نحن عادة نختار التحدي عندما نشعر بالآلام الناتجة عن ضغط العمل ولكن هذا التحدي رغم نجاحه لمدة وجيزة أننا نفاجأ بسقوط مدوٍ لهذا الجسد المتعب .
فكيف إذن وضعت ذلك العنوان ؟
لقد قصدت أنه لما كانت ضغوط الأعمال متكاثرة متراكمة على المرء عبر مسئوليته فهو بين خيارين اثنين , إما أن يجعل تراكم عمله وكثرة مسئوليته محبطا له و مؤلما على المستوى النفسي والجسدي , وإما أن يجعل ضغط العمل الذي يزاوله هو طريقه للنجاح في حياته عن طريق اتباع تعليمات منهجية دقيقة .
إن الضغوط تعبر عن نفسها بعدة طرق محددة : كثرة العمل بأكثر من الطاقة , أو سوء التوجيه ( كما يحدث مع الذين يعملون تحت إمرة مدير سيئ ) , أو أن تكون الوظيفة غير مناسبة لقدرات الموظف ومهاراته , أو أن تكون الوظيفة مناسبة ولكن تقهر الإنسان وتبتز صحته , أو أنه يعمل في أكثر من تخصص غير متوائم , أو أنه يبذل جهده الكبير ولايجد تقديرا مناسبا لبذله فيظل يعمل تحت ضغط الإحباط وضغط العمل..
( إن الذين لا يشكون من أي نوع من هذه الشكاوى الخاصة بالعمل لا يهمهم بالطبع قراءة هذا المقال ) .
وأنا هنا معك في هذا المقال لأقدم لك بعض نصائح تعتبر خلاصة من تجارب الخبراء الذين اتخذوا من ضغوط أعمالