1 ـ الحاجة لهذا التوجه:

يحتاج الوجود الإسلامي في أوروبا إلى رؤية إستراتيجية متعددة الأبعاد والجوانب، فقد أضحى هذا الوجودجزءا لا يتجزأ من الواقع الأوروبي الموحد، وهو يمثل اليوم ثقلاً بشرياً وحضارياً يستأثر باهتمام المخططين والاستراتيجيين على مستوى العالم الإسلامي، وعلى مستوى قادة الرأي والمسئولين في المجتمعات الأوربية .

ومن أقل الأبعاد والجوانب حضورا واستئثارا بالاهتمام والتوجيه إلى حد الآن هو البعد المالي والاقتصادي حيث يعاني ضعفا واضحا وتقصيرا ملموسا على صعيد الأفراد والمجموعات والمؤسسات نتيجة تراكم العديد من العوائق والصعوبات التي تحول دون النهوض به وإيلائه ما يستحق من التفكير والتخطيط والتوجيه، وقد ترك للجهود والاجتهادات الفردية التي هي عرضة في الغالب للعشوائية والإذعان لضغوطات الواقع والاستسلام لآلياته وقوانينه!

وإذا كانت مرحلة السبعينيات بالنسبة للوجود الإسلامي بأوروبا مرحلة التأسيس أي بناء المؤسسات الأساسية والضرورية، مثل المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية والمنظمات الاجتماعية ثم المدارس الإسلامية؛ و مرحلة الثمانينيات وبداية التسعينيات بداية تقنين الوجود بتأسيس الهيئات التمثيلية والمؤسسات السياسية والإعلامية تعبيرًا عن الحضور المتزايد للمسلمين في المجتمع الأوروبي، سواء على مستوى العدد أو على مستوى إمكاناتهم التعليمية والاقتصادية والعمرية؛  فإنه مع بداية القرن الجديد تطور الوعي الفردي والجماعي إلى ضرورة الانتقال للاهتمام بالجانب الاقتصادي والمالي باعتباره مفتاح كل تلك الإشكالات والقضايا والأبعاد الأخرى.

 كما أدرك الجميع أن التخلف في هذا الجانب من شأنه أن يضعف بشكل سريع التطور الحاصل في المجالات الأخرى، وأنه قد آن الأوان لتفادي هذا التأخر وتدارك مخلفاته.

ويعود هذا الإدراك المتأخر إلى جملة من العوامل الذاتية والموضوعية التي كانت عائقا أساسيا أمام الحضور الشامل والفعال طيلة العشريات الماضية  والتي  تتطلب اليوم  مواجهة جماعية من قبل كل المهتمين بمستقبل الوجود الإسلامي في أوروبا والغرب بشكل عام ولاسيما النخبة الفكرية والهيئات الشرعية التي تواكب نهضة المسلمين في هذه الديار والتطور السريع لوجودهم وتأثيرهم في المجتمعات الأوروبية  التي يتواجدون بها.

في مقدمة هذه العوائق تأتي بطبيعة الحال إشكالية التعامل مع الربا التي تظل المعضلة الرئيسية في هذه الديار حيث تستند معاملات الواقع الاقتصادي فيها على الاقتراض الربوي دون غيره  وهو ما يدفع في الغالب قطاعات واسعة من مسلمي أوربا للنأي بأنفسهم بعيداً عن جانب واسع من مجالات العمل والاستثمار؛ بسبب ما يخالطها من محظورات دينية أو شبهات شرعية،  بينما يتردد البعض منهم في التعامل مع فرص الاقتراض الربوي لتمويل مشروعاتهم المستقلة، بل واحتياجاتهم الأساسية كالمنازل والشقق والسيارات وغيرها.

ومن العوائق أيضا حالة الضعف الاقتصادي التي كان عليها الجيل الأول للوجود الإسلامي في الدول الأوربية استنادا إلى أن معظم الدخول التي يحصل عليها المهاجرون الأوائل كانت تستنفد لتغطية نفقات الانتقال في بداية الأمر، ثم للإنفاق على المهاجر وذويه في الوطن الأم قبل أن يبدأ في تحسين مستواه الاقتصادي. ويبدأ المهاجر التقليدي في العادة نشاطه الاقتصادي بمشقة دون أن يتمتع بإمكانات وخبرات متراكمة ومتصلة بنظم البلدان الجديدة نظرًا لحداثة عهده بها.

لكن بالمقابل يتمتع الجيلان الثاني والثالث من أبناء المهاجرين المسلمين بفرص أوفر لتحقيق الذات في المضمار الاقتصادي؛ بسبب تلافي عقبات الهجرة والتي دفع الجيل الأول تبعاتها.

بالإضافة إلى ذلك ينطوي الواقع الاقتصادي لمسلمي أوربا على تحيز واضح لصالح المواطنين ضد الأجانب، فمعظم المسلمين هنا ينتمون إلى فئات ذوي الدخل المحدود والمتوسط، كما أنهم لا يديرون مشروعات ذات صفة مستقلة، حيث يتركز وجودهم في قاع الهرم الاقتصادي وليس في قمته؛ ويعانون بشكل ملموس من تداعيات البطالة والتفرقة في سوق العمل، حيث إن الإقصاء في سوق العمل والتفرقة بين المسلمين متفشية على نطاق واسع؛ إذ تعاني الأقليات وفئات المهاجرين من البطالة أكثر من غيرها، كما أن نصيبها يكون غالبًا في مواقع عمل أقل أمانًا وأدنى أجرًا والبيانات المرصودة من دول الاتحاد الأوربي تبرهن بما لا يدع مجالاً للشك على وجود تفرقة في سوق العمل على خلفية دينية أو عرقية.

 

2 ـ أهداف التوجه

يطمح كثير من المسلمين في أوروبا، خصوصا أبناء الأجيال الشابة، إلى التوجه نحو إنشاء شركات ومقاولات خاصة، قادرة على أن تفتح لهم آفاقا واسعة مقارنة بالوظيفة إن وجدت أو سمح لهم بالوصول إليها، كما يمكن أن تمنحهم قدرات أكبر في التأثير إيجابيا في محيطهم الأوروبي الذي ينظر إليهم بكثير من السلبية، انطلاقا من تجارب آبائهم المتواضعة والتي استندت بالأساس، إما إلى عمل في أحد المصانع وورشات البناء، أو العيش على المساعدات الاجتماعية التي تقدمها الدولة للفقراء!

لكن السنوات الأخيرة شهدت إقبالا ملحوظا من قبل الشباب المسلم –والرأسمال الإسلامي عامة- على الاستثمار في القطاع الخاص وتأسيس المقاولات والمشاريع الخاصة، وهو ما يحمل برأي الكثيرين مؤشرا إيجابيا هاما فيما يتعلق بمستقبل الوجود الإسلامي بأوروبا.

كما أن توسع الاهتمام بظاهرة التمويل الإسلامي من قبل المؤسسات المالية الأوروبية وانتشار البنوك الإسلامية على نطاق واسع شكلا حافزا مهما للمسلمين لمزيد الانخراط الايجابي في الدورة الاقتصادية الأوروبية وتعزيز حضورهم .

كل ذلك يستدعي جهدا خاصا من قبل كل الجهات المهتمة بمستقبل الوجود الإسلامي بأوروبا لمواكبة هذا التحول وتأطيره والاجتهاد في توجيهه ورسم الخطوط الإستراتيجية الكبرى للقائمين عليه، وعدم تركه عرضة للعشوائية والاجتهادات الفردية ذات الآفاق المحدودة!

وبناءا على كل ذلك، لا يمكن أن تترك الأجيال المسلمة بأوروبا اليوم في حالة التردد والاضطراب على الصعيد المالي والاقتصادي بين الجائز والمطلوب وبين الترخيص والتأسيس، بالإضافة إلى ما هي فيه من التشتت والانقسام إلى طوائف وتيارات على صعيد الواقع الثقافي والديني، بل إن ضرورة العمل الإسلامي تفرض على الجميع إيجاد رؤية إستراتيجية لحماية الوجود  الاقتصادي الإسلامي من التقوقع والتهميش والغوغائية المذهبية، وهي الرؤية التي يتم فيها توضيح الأولويات وبلورة الآفاق في إطار المنهجية الوسطية التي تخدم  توطين الدعوة وتعزيز فرص تقبلها في تلك المجتمعات تماما كما حصل طيلة التاريخ الإسلامي الطويل من انتشار الدعوة عبر الواجهة التجارية والمعاملات المالية والاقتصادية!

