لاشك أن وجود بيئة مثالية ومشجعة للعمل تعتبر مقومًا أساسيًا لنجاح أي مؤسسة في القرن الحادي والعشرين، وفيما يلي بعض النقاط التي تُبرِز أهمية وجود بيئة عمل فعالة في عدة أمور من أهمها ما يلي:

1.   القدرة على بناء ميزة تنافسية.

2.   الاستثمار الأعظم هو الاستثمار في البشر.

3.   زيادة العائد المادي للشركة.

4.   بيئة العمل هي مِرآة الشركة الحقيقية.

5.   رفع الإنتاجية وتحسين الجودة.

وفيما يلي الحديث عن تلك الفوائد الخمسة، والتي تَجنيها أي مؤسسة تَقُوم بصناعة بيئة عمل فعالة ومنتجة:

أولًا ـ القدرة على بناء ميزة تنافسية:

إما أن تكون طَرفًا فاعلًا في عالم الأعمال المنفتح، وإما ستعاني مؤسستك كثيرًا، فقد أصبحت التنافسية من أهم التحديات التي تواجه أي إدارة في القرن الحادي والعشـرين في ظل الانفتاح العالمي، الذي جعل أي شركة تحت ضغط المنافسة الشرسة من الشركات المحلية والأجنبية على حد سواء، وقد رفعت المنافسة الشرسة التي نراها اليوم شعارًا لا يستطيع أحد التملص منه وإلا هلك ألا وهو (البقاء للأصلح).

فلكي تبقى شركتك في الواقع وتنمو، لابد أن يكون لديها القدرة على الاستمرار في المنافسة، وإنما يكون ذلك من خلال بناء ميزة تنافسية لها، ولكن الأهم الآن أن نتعرف على ماهية القدرة التنافسية أو الميزة التنافسية.

وهي التي يُعرِّفها الدكتور على السلمي بأنها: (المهارة أو التقنية أو المورد المتميز الذي يُتيح للمنظمة إنتاجًا قيِّمًا ومنافع للعملاء، تزيد عما يُقدِّمه لهم المنافسون، ويُؤكد تَميُّزَها واختلافها عن هؤلاء المنافسين من وجهة نظر العملاء، الذين يتقبلون هذا الاختلاف والتميز، حيث يُحقق لهم المزيد من المنافع والقيم، التي تتفوق على ما يُقدِّمه لهم المنافسون الآخرون).

   وإيجاد تلك الميزة التنافسية ينبني على أساس هام وهو ضرورة تنظيم المؤسسة وإيضاح كيفية أداء أنشطتها، كما يُمكِن أن تكون تلك الميزة التنافسية ميزة مستمرة للمنظمة، بحيث تُميِّز المنظمة في فترة زمنية أطول، لا يستطيع خلالها أيٌّ من المنافسين تقليد أو محاكاة تلك الميزة، ويُعد العنصر البشري في هذا الصدد هو أكثر موارد المنظمة إمكانية لتحقيق ميزة تنافسية مستمرة، وذلك إذا ما تمت الإدارة الفعالة له بشكل مُستمر ومُتكامل.

فيديكس وبيئة العمل:

وكمثال لشركة كان لاهتمامها ببيئة العمل أثر كبير على زيادة قدرتها التنافسية واستمرارها شركة فيديكس، حيث كان لمؤسس الشركة فريدريك سميث فلسفة تقول: (الناس أولًا، ثم الخدمة المميزة، ثم الربح)، ومما يؤكد على ذلك قوله: (منذ نشأة شركتنا، والعاملون يشغلون صدر قائمة أولوياتها؛ لأن هذه هي السياسة السليمة).

مما جعل موظفي الشركة يحبونه حبًا شديدًا، ويثقون به ثقة بالغة حتى أن (هاينز آدم) مدير خدمة العملاء في فيديرال إكسبريس يقول: (لو طلب فريدريك سميث من موظفيه، والبالغ عددهم 13000 أن يصطفوا على جسر هرناندو دو سوتر في ممفيس، وأن يقفزوا من أعلى الجسر، أؤكد لكم أن 99.99% من الموظفين سيقفزون، إلى هذه الدرجة يؤمن موظفو الشركة بمؤسسها الفذ).

ثانيًا ـ الاستثمار الأعظم هو الاستثمار في البشر:

يقول الدكتور أحمد ماهر: (لا يمكنك أن تدير أي منظمة بدون ناس, هذه حقيقة لا يُمكن أن تغيب عن أي صاحب عمل أو مدير, فما دام هناك عمل وأهداف مطلوب إنجازها, فلابد أن يتم ذلك من خلال آخرين, حتى إذا تم العمل من خلال أجهزة وآلات, فإن الناس هم الذين يشغلونها).

وليس ذلك فحسب، بل إن حقل الموارد البشرية قد شهد في الآونة الأخيرة اهتمامًا ملحوظًا بشكل عام, وخاصة في الاتفاق الكبير على عمليات التنمية والتطوير, وإنما يرجع ذلك للقناعة الشديدة من الإدارة بأن المنظمة لا يُمكن أن تحقق أهدافها من خلال أصولها المادية دون تركيز جزء كبير من اهتمامه على الأصول البشرية.

ويكون هذا الاهتمام من خلال سياسات واستراتيجيات تتصف بالكفاءة والفعالية في كل وظائف إدارة الموارد البشرية مثل: التدريب, تخطيط القوة العاملة, الاستقطاب والاختبار والتعيين, تقييم الوظائف، تحليل العمل, تقييم الأداء.

بل أصبح لهذا المورد البشري أثر فعال؛ حيث أصبح يُمثل جزءًا هامًا من رأس المال الفكري؛ حيث تُمثل المعرفة والمهارات والقدرات التي يتمتع بها الأفراد، ورأس المال البشري عادة ما ينعكس من خلال تعليم وخبرة الأفراد، وكذلك ينعكس من خلال مهارات محددة يكتسبها الأفراد.

رأس المال البشري:

إنه رأس المال الذي يُضاعف من إنتاجية شركتك أو مؤسستك، بشرط أن تُحسن استثماره، وهذا ما جاءت به الأرقام والإحصائيات (ففي البلدان ذات الدخل المرتفع مثل ألمانيا وسويسـرا واليابان؛ حيث يمثل رأس المال البشري 80%، أما في الدول الأفريقية فما زال أكثر من نصف الثروة يَكمُن في الموارد الطبيعية.

ووفقًا لتقييم أجراه البنك الدولي لـ 192 بلدًا تبين أن رأس المال المادي لا يُمثل في المتوسط سوى 16% من إجمالي الثروة، ورأس المال الطبيعي 20 % بينما الأهم من الاثنين هو رأس المال البشري الذي يمثل 64% من الثروة الإنتاجية.

لذلك يقدر ما تستثمره الشركات في الولايات المتحدة في مجال التدريب وفق إحصائية عام 1997م بـ 47 بليون دولار سنويًا وذلك لتدريب موظفيها على مهارات جديدة.

وهناك قانون يقضي بأن تقوم كل شركة يتجاوز عدد موظفيها (10 أفراد) بإنفاق 1.5 % من ميزانية الأفراد لديها على التدريب، أو القيام بدفع هذا المبلغ لصندوق التدريب العام الحكومي).

ثالثًا ـ زيادة العائد المادي للشركة:

حيث أثبتت العديد من الدراسات العالمية وجود علاقة ارتباط وثيقة بين العائد المادي للشركات ومدى الرضا الوظيفي لموظفيها، ولذا ينبغي أن يكون الهدف الأسمى هو توفير بيئة عمل مثالية تهدف بشكل رئيسي؛ لزيادة إنتاجية الموظفين مما يُساهم بدوره في رفع مستوى رضا عملاء المنشأة، مما يُؤدي إلى تحقيق أفضل العوائد المالية وغير المالية فالكل مشاركون في الربح.

رابعًا ـ بيئة العمل هي مرآة الشركة الحقيقية:

يقول لايل سوسمان مخاطبًا مسئولي الشركات: (لست في حاجة إلى دليل لتدرك أن الناس يحبون التعامل مع المؤسسات التي يحترمونها, وحين تتم ترجمة هذا الارتباط العاطفي إلى أرقام وحسابات, يطلق عليه اسم السمعة الطيبة, وعندما تتم مراجعة حسابات الشركات؛ لمعرفة قيمتها في السوق, تكون السمعة الطيبة إحدى العوامل لتقييم ذلك).

بل إن جراهام داولينج ليؤكد ذلك المعنى بقوله: (إن بيئة العمل هي بمثابة مرآة للشـركة، فكما أن اللسان يستدل به على معرفة ما يدور داخل النفس البشرية, فبيئة العمل على نفس المنوال يستدل بها على الشركة وطريقتها في التعامل مع العملاء أو الموظفين ... إذ إن تحقيق التغيير الهام في الطريقة التي يُفكر بها الناس حيال الشركة؛ يتطلب عادة إجراء تغييرات في أنشطة المؤسسة الأساسية مثل: ممارسات موظفي الخط الأمامي، وجودة المنتج أو الخدمة، وثقافة المؤسسة).

ولذا؛ فإن بيئة العمل المثالية والفعالة هي عامل أساسي؛ لبناء خبرات فنية وإدارية, ومسيرة بناء بيئة العمل الفعالة هي مسيرة لابد أن يُؤمن بها جميع العاملين في الشركة، مدراء وموظفين على حد السواء، كما أنها لا تتوقف عند حد، بل هي مسيرة متكاملة من التطوير المستمر.

خامسًا ـ رفع الإنتاجية وتحسين الجودة:

يُعدُّ مشاركة الموظفين في صناعة القرار؛ وما يؤديه من رفع الإنتاجية وتحسين الجودة، من أهم العناصر التي تُساهم بيئة العمل الفعالة في إيجادها.

وفي هذا الصدد يقول كين بلانشارد: (لقد اكتشف المديرون الأمريكيون بسرعة أن حجر الزاوية في العديد من برامج العمل اليابانية هو منح السلطة للموظفين لاتخاذ القرارات التي تتعلق بأعمالهم، فعلى سبيل المثال: أصبحت دوائر الجودة مجموعات من الموظفين، تجتمع بانتظام للتوصل إلى بعض الطرق لتحسين أداء الشـركة, فصارت أسلوبًا يابانيًّا شائعًا للمشاركة في صناعة القرار, وتتمتع القرارات التي تتخذها دوائر الجودة باهتمام الإدارة العليا وتقديرها).

وختامًا:

فهذه بعض من ثمار بيئة العمل المثالية والفعالة، وما تحدثه في المؤسسات والشركات من أثر فعال، سواءً على جانب الرضا الوظيفي للعاملين، أو إنتاجية المؤسسة، أو تطوير أداء المؤسسة، أو زيادة رأس المال الفكري.

أهم المراجع:

1.   تكوين سمعة الشركة، جراهام دولينج.

2.   الخطوات الذكية للمسئولين، سام ديب ولايل سوسمان.

3.   إدارة الموارد البشرية، د.أحمد ماهر.

4.   أيتام غيروا مجرى التاريخ، عبد الله صالح الجمعة.

5.   لليوم أهميته، جون سي ماكسويل.

6.   بحث بعنوان (الميزة التنافسية من خلال إدارة الموارد البشرية)، محمد عمرو صادق.

المصدر: محمد أحمد العطار
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 102/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
33 تصويتات / 2028 مشاهدة
نشرت فى 20 سبتمبر 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,833,871

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters