العـنف المنتقـل عبـر الأجيـال
تعطي الدراسات أهمية كبيرة للأحداث والخبرات التي تعرض لها المعتدي أثناء طفولته ويؤكد ذلك كابلان ورفاقه1988 ( Kaplan et al ) في دراسته حيث وجد أن 90% من الأباء المعتدين علي أطفالهم هم أنفسهم تعرضوا لاعتداء بدني شديد من آبائهم ، وهو ما يؤكد ما توصل إليه جاكوبسون وربتشاردصن 1987 (Jacobson and Richardson ) الذي وجد النسبة 58% في دراسته ، وكذلك هيرمان 1986 (Herman ) حيث وجد النسبة 22% ولا يختلف ديبيراه و.زملاؤه 1996(Debarah et al)عن الآخرين في الرؤية وان كان يختلف عنهم في النسبة حيث يري أنها 70 % فقط وفي مصر لم تختلف الصورة ففي دراسة فاطمة وآخرون 1999 علي الأسرة المصرية في حضر محافظة الإسماعيلية حيث وجدت أن الأباء الذين تعرضوا للعنف أثناء طفولتهم يستخدمون ذلك مع أطفالهم 12 ضعف مقارنه بالذين لم يتعرضوا لذلك (7 أضعاف في حالات العنف البدني ،و5 أضعاف في حالات العنف المعنوي ).
وتري بعض الدراسات أن تعرض الشخص لإساءة المعاملة أثناء الطفولة له تأثير محدود علي قيامه بنفس السلوك عند الرشد وهو ما توصل إلية هيرنكول وهيرنيكول 1980
Hernkohl and Hernkohl)) في دراستهما حيث وجدا أن 38% من عينة الدراسة تعرضوا للإساءة ولكنهم لم يسيئوا إلي أطفالهم .
وهو نفس ما توصل إليه اجيلاند وآخرين 1988 Egeland et al )) في دراستهم علي الأمهات حيث وجدوا أن 26% من الأمهات لم يتعاملن بالعنف مع أطفالهن رغم وجود تاريخ سابق للإساءة إليهن أثناء الطفولة ، كما وجد زينـاه وزينـاه 1989 Zeanah and Zeanah) ) أن 43% من الأباء الذين حصلوا علي مؤازرة انفعالية جيدة أثناء الطفولة يسيئون معاملة أطفالهم.
وتؤكد للدراسات أن الأباء الذين كسروا دائرة العنف ( لم يتعاملوا بالعنف مع أطفالهم رغم تعرضهم للعنف أثناء الطفولة ) تمتعوا بالمميزات التالية:
( 1 ) لديهم تدعيم اجتماعي قوي.
( 2 ) لديهم ثنائية وجدانية أقل نحو الحمل.
( 3 ) أطفالهم أصحاء بدنيا.
( 4 ) لديهم قدرة كبيرة علي التعبير عن غضبهم وقدرتهم علي إعطاء معلومات مستفيضة وكافية عن خبرة الاعتداء عليهم أثناء الطفولة.
( 5 ) لديهم قدرة كبيرة علي إقامة علاقات تدعيمية قوية مع أحد آبائهم أو أصدقائهم أو القرين ( الزوج ).
هناك بعض النظريات التي تفسر انتقال العنف حول الأجيال :
( أولا ) النظرية التحليلية :
تري النظرية التحليلية أن مربي الطفل فشل في التوحد مع دور الأم ( الدور التربوي ) ووجه الغضب الذي يشعر به تجاه والدته أو والدة نحو ابنه.
بينما يري فيليب باركر 1988 Philip Parker ) ) أن اللاوعي في الأباء يحتوي علي الموديل الأبوي الذي يجب أن يكون عنيفا وهنا يري أن العقاب البدني هو السلوك المثالي للتعامل مع السلوكيات غير المرغوبة في الأطفال.
( ثانيا ) نظريات التعلم
اشتقت أغلب الفروض التي حاولت تفسير انتقال الإساءة عبر الأجيال من نظريات التعلم الاجتماعي أو من نظرية بولبي ( Bowlby).
( أولا ) : نظرية التعلم الاجتماعي
يكتسب الأطفال العديد من السلوكيات عن طريق مراقبة سلوك الآخرين وتقليدهم بحيث يمكن القول أن الإنسان ينخرط في السلوك العدواني تجاه الآخرين نتيجة لعدة أسباب هي :
( 1 ) المحاكاة.
( 2 ) استقبال الشخص أو توقعه أشكالا عديدة من الإثابة للقيام بهذا السلوك.
( 3 ) القيام بتشجيعه بشكل مباشر علي السلوك العدواني لأسباب إجماعية أو بيئية.
فالأطفال قد يكتسبون السلوك العدواني من خلال ملاحظة الأهل وهو ما يعرف بالتعلم النموذج Modeeling ) ) أو التعلم الانتقائي .
( ثانيا ) : نظرية بولبي ( نظرية التقارب المعاصرة )
Contemporary Attachment Theory
تري النظرية أن علاقة التقارب الباكرة بين الرضيع ومن يقوم برعايته تقدم نموذجا أوليا للعلاقات اللاحقة ، فيتولد لدي الطفل من خلال الخبرات الباكرة مع من يهتم به توقع إمكانية الحصول علي الآخرين وقت الحاجة ، ويمتلك الطفل الذي استطاع تكوين علاقات آمنة صور ارتباطيه موجودة وقت الحاجة ، ويمتلك أيضا نموذج تكميليا لذاته كشخص محبوب وله قيمة ، وعلي العكس فالأطفال الذين لم تجاب متطلباتهم يتوقعون أن العناية غير متاحة لهم ، وأن الآخرين لا يوثق فيهم ، وحينما يكبرون يصعب عليهم الدخول في علاقات مؤازرة مع الآخرين أو أن يقدموا اهتمام كاف لذرياتهم.
وأصحاب هذه النظرية يرون أن النماذج التمثيلية ( Representational Models ) من العلاقات المتقاربة التي يتم استدخالها وتكاملها في بناء الذات ، وهذه النماذج التمثيلية هي التي من خلالها ينتقل السلوك السيء من الجيل إلي الذي يليه.
ويري ستيل وبولوك 1968 ( Steele and Pollock ) أن الأباء الذين يسرفون في استخدام العقاب مع أطفالهم هم في الغالب يتخذون من الطفل وسيلة للتنفيس عن رغباتهم العدوانية المكبوتة واحباطاتهم ومشاعرهم السلبية المختلفة نحو أنفسهم ، وليست ممارستهم سوي رد الفعل المرضي علي ظروف حياتهم التي لا يطيقونها .
صفـات الأبــاء القائمون بالعنف
كان من المعتقد أن المرض النفسي أو العقلي للأباء هو السبب الرئيسي والمسئول الأول عن إساءتهم معاملة أطفالهم مما جعل الأبحاث تتجه لبحث سمات وصفات الجناة المتهمين بالاعتداء علي الأطفال .
لقد افترض الباحثون بناءا علي الخبرة الإكلينيكية المبدئية أن الإساءة والإهمال ينجمان عن الاضطرابات النفسية والعقلية للأباء أو ناجمة عن وجود اضطرابات في الشخصية ، ولكن الأبحاث أثبتت أن نسبة قليلة جدا من الأباء المسيئين إلي أطفالهم ذهانيون أو مضطربون عقليا ، ولكن هناك العديد من السمات التي يتصف بها هؤلاء الأباء منها :التقدير السلبي للذات ، الشعور بالعزلة ، صعوبة تحمل الإحباط ، عدم القدرة علي تأجيل الرغبات ، صعوبة التحكم في الغضب ، القسوة ، العدوانية ، نقص القدرات الذهنية ، الاعتمادية المفرطة علي الأخريين.
ولا يمكن إغفال وجود الاضطرابات النفسية خاصة القلق والاكتئاب وتعاطي الكحوليات والمخدرات كسبب مباشر وهام لحدوث هذه الاعتداءات .
كما يمثل سن الأب أو الأم عند الزواج ، وجود الأب أو الأم كوالد وحيد للطفل ، تعرضه هو نفسه لخبرة سوء المعاملة أثناء الطفولة من الأسباب المهمة لحدوث مثل هذا العدوان.
ويشير الدخيل 1997 إلي أن تحديد السمات النفسية للمعتدي لا يعني بالضرورة حتمية حدوث الإساءة منه ولكنها تشير إلي توقع حدوثها بدرجة كبيرة بشرط أن تكون هذه السمات موجودة بشكل واضح مثل اضطرابات السلوك.
وهو يؤكد علي ما توصل إليه ستراس 1979 Straus) ) من أن 10% فقط من العنف ضد الأطفال ترجع إلي عوامل شخصية في المعتدي .
كما وجدت الدراسات أن حيات هؤلاء الآباء أثناء الطفولة تميزت بالعديد من الصفات منها :
( 1 ) الرفض من الأسرة والعدوان والتربية المتسلطة العنيفة.
( 2 ) الإحساس الزائد بعدم الأهمية.
( 3 ) العقاب الصارم والزائد عن الحد من الأسرة.
( 4 ) الانفصال عن الأم قبل سن الحادية عشرة من عمره.
سمات الأطفــال الأكثـر عرضـه للعنف
تري الدراسات أن الطفل المشكلة هو أكثر الأطفال تعرضا للعنف بأنواعه المختلفة ، ولفظ الطفل المشكلة يطلق علي الأطفال الذين لديهم إعاقات عقلية أو بدنية أو أمراض عضوية مزمنة أو اضطرابات سلوكية أو الذين يهاجمهم المغص باستمرار أو المولودين ناقصي النمو هم الأكثر تعرضا للعنف.
ويؤكد الدخيل 1997علي ما سبق ويضيف عليه أن الأطفال الذين تسبب ولادتهم ضغطا وتوترا داخل الأسرة أو الأطفال غير المرغوب في ولادتهم لأسباب اجتماعية أو اقتصادية ، أو الذين توافقت ولادتهم مع مرور الأسرة بأزمة مادية أو نفسية أو فقدان أحد أفراد الآسرة وخاصة أحد الأبوين من أكثر الأطفال تعرضا للعنف.
ولقد اهتمت العديد من الدراسات بالطفل ناقص النمو بصفة خاصة حيث سجل العديد من الباحثين ارتفاع معدل انتشار إساءة معاملتهم ، حيث وجد سكينر وكاستيل 1969 Skinner and Castle) ) أن 13% من الأطفال المتعرضين للإساءة ناقصي النمو ، وارتفعت النسبة إلي 28% في دراسة لينيش وروبرت 1977 (Lynch and Robert ) ، وإلي 25% في دراسة كابلان وزملاؤه 1983( Kaplan et al) وهو نفس ما يراه صادوك 1997 ( Sedlck).
وهناك العديد من التفسيرات التي تشير إلي دور نقص النمو في حدوث إساءة المعاملة منها ما يراه