ومن أغراض هذا التوجيه المطلوب أيضا:

·    المساهمة في العمل على بلورة رؤية أكثر واقعية للاحتياجات الإسلامية المتزايدة للمسلمين في المجتمع الأوربي، مع تحديد لسلم الأولويات وترجمة ذلك إلى برامج ومشروعات واضحة وممكنة التطبيق.

·       الإسهام في توعية الرأي العام الإسلامي في أوربا بأهمية التحدي الاقتصادي وحفزه على حشد الموارد اللازمة لمواجهته.

·       بلورة موجهات إستراتيجية في المجال الاقتصادي تكون بمثابة دليل مؤسساتي يساعد المسلمين على الاستثمار والنهوض بواقعهم المادي ودعم مؤسساتهم الاجتماعية والثقافية دون الالتجاء إلى غيرهم، والخروج بالتالي من حالة التخلف الاقتصادي الذي يعانون منه.

·       المساعدة على تطوير البنية المؤسسية للوجود الإسلامي في أوربا بالشكل المتكامل والتخصصي،

·       المساعدة على بلورة المسالك التمويلية التي تحتاجها شبكة الخدمات الدينية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والإعلامية لدعم الوجود الإسلامي الأوروبي ودفعه إلى المزيد من الاستمرارية والاستقرار.

 

3 ـ أسس التوجه

·       الوعي التام  بضرورة مثل هذا التوجيه وفاعليته في النهوض بالواقع الاقتصادي للوجود الإسلامي في أوروبا.

·       تذليل العوائق النفسية والفقهية التي تعترض العاملين في المجال الاستثماري بأوروبا ووضع حد لحالة المراوحة والاضطراب في الموقف الفقهي المتردد في معالجة واقعية للإشكالات المطروحة وتأهيل العاملين في أوساط المسلمين الأوروبيين تأهيلا مناسبا لخوض هذه المهمة الإستراتيجية.

·       ترشيد التصرفات المالية والاقتصادية للمسلمين في أوروبا وتوجيه سلوكياتهم المتعددة على صعيد الإنتاج والاستهلاك والادخار والاستثمار توجيها محكما على غرار ما انتهجته بعض الأقليات العرقية والدينية الأخرى التي استطاعت بفضل وعي وتخطيط محكم من قبل قياداتهم الفكرية والدينية والسياسية أن تحتل موقعا مركزيا في النسيج الاقتصادي والمالي بالبلدان الأوروبية.

·       الاطلاع العلمي والميداني على هذا الواقع الذي تعيش فيه الجاليات المسلمة في الدول الغربية وتفاعلاته، بمكوناته وإمكاناته وثرواته لاستكشاف خصوصيته ، وما يحيط به من تحديات،  من أجل بلورة خارطة اقتصادية واستثمارية تكون بمثابة الدليل الاستثماري للرساميل الإسلامية الوافدة على أوروبا من خلال بعث مؤسسة بحثية ودراسية متخصصة أو تشجيع المؤسسات القائمة على إنجاز هذا المطلب.

 

4 ـ آليات التوجه

·       العمل على إيجاد نوع من الشبكة المعلوماتية تربط بين الفعاليات والمنشآت والمؤسسات ذات الصبغة المالية والاستثمارية المتواجدة بأوروبا مع صناديق الاستثمار والمؤسسات المالية الإسلامية بالمشرق والعالم الإسلامي عموما في اتجاه إقامة شراكة إستراتيجية بين البوابتين للأمة الإسلامية (الشرق والغرب).

·       مواكبة الاتجاه المتزايد لمستثمري الخليج لتنويع محافظهم الاستثمارية في الخارج وانتقال الرساميل الإسلامية من السوق الأمريكية إلى الأسواق الأوروبية، بالتوازي مع ما تبديه البنوك التقليدية الغربية من اهتمام متزايد أكثر من أي وقت مضى بالتمويل الإسلامي،

·       تفعيل المؤسسات الإسلامية القائمة، وقيام مؤسسات استثمارية إسلامية وعربية تسهم في رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي وتزيد من تأثير الوجود الإسلامي وتعزز دوره ونشاطه.

