كثرت مشاكل الأمة وكثر الحديث عن الأزمات والمصائب التي تحل بالمسلمين من فترة لأخرى وإن من المهم في هذا الشأن النظر إلى كيفية استثمار الأزمة ورفع اليأس والجزع من الأمة المكلومة ومحاولة التعرف على الجوانب الإيجابية والبشارات والقيام بأعمال تكون خيراً للنفس والمجتمع والأمة عامة ، فعن ‏ ‏أنس بن مالك ‏‏قال ‏‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم: ‏(‏إن قامت الساعة وبيد أحدكم ‏ ‏‏فسيلة ‏فإن استطاع أن لا يقوم حتى ‏يغرسها فليفعل) رواه أحمد مع أن القيامة قامت والقلب قد وجل والخوف قد حل ومع هذا كله يحوله إلى عمل إيجابي ينفع نفسه في هذه المصيبة وهو الغرس ليكسب على ذلك أجراً وثواباً من الله.. ومن رأى أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية تحويل المحنة إلى منحة وتحويل الموقف السلبي إلى إيجابي لرأى عجباً.. وإننا لنحتاج إلى تفعيل هذه القضية في الأمة والتذكير بها في كل حين ، لكي نسلم من هذه الأزمات وما يحصل فيها ، وحول هذه القضية أشير إلى عدة نقاط سريعة سائلاً الله بمنه وكرمه التوفيق في عرض جوانب من هذا الموضوع .

* مشكلاتنا في الأزمات :
عند حدوث بعض الأزمات تصيبنا عدة مشاكل تطيل علينا المدة وتبطئ من اتخاذ القرار نحوها ومن تلك المشاكل:
1- الوقوف عند الباب المغلق بحيث لا نرى الباب الذي تم فتحه .
2- تجاوز السنن الكونية في معرفة الأزمة مما يوقعنا بها مفاجأة وبدون سابق معرفة .
3- انتظار البطل المخلص لمثل هذه الأزمات.
4- ترك الاستفادة مما سبق من تجارب ماضية والانتقال لأزمات جديدة ولما تنتهي الحالية .والنبي صلى الله عليه وسلم يؤكد على عدم الوقوع في الأمر مرتين فيقول : (لايلدغ المؤمن من جرح مرتين) متفق عليه .
5ـ الاجتهاد الفردي أو النزعي بدون تكاتف العلماء وطلاب العلم مع بعضهم البعض .
6- عدم تهيئة النفس على أن من الحلول الخروج من الأزمات بخسائر قليلة وأحياناً كثيرة .
7- اليأس من الإصلاح ومن ذلك ما روي في الصحيحين أن الطفيل بن عمرو جاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن دوساً هلكت عصت وأبت فادع عليهم .فقال : (اللهم اهد دوساً وائت بهم ) وقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي هريرة من تيئيس الناس فقال : ( إذا سمعت الرجل يقول هلك الناس فهو أهلكهم).رواه مسلم .
8- كثرة الكلام وقلة العمل ، فنرى أن الكثير يكتفون بالكلام عن العمل !

*- من فوائد الأزمات:
كل أزمة تحدث فيها مجوعة من الفوائد التي تفيدنا عند حصول الأزمة ومن ذلك:
1- القرب من الله واللجوء إليه والزيادة في الابتهال والذل لله سبحانه ، كما في حديث عمر بن الخطاب حينما وصف النبي صلى الله عليه وسلم في بدر قال : فاستقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه (اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم آت ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض) فما زال يهتف بربه ، ماداً يديه مستقبل القبلة ، حتى سقط رداؤه عن منكبيه ) رواه مسلم .
2- معرفة العدو كما قال الشاعر: جزى الله الشدائد كل خير ** رفت بها عدوي من صديقي
3- تعاظم الأجر والحسنات.(ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولاهم ولا حزن ولا أذى ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) متفق عليه.
4- تمحيص وتنقية الصف من الأكدار والشوائب المخلوطة . (ألم*أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) (العنكبوت :1-3).
5- جمع كلمة المسلمين مع بعضهم البعض والتحامهم ضد العدو.
6- تراكم التجارب ومعرفة الأخطاء الحاصلة وتجنبها قال الشاعر :
عــداتـــي لــــهم فـضل علي ومنة ** فـــــلا أبــعــــد الله عـــنــــي الأعـــاديا
همو بحثوا عن زلتي فاجتنبتها ** وهم نامشوني فاكتسبت الأعاديا
7- شدة الأزمة علامة على اقتراب الفجر الصادق المشرق الموعودون به إن شاء الله.
8- استنهاض الهمم وروح التحدي في قلوب الناس .
9- العصف الذهني وجمع الحقائق والموضوعات حول هذه القضية .

*- نماذج في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام:
توجد في السنة المطهرة ومن خلال السير الكثير من القصص في هذا الجانب , ولعلنا نذكر بعض منها:
1- فمن ناحية المجال الاقتصادي فقد قام ثمامة بن أثال بعد إسلامه لقطع الحنطة عن قريش وقال لهم ( والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ). رواه مسلم.
2- حينما وقع الصلح بين المسلمين و قريش لم يكن ظاهراً لصالح المسلمين حتى خرج أبو بصير هارباً إلى البحر ثم لحق به أبوجندل بن سهيل.. وقد قال عليه الصلاة والسلام ( ويل أمه مسعرحرب لو كان معه رجال ) فاجتمع معه عصابة من الصحابة الفارين من قريش فأخذوا يغيرون على عير كفار قريش ويسلبونها حتى أنهكوهم فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يناشدونه الله والرحم رد أصحابه.
3- كما استفاد النبي صلى الله عليه وسلم من نعيم بن مسعود حينما جاء مسلماً في بداية غزوة الأحزاب فقال عليه السلام :خذل ما استطعت فقام وخذل وكان له النصيب الأكبر في إنجاح تفرقة كفار قريش واليهود.

*- لماذا هذه الأزمات:
قد يتسائل البعض لماذا تحدث مثل هذه الأزمات وللإجابة على هذا السؤال :
1- عقوبة الله بسبب المعاصي قال الله تعالى : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(الروم: 41) . فالمعصية لها شؤم على مستوى الفرد والمجتمع .
2- ابتلاء الله لعباده ، قال تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد:31).
3- من سنن الله الكونية المتغيرات التي تحصل عند البعد عن دين الله (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد- 38).

*- الموقف من الأزمة :
قبل البدء في فهم الموقف علينا قبل ذلك أن نكون متأهبين ومستشعرين الوضع القادم الذي سيحصل قبل حدوثه والفهم العميق لما يعمله الطغاة والتوصل إلى خطواتهم المرسومة مما يجعل من الأزمة أقل وأخف ، وهذا مما يمزق أوراق العدو، وعليه عند فحدوث الأزمة فالعمل على الآتي:
1- الاتجاه إلى الله والاستعانة بالصبر والصلاة قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرينَ)(البقرة:153).
2- التعرف على ماهية هذه الأزمة والوصول إلى كنهها واستخلاص معالمها.
3- محاولة فهم الموقف من بدايته ومعرفة جذوره الأولى والتأهب لآثاره.
4- الحرص على فهم ما حول المشكلة من جوانب ضروري أيضاً لتفهم الأزمة.
5- المشاورة (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (ال عمران :195) .
6- دعاء الله بالتوفيق والسداد للصواب مع التضرع إلى الله بالإعانة والتوكل عليه.
7- وضع الحلول اللازمة ومن ثم اختيار الحل المناسب .
8- التريث في الحديث عن الأزمة فيما يمكن السكوت عنه مطلب.
9- الحماس المنضبط: في مثل هذه المواقف العصيبة والناس في الغالب على ثلاثة أقسام : منضبط ومتهور وغير مهتم.ونحن بحاجة ماسة إلى ثلة من المخلصين ممن يقودون الأمة ويمسكون بزمام الأمور ويقومون بتوجيهها بالانضباط وعدم التسرع وإخراجها برأي جماعي ..يكفل بتوحيد الرأي على ما يخلص الأمة ويقودها إلى بر النجاة ولو بخطوط عريضة تتفق عليه أغلب الأمة.
10- ثم العزم والعمل ..( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)(آل عمران :159). ولذا فقد قيل : العاجز يلجأ إلى كثرة الشكوى ، والحازم يسرع إلى العمل ، وانظر كيف تربى الصحابة على هذه المعالم فحين تفاجأ الصحابة بخبر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قام أحد الصحابة وقال : موتوا على مات عليه.
11- الحذر من الأعداء ، فقد قاموا باستغلال الفرص التي تحدث للمسلمين في القديم والحديث ، فهذا ملك غسان يرسل من يبحث عن كعب بن مالك الصحابي الجليل حين تخلف عن الغزوة وقاطعه أصحابه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ليدفع إليه كتاباً ليقرأه فيقول كعب : فقرأته فإذا فيه : أما بعد ، فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعه فالحق بنا نواسيك!!
أما في الأيام المعاصرة فاستغلال اللجان النصرانية للمجاعات .بإغاثة الفقراء والجوعى من الناس بإشباعهم ومن ثم تنصيرهم.

الخاتمة :
نعلم يقيناً أن بعد هذا الحلكة القاتمة فجراً صادقاً وبعد هذا الضيق فرجاً حاصلاً وأن يخرج الفجر وقد استفدنا من الظلمة خير من أن نضيعه ونخسر ه ويخرج الفجر متأخراً. وعليه فلا ننس أنما أصابنا لم يكن ليخطئنا وقد ذكر السعدي تعليقاً جميلاً على قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة:216) قال السعدي : وهذه الآية عامة مطردة في أن أفعال الخير التي تكرهها النفوس لما تتوهمه منها من الراحة واللذة فهي شر بلا شك وأما أحوال الدنيا فليس الأمر مطردا ولكن الغالب على العبد المؤمن أنه إذا أحب أمرا من الأمور فيقيض الله له من الأسباب ما يصرفه عنه انه خيرله فالأوفق له في ذلك أن يشكر الله ويعتقد الخير في الواقع لأنه يعلم أن الله تعالى أرحم بالعبد من نفسه وأقدر على مصلحة عبده منه واعلم بمصلحتة منه كما قال تعالى (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) فاللائق بكم أن تتمشوا مع أقداره سواء سرتكم أو ساءتكم) تفسير السعدي ص80.

ونوصي إخواننا وأحبتنا بهذه الأمور :
1- علينا قراءة المستقبل من خلال معرفة الماضي وفهم ما هو العمل حيال ذلك وتغييره لصالح المسلمين.
2- على المرء أن لا يمر بنفس الأزمة مرتين .
3- لا توجد في الأزمات شر محض والإنسان يغلب عليه النظر إلى الشيء الظاهر فقط وهذا من الخطأ يقول الشافعي:
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف ....وتستقر بأقصى قاعه الدرر
4- كما علينا إخراج محاسن هذه الأزمة وكيفية الاستفادة منها .
5- عدم تيئيس الأمة وأن بعد كل غم فرجاً وبعد كل عسر يسراً ولن يغلب عسر يسرين (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرًا*إِنَّ مَعَ الْعُسْر يُسْرًا)(الشرح :4-5)..وقال الشاعر:
ولـرب نـازلة يــضيــق بــها الـــفـتى **ذرعــاً وعــند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها**فرجت وكنت أظنها لاتفرج
6- القيام على تحديث الأمة بالأمل الذي يدفع بالعمل والعمل الذي يعقبه نجاح .
7- علينا تقوية الأمة والعزم على الوصول إلى قلب الصورة وتغيير نمط الدفاع الذي قبعنا فيه.
8- دعاء الله وهو أعظم سلاح والإلحاح عليه بالدعاء (إن الله يحب الملحين بالدعاء) ومن ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما يحدث به علي رضي الله عنه يقول : لقد أتينا ليلة بدر وما فينا إلا نائم إلا النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى شجرة ويدعو..)صحيح السيرة النبوية إبراهيم العلي ص 22
9- قراءة القران (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(الأنعام:155)
10- التوكل على الله ، فهو الواعد سبحانه بنصرة عباده قال تعالى (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ )(غافر: 51).قال ابن القيم رحمه الله : اجمع العارفون بالله على أن الخذلان أن يكلك الله إلى نفسك ويخلي بينك وبينها والتوفيق أن لا يكلك إلى نفسك.
11- الرفق بالناس وخاصة اليائسين ونقلهم من هذا الأمر الخطير إلى أمر يوفقون فيه للطاعة والعمل .
نسأل الله القوي العزيز أن ينصر الأمة الإسلامية وأن يرجعها إلى دينها وأن يعز الله دينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والله أعلم و صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين .

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 97/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
33 تصويتات / 2335 مشاهدة
نشرت فى 22 يونيو 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,769,469

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters