النظام السياسي الإسلامي في أرجح الآراء قائم على أساس الشورى الملزم، أي إن الإمام، أو الخليفة، أو رئيس الدولة الإسلامية ملزم باتباع آراء الأكثرية في مجلس الشورى، أو أهل الحل والعقد دفعًا للخلاف، ودرءًا لمفسدة الاستبداد والطغيان.
وبذلك يعتمد هذا النظام على مشاركة الأمة في حمل أمانة الحكم، واختيار ممثليها ورئيس دولتها الذي هو نائب عن الأمة - لا عن الله تعالى - في تنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية، وتنظيم أمور الإدارة والسياسة الحيوية، وقيادة حركة المجتمع في مجالات الحياة كافة[1].
وقولنا: هو نائب عن الأمة، لا عن الله تعالى، يبعد السياسة الإسلامية تمامًا عن "الثيوقراطية"، أو نظرية الحكم الإلهي الذي ساد تاريخ العالم القديم والوسيط[2].ولكون الإمام أو الرئيس نائبًا أو وكيلاً عن الأمة، فلها أن تعزله إذا خالف أحكام الشريعة، أو طغى، أو ابتدع في الدين، أو خالف شروط النيابة، أو الوكالة، لأن من يمتلك حق التولية يملك حق العزل[3].ومن الحقائق المهمة عن الدولة الإسلامية، أنها دولة قانونية بكل ما تحتمل هذه الكلمة من المعاني الحديثة.
إن لها دستورًا رصينًا يعتمد على المصادر الشرعية من القرآن الكريم، والسنة الشريفة، والإجماع، والقياس، وعلى المصادر التبعيَّة الأصولية الأخرى التي هي وسيلتها في مواجهة الحياة المتغيرة، والاجتهاد المستمر لإيجاد الحلول المناسبة لقضاياها ومشاكلها، ولها أنظمة إدارية ورقابية قابلة للتطور والنماء؛ لتحقيق المصالح العامة.وحدود السلطات الثلاث التشريعية، والتنفيذيَّة، والقضائيَّة، محددة وواضحة في الشريعة، ومبنية على مبادئ دقيقة، تحقق العدالة الكاملة الشاملة لأفراد المجتمع جميعًا.ويمتاز النظام التشريعي السياسي الإسلامي بتحقيقه الحقوق والحريات العامة والشاملة لرعايا الدولة الإسلامية دون تفريق بين فرد وآخر.
وجاءتْ هذه التشريعات إقرارًا لآدمية الإنسان في المجتمع بدرجة كافية، بحيث يشعر الإنسان في ظله بالأمن النفسي والاجتماعي؛ حتى يستطيع أن يستغل طاقاته كلها من خلال حريته في مشاركته السياسية وخدمة المجتمع في سبيل رقيه الحضاري، والإنسان الذي يساق قسريًّا في المجتمع، وتهدر إنسانيته، وتطمس معالم شخصيته، إنسان معطَّل القوى، مزعزع الشخصية، قلق وخائف، ولن يستطيع أن يشترك بقوَّة وأمان في بناء مجتمع الإنسان، فقوة السياسة الاجتماعية وتماسكها وشوريتها وتقدمها تتماسك طرديًّا مع إبراز كرامة الإنسان وتحقيق آدميته، ولا يمكن أن تتحقق كرامة الإنسان إلا من خلال مبدأين:
الأول: إقرار حريته، فلقد مر بنا أنَّ القرآن الكريم قد جعل الإنسان مكلفًا مسؤولاً، وهذه المسؤولية لن تتحقَّق إلا من خلال حرِّيَّته التي تمثل ذاته في الاختيار، وإلا كيف يكون مسؤولاً؟ وتتفرَّع من ذلك حرِّيَّته في العقيدة والرأي، وحريته في التملك، وحريته في استخراج طاقاته الفطرية إلى حيز الوجود[4].
وهذه الحرية ليستْ مطلَّقة، فحريته في الاعتقاد لا يجوز أن تتحول إلى أذى للآخرين في عقائدهم، وحريته في التملك لا يجوز أن تكون مطلقة تلحق الضرر بأملاك الآخرين، وحريته في إبراز طاقاته لا يجب أن تكون سلبًا للطاقات الكامنة بالاستعداد، أو بالفعل عند الآخرين.
الثاني: عدم استغلاله من حيث هو إنسان؛ لأن استغلاله من لدن إنسان آخر يعني قتل آدميته وتعطيل طاقاته، وبذلك يحدث ظلم كبير يلحق ضررًا بالغًا بالإنسان من حيث ذاته، والمجتمع من حيث استفادته من الطاقات المسلوبة، فينتقل المجتمع إلى مجتمع السيد والمسود، وهو المجتمع الظالم الذي رفضه القرآن الكريم، والذي سماه مجتمع أهل الترف، الذين يقفون دائمًا أمام كل تغيير صالح، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ}[5].
ولو تأملنا في ملامح المجتمع الإسلامي في العصور التاريخية الزاهرة، لرأينا أن اعتراف الإسلام بحرية الإنسان العقيدية والفكرية كان له دور عظيم في التقدم الحضاري، والتنمية الاجتماعية، بحيث استطاع كل فرد في المجتمع الإسلامي أن يؤدي دوره دون رقيب أو عائق، مهما كان نوعه، وإن ملايين المخطوطات في شتى العلوم والفلسفات، والآداب والفنون المنتشرة في مكتبات الشرق والغرب، لدليل واضح على الإنجاز الحضاري الإسلامي الذي تم في ظل تشجيع الإسلام لحركة العلم والحرية الفكرية[6].
ولا بد هنا أن أناقش موضوعًا مهمًّا كثيرًا ما يثار في الأوساط الإسلامية والثقافية العامة، وهو عد نظام الشورى وكأنه هو الديمقراطية الغربية، وفي جواب ذلك أقول:من القضايا المسلمة في الدراسات الإنسانية الحديثة أن المصطلح الحضاري في عصرنا هذا يعبر تمام التعبير عن منظومته الحضارية، ويأخذ مفهومه من الجزئيات المترابطة التي يشكل نسيجها الباطن؛ ولذلك فهو جزء لا يتجزأ من تلك المنظومة، وإخراج مصطلح ما من منظمته واستعماله منفردًا في منظومة حضارية أخرى يؤدي إلى التداخل في المفاهيم، وزعزعة المنطق الداخلي فيها؛ ومن هنا فإن تصورنا لا يكون سديدًا للمصطلحات، إلا إذا فهمناها من خلال تطورها الحضاري داخل منظومتها وأنماطها.
ولا شك أن كل حضارة لا بد أن تكون لها "نظرية حضارية"، أو "إيديولوجية" خاصة، أو "مذهبية" ذات منطلقات محددة مترابطة، وهذه النظرية الحضارية لا تتوضح قط إلا من خلال مصطلحات، فهي ومصطلحاتها متلازمتان لا تنفصلان، إلا إذا أردنا تفكيك تلك الحضارة، وتغيير خط سيرها، وبناءها من جديد.ولم يتوضح هذا النظام الحضاري الخطير في زمن سابق، كما توضح في العصر الحديث، حيث تتشابك النظريات الحضارية تشابكًا معقدًا، لا يمكن التفاهم فيها إلا على أساس الوضوح التام في استعمال المصطلحات فيها.
إن أي تغيير حضاري أو اجتماعي إذا قاده التلفيق السطحي بين عدد من المصطلحات التي تنتمي إلى مجموعات متباينة في أصولها وتطورها التاريخي، فإنه يفتقد التخطيط الموجه، ويدخل في إطار الاضطراب الشديد في الفكر والممارسة، ولا تكون التنمية في هذه الحالة متوازنة، ومن هذا المبدأ فإن حركة التغيير تلك تتزعزع وتدور في حلقة مفرغة، ولا تؤدي إلى النتيجة المرجوة منها، ومن الجدير بالذكر هنا أن كثيرًا من كتابنا - إسلاميين أو غيرهم - لم يكونوا يدركون هذه الحقيقة الحضارية إلى مشارف الخمسينيات من قرننا الحالي، لعدم احتدام الصراع الفكري يومئذ في المجتمع الإسلامي؛ ولأنهم في أحسن الأحوال كانوا في حالة الدفاع عن الذات، وكانوا يحاولون أن يوجدوا لكل عنوان براق في الحضارة الغربية مثيله في الإسلام، عن طريق عقد مقارنات شكلية لا تبدأ من البنى التحتية التي تقوم عليها النظريات الحضارية ومصطلحاتها الخاصة.
من هذه المقدمة الموجزة أستطيع أن أقول: إن القول بأن ديمقراطية الغرب هي نظام الشورى الإسلامي بعينه تسطيح شديد للموضوع، وتعميم غامض يحتاج إلى مقارنة موضوعية شاملة، لأنه يقطع المصطلح الحضاري عن نمطه، ويضعه بمقابلة مصطلح حضاري آخر دون مراعاة نمط كل منهما، ودون الالتفات إلى دراسة الجزئيات المترابطة التي يجمع بينها منطق واحد، داخل كل نمط، وبهذا فإن هذا المنهج يدخل فيه الخلل والاضطراب بالاعتماد على ظواهر الأمور، وعدم الدخول في الأعماق، من أجل إقامة الموازنة الصحيحة.
إننا نرفض وضع الديمقراطية بِمُقابلة نظام الشورى الإسلامي، لأنَّ الديمقراطية تقوم على أساس مشاركة الجماهير الإنسانية في الحكم والإدارة، والإسلام لا يريد ذلك، بل إنَّ مذهبية الإسلام في الإنسان تقوم على تَكريم الإنسان والحفاظ على آدميَّتِه، بإنقاذها من أنواع الاستلابات المتوقَّعة التي تقضي على حريتها وتستعبدها، وتسحق كرامتها، كما أنَّ النظام السياسي الإسلامي جعل من الإمام أو الرئيس نائبًا عن الأمة، وليس نائبًا عن الله تعالى كما مرَّ بنا قبل، فإذا أخل بشرط من شروط العقد الذي بينه وبين من اختاروه، جاز لهم أن يلغوا هذا العقد، كما هو مفصل في مصادر الفقه السياسي الإسلامي[7]، لا سيما الحديث منها.
والإسلام بجانب ذلك ترك مِساحة واسعة في تدبير شؤون الدنيا لحركة العقل المسلم، ففي كل عصر يمكن أن يتحقَّق ذلك الانتخاب بأفضل طريقة ممكنة عقلاً وواقعًا، لتحقيق المشاركة الفعلية في الحكم، وتاريخ الإسلام الراشد كله قائم على أساس المعارضة الصريحة النزيهة البناءة[8]، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما لم يكن فيه وحي، كان يتنازل عند الرأي الذي تصدره الأكثرية من أصحابه، كما وقع ذلك قبيل معركة أحد، وفيه نزل قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}[9].
أخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العزم فقال: ((مشاورة أهل الرأي ثم اتِّباعهم))[10].يؤيد ذلك ما أخرجه الإمام أحمد عن عبدالرحمن بن غنم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -: ((لو اجتمعتُما في مشورة ما خالفتكما))[11].
أما أن بعض الفقهاء في تاريخنا اعترفوا بالواقع المخجل بعد "صفين"، فقننوا نظرية عدم التزام الخليفة أو رئيس الدولة برأْيِ الأكثريَّة في مجلس الشورى، أو أهل الحل والعقد، من خلال تَخريجات متكلفة وتأويلات بعيدة من تعاليم الكتاب والسنة وحياة الصحابة، فنحن لسنا ملزمين في هذا العصر بما وقع في التاريخ، لأن الوحي الإلهي أولى بالاتباع، فهو معصوم مستقل عن الزمان والمكان، والتاريخ حركة الإنسان، وحركة الإنسان يتوزعها الحق والباطل، والصواب والخطأ.
ولقد ذهب كثير من المحققين الذين كتبوا في النظام السياسي الإسلامي، لا سيما في العصر الحديث، إلى تفنيد تلك النظرية المستبدة التي أهانت في معظم فترات تاريخنا آدمية الأمة المسلمة، وسلطت عليها الأهواء الفردية، والشهوات الذاتية التي كانت مسؤولة إلى حد بعيد عن مآسي انهيار الحضارة الإسلامية، وهنا يَحق للقارئ الكريم أن يسأل: لِم إذًا تصر على عدم وضع لفظ الديمقراطية بمقابلة لفظ الشورى في الإسلام؟ وقد عرضت بأن ما تحققه الديمقراطية، يدعو إليه نظام الشورى الإسلامي بأجلى صورة وأوضحها.أقول: ومع ما ذكرنا كله، فبين المصطلحين فرق كبير، ذلك لأنَّ كلاًّ منهما ليس لفظًا لغويًّا مرادفًا للآخر، فالشورى جزئية سياسية من مذهبية الإسلام الشاملة في الوجود كله، والديمقراطية ليست هي الظواهر السياسية العامة التي يراها بعض كتابنا؛ إنَّما هي جزء من نظام متشابك يندرج تحت مظلة الحضارة الغربية، ومن المعلوم أن الحضارة الغربية بشموليتها تختلف عن الحضارة الإسلامية من حيث العقيدة، والشرائع، والقيم، أي أن "أيديولوجيات" الحضارة الغربية في نظرتها إلى الوجود غير مذهبية الإسلام في نظرتها إلى الوجود.
ومن المعلوم كما يقول "كوسدورف": "إن نظام كل ثقافة يتحدد تبعًا للتصور الذي تكونه لنفسها عن الله والإنسان والعالم، والعلاقة التي تقيمها بين هذه المستويات الثلاثة من نظام الواقع"[12].وتبعًا لهذا، فإن التشريع والقيم في أصولها وفروعها، في النظام الديمقراطي هو من صنع الشعب، لأنَّ تعريف الديمقراطية عند أهلها هو: أن يحكمَ الشعب نفسه بنفسه مباشرة، أو عن طريق ممثليه في مجلس النواب"[13].
فالنظام الاجتماعي العام المنبثق من الديمقراطية هو النظام العلماني، أي فصل الدين عن الدولة، وهذا لا تقره مذهبية الإسلام عقيدة وشريعة في المجتمع؛ لأن الأنظمة العامة المتفرعة منها، لا بد أن تستند على نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فالأمة الإسلامية ليس لها حق تغيير أحكام الله القاطعة، ولا الانطلاق في اتخاذ المواقف الحيوية الكلية من "أيديولوجية" غير مذهبية الإسلام في الوجود، والتي تخضع الجزئيات المتفرعة منها لتغيرات الحياة، في داخل الضوابط الأصولية المعروفة في عالم الاجتهاد، والمستنبطة من الكتاب والسنة وطبيعة اللغة وحقائق المنطق العقلي العام، الذي هو الحد المشترك بين البشر، فكيف يمكن إسلاميًّا ومنهجيًّا أن نسمي النظام الإسلامي بعد ذلك بالنظام الديمقراطي، أو أي لون آخر من مصطلحات الحضارة الحديثة؟ ولِمَ نرفض مصطلح "نظام الشورى الإسلامي"؟ وما الضرورة المنطقية التي تفرض علينا الخضوع المستمر لمصطلحات المنظومة الحضارية الغربية، المادية أو العلمانية، غير المهتدية بهداية الإسلام الذي نؤمن به، والذي إن وعينا مبادئه وعيًا أصوليًّا عصريًّا، اجتمعنا في تحديد المصطلحات، وتوحدنا فكريًّا، وتخلصنا من المفاهيم الملتبسة والأفكار المضطربة ذات المضامين التلفيقية المتضادة.
إن الكُتَّاب الذين وَضَعُوا المصطلح الديمقراطي بمقابلة مصطلح الشورى الإسلامي، والذين شرحوه فوقيًّا، ولم ينزلوا إلى البنيان التحتي لم يقولوا لنا مثلاً رأيهم في: أ - قضية فصل الدين عن الدولة في النظام الديمقراطي، هل هم مؤمنون بذلك؟ وهل يمكن في ظل نظام ديمقراطي تطبيق شريعة الإسلام، لا أقصد الفقه المتغير؟ وهل يمكن أن يقولوا فيما إذا كانت الشريعة مطبقة واقعيًّا في ظل ما يسمى بالأنظمة الديمقراطية المعمول بها في أجزاء معينة من العالم الإسلامي اليوم، ولو في شكلها الظاهري؟ب - هل يؤمنون بقيام أحزاب في ظل النظام الديمقراطي، إذا كانت مبادئها تصطدم أساسًا مع أصول عقيدة الإسلام وقواعده العامة، ومقاصده في الحياة؟
جـ - هل الحريات العامة للأفراد والجماعات في ممارسة أنواع الرذائل، وعدم التزام الدولة بالنظام الأخلاقي الإسلامي في المجتمع، تدخل ضمن مصطلح النظام الديمقراطي الذي تخص قضية القيم والأخلاق فيه، الأفراد أنفسهم يثبتون فيها حريتهم متى شاؤوا؟
فإن كانوا يقولون بأننا نريد أن نضع النظام الديمقراطي بدل نظام الشورى الإسلامي على الرغم من فصل الإسلام عن الدولة، عقيدة، وشريعة، وقيمًا، فهذا لا يسلمه لهم أي مسلم له حظ قليل من دراسة المبادئ الأولية للإسلام؛ لأنه من البدهي أن الإسلام نظام متكامل قائم بذاته جاء ليجد طريقه في الحياة، وأمَّا إن قالوا: لا، نحن نؤمن بتحكيم شريعة الله في المجتمع، ولا ندعو لقيام أحزاب ملحدة أو علمانية في المجتمع في ظل النظام الديمقراطي الذي نؤمن به، أقول: إذًا غدا الخلاف هنا لفظيًّا بيننا وبينهم، وحينئذ لا ضرورة لاستعمال لفظ الديمقراطية الذي يحدث الالتباس ويربك الفكر، ويتعرض لتغيير المفاهيم؛ ولأنهم لا يخسرون شيئًا إذا دعوا إلى كل ما يدعون إليه من معارضة الحكم الاستبدادي الفردي، وتحقيق إنسانية الإنسان، والمشاركة الصحيحة في الحكم، ووجود مجلس النواب والمعارضة البناءة، والصحافة الحرة النزيهة، وغير ذلك في إطار نظام الشورى الإسلامي.
ولكن المشكلة الكبيرة أن كثيرًا من المثقفين في العالم الإسلامي الذين يعيشون في إطار المنظومة الحضارية الغربية، بفروعها المتضادة وفي داخل مصطلحاتها لا يتصورون أن يتم التفاهم إلا بما نشؤوا عليه.فمتى إذًا نبني مصطلحاتِنا، وكيف نحافظ على هويتنا، ونسترجع خصوصية حضارتنا، التي لا يسعنا ونحن مسلمون إلا أن تقودها مذهبية الإسلام؟!وقد يقول قائل: أليس هذا المنهج الذي تدعون إليه ينتهي بنا إلى الانغلاق، وعدم التفتح على الحضارة الحديثة؟
أقول: لا، لا يدل على شيء من ذلك؛ لأن التفتح الواعي على الحضارات، لا يكون بنقل قوالب ومصطلحات جامدة وجاهزة، بلا اتخاذ موقف حر مخطط منها، ولا إثبات وجود، بل بدراستها والاندماج معها عبر حوار حضاري عاقل بناء، للاستفادة القصوى من علومها ومعارفها وتنظيماتها، ومن خلال أسلمة ثقافتها الغزيرة.
[1] "نظام الحكم في الإسلام" للدكتور محمد عبدالله العربي: 64، الأولى - القاهرة، و"مقارنات بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية" للمستشار علي علي منصور، الأولى؛ القاهرة، و"الدولة القانونية والنظام السياسي الإسلامي" للدكتور منير حميد البياتي: ص 156، الأولى؛ بغداد 1979م. [2] الثيوقراطية: عبارة عن كلمتين في اليونانية "ثيو" معناه: ديني، و"كرايتس" معناه: حكم، وهو الحكم القائم على التفويض الإلهي، أي إن الحاكم يختاره الله فيحكم باسمه، ويستمد منه سلطته، يحيط به جمع من الكهنة يسيطرون على الناس ويستغلونهم، انظر "القاموس السياسي" لأحمد عطية الله، القاهرة عام 1968. [3] "الدولة القانونية والنظام السياسي الإسلامي" د. منير حميد البياتي: ص 346. [4] "حركة التغيير الاجتماعي في القرآن" للمؤلف: 65، الأولى؛ بغداد.[5] سبأ: 35.[6] راجع في هذا "تاريخ الإسلام السياسي" للدكتور حسن إبراهيم حسن، و"الحضارة الإسلامية" آدم متز. [7] ابن تيميَّة: "السياسة الشرعية": ص13. [8] "تاريخ الإسلام السياسي" 1/ 268.[9] آل عمران: 159. [10] "فتح القدير" للشوكاني: 1/395، ط دار المعرفة، بيروت. [11] "روح المعاني" للألوسي: 4/ 106، ط المنيرية، القاهرة . [12] "تكوين العقل العربي" للدكتور محمد عابد الجابري: ص 18. [13] راجع "القاموس السياسي" لأحمد عطية، ط2 عام 1968 م، القاهرة، لفظ الديمقراطية