بقلم: د. عبدالرحيم المالكي
هناك منطقة مثيرة للاهتمام الخاص بالسلوك التنظيمي ألا وهي الشخصية. في الأعوام الماضية بدأ أرباب العمل بالعناية بشكل لافت في البحث عن الشخصية الملائمة للوظيفة والمنشأة. في ساحات العمل نجد تباينًا في سلوك الأشخاص من الشخص اللطيف إلى العدواني أو العنيد في حالات وأوضاع مختلفة. وهنا يمكن لنا تعريف الشخصية بأنها مجموعة من الخصائص التي تشكل نموذجًا مستقرًا نسبيًا من السلوك في الاستجابة للأفكار والأشياء والناس من حولهم. وفهم الأشخاص يساعدنا في التنبؤ ومعرفة كيف يمكن للشخص أن يتصرف في بعض الأوضاع. والمدراء المقدّرون للطرق المختلفة لشخصيات موظفيهم يمكنهم اختيار السلوك القيادي الفعال.
السمات الشخصية خاض الباحثون حولها أبحاثًا كثيرة ومتشعبة. ومع أن الباحثين فحصوا آلاف السمات خلال السنوات الماضية، إلا أنهم لم يجدوا بعد هذا البحث غير خمسة أبعاد عامة تصف لنا الشخصية، وهذه الأبعاد تسمى «الخمس الكبرى» من عوامل الشخصية. وكل عامل يمكنه احتواء نطاق واسع من السمات المحددة. والعوامل الشخصية الخمسة تصف لنا انبساط الفرد مع العالم الخارجي، وقبوله وانسجامه وتناغمه مع الآخرين، واستقراره العاطفي، وانفتاحه على التعلم والخبرة.
وبشرح هذه العوامل بشكل سريع نجد سمة الانبساطي أنه غير متحفظ ومنبسط واجتماعي وجازم ومشجّع للعلاقات الشخصية. وسمة المقبول والمنسجم هو شخص طلق المحيّا، محبوب، متعاون، متسامح، متفّهم وموثوق فيه. أما سمة الوعي والشعور فهي تصرف الشخص الواضح الأهداف والمتسم بالمسئولية والاستقلالية والإصرار والاتجاه نحو الإنجاز.
والسمة الرابعة والمتعلقة بالاستقرار العاطفي نلحظ من خلالها درجة هدوء الشخص وحماسه وثقته بنفسه وليس توتره واكتئابه ومزاجه وتزعزعه واضطرابه. والسمة الخامسة هي مدى انفتاحه على التعلم والخبرة وكثرة اهتماماته وخياله وإبداعه وإحساسه وتذوقه الفني وتقبله للأفكار والخبرات الجديدة. وهذه العوامل تمثل سلسلة متصلة من الانخفاض أو التوسط أو الدرجة العالية لكل خصلة من الخصال وسمة من السمات.
وبالرغم من ازدياد استخدام اختبارات الشخصية إلا أن البراهين على مدى صلاحيتها في نجاح العلاقات لا زالت متواضعة. والمواقع الرومانسية والتي تعتبر مرجعًا للملايين من الأزواج والعشاق في اختبارات الشخصية مزدهرة والتي ربما تمتد لأجيال. لكن البرهان والدليل العلمي في صلاحية استخدام اختبارات الشخصية في الوظيفة وغيرها لا يزال بعيد المنال وبضاعته مزجاة وسيبقى لسنوات.
الذكاء العاطفي (EQ)والذي بدأ يطفو في الأبحاث الحديثة والمشتمل على خمسة عناصر أساسية.
أولا: الوعي الذاتي وهو القاعدة والأساس للعناصر الأخرى. أن تكون واعيًا بمشاعرك وتستطيع قيادة حياتك ومراقبة أفعالك وسلوكك. وكلما كانت درجة الوعي عالية تستطيع تقييم مواطن قوتك وإمكاناتك مع شعورك بالصحة لثقتك بنفسك.
ثانيا: إدارة الذات وهي القدرة على السيطرة على المشاعر المقاطعة والمنغصة وتوازن المزاج بحيث لا يسيطر عليك القلق والاضطراب والخوف والغضب والذي يعتم تفكيرك للوصول لهدفك. والماهر في إدارة الذات يبقى دائما متفائلاً ومفعمًا بالأمل رغم الانتكاسات والمعوقات. وهذه القدرة حاسمة في تحقيق الأهداف.
ثالثا: الوعي الاجتماعي وهي القدرة على فهم الآخرين وممارسة التقمص العاطفي والذي يجعلك تحس وتشعر بآلام وأفراح الآخرين. ولمعرفة مشاعر الآخرين بدون دفعهم لإخبارك. والناس الذين لديهم وعي اجتماعي مؤهلون لفهم النقاط المتباعدة في وجهات النظر والتفاعل بشكل مؤثر مع كثير من الاختلافات والتباين في وجهات النظر.
رابعا : الوعي بأهمية العلاقات والقدرة على التواصل مع الآخرين وبناء علاقات إيجابية والاستجابة لمشاعر الآخرين والتأثير عليهم. وهكذا نجد أصحاب الوعي بأهمية العلاقات يحسنون الاستماع والاتصال بوضوح ويعاملون الآخرين بحب واحترام.
والدراسات الحديثة وجدت علاقة إيجابية قوية بين الأداء الوظيفي العالي والذكاء العاطفي. وبدأت كثير من المنشآت في استخدام اختبارات الذكاء EQلقياس الوعي الذاتي ومدى القدرة في التقمص العاطفي والقدرة على بناء علاقات إيجابية مع الزملاء. وفي أوقات التغيير والأزمات يعتمد المدراء على هذه الاختبارات في مساعدة العاملين للتغلّب على القلق والضغوط التي يواجهونها في ساحات العمل وحياتهم الخاصة.