·       الحث على بعث شركات قابضة  بين المسلمين في مختلف الأقطار الأوروبية من أجل توظيف الإمكانات وتعبئة المدخرات الذاتية التي يقدر حجمها بالملايين لو وجدت الوعاء الاستثماري الحلال لتجميعها وتوجيهها الوجهة المطلوبة لصالح الأفراد والجماعات على غرار ما تقوم به بعض الجاليات والجماعات الأخرى!

·       إحياء نظام الوقف الإسلامي باعتباره مسلكا من أهم المسالك الاستثمارية الفريدة والمجدية التي تتيح الكثير من الآفاق لتعبئة المدخرات وتطوير البنية الاستثمارية للوجود الإسلامي الأوروبي سيما وأن مثل هذا النظام لا يواجه موانع قانونية أو عوائق إجرائية بل أضحى وجهة الاهتمام حتى للمؤسسات والنظم الغربية التي وجدت فيه قطاعا حيويا ثالثا ومصدرا من مصادر تخفيف العبء المالي على الدولة.

·       إيلاء المزيد من الاهتمام بنظام الزكاة والعمل على استغلال هذه الفريضة المالية بشكل فعال و مأسستها وحسن إدارتها وتنظيمها حتى تقوم بدورها في تنمية وتطوير الوجود الإسلامي في هذه الديار والإسهام في مواجهة التحديات الاقتصادية المتزايدة.

·       تشجيع البنوك الإسلامية والرأسمال الإسلامي عموما على التفكير في انجاز مشروع بنك إسلامي أوروبي يكون بمثابة بنك تنمية إسلامي على الساحة الأوروبية  وضرورة التسريع في مثل هذا المشروع واستثمار الفرصة المتاحة  اليوم أكثر من أي وقت مضى وعدم ترك هذا المجال فقط للآخرين.

 ولا تأتي أهمية هذا المشروع الاستراتيجي من حاجة المسلمين المتواجدين بأوروبا إليه فحسب، وإنما أيضا من تعاظم حاجة الإنسانية عموما للتمويل الإسلامي في إطار الميل المتزايد نحو كل ما يرتبط بالأخلاق والقيم والمعاملات الخالية من الربا الفاحش والاستغلال المقيت الذي قادت إليه الرأسمالية الوحشية المترهلة.

 

إن مجمل الأوضاع الأوروبية اليوم تتجه بشكل متسارع وملفت نحو استقطاب نظام التمويل الإسلامي عبر انخراط كبرى البنوك والمؤسسات المالية الأوروبية في هذا السياق وإنشاء الفروع والصناديق الإسلامية لها في أنحاء شتى من العالم وكذلك السماح للبنوك الإسلامية بالنشاط في الساحة الأوروبية وهي نقلة نوعية جديرة بالتأمل والاهتمام تدعم المسيرة العامة لانتشار الإسلام وترسيخ الوجود الإسلامي في هذه الديار.

 

5 ـ التمويل التجاري: بعض القضايا والمشكلات:

في هذا الإطار وضمن هذه الرؤية الإستراتيجية المنشودة يجدر التوقف عند بعض القضايا والمشكلات العملية التي تواجه النشاط التجاري والاستثماري للوجود الإسلامي الأوروبي على مستوى الأفراد والمؤسسات والجماعات وتحول دون نموه وتطوره.

ويشمل التمويل التجاري كافة التسهيلات الائتمانية لتمويل الشركات والمشاريع من قروض تجارية ومالية وخصم السندات وبيع الفواتير وتسهيلات الاعتمادات المستندية الخاصة بالتجارة الدولية وغيرها.

ويمكن أن يتم هذا التمويل عن طريق البنوك والمؤسسات المالية أو عن طريق مخاطبة القطاع العريض من المدخرين الذين يرغبون في توظيف أموالهم دون أن يرتبط نشاطهم مباشرة بالنشاط الاقتصادي للمؤسسة و ذلك من خلال إصدار أسهم للاكتتاب العام أو الخاص وفق القوانين والإجراءات المعمول بها.

 

أ ـ المسالك والصيغ الشرعية المتاحة:

تتوفر في الساحة الأوروبية بعض المسالك التي لا تحوم حولها في الغالب شبه شرعية ولا تتناقض مع الأشكال المعمول بها في المؤسسات الإسلامية. ولكن بحكم العديد من العوامل الموضوعية منها غياب المعرفة والاطلاع الشرعي لعامة المسلمين بمثل هذه الأشكال المتاحة وغياب التوجيه والإرشاد الشرعي من قبل المؤسسات المختصة، فانه قلما يتم الانتباه لهذه المسالك والاستفادة منها دون مشقة بدل البحث عن صيغ شرعية بديلة.

ومن ضمن هذه المسالك التمويلية المعمول بها في كافة البنوك التقليدية بالبلدان الأوروبية:

·       صيغة التمويل بالتأجير مع الوعد بالتملك:

وهي صيغة تسمح بتمويل كافة الممتلكات العقارية والمعدات ووسائل الانتاج عن طريق التأجير المنتهي بالتمليك وهوعقد يتطابق في جوهره مع ما هومعمول به لدى سائر المصارف الاسلامية .

 

·       البيع بالتقسيط:

وفي صيغة تقترب من الصيغة الأولى ولكنها تتعلق فقط بالمعدات والتجهيزات الصغيرة.

·       الشركات القابضة:

وهي التي يحق لها إصدار أسهم للاكتتاب العام أو الخاص من أجل الحصول على التمويل التي تحتاج إليه لانجاز المشروع التي تقوم عليه أو أية مشاريع استثمارية أخرى. وهي على نوعين:

الشركات القابضة المحدودة من حيث عدد المساهمين وهي لا تحتاج إلى ترخيص خاص من قبل الهيئات الرسمية وغير خاضعة لرقابة أو متابعة خاصة باستثناء احترام قانون الشركات التجارية المعمول به في كل بلد.

الشركات القابضة الكبرى المفتوحة للجمهور العام وهي على عكس الأولى تحتاج لترخيص مسبق وتخضع لإدارة إشراف مسموح لها بالعمل وفق القوانين المتاحة.

·       التمويل عن طريق المشاركة:

وهي الصيغة المبسطة لتجميع رأس المال المطلوب لانجاز أي مشروع عن طريق المشاركة بين طرفين او أكثر سواء كانت مشاركة ثابتة(طويلة الأجل) او مشاركة متناقصة(محدودة الأجل).

·       التمويل عن طريق صناديق الاستثمار:

توجد بكل الاقطار الاوروبية مؤسسات مالية على هيئة صناديق استثمارية تقوم بالمشاركة في تاسيس وتمويل المشاريع بصيغة المشاركة المتناقصة وتتجه هذه الصناديق في الغالب للمشاريع المتوسطة والكبيرة ذات مردودية كافية.

 

ب ـ الأشكال والصيغ التمويلية الأخرى التي تحتاج إلى تكييف شرعي:

·       خصم السندات والأوراق التجارية:

تشكل الأوراق التجارية  (السندات الاذنية أو الكمبيالات) وسيلة أساسية إن لم تكن الأولى السائدة في النشاط التجاري اليومي للشركات والمؤسسات التجارية. ويحتاج التعامل بهذه الوسيلة التمويلية إلى توفير السيولة لتسديد التزامات عاجلة عن طريق اللجوء إلى خصم هذه الأوراق لدى البنوك والمؤسسات المالية.

ومفهومها أن يتقدم المتعامل للمصرف بطلب تحصيل القيمة الحالية لكمبيالة تستحق بعد فترة بعد خصم مبلغ معين يتم احتسابه باستخدام سعر الفائدة وهو يمثل الفترة بين تاريخ الخصم وتاريخ الاستحقاق.

 وهذه العملية لا يجوز تنفيذها اليوم عموما في سائر المصارف الإسلامية لأنها تعتمد علي استخدام سعر الفائدة في تحديد القيمة الحالية للكمبيالة. ولكن هناك بعض الآراء تقول بضرورة البحث عن تكييف شرعي لهذه المعاملة الأساسية في التجارة على أساس قاعدة (ضع وتعجل ) أي الحطيطة من الدين المؤجل، لأجل تعجيله، سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين التي قال بها ابن عباس (رض).

وهناك من يقول بتكييف الخصم على أساس قاعدة جواز بيع الدين، لكون بيع الدين بأقل منه جائز شرعا إذا لم يكن ذهبا أو فضة أو مكيلا أو موزونا (باقر الصدر).

