناء الرسم العبثي وأنت شارك الفكر
أليس هذا صحيحاً ؟؟؟؟؟ .. لكن ماذا يعني هذا ؟؟؟؟ ..
بكل بساطة .. في أوقات الراحة والإسترخاء، يكون كلا النصفين من مخك في حالة تحاور وتواصل معاً مما يسمح للحلول والأفكار الإبداعية بالتهاطل من تلقاء نفسها ..
لذلك، النصيحة التي أود أن أبيعها لك بالملالالالالالالاييييين ..
إعط لنفسك فترات للراحة ..
لأنه إذا قررت عدم الحصول على فترات للراحة، فإن ذهنك سيتخذ هذا القرار نيابة عنك ..
لذلك نجد أن الكثيرين الذين يعملون بكد، يصبحون أكثر توتراً ويقل تركيزهم شيئاً فشيئاً .. بمعنى آخر أنهم يصرون على التعامل مع نصف عقلهم الأيسر (الكلمات، المنطق، الأرقام، تتابع الأحداث، التخطيط، التحليل والقوائم) إلا أن نصف المخ الأيمن يصر -هو الآخر- على طلب الحصول على بعض الخيالات وأحلام اليقظة .. أليس هذا بالضبط مايحدث ؟؟ ..
فيدخل الذهن في حالة من فقدان التركيز إلى حالة مصغرة من الإنهيار العصبي .. فنجد أن الشخص قد أصبح عصيباً ومشحوناً بشحنة كبيرة من الغضب .. والحل الوحيد في ذلك هو -فقط- أخذ قسط من الراحة والإسترخاء ..
وكنصيحة أقدمها لك قبل نهاية هذا الجزء من المقال ..
1- تنزه لمسافات طويلة، خاصة في الريف .. هناك مثل روماني قديم يقول: "فكر في حل المشكلات أثناء المشي" ..
2- كون ملاحظاتك بطريقة تدرب نفسك فيها على استخدام شقي المخ .. حيث تستخدم - أثناء تدوينك للملاحظات - الأشكال والألوان (لنشيط الجزء الأيمن من المخ) ..
طريقتنا التقليدية في تدوين الملاحظات:
قد يقول قائل "ما هي المبررات التي تدفعني للتخلي عن الطريقة المعتادة في تدوين ملاحظاتي وطريقة مراجعتي وكتابتي لدروسي وبحوثي .. ؟؟ " ..
سؤال جيد ..
يميز "توني بوزان" بين 3 أساليب نستخدمها جميعاً في كتاباتنا التقليدية والمعتادة ..
1- الأسلوب السردي : يعتمد على كتابة كل ما يجب طرحه
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
2- أسلوب القائمة:
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
3- التدوين الهامشي للأعداد والحروف:
1- ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
2- ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
3- ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
مساوئ الطريقة التقليدية:
أ- أنها لا تسلط الضوء على الكلمات المفتاحية:
وكما تعرف، فإن الكلمات المفتاحية هي التي يتم طرح الأفكار من خلالها، وهي عبارة عن كلمات وأفعال قوية تساعدك على التركيز ..
ب- صعوبة التذكر:
خاصة أثناء التعلم، فيسيطر على المتعلمين شعور بالإحباط والملل أثناء الدراسة، فمن الطبيعي أن الدروس الطويلة والمثير للضجر سوف تقابل بالرفض والنسيان، إضافة إلى الملل الناجم عن كثرة وتعقيد القوائم التي تُدخل العقل فيما يشبه التنويم المغناطيسي ..
95% من المتعلمين يدونون كتاباتهم بطريقة تدعو للضجر ..
إنتبه .. ماذا يترتب عن كل هذا ..
- فقدان القدرة على التركيز.
- الإفتقار إلى الثقة في النفس والثقة في القدرات العقلية.
- فقدان حب التعلم الذي يكون مشتعلاً لدى الصغار.
- المعاناة من الضجر والإحباط، والذي يؤدي إلى التعطل والملل والخلود إلى النوم.
الخريطة الذهنية:
التفكير المشع (المتوهج):
الفكرة التي ينطلق منها "توني بوزان" هي أن عقلك لا يفكر مثل الحاسب الآلي، أي على شكل خطوط مستقيمة طويلة ومتتالية، بل يفكر بطريقة متوهجة ومشعة، كما في الشكل التالي:
فكل كلمة أو صورة، هي في نفس الوقت فكرة ومركز لأفكار أخرى ..
الإرتجال (أو تداعي الأفكار)
لكي نقرب لك الفهم أكثر .. رجاءً قم بالتدريب التالي ..
- بدون توقف، سارع بملء الفراغات بأول 5 كلمات تتداعى إلى ذهنك عندما تفكر في مفهوم السعادة (تتداعى أي تأتي بصورة عفوية وارتجالية) ..
- اكتب ذلك باستخدام كلمات مفتاحية مفردة على الخطوط التي تشع وتصدر من المركز ..
- من الضروري أن تدون على الفور الكلمات التي ترد إلى عقلك [بغض النظر عن مدى سخفها]، ويجب ألا تستغرق المدة أكثر من دقيقة واحدة ..
الملاحظ أنه قد نتج لك 5 فروع لكلمة واحدة هي "السعادة" ..
- نفس الشيء، انتقل إلى المستوى الثاني وبسرعة، ضع على كل فرع من الفروع الخمسة المتشعبة 5 كلمات تخطر على ذهنك عندما تفكر في كل فرع من الفروع على حدة ..
لاحظ معي ما قمت به الآن ..
إن ما أجريته الآن هو أمر في غاية الصعوبة ( !!!)
فقد أخذت مفهوماً واحداً، وهو كلمة (سعادة)، ثم فرعتَ منه 5 أفكار أخرى، بمعنى أنك ضاعفت قدراتك الإبداعية 5 أضعاف (يا إلهي !!!) ..
ثم من هذه الأفكار، كل فكرة على حدة، استخرجتَ منها أفكار أخرى .. ففي فترة وجيزة أنجزتَ بجدارة 30 فكرة ..
وبالتأكيد، من هذه الأفكار، سوف تتمكن من الإتيان بأفكار جديدة أخرى ..
إذا وصلتَ إلى هذا المستوى، فـ "توني بوزان" أخبرني في كتابه "قوة التفكير الإبداعي" أنه يهنئك، لأنك برهنت باستخدام أسلوب خريطة العقل على إمكانياتك الإبداعية الكبيرة ..
لكن، بقي شيء أود أن أعلمك به .. عن "خريطتك الإبداعية" ..
أثناء ممارستك للعبة "السعادة" .. كنت لا تزال تستخدم "النصف الأيسر من المخ" [من خلال الكلمات] .. لذلك، إذا أردتَ تنشيط الجزء الأيمن من المخ، يمكنك ذلك من خلال استخدام الألوان، الأشكال والصور ....
فإذا وصلت إلى هذا المستوى، فتأكد أنك أصبحت كالعداء الذي يستخدم جميع أعضاء جسمه في أثناء الجري ..
طور خريطتك العقلية ..
لقد نجحت بجدارة من خلال لعبة (السعادة) في عمل خريطة ذهنية من إبداعك .. إليك بعض الإضافات حتى تكتمل الصورة في عملية بسيطة وسهلة وممتعة ..
1- إختر ورقة بيضاء كبيرة بعض الشيء .. لكن إذا لم تجد فورقة بيضاء عادية من نوع (A4) تفي جيداً بالغرض .. – إبدأ من منتصف الورقة واكتب الفكرة الأساسية ..
2- استخدم أحد الأشكال كرمز لفكرتك الأساسية .. لماذا ؟؟ لأن الصورة أفضل من ألف كلمة، وسوف تُسَر عيناك ويحتفظ انتباهك بتركيزه ..
3- استخدم الألوان (لا يقل عن 3 ألوان)، لأن الألوان تحفز التفكير الإبداعي إلى جانب تحفيز المراكز البصرية في المخ وجذب انتباه واهتمام عينيك ..
4- عند استخراجك للفروع من الفكرة الرئيسية، قم بوصل هذه الفروع بالفكرة الرئيسية .. وإذا أنشأت مستوى ثان من الفروع، قم بوصلها مع فروع المستوى الأول .. وهكذا .. – تأكد أنه إذا اتصلت الفروع على الورق فسوف تتصل الأفكار في مخك، ويتولد لديك المزيد من الأفكار الخلاقة ..
5- استخدم الخطوط المنحنية بدلاً من الخطوط المستقية، لأن الخريطة الذهنية التي تكون خطوطها مستقيمة تجعل عينيك تشعران بالملل ..
6- حاول أن تقلل من عدد الكلمات التي تستخدمها في الفروع قدر المستطاع .. "توني بوزان" كان شديد الحرص على استخدام كلمة واحدة لكل خط ، لكن مادامت هذه محاولاتك الأولى، حاول أن تستخدم من 2 إلى 3 كلمات على الأكثر ..
7- استخدم الرسومات .. لأنه يسهل عليك تذكر الصور والرموز ..
ماذا بعد هذا ؟؟ ..
- أنت الآن تمتلك من بين اقوى الطرق لتوليد الأفكار الإبداعية.
- للطلبة .. تعد خريطة العقل جيدة للتلخيص والإستذكار، إضافة إلى التخلص من الضغوط النفسية .. بمعنى آخر .. أن تجد دروسك ملخصة وسهلة الهضم في ورقة، أفضل بكثير من أن تجد نفسك محاطاً بركام من الأوراق .. أليس كذلك ؟؟ .. يقول الدكتور نجيب الرفاعي: "إن التعود على هذا النمط الجديد من المذاكرة والدراسة سوف يحسن – بلا شك- في آداء الطالب في الإمتحان، ويضمن له الدرجات بصورة سهلة وميسرة .."
- تعامل مع الأمر وكأنك سوف تمارس لعبتك المفضلة التي تشعر معها بالمتعة .. جرب فقط ..
- إذا كنت تسعى لتلخيص كتاب أو مقال، حاول الإنتهاء منه ثم أشأ خريطتك الذهنية .. فهذا قد يساعدك على التركيز أكثر (فالخريطة تكون أشمل وأفضل وأوضح) ..
- طور وحسن من خريطتك بربط عناصرها واستخدم الرسوم التوضيحية ..
- إذا كان الموضوع متشعباً بعض الشيء وصعب عليك، حاول توزيعه على أكثر من خريطة ..
- حاول إنشاء خريطتك الخاصة وبطريقتك الخاصة ولا تحاول تقليد أحد .. فقد ثبت من خلال التجارب أن الخرائط الذهنية تختلف من فرد إلى آخر على الرغم من تشابه المواضيع .. وهذا شيء طبيعي، نظراً لتأثير شخصية الفرد ونظرته للأمور على خريطته الذهنية .. فهذه نقطة مهمة يتعين الإنتباه لها ..
- الخريطة الذهنية تتم يدوياً، إلا أنه يمكنك الإستعانة ببرامج خاصة لعمل خرائط ذهنية ..