تعد الادارة على المكشوف أحد المناهج الادارية الحديثة نسبياً وهو منهج بسيطٌ في متطلباته عميقٌ في آثاره، ويطلق عليه البعض «الادارة بالرؤية المشتركة». وهى الادارة التي يتم فيها الاهتمام بالوسائل والأهداف بشكل شمولي، بحيث تنتقل رؤية المؤسسة الى عقل وضمير ووجدان القائمين على رسالتها على اختلاف مستوياتهم الإدارية. وضمن هذا النهج الاداري تكون الأهداف الاستراتيجية واضحة للجميع. وتقسم أدوار وأدوات الوصول الى هذه الأهداف، وتطلق الطاقات وتعطى الحريات لكل العاملين بالمؤسسة للعمل حسبما يتراءى لهم بهدف الوصول الى الهدف الأسمى المنشود، وهكذا.
تعمل الإدارة على المكشوف على خلق رؤية مشتركة بين جميع العاملين، وتتيح للجميع حرية التجريب واكتشاف الجديد، وتحرر القائمين على الأعمال من عقدة الخوف من الخطأ والفشل. وبذلك تحرر طاقاتهم الإبداعية وقدراتهم الخلاقة. وهنا تكمن أهمية الادارة على المكشوف حيت تساعد على صياغة المناخ المناسب للابتكار الذي يشكل مفردات لغة المستقبل.
وبالتالي، فان هذا النهج يحفز العاملين ويعظّم الإنجاز، فالجميع يتحدثون نفس اللغة، ويجمعهم هدف إستراتيجي مشترك يتعدى مرحلة الأرقام، اذ تدار الأهداف من خلال الرؤية المستقبلية ودرجة إسهام تلك الأهداف بتحقيق الرؤية المستقبلية، حتى وان كان ذلك على حساب الأرقام على المدى القريب.
والادارة على المكشوف تخلق بيئة عمل يسودها المناخ الديمقراطي الذي لم يصبح خيارا مطروحا، بل اصبح ضرورة حيوية تمليها الظروف والاحوال سريعة التغير سواء السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية ...الخ، وبحيث يعمل هذا الأسلوب على إسقاط الحواجز المعنوية بين الجهازين التنفيذي والإداري، ويجعل التفويض والتمكين في أعلى صورهما، وبالتالي يحقق الاستفادة القصوى من الإمكانات القائمة للأفراد، بإخراج وتوليد الطاقات الكامنة داخلهم.
ايضا، تؤدي الادارة على المكشوف الى اعطاء منظمة المستقبل قيمة كبيرة للتغيير في محتوى ووسائل العمليات الادارية وخدمة المجتمع الى الدرجة التي تجعل التغيير جزءا من ثقافة المنظمة. وهنا يجب التنويه على ان الوضع القائم أو الراهن يمثل شبكة الأمان لبعض القيادات التي تجهل قيمة التغيير والمخاطرة، نظرا لخوفهم من فقدان مكانتهم الوظيفية كما انهم لا يرون في المنهج أية فرصة لترقيتهم وظيفيا او ماليا، الأمر الذي يجعلهم يقاومون تطبيقه. كما قد تأتى المقاومة أيضا من بعض المديرين أصحاب الفلسفة البيروقراطية، لا سيما غير المتفهمين منهم لمنهج الادارة على المكشوف.
ان المدقق لاحوال العالم النامى هذه الايام يجد انه مقبل على فترة من اصعب الفترات التاريخية. فهو فى مواجهة خطيرة بين العزلة عن الحركة العالمية والمشاركة فى عولمة هذه الحركة، وكلاهما خيارات صعبة ليست فى صالحه بالشكل الحالى لمجريات الامور. وعليه تصبح حركة العالم النامى حركة المأذق التى تتطلب المواجهة بشكل حاسم. وطريق المواجهة طريق واضح المعالم تحدده رؤية واضحة وهى انه لن تتقدم دول العالم النامى بدون تعليم راق وديمقراطي حقيقية لا تذوب مضامينها فى اشكالها.
ان منهج الادارة على المكشوف يحمل فى ثناياه عوامل بقائه واستمراره فتأتى مقاومة المنهج من الذين يشعرون انهم مهددون بفقدان مكانتهم الوظيفية. أو الذين يتوقعون مزيدا من الضغوط على ادائهم الحالى، وكذلك لا يرون فى المنهج اية فرصة لترقيتهم وظيفيا او ماليا، وقد تاتى هذه المقاومة ايضا من بعض المديرين اصحاب الفلسفة البيروقراطية. كل هؤلاء عادة ما يكونون غير متفهمين لمنهج الادارة على المكشوف، كتب الكاتب الياباني ماساكي إيماي كتاباً أسماه "جمبا كايزن" وجمبا تعني باليابانية الموقع الفعلي، وكايزن هو الأسلوب الياباني المعروف والمشهور الذي يدخل تحسينات تدريجية صغيرة وبسيطة تقلل التكاليف والهدر وتزيد الإنتاجية والوفر، ويمكن ترجمة الكلمتين إلى "الإدارة من موقع الأحداث".يقول ماساكي: يكتفي كثير من المديرين بالجلوس إلى مكاتبهم ومتابعة الأمور عبر زجاج البرج العاجي الذي يطلقون عليه: مكتب المدير العام، إنهم لا يعرفون شيئاً عن منتجاتهم وخدماتهم إلا من خلال الأوراق والتقارير، ولا يفكرون في موظفيهم إلا عندما يوقعون كشوف المرتبات!! هؤلاء المديرون لا ينزلون إلى مواقع الإنتاج الفعلية في مصانعهم وشركاتهم. لذا فهم غرباء عن ما يحدث فيها من مشكلات لا يمكن صياغتها على الورق، وعندما تنفصل علاقتهم الحقيقية بموقع الأحداث على هذا النحو تنفصل أيضاً علاقتهم الحقيقية بشركتهم وبموظفيهم وبعملائهم.
قد تقول أن المؤلف يتكلم عن المؤسسات التجارية، لكن هذا القول ينطبق تماماً على الإدارات الحكومية، ولا أعتقد بأن أحداً ينكر أن اليابانيون غزوا الدنيا بمنتجاتهم وخدماته وانظر إلى منزلك لتجد الأدوات والسيارات اليابانية.
ما حدث في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية لهو معجزة يجب أن نستفيد منها، هذه المعجزة كان من مقوماتها الإحساس بالمسؤولية، الثورة الإدارية الغير عادية وهم أمراء الأساليب الإدارية الحديثة، ولا استطرد في الحديث عن تطور اليابان لأنه حديث متشعب ويكفي أن تنظر إلى الكتب التي كتبها اليابانيون أنفسهم عن التطور بعد الحرب.
تغير الحال هو المحال، هذا القول ينطبق تماماً على إداراتنا، ليخبرني كل مدير ما هي التغييرات الجذرية التي أحدثها في إدارته؟ هل يستطيع أي مدير أن يعطني تصور واضح لما ستكون عليه إدارته بعد 5 أو 10 سنوات؟ .
التغيير والتطوير سنة الحياة، وإن توقفنا عن التطور أصبحنا متخلفين عن الركب، فالواقف والمتخلف كلهما يعتبر في نفس الوضع!أخيراً أقول، ليستشعر الجميع المسؤولية، ولنقم بخطوات عملية بسيطة "كايزن" ولنزل إلى أرض الواقع لنرى كيف نطور الأساليب "جمبا"، ودعونا من الكلام الفارغ والوعود الهلامية، فإنها لا تقدم بل تأخر، ولنطبق نظام من أبسط النظم الإدارية وهو الإدارة المرئية، أو الإدارة على المكشوف، وسترون النتائج!
والادارة المرئية اسلوب ادارى معروف ويعتبر من اهم اسباب نجاح التجربة اليابانية. وتسمى الادارة فى اليابان " جمبا كايزن" (Gemba Kaizen) وهى كلمات بسيطة تعنى ادارة المشكلة من المكان حتى يمكن ادارة الزمان بالدقة والسرعة المناسبين للتخلص من جذور هذه المشكلة والعمل على منع تكرارها فى المستقبل، وعليه فهو اسلوب مستمر يستمد قيمته من ارض الواقع. وبهذا الشكل تكتمل عناصر الادارة وهى: التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتطوير. وحتى تثمر نتيجة تكامل هذه العناصر فلابد من التمسك بثلاث استراتيجيات اساسية وترجمتها الى خمس خطوات تنفيذية.
استراتيجيات الادارة المرئية:ـ
ليست الادارة المرئية اسلوبا لادارة الازمات ولكنها منهاج عمل مستمر لادارة الاحداث اليومية فى مكانها وزمانها. ويستمد النمط الادارى قيمته من الواقعية وشفافية العلاقات الرأسية والافقية فى اركان العمل المؤسسى. وعليه فهو احد التحديات الهامة لادارة المستقبل من ارض الواقع. ولايمكن ان تتوفر الشفافية المطلوبة للادارة اذا طبقت ثلاث استراتيجيات هامة يمكن تلخيصا فيما يلى:
اولا: وضع قواعد العمل:-
وفى ذلك فانه يجب ان تكون هذه القواعد واضحة وتخدم رسالة المؤسسة الجامعية بالطريقة المثلى. كما يجب الا تكون هذه القواعد جامدة حتى يمكن تطويرها وتعديلها لتصبح بسيطة وفعالة وتواكب ثقافة السرعة التى تصف النظام العالمى الجديد. وهذه القواعد تشمل تحديد المهام وطرق ومعايير قياس الاداء واساليب المراجعة والتقييم من خلال دراسة موضوعية ومنهج علمى بسيط وواضح.
ثانيا التطهير:-
وهى استراتيجية هامة تستوجب النزول الى ارض الواقع لتشخيص المشاكل واسبابها بدقة حتى يمكن توصيف علاجها المناسب. وبالطبع قد يكون ضمن اساليب العلاج ابعاد بعض الشخصيات التى تعوق مسيرة العمل، ولا يقف التطهير عند هذا الحد، بل يجب ان يمتد الى الادوات والمعدات والاساليب والسياسات. ورغم ان التغيير وسيلة للتطهير خاصة بعد الازمات والكوارث الا انه اهم وسيلة للتطوير المستمر، وعليه فيجب ان يكون التغيير احد القيم الثقافية اللازمة لمواجهة تحديات المستقبل . والادارة من موقع الاحداث تهدف الى التحسين المستمر، وعليه فهى ادارة الحاضر لاكتشاف اوجه القصور، وادارة المستقبل لتطوير الاداء.
ثالثا القضاء على الهدر فى الانشطة والثروات:-
وتهدف هذه الاستراتيجية الى ادخال قيمة السرعة فى ثقافة المنظمة. وهناك اشكال كثيرة لاهدار الثروات رغم ندرتها وقد يكون الهدر بهدف وضع المؤسسة الجامعية فى خدمة الادارة . قد يصل الهدر فى الوقت الى اتخاذ بعض القرارات الروتينية فى عدة شهور مما يعطل مسيرة الجامعة ومصالح العاملين بها، ويدفع الى بعض اشكال الفساد والنفاق الادارى. ويستوجب القضاء على الهدر وضع الحدود بين الاساليب والاهداف والتاكيد على مفهوم الادارة فى خدمة الجامعة ومشاركة الاخرين رؤية المستقبل.
ويقتضى تطبيق استراتيجيات الادارة المرئية من موقع الاحداث ضرورة اتباع خمس خطوات اساسية يمكن تلخيصها فبما يلى:
-
النزول الى موقع الاحداث بصفة متكررة ومفاجئة، مع سرعة واهمية التواجد فى هذه المواقع عند ظهور اى مشكلة.
-
الاهتمام بكل عناصر الموقع مع استخدام اساليب التفكير الجانبية والمعكوسة(Lateral & Reversal Thinking) بالاضافة الى الأساليب التقليدية وذلك للوصول الى جذور المشكلة ووضع بدائل غير تقليدية لحلولها.
-
اتخاذ الاجراءات الوقائية والفورية والتى غالبا ماتكون اسعافية لوقف النزيف لكن لايجب ان يمنعنا زوال العرض من متابعة واحتواء المرض.
-
البحث عن الاسباب الحقيقية واهميتها النسبية فى خلق المشكلة. كما يجب ادخال سياسة نوادى التفكير المتعددة واليات القدح الذهنى للوصول الى افضل سيناريوهات التشخيص والعلاج . وضع الحلول المناسبة للمشكلة. مع اتخاذ كافة الاجراءات الكفيلة بتجنب تكرارها فى المستقبل.