تعتبر مشكلة تأخر سن الزواج (العنوسة ) في وطننا العربي بصورة عامة من المشكلات الكبيرة وهي مكملة لمشكلة العزوبية التي يعانيها الرجال ونظرة متفحصة لنتائج البحوث والدراسات التي أجريت في الوطن العربي تظهر إن العوانس العربيات قد أصبحت مشكلة حقيقية تهدد المجتمع بالضياع والتمرد فقد صرحت قناة الزواج الفضائية إن هناك (36) مليون عانس ،وهذا مؤشر خطير ونذير شؤم والإعداد في ازدياد مستمر.

لقد كثر عدد الإناث ، وفاق عدد الذكور ، وهذا مصداق قول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم .
فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثاً لاَ يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ : أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا ، وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ " .

يعني : حتى يكون لخمسين امرأة رجل واحد يقوم على مصالحهن ، لكثرة النساء ، وقلة الرجال ، واليوم نحن نعيش بداية هذه العلامة من علامات الساعة الصغرى ، فنسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة

إن أهمية أي دراسة نقوم به تتحدد في ضوء ما يمكن التوصل إليه من النتائج التي قد تؤدي إلى حلول ناجحة لمشكلة محددة أو تتحدد في ضوء ما يضيفه من خبرة علمية متواضعة مضافة للكم المعرفي وهو بهذا خدمة في مجرى التطور والإبداع ولعل ما يتطلب لإبقاء المجتمعات المتقدمة مجتمعات معرفية هو تزويدها بمعارف تبصرها بأهمية المشكلات التي تواجهها في حياتها ، كظاهرة تأخر سن الزواج التي تتحدى الشباب والبنات ،فما هو معروف إن الشباب عماد نجاح الأمة وركيزة المجتمع ودعامة مستقبله حيث يساهم في استقرارهم العاطفي ويجعلهم منتجين وفعالين في حركة المجتمع وكما يجعلهم أكثر قدرة على العطاء وقيادة نهضــة ومسيرة بلادهم .

ومما يساهم في تفاقم المشكلة تعقد الحياة وازدياد الطلب على التعليم من الذكور والإناث والذي كان من أبرز نتائجه استبعاد فكرة الزواج بسبب الطموح الدراسي وكذلك البحث عن عمل بعد التخرج وتأمين مستقبلهم ولا يدرون بالسنوات التي تمضي سريعا هذا إذا أضفنا ارتفاع مستوى التخيلات في انتظار فارس الأحلام المتكامل المواصفات من قبل الفتاة ورفض المتقدمين والتشدد في اختيار زوج البنت من قبل الأهل ، غلاء المهور وتكاليف الزواج ، وعدم قدرة الشاب عليها ،وطمع الآباء في مرتبات أبناءهم وبناتهم ، مما يؤدي ضياع الفرص منهم والسعي من أجل الرفاهية الزائدة للأبناء التي تؤدي إلى الانحراف وعدم التفكير في الزواج ،والبطالة وعدم توفر فرص العمل لدى الكثير من الشباب ، والقيود المفروضة من قبل بعض الدول بعدم زواج مواطنيها من الخارج كل ذلك أدى إلى عنوسة كثير من الشباب , والشابات ،ومن هنا نجد إن الأسباب كثيرة جدا و متعددة ومتنوعة .ولعل في قول الإعرابية لوالدها عندما أصر أن لا يزوجها إلا لفارس من قبيلته قالت له : 'يأابتي العمر يمضي والوحدة عذاب الذي لخصت من خلال هذه العبارة كل المشكلة .

ورغم إن الدين الإسلامي يقدس العائلة ويعتبر الزواج نصف الدين

لقد جاء الإسلام آمراً بتيسير الزواج ، حاضاً على تسهيل سبله ، قال الله تعالى : { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [ النور 32 ] ، ففي الحديث الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم يقول " يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ "[ متفق عليه ] ، وقال عليه الصلاة والسلام : " النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِي فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي وَتَزَوَّجُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ وَمَنْ كَانَ ذَا طَوْلٍ فَلْيَنْكِحْ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَيْهِ بِالصِّيَامِ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ " [ رواه ابن ماجة ] .

وهو يحض الشباب على التعجيل بالزواج من اجل تماسك المجتمع وحيائه وعفته ،ورغم إن المجتمعات الإسلامية استطاعت وعلى مدى قرون الحفاظ على قيم العفاف والحياء للفتاة إلا ان ذلك لم يمنع من وجود بعض الاختراقات للمجتمع الذي كان نتيجة للغزو الفكري التي تعرضت له مجتمعاتنا والذي تركت آثاره على الأوضاع الاجتماعية وافرز عوامل نفسية وثقافية واقتصادية خاصة بالشباب ،فالشباب لديه أوهامه وأحلامه ومثالياته التي قد تذهب به الى الشطط في الأخلاق وسلوك .

ان دراسة تداعيات هذه الظاهرة الخطيرة يسبقها الأرقام المخيفة لمعدلاتها كما أسلفنا يظهر مساوئ ما تتركه من أثار تهدد استقرار الأسر العربية والإسلامية وتنذرها بالضياع فالآثار لا تقف عند الاضطرابات النفسية للفتاة العانس بل إنها تصيب عائلتها من أب وأم وأخوة ويمارس الإباء طرقا عديدة في التعامل منها التسليم بهذا الوضع للقدر والقسمة والنصيب او التشدد والعنف والرقابة او ترك الحبل على الغارب الذي يدفع ابنته لكثرة الخروج وممارسة حريتها وبالتالي وقوعها في الخطأ والأم تمارس طاقتها وعصبيتها وقلقها وتشعر بعمق أحاسيس ابنتها وواقعية حاجتها لكنها قد تسلك طريق السحرة المشعوذين مما يزيد الطين بلة.

إن مشكلة العنوسة تزداد يوما بعد آخر واستعراض سريع لهذه الظاهرة يبين مدى استفحالها فالدراسة التي أجراها مركز الدراسات الاجتماعية في مصر وجد إنها تشكل (35%) من فتيات البحرين والإمارات والكويت وقطر وفي الجزائر (61.8%) وانخفضت في ليبيا حيث بلغت (30%) بينما بلغت (20%) في كل من السودان والصومال وسلطنة عمان والمغرب في حين إنها لم يتجاوز في كل من سوريا ولبنان والأردن (15%) وكانت في ادني مستوياتها في فلسطين وإذا كان واضحا حسب الدراسة السابقة ارتفاع نسبة العانسات في العراق إذ وصلت (85%) هو بسبب الحصار والحروب التي شنها النظام السابق حيث تسبب في مقتل الشبان العراقيين وتقليل فرص زواج الفتيات .

- مفهوم تأخير سن الزواج (العنوسة) ٍSPINSTERHOOD

تعريف القاموس المحيط

يحسن بنا عند الكلام على العنوسة تحديد معناها وبيان المقصود بها، ففي اللغة يقال : عَنَسَت الجارية عنوساً وعناساً أي طال مكثها في أهلها بعد إدراكها، حتى خرجت من عداد الأبكار ولم تتزوج قط . (القاموس المحيط :فصل العين)

ويقال فيها أيضاً : عنّسها أهلها : حبسوها عن الأزواج حتى جازت فتاء السِّن ولما تَعْجُز

( لسان العرب ، مادة عنس )والمقصود بالفتاء هنا الشباب

وقد اختلف العلماء في السن التي تعدّ المرأة فيها عانساً على أقوال هي : ثلاثون سنة أو خمس وثلاثون أو أربعون أو خمس وأربعون أو أكثر من ذلك، وقال بعضهم وهو الصواب والله أعلم سن العنوسة تعود إلى العرف، فقد يطلق وصف العنوسة في مجتمع ما على المرأة التي لم تتزوج وإن لم تبلغ الثلاثين .

وتختلف سن الزواج بين المجتمعات الشرقية والغربية اختلافا واضحا كما نجد هذا الاختلاف بين مكونات المجتمع الواحد طبقا لمدى تقدم طبقاته وشرائحة ومناطق سكناه في النواحي الاقتصادية والاجتماعية ومدى التغير في عاداته وتقاليده ففي مجتمعنا نجد إن الزواج المبكر منتشر في الريف مع نسبة تعليم واطئة وفرص أقل للعمل إن لم تكن معدومة تماما للفتيات لذا تختفي هذه المشكلة كون أغلب الزيجات تتم بعد بلوغ الفتاة مباشرة في حين تزداد فرص الدراسة والعمل لهن في المدينة أي هناك فرصة كبيرة للاستقلال المادي ولهذا الاستقلال تأثيره أيضا وتشير معظم الدراسات إلى تزايد نسبة عزوف الشباب عن الزواج مما يشكل تهديدا لبنية المجتمع لما تتركه من آثار سلبية ويضيف عقبات جديدة يسعى المجتمع إلى تجاوزها .

وعنست المرأة عنوسا وعناسا فهي عانس والجمع : عنس وعوانس وعنست وهي معنس وعنسها أهلها : حبسوها عن الأزواج حتى جازت فتاء السن ولما تعجز قال الأصمعي : لا يقال عنست ولا عنست ولكن يقال على مالم يسم فاعله فهي معنسة قال الجوهري : عنست الجارية تعنس اذا طال مكثها في منزل أهلها بعد إدراكها حتى خرجت من عداد الأبكار هذا ما لم تتزوج فان تزوجت مرة فلا يقال عنست وقال الليث : عنست إذا صارت نصفا وهي بكر ولم تتزوج، وقال الفراء : امرأة عانس التي لم تتزوج وهي تترقب ذلك وهي المعنسة

وقال الكسائي : العانس فوق المعصر وأنشد لذي الرمة :

وعيطا كأسراب الخروج تشوقت

معاصيرها والعانقات العوانس

العيط :يعني بها إبلا طوال الأعناق الواحدة منها عيطاء وقوله كأسراب الخروج أي كجماعة نساء خرجن متشوقات لأحد العيدين أي متزينات شبه الإبل بهن والمعصر : التي دنا حيضها والعاتق والعانس التي في بيت أبويها ولم يقع عليها اسم الزوج . ( الموسوعة الفقهية )

العتيبي 1996

هي تأخر زواج المرأة أو عدم زواج المرأة في سن الزواج واقترابها من سن اليأس .

فضيلة 2007 :

بأنها المرحلة العمرية التي تتخطى بها المرأة سن الزواج المتعارف في المجتمع

أو بأنها المرحلة العمرية التي يبدأ جسد المرأة فيها بفقدان خصائصه الأنثوية الجاذبة للجنس الأخر وتقل احتمالات قدرة المرأة على الإنجاب وبداية التغيرات الهرمونية والنفسية والعصبية للمرأة .

أسباب تأخير سن الزواج في المجتمع .

كشفت نتائج هذه الدراسة التي أجريت على عينة من المدرسات العوانس في محافظة نينوى إلى عدد من الأسباب وهي مرتبة بالشكل التالي :

- الأوضاع غير الطبيعية التي عاشها المجتمع العراقي ولا يزال يعيشها .

- الخوف من فقدان الزوج أثناء الحرب وما يترتب عليه من مشاكل عدة ساهمت في بلورة فكرة تأخر سن الزواج عند النساء بانتظار ظروف أفضل ومتقدم أفضل وحين توقفت الحرب وجدت إن أعمارهن تجاوزت الفترة المناسبة .

- هجرة الشباب خارج القطر .

- تهرب الشاب أو الشابة من المسؤولية العائلية .

- ارتفاع تكاليف الزواج .

- كثرة مطاليب الحياة الأسرية .

- ضعف الوازع الديني عند بعض الشباب .

- شيوع بعض العلاقات غير الشرعية بين الشباب والشابات.

- قلة أعداد الشباب قياسا بأعداد الشابات .

- ندرة التقاء الشباب والشابات بوجود الأهل .

- ندرة المناسبات العائلية والاجتماعية

- سيطرة الشعور بالخوف من الفشل في تجربة الزواج .

- لازال الزواج يجري بناء على رضا أم الشاب ورغبتها .

- غيرة الرجال من نجاح المرأة دراسيا .

- انصراف الرجال عن النساء الطموحات دراسيا

- شيوع الثقافة التي تمجد زواج من الطبقة الاجتماعية الواحدة .

- انشغال بعض الفتيات بالدراسة على حساب الزواج مبكرا .

- تدخلات أسرة الشاب في وضع مواصفات زوجة المستقبل .

- تطلع بعض الشباب للزواج من عربيات أو أجنبيات .

- ضعف اتجاه الرجل عن الزواج بالمرأة العاملة .

- غلاء المهور .

- البطالة المقنعة .

- تأكيد بعض الفتيات على مستلزمات الزفاف الباهضة التكاليف .

- امتناع بعض الآباء عن تزويج بناتهن بحجة تسلسلهن حسب العمر.

- تخوف بعض الفتيات اللواتي من أمهات مطلقات أو من أمهات غير متوازنات في علاقاتهن الزوجية من تكرار هذه الخبرة معها .

- تخوف بعض الفتيات على حريتهن الشخصية من قيود الزواج .

- إجبار بعض الآباء بناتهن على الزواج من أشخاص دون رغبتهن .

- يعيش الشاب والشابة في أحلام يقظة تجعله يؤجل عدم الاقتناع بالشريك الموجود أو المتقدم إليه .

- تأثير الأغاني العاطفية المعروضة في القنوات الفضائية على الشاب والشابة وتجعله يرسم صورة مثالية للشريك ( الزوج أو الزوجة ).

- أسباب ليست ذات أساس علمي كالحظ والقسمة والنصيب .

الآثار الناجمة عن تأخر سن الزواج في المجتمع .

أولاً - الآثار الفسيولوجية: -

منحنى الخصوبة في المرأة يبدأ من سن 18 إلي 35 عامًا ويصل ذروته في سن 30 عامًا ويبدأ المنحنى في الهبوط فالسيدة المتزوجة في سن متأخرة نقل فرصة الحمل لديها، وعندما يحدث الحمل يؤدي لحدوث مشكلات مثل الإجهاض ونشوه الجنين ونزيف قبل الولادة وارتفاع ضغط الدم فتزداد مشكلات الضغط والسكر ، والمرأة لديها عدد معين من البويضات تستمر إلي متوسط سن اليأس من 42 إلي 45 عامًا، وبعد سن 35 عامًا يرتفع احتمال ولادة طفل منغولي، وتزداد النسبة بعد سن 40 عامًا لتصل إلى 1 - 40 طفلاً، أما الرجل فتأخر الزواج لدية لا يؤثر علي الإنجاب إطلاقًا ما لم يكن يعاني من أمراض الجهاز التناسلي أو ارتفاع في ضغط الدم أو أي مرض عضوي أو إدمان مخدرات.

ثانيا :- الآثار النفسية :

ومن الآثار النفسية للعنوسة ان إخفاق المرأة في الحصول على شريك شرعي يحرمها من سعادة تتمناها وتترقبها والتي تنحصر في تحقيق ذاتها كربة أسرة تتحمل مسؤوليتها وامتلاك عائلة تشعرها بالاستقلالية وبالشخصية بعيدا عن آسرة والدها من خلالها تمارس أموتها وتجلب إليها راحة البال وصفاء الضمير وإخفاق المرأة في الحصول على شريك يحاصرها بكوابيسه المخيفة من وحدانية ودونية واكتئاب فضلا عن الحظر الصحي والخلقي والنفسي والاجتماعي ومن البديهي بطبيعة الحال ان تكون الفتاة نفسها أكثر أفراد الأسرة معاناة من مضاعفات العنوسة وعلى رأسها المضاعفات الجسدية فعلى مستوى الجسد تشعر الفتاة العانس بألم في البطن لان غشاء البكارة يمنع في بعض الحالات خروج دم الحيض بسهولة فضلا عن ارتفاع نسبة الإصابة بمرض سرطان الثدي ،وبسبب من الابتعاد عن الجنس الأخر فان الغريزة الجنسية تعلو طاقتها وعدم إشباعها يؤدي الى الإصابة بالأمراض النفسية ( الكبت ، الشرود الذهني والاكتئاب . ( المنتدى ،2005، 3)

كثيرة من الآثار النفسية السيئة التي يتعرض لها الشباب من الجنسين فيما يتعلق بإشباع الحاجات الاجتماعية والنفسية والفسيولوجية الملحة في مثل تلك المراحل العمرية التي يتقد فيها أدار الشباب، خاصة ما نعانيه في بعض مجتمعاتنا من انتشار الفتن والعري والخلاعة في معظم وسائط الإعلام والترفيه، والزواج عصمة من الوقوع في الحرام وفيه إشباع للرغبة وغض للبصر.

كما أن العانس غالبًا ما تواجَه بالانتقاد أو تُدفَع لانتقاد ذاتها لكثرة التعليقات التي توجَّه لها بسبب كونها "غير شاطرة" لأن غيرها من البنات فزن بالعريس، بينما فشلت هي في ذلك،
ثم إن العنوسة غالبًا ما تؤدي، وخاصة عند البنات، إلى نوع من القمع الذكوري من الأب أو الأخ بحجة أنها بحاجة إلى حماية وأن "كلام الناس لا يرحم"؛ أو إلى الكبت الجنسي الذي يمارَس على الفتاة العانس، خاصة أن المجتمع لا يقبل بعلاقات جنسية خارج إطار الزواج الكلاسيكي، فتعيش العانس ضمن جدران سجن غير مرئي، محاط بفكرة حمايتها من المجتمع الذي "لا يرحم". وأيضًا.

من النتائج السلبية للعنوسة كبت مشاعر الأمومة عند الفتاة العانس لأن مجتمعنا يرفض إشباع هذه الغريزة عن طريق التبني لان فكرة أطفال الغير ليست محبذة.
لكن تبقى للعنوسة بعض الإيجابيات، ومنها أننا مجتمعات كثيرة الولادات؛ وعدم الزواج يخفف، بشكل أو بآخر، من هذه المعضلة القائمة.

ثالثا : - الآثار الاجتماعية :

تزداد المشكلة سوءا لدى المرأة التي لا تعمل ففي العديد من العائلات لازالت البنت التي يتأخر سن زواجها تعاني من ضغوط اجتماعية وأسرية والكل يحاول استغلالها إذا كانت ذلك من إخوتها او والديه فهم يريدوها ان تخدم عليهم وإذا تزوج أخواتها أن تخدم عليهم وعلى أزواجهم( تعجن للعائلة وتطبخ وتنظف).

- الحلول المقترحة للحد من تأخر سن الزواج في المجتمع.

والمؤسف أن مشكلة تأخر سن الزواج لم يعد من الممكن حصارها في نطلق مجتمع بعينه أو داخل فئة معينة من الناس،وإنما أصبحت مشكلة كئيبة تهدد مجتمعنا الإسلامي ونأخذ بخناق قيمة ومثله الرفيعة، ولذا يجب ألا يكون التصدي لها فرديًا لا يسمن ولا يغني من جوع.
وقد أحسنت حكومات بعض الدول الإسلامية صنعا حين وضعت خطة ناجحة لمساعدة الشباب الراغب في الزواج فاعلته ماديًا ووفرت له الاحتياجات اللازمة لبداية حياة زوجية موفقة.
وعلي الآباء ألا يغالوا في مهور بناتهن طمعًا أو فخراً فيساهموا عن غير قصد في تفاقم أزمة موجودة بالفعل وليست بحاجة إلى من يزايد عليها.
حاول كثير من الدعاة الإسلاميين والباحثين الاجتماعيين النفسانيين التصدي لهذه الظاهرة ومحاولة حصرها وإيجاد الحلول المناسبة لها فالدعاة الإسلاميون انطلقوا في ان الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون على ظاهرة الزوجية كما جاء في القران الكريم فوله تعالى ({سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ }يس36 وفي آية أخرى قوله تعالى ({وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }الذاريات49 أي ان هناك ذكر وأنثى في الحيوان والإنسان .

وبعد إن خلق الله ادم خلق له من نفسه زوجا ( حواء) يسعد الإنسان ويستريح في عائلة يسكن بعضهم إلى بعض قال تعالى ({وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم 21.

ولم يقف دور الدعاة عند هذا الحد بل حاولوا تصحيح المفاهيم المغلوطة وتذكير الناس بالحكمة من الزواج ومقاصده وضرورته الاجتماعية والنفسية وتوضيح كيف اهتم الإسلام بعقد الزواج بوصفه أساس بناء الأسرة وان هناك أسسا يجب أن يقوم عليها من حسن الاختيار والخطبة والكفاءة وعدم الإكراه والإشهار والولي والصداق كما إن له أيضا أهدافا يجب تحقيقها وهي السكن والمودة والرحمة وتربية الأبناء فضلا عن تحذير الناس من مخالفة إتباع المنهج الإسلامي في اختيار الزوج أو الزوجة وخطورة ربطه بأسباب دنيوية من مال أو جمال أو حسب دون الاهتمام بالدين والخلق الصالح حتى لا ينتهي بهم إلى الطلاق .

أما الباحثون الاجتماعيون فقد دعوا إلى استلهام طرق غير نمطية في تسيير الحياة المعاصرة ونبذ الطرق البالية ، فالقناعة والرجوع إلى البساطة هو السبيل نحو الزواج الناجح مثال ذلك تشجيعهم قبول المرأة العاملة المشاركة في نفقات المنزل .

و الله سبحانه وتعالى أقام هذا الكون على ظاهرة الزوجية، أي الازدواج كما جاء في القرآن الكريم (سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون) وأيضاً في الآية الأخرى (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون)، (خلقنا زوجين) أي أن هناك ذكر وأنثى في الحيوان والإنسان وحتى في النبات هناك حبوب التذكير وحبوب التأنيث، وحتى الكهرباء فيها موجب وسالب، وحتى الذرة فيها إلكترون وبروتون، شحنة كهربائية سالبة وشحنة كهربائية موجبة، أساس البناء الكوني هذا الازدواج، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش وحده لذلك ربنا لما خلق آدم لم يدعه وحده خلق له من نفسه زوجاً ليسكن إليها، تسكن أنت وزوجك الجنة إذ لا معنى أن يعيش الإنسان في الجنة وحيداً فريداً فمن أجل هذا لابد أن نساعد على أن تستكمل الحياة الزوجية مقوماتها بهذا الاقتران بين الذكر والأنثى في ظل الشرع وتحت أحكام الشريعة الغراء وذلك بالزواج.

في الواقع أنه في عصر النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن الناس يشكون لا من عنوسة الإناث ولا من عزوبة الشباب، لأن الزواج كان سهلاً وميسراً والنبي صلى الله عليه وسلم يقول "أقلهن مهراً أكثرهن بركة" ولم يكن الناس يعسِّرون في هذه الأمور، النبي عليه الصلاة والسلام زوَّج سيدة نساء العالمين فاطمة رضي الله عنها لعلي بن أبي طالب بمهر عبارة عن درع اسمه "الحطمية" فالمرأة ماذا تفعل بالدرع ولكنه أشبه بشيء رمزي، فهل تبيعه! أو تتزين به! كانت الأمور ميسرة والإنسان كان يعرض أحياناً ابنته، فسيدنا عمر عرض على سيدنا أبي بكر حينما أصبحت حفصة بغير زوج فقال له: هل لك في حفصة ابنتي ـ أي هل تتزوجها ـ فلم يرد عليه، ثم ذهب إلى عثمان وسأله: هل لك في حفصة؟ فلم يرد عليه، وذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له يا رسول الله عرضت حفصة على كل من أبي بكر وعثمان فلم يردا علي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يزوج الله حفصة خيراً من عثمان ويزوج الله عثمان خيراً من حفصة"، وفعلا تزوج عثمان ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم الثانية، فكان الأمر سهلاً لم يكن الناس يعسرون، الآن نحن عندما نريد أن نتزوج اخترع الناس هدية أو شيء سموها الشبكة ثم يعمل حفلة للخطوبة، ثم حفلة عقد القِران، وحفل الزواج ويا ليته مثل السابق، كان الشخص يذبح خروفين ويدعي عليه الناس، إنما الناس الآن أصبحت تعمل حفلات زواجها في الشيراتون أو الهيلتون أو الفنادق الأخرى، وتتكلف أضعاف مضاعفة، والهدايا في فترة ما قبل الزفاف والولائم والأثاث، تأثيث البيوت والمفاخرة والرياء الاجتماعي، كل واحد يحب أن يباهي الآخرين ويكلِّف نفسه ما لا يقدر عليه لماذا كل هذا؟ المفروض كما يقولون "على قدر لحافك مد رجليك" (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً) إنما الشخص يريد أن يفاخر ويباهي ويشتري من الأثاث ما لا يستطيع فكل هذه التكاليف تعرقل الزواج وتعوق خطواته، في عصر النبي عليه الصلاة والسلام كان الأمر سهلاً وما كانوا ينظرون إلا إلى دين الشخص وخلقه "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، وبالنسبة للمرأة أيضا "تنكح المرأة لأربع لحسبها ولمالها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم أن نهتم ونركز على الدين والخلق سواء بالنسبة للمرأة أو بالنسبة لمن يريد أن يخطبها ويتزوجها وكانوا يقولون إذا زوجت ابنتك فزوجها ذا دين إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها، فهي كسبانة كسبانة، ويقول الإمام الشافعي وهو من أئمة التابعين: من زوَّج ابنته من فاسق فقد قطع رحمها. فهذه كانت أمور الزواج في الحياة النبوية، وكانت المرأة تتزوج بسهولة والرجل يتزوج بسهولة مثلاً الرجل استشهد ونحن نعرف أن عصر النبوة عصر جهاد فالنبي عليه الصلاة والسلام غزا سبعاً وعشرين غزوة شهدها بنفسه وبعث بضعة وخمسين سرية بعث فيها الصحابة وكان هذا في تسع سنوات فكانت الحياة بهذه الصورة، وهذه الحروب أدت إلى شهداء والشهداء وراءهم أرامل، هؤلاء الأرامل كن يتزوجن بسهولة بعد استشهاد أزواجهن أحياناً، الآن نجد أن المرأة إذا مات زوجها لا تتزوج وكأن الزواج عيب، أضرب لكم مثلاً أسماء بنت عميث رضي الله عنها كانت زوجة لجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ولقد استشهد زوجها في مؤتة وهو أحد القواد الثلاثة الذين استشهدوا في مؤتة فانتهت عدتها وتزوجها أبو بكر رضي الله عنه، وبعد أبو بكر الذي عاش بعد جعفر سنتين ونصف، عندما توفي أبو بكر فخطبها علي بن أبي طالب وتزوجها وكان عندها أولاد من جعفر وأولاد من أبي بكر وأولاد من علي وكان أولادها يأتي كل واحد يقول للآخر: أنا أبي خير من أبيك، وحينما تحتد بينهم المنافسة يحتكمون إلى الأم فكانت تحل المشكلة بفطنة وحكمة تقول لهم: أبو بكر سيد الشيوخ، وجعفر سيد الكهول، وعلي سيد الشباب وترضي الجميع، فأنا أقول أن الحياة كانت فطرية والأمور سهلة

ولذلك لم تكون العنوسة مشكلة ولا العزوبة مشكلة في هذا المجتمع المسلم الذي يعتبر نموذج المجتمعات.

1. الإقتداء بقول النبي صلى الله عليه وسلم ' اذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه.

2. عقد جلسة مصارحة مع الأهل ، ووضع الحلول المناسبة .
وان لا يفسد الحياء مستقبل حياتك.

3. عقد وتنظيم الندوات والمحاضرات للتوعية بمفهوم الإسلام عن الزواج وضرورة تسهيل زواج الشباب باعتبار الزواج رابطة أسرية وليست صفقة تجارية مبنية على الربح والخسارة.

4. تشجيع التجمعات الخيرية والحكومية والرسمية على تقديم المساعدات المالية والقروض الخالية من الفوائد للراغبين في الزواج ونأخذ تجارب بعض الدول العربية والإسلامية مثل دولة الأمارات العربية المتحدة حيث شجعت على الاقتران ببنات بلدهم وذلك بتقديم (70) ألف درهم منحة لطالب الزواج وكذلك ما فعلته جمعية البر في السعودية التي ساهمت في تقديم المساعدات العينية للمتزوجين مثل الأثاث الجديد او المستعمل او تيسير بعض شؤون الزفاف والإقامة .

5. مساهمة الدعاة الإسلاميين للتصدي لهذه الظاهرة كتقاليد طارئة على المجتمع الإسلامي وتصحيح المفاهيم المغلوطة وتذكير بحكمة الإسلام من الزواج ومقاصده وضرورته الاجتماعية والنفسية .

6. مساهمة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بتوعية المجتمعات العربية بحجم هذه الظاهرة وشيوعها ومضارها على الشباب والشابات ونبذ الزواج العرفي والعلاقات غير الشرعية وتوعية الأسرة للإقتداء بسنة الرسول الكريم محمد ( صلى الله عليه وسلم )في تيسير المهور والحرص على اختيار صاحب الدين والخلق مصداقا لقول الرسول الكريم محمد

( صلى الله عليه وسلم) ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه الاتفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) .

7. نوصي بقبول فكرة التعدد لتشكل حلا آخر من حلول مشكلة العنوسة مع رغم ان هذا التعدد أمر شرعي صحيح ألا إن فكرة التعدد هذه مازالت تلقى معارضة شديدة في المجتمعات العربية وهو ما كشفته ردود الأفعال المتباينة في الشارع العربي على مسلسل ( عائلة الحاج متولي ) الذي شنت عليه النساء العربيات حملة هوجاء معتبرين انه عودة إلى عصر الحريم والجواري ورغم ان الإسلام قد شرع صراحة مبدأ تعدد الزوجات شريطة العدل بينهن .

8. نوصي بتوفير فرص العمل المناسبة للشباب لكي يتمكن من فتح بيت والصمود أمام غلاء المعيشة .

9. رغّب الإسلام في الزواج فحث عليه وجعله من الأعمال التي يؤجر عليها صاحبها إذا قصد بفعله العفة والإحصان وغض البصر له ولزوجه . قال الله تعالى: [ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ]سورة النساء الاية3

10. نقترح أن تكون هناك برامج تخطط بشكل دقيق للقضاء على ظاهرة العنوسة عن طريق مساعدة الشباب على إيجاد سكن وتوعية الشباب بفوائد الزواج وتجميل صورة تكوين أسرة وأولاد ومنزل .

المصدر: د. فضيلة عرفات
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 59/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
19 تصويتات / 5826 مشاهدة
نشرت فى 31 مارس 2011 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,877,833

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters