فريد منَّاع
(أن تكون لديك شخصية مميزة، يعني أن تكون عظيمًا بما يكفي لقبول تحدي الحياة والنجاح فيه).
ماري كارولين ريتشاردز
تحدثنا في المرة السابقة عن الشخصية، وكيف تتكون، وعن أول نظرية من النظريات المفسرة للشخصية الإنسانية (نظرية الأنماط)، والآن نتحدث عن نظرية السمات:
نظرية السمات:
يمكن الحكم على الشخصية الإنسانية، وتفسيرها في خلال السمات النفسية للفرد، باعتبار أن هذه الشخصية هي مجموع سمات الفرد، ومن أهمها الذكاء، القيادة، السيطرة، الثقة بالنفس، التعاون، الخوف ... إلخ.
ويمكن تقسيم الشخصية الإنسانية إلى ثلاثة أنواع، وفقًا لمدى إستجابة الفرد للتفاعل مع الآخرين:
1. الشخصية السلبية:
يتصف أصحاب هذه الشخصية بالإستقلالية؛ ولذلك فإنهم يتجنبون الإتصال بالآخرين، ويميلون إلى الإنعزالية.
2. الشخصية الإيجابية:
يتصف أصحاب هذه الشخصية بالتعاون مع الآخرين، والرغبة في التفاعل معهم؛ ولذلك فهم دائموا البحث عن الأصدقاء.
3. الشخصية النافرة:
يتصف أصحاب هذه الشخصية بالرغبة في إستغلال الآخرين، والسعي إلى تحقيق مصالحهم الشخصية، بغض النظر عن مصالح الآخرين؛ ولذلك فإنهم عادة ما يميلون إلى العدوان والمنافسة.
وطبقًا لنظرية السمات، سوف نذكر بعض الأمثلة لخصائص شخصية الفرد، وفقًا لمدى الإقبال والتفاعل مع الأفراد الآخرين في المجتمع:
1. الشخصية المتكبرة:
ويتصف صاحب هذه الشخصية بالثقة الزائدة بالنفس، وحب المظهرية، والتعالي على الآخرين، وعكس هذه الشخصية، الشخصية المتواضعة.
2. الشخصية المسيطرة:
يتصف صاحب هذه الشخصية بقوة الإرادة، ويسعى دائمًا إلى القيادة وإصدار الأوامر، وعكس هذه الشخصية، الشخصية الخاضعة.
3. الشخصية المقبلة على الآخرين:
يتصف صاحب هذه الشخصية، بالإقبال على الآخرين، وتصديقهم والتغاضي عن أخطائهم، وعكس هذه الشخصية، الشخصية الرافضة للآخرين.
الشخصية الإنسانية والتوافق مع الآخرين:
(أولئك الذين يستطيعون الإحتمال، هم الذين يستطيعون الإنتصار)
بيرسيوس
يسعى كل فرد إلى تحقيق التوازن الخارجي بين شخصيته وبين البيئة المحيطة به، ويتم هذا التوازن عندما يحقق التكيف والتوافق بينه وبين بيئته، بما يسمح بإشباع حاجاته، والتغلب على الصعوبات، التي تقف حجر عثرة دون إشباعها.
وإذا لم ينجح الفرد في التكيف مع الظروف البيئية المحيطة به، فإنه يقع فريسة للإضطراب النفسي والتوتر، وعادةً يلجأ الفرد إلى وسائل دفاعية كرد فعل ضد أي تهديد خارجي، وسوف نذكر فيما يلي بعض مظاهر التهديد والوسائل الدفاعية، التي يلجأ إليها الفرد لحماية ذاته:
1) القلق:
يصاب الفرد بالقلق، عندما يتعرض لعوامل تهدد وجوده، وهو يمثل إستجابته لعوامل غير محددة في البيئة المحيطة، ومن أعراض القلق: الأرق وعدم الرغبة في النوم، وعدم الراحة واليأس بدون سبب معلوم.
2) التعارض النفسي:
يحدث التعارض، عندما يواجه الفرد بمشكلة إتخاذ قرار معين، أو تصرف في موقف معين، ويتردد في إختيار القرار أو التصرف المناسب، ويمكن أن نميز بين ثلاثة أنواع من التعارض:
· تعارض ينشأ عند الرغبة في عمل شيئين لهما نفس المزايا، ولكن يجب اختيار شيء واحد فقط، مثال ذلك أن تتاح لطالب التوظف فرصتين للعمل، وله أن يختار إحداهما، وهاتين الفرصتين لهما نفس الجاذبية والرغبة والمزايا.
· تعارض ينشأ عندما يكون مطلوبًا من الشخص، اختيار واحدًا من شيئيين غير مرغوبين له وبنفس الدرجة، مثال ذلك الطالب الناجح في الثانوية العامة، والذي توجد أمامه فرصة للإلتحاق بكليتين لا يرغبهما، ولا تتفقا مع قدراته.
· صراع ينشأ عندما يكون مطلوبًا من الشخص، عمل شيء يرغبه، ولكن ذلك يعرضه لعقاب، أو ضرر معين، أو يمنعه من الاستمرار في الحصول على ميزة معينة، مثال ذلك الموظف الذي تتوافر أمامه فرصة الترقية إلى وظيفة أعلى درجة، ولكن لابد من نقل مقر إقامته إلى بلد آخر، أو يتطلب منه التنقل المستمر.
تحليل العلاقات التبادلية والشخصية الإنسانية:
للوصول إلى فهم أفضل للشخصية الإنسانية، فإن الأمر يستلزم تحليل العلاقات التبادلية بين الأفراد، وأسلوب تحليل العلاقات التبادلية، يساعد على فهم الإنسان لنفسه، وأيضًا فهمه للآخرين بشكل يحقق الإتصال الفعال.
ويستند التحليل التبادلي على إفتراض أساسي، وهو أن الشخصية الإنسانية تتكون من أجزاء هي:
1. حالة الأنا الوالدية.
2. حالة الأنا البالغ.
3. حالة الأنا الطفل.
وسنتناول باختصار، تحليل لكل من حالات الأنا الثلاث:
1. حالة الأنا الوالد:
فالعادات والتقاليد والقيم في أي مجتمع، تنتقل من جيل إلى جيل آخر، من خلال حالات الأنا الوالد، فالطريقة التي تطهو بها الزوجة الطعام، قد ترجع إلى أجيال قديمة مضت، وقد يقلد الفرد الشخصية الوالدية بشكل ظاهر في تعامله مع الآخرين، وذلك عندما يستخدم الفرد نفس الإيماءات، أو نبرات الصوت.
وتظهر حالة الأنا الوالد، وتتحكم في الفرد عندما:
· ننتقد شخص أو شيء ما.
· نحنو أو نساعد شخص ما.
· ننفعل بفرح، أو بغضب نتيجة تصرفات الآخرين.
وتنمو حالة الأنا الوالدية في الفرد منذ الصغر، فبدون إدراك يبدأ الطفل في تقليد، أو تمثيل شخصية الأب، فقد يظهر الطفل الرعاية والحنان تجاه نفس الأشياء، أو الأشخاص كما يفعل والده أو والدته، وقد ينتقد الفرد زملاءه في العمل، ويوجه لهم عبارات التوبيخ، كما كان والده أو والدته ينتقده أو يوبخه.
2. حالة الأنا البالغ:
تشير حالات الأنا البالغ إلى قدرة الطفل على التفكير الرشيد، وذلك عن طريق تجميع المعلومات من مصادرها المختلفة، وتخزينها واستخدامها في إتخاذ القرارات المناسبة، كذلك تظهر حالة الأنا البالغ، عندما يقرأ الفرد كتابًا، أو يحل مسألة رياضية، أو يخطط لمشروع معين.
وتتأثر حالة الأنا البالغ بحالة تعليم الشخص، وكلما كانت المعلومات التي حصل عليها من التعليم والخبرات المكتسبة كبيرة، كانت القرارات التي يتخذها الفرد أفضل.
3. حالة الأنا الطفل:
عندما يتصرف الفرد بنفس الطريقة التي يفعلها في طفولته، فإنه يكون في حالة الأنا الطفل، مثال ذلك عندما يصرخ الفرد ويبكي وهو طفل ليجبر والده على الموافقة على تصرف معين، فإنه قد يفعل نفس السلوك عندما يكبر ليحصل على ما يريد، إذًا يكون الفرد في حالة أنا الطفولة، عندما يتصرف بنفس المنطق الذي كان يتصرف به وهو طفل صغير.
وقد يقال أن بداخل كل منا طفل، ويقصد بذلك المشاعر والتصرفات التي مارسناها ونحن أطفال، والتي نخزنها في ذاكرتنا، ونستعيدها وقت الحاجة إليها، وتظهر حالة الطفولة، عندما نتعرض لحالات: (الغضب، الخوف، القلق ...).
ويمكن تقسيم حالة الأنا الطفل إلى ثلاثة أجزاء:
1. الطفل الفطري:
وهو الذي يتصرف بحرية وطلاقة، فهو يفعل أي شيء يريده دون تفكير في العواقب.
2. الطفل الأستاذ الصغير:
وهو الذي يتصرف بحكمة وفطنة، وهو الذي يملك قدرات إبتكارية تجعل الآخرين يقفون بجانبه.
3. الطفل المتكيف:
وهو الذي يتصرف في ضوء ما اكتسبه من خبرات عن تكيفه وهو طفل، ويتم التكيف عن طريق التدريب والتأثير الذي تعرض له، فهو يتعلم الطرق المقبولة من الآخرين، فهو ينسحب من الموقف الذي قد يعرضه للإنتقادات، أو التوتر.
التحول بين حالات الأنا الثلاث:
قد يكون التحول، أو التنقل بين حالات الأنا مفيدة وضرورية، حتى يتمكن الفرد من تحقيق النجاح في المواقف المختلفة، وفي تدعيم علاقاته مع الآخرين؛ فالفرد الجاد المفكر، الذي يستخدم الأنا البالغ، قد يكون من المفيد له التحول في بعض الأحيان إلى الأنا الطفل، عندما يكون في رحلة ترفيهية؛ حيث يحاول التسلية والترفيه.
وتختلف قدرات الأفراد من التحول من حالة إلى أخرى، فبعض الأفراد يتصفون بالقدرة على نصح الآخرين (حالة أنا والدية)، ويتصفون بالحكمة والموضوعية (حالة أنا بالغ)، وأيضًا يكونا مرحين (حالة أنا طفل) في نفس الوقت، ومثل هؤلاء يمكنهم التحول من حالة أنا إلى حالة أنا أخرى.
ولكن بعض الأفراد يصعب عليهم التحول من حالة أنا أخرى؛ وذلك بسبب تفضيلهم لحالة معينة، مثال ذلك بعض الأشخاص يتصرفون بناء على مشاعرهم دون تفكير، وقد يضرون بأنفسهم بالانغماس في أفعال سيئة، وهؤلاء يمكن تعريفهم بأنهم في حالة طفولة دائمة، والبعض الآخر يتصرفون بحكمة، ويتخذون قراراتهم على أساس الحقائق، وليس على أساس المشاعر والعاطفة، هؤلاء يمكن النظر إليهم على أنهم في حالة أنا البالغ الدائمة.
أوجه الإستفادة من التحليل التبادلي:
يمكن الإستفادة من التحليل التبادلي لمساعدة المديرين على فهم مرؤوسيهم، وتحديد أفضل الطرق للتعامل معهم، فإذا استطاع المدير معرفة حالات الأنا التي يتصرف المرؤوسين من خلالها، فإنه سيكون في وضع أفضل يمكنه من دراسة وتحليل ما يقولونه، وستعامل معهم بطريقة أكثر موضوعية.
مثال ذلك، عندما يغضب المرؤوس، أو يتصرف بطريقة إنفعالية (حالة أنا الطفل)، فإن المدير يتفهم الموقف، وقد يشجع المرؤوس على بذل مجهود أكبر في المرات القادمة، يقدم له النصح والإرشاد، للوصول إلى نتائج أفضل (حالة أنا والدية).
أهمية دراسة الشخصية في مجال الإدارة:
يمكن الإستفادة من دراسة الشخصية الإنسانية في بعض مجالات الإدارة، ومنها على سبيل المثال: مجال الاختيار والتعيين للقوى العاملة المطلوبة؛ حيث تهدف عملية الاختيار إلى البحث عن الشخص المناسب للوظيفة المناسب؛ وذلك عن طريق تحقيق التوافق بين مواصفات الشخص ومواصفات الوظيفة.
ولكي يتحقق هذا الهدف، لابد من دراسة شخصية الفرد، والتعرف على جوانبها المختلفة، ويتم ذلك من خلال مراحل عملية الاختيار، كإجراء الاختبارات بأنواعها المختلفة، وعقد المقابلات الشخصية، ويتم الإستفادة من المقابلات الشخصية بصفة خاصة في بعض الوظائف، مثال ذلك: الوظائف التي تستلزم التعامل مع الجمهور كوظائف العلاقات العامة، وظائف البيع والإعلان.
كذلك يتم الإستفادة من دراسة الشخصية الإنسانية، في اختيار الأشخاص الصالحين لشغل الوظائف القيادية في المنشأة؛ نظرًا لما تتطلبه هذه الوظائف من صفات معينة في الأشخاص الذين يتولونها.
وأخيرًا:
تذكر ما قاله بريان تراسي: (كَرِّس نفسك للتطوير الشخصي المستمر، فأنت أثمن مواردك)، وسوف نكمل في المرة القادمة ـ إن شاء الله ـ، القيم والإتجاهات.
أهم المراجع:
1. السلوك التنظيمي، سعيد سلطان وصلاح عبد الباقي وعلى مسلم وراويه حسن.
2. أفضل ما في النجاح، كاترين كاريفلاس.
3. القيادة الفعالة، بريان تراسي.
4. الإنتصار مع فرق العمل، كاترين كاريفلاس.