كما ذكر الأستاذ مصطفى الهمشري في كتابه (الأعمال المصرفية والإسلام) تخريجين لعملية الخصم يتفقان مع الروح الإسلامية على أساس القرض بضمان والوكالة بأجر، باعتبار أن عملية الخصم مركبة من الاثنين والفقه الإسلامي يقر القرض بضمان والوكالة بأجر، وليست حصيلة الخصم سوى مجموع نفقة القرض وأجر الوكالة ومصاريف التحصيل.

والتخريج الثاني على أساس الإبراء والإسقاط حيث من الجائز أخذ أقل من قيمة عقد المداينة.

وفي نفس السياق يعتبر الدكتور علي عبد الرسول في مؤلفه(المبادئ الاقتصادية في الإسلام) أن عملية خصم الأوراق التجارية يمكن أن تتم على أساس فقه الجعالة باعتبار أن ما يتقاضاه البنك ليس سوى جعل مقابل تحصيل الكمبيالة.

ولا تزال مسألة خصم الأوراق التجارية بحاجة إلى مزيد من التكييف الشرعي والمراجعة الفقهية خاصة بالنسبة للأقليات المسلمة بالغرب حيث تمثل هذه العملية مصدرا لا غنى عنه لتوفير السيولة في النشاط التجاري والاقتصادي بشكل عام.

 

·        بيع الفواتير(الفاكتورينغ) :

و هو اتفاق بين مؤسسة مالية (معروفة بمؤسسة أو شركة الفاكتورنغ أي مشتري الديون) مع عميلها (المعروف بالفاكتورايزي او بائع الديون)، يقدّم بموجبه هذا الأخير كافة الفواتير والسندات المالية التي يملكها إلى الشركة التي يحق لها اختيار الفواتير والسندات التي ترى إمكانية استيفائها، مقابل تعجيل قيمتها للعميل ، وتتحمل مخاطر عدم وفاء المدين، من دون الرجوع على عميلها (الفاكتورايزي)، ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك صراحة أو في الحالات المتفق عليها والمحددة في العقد.

ويعتبر عقد الفاكتورنغ في الأساس من العقود الرضائية التي تتطلب الإيجاب والقبول لانعقادها وفقاً لمواد القانون المدني. ويتجلى الرضا في العقود باجتماع العرض والقبول. إلا أن هذا المبدأ لم يأتِ مطلقاً، فقد يخضع عقد الفاكتورنغ، في بعض الحالات لبعض الشروط الشكلية. إلا انه بالرغم من عدم وجود نص صريح يفرض إفراغ عقد الفاكتورنغ في شكل معين، فمن الضروري كتابة هذا العقد من أجل إظهار جميع شروطه المتعددة والدقيقة بشكل واضح وصريح. وإذا كان عقد الفاكتورنغ لا يعتبر من العقود الشكلية، ولا يوجد جزاء على تخلّف كتابته، فإن العرف والضرورات العملية استقرت على أهمية كتابة عقد الفاكتورنغ. وتعتبر الكتابة إحدى وسائل إثبات عقد الفاكتورنغ وفقاً للقواعد العامة في الإثبات.
وإذا كان عقد الفاكتورنغ لا يخضع لشروط شكلية معينة بوجه عام، إلا أنه يخضع للشروط الشكلية التي تفرضها عملية انتقال الحقوق أو الديون من الدائن إلى مؤسسة الفاكتورنغ، مع الحفاظ على وجوب أن تكون عملية الانتقال بسيطة وسريعة وصحيحة. ومثال على ذلك، عندما يكون موضوع عقد الفاكتورنغ سندات تجارية؛ كسند سحب (كمبيالة) أو سند لأمر، فهو قابل للانتقال بطريق التظهير. والشروط الشكلية لانتقال سند السحب أو الكمبيالة هي الشروط القانونية الشكلية لصحة التظهير، وهي: أن يُكتب التظهير على سند السحب أو على ورقة ملصقة به، أي على ورقة إضافية، كما يجب أن يكون التظهير مشتملاً على توقيع المظهر ، سواءً أكان تظهيراً اسمياً أم لحامله أم على بياض.
كذلك، يجب أن تتوافر في عقد الفاكتورنغ الأركان الأساسية العامة الواجب توافرها في سائر العقود من أجل اعتباره ناجزاً وصحيحاً. فعقد الفاكتورنغ، يجب أن تتوافر فيه الشروط الموضوعية، وهي: الرضا والأهلية والموضوع والسبب.

ويتضح بالتالي أن عملية شراء الديون (الفاكتورنغ) محصور القيام بها من قبل المصارف والمؤسسات المالية الخاضعة لقانون النقد والتسليف.

·        تسهيلات الاعتمادات المستندية الخاصة بالتجارة الدولية:

تعد الاعتمادات المستندية من أهم الخدمات المصرفية التي تقدمها المصارف وهي أساس الحركة التجارية (الإستيراد - التصدير ) في كافة أنحاء العالم والتي تنفذ من خلال شبكة المراسلين للمصارف حول العالم.

والاعتماد المستندي هو عبارة عن طلب يتقدم به المتعامل من أجل سداد ثمن مشتريات  بضائع من الخارج, يقوم البنك بموجبه عن طريق المراسلين بسداد القيمة بالعملة المطلوب السداد بها .

وتنفذ الاعتمادات المستندية بالمصارف من خلال أسلوبين هما :

 - الأسلوب الأول:  وهو تنفيذ الاعتماد المستندي كخدمة مصرفية حيث يتم تغطيته بالكامل من قبل المتعامل , ويقتصر دور المصرف علي الإجراءات المصرفية لفتح الإعتماد لدى المراسل وسداد قيمة الاعتماد بالعملة المطلوبة.

- الأسلوب الثاني: وهو تنفيذ الاعتماد المستندي  كإئتمان مصرفي حيث يقوم المتعامل بسداد جزء فقط من قيمة الاعتماد ويقوم المصرف بإستكمال سداد قيمة الاعتماد كعملية إئتمانية.

وتنفذ هذه العملية بالمصرف الإسلامي عن طريق إحدي قنوات الإستثمار (مرابحة - أو مشاركة الإعتمادات ).أما بالبنك التقليدي فتتم عبر احتساب عمولة حسب سعر الفائدة المعمول به في السوق.

 

وفي حالة تنفيذ المصرف الاسلامي للاعتماد المستندي كخدمة مصرفية فهي خدمة جائزة شرعا  تندرج تحت قواعد الوكالة والإجارة يتقاضي المصرف عن تأديتها أجرا. وفي حالة تنفيذها كعملية استثمارية فهي تندرج تحت قواعد عقود البيوع والمشاركات .أما في حالة البنك التقليدي فإن تنفيذ الاعتمادات المكشوفة غير المغطاة وهي الصورة الغالبة في الواقع باعتبار الحاجة التجارية للسيولة يمثل مشكلة بحاجة الى حل أو بديل عملي دائم. وهذه الصورة تتقاطع مع مشكلة السقوف الائتمانية التي تحتاجها باستمرارأغلب النشاطات التجارية ولاسيما المؤسسات الصغرى والمتوسطة.

 

·       الحسابات الجارية المكشوفة:

تضطر العديد من الشركات في نشاطاتها اليومية إلى السيولة الكافية لتسديد التزاماتها المتجددة وتمويل مشترياتها ونفقات تشغيلها. وفي الكثير من الحالات تجد نفسها في حالة انكشاف مالي مؤقت أو شبه دائم وهو ما يعرف بالحسابات المكشوفة التي ينجر عنها تسديد فوائد للبنوك على شكل آجيو. وهذه حالة تكاد تكون عادية وروتينية لأغلب الشركات والمؤسسات التي تتعامل مع البنوك التقليدية. وفي بعض الحالات لا يتم إشعار العميل بوضع الانكشاف في حسابه الجاري باعتباره لم يصل إلى حد ملفت أو غير مقبول. ويجد المسلم نفسه يدفع عمولات آجيو دون أن يشعر! أو هو يظن أن المسألة لا تتعدى ساعات أو بضع أيام في انتظار التغطية ولكن أي تأخير من قبل الآخرين في الوفاء بتعهداتهم ينجر عنه انكشاف غير محسوب في حسابه!

هذه الحالة تعترض أغلب المتعاملين مع البنوك القائمة وهي إشكالية تكاد تكون يومية في إطار النشاط التجاري الدوري للأفراد والشركات. وهي بالتالي بحاجة إلى موقف شرعي محدد في ظل غياب بديل عملي.

                                     والله ولي التوفيق

المصدر: د. محمد النوري
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 120/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
40 تصويتات / 1166 مشاهدة
نشرت فى 24 أكتوبر 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,884,057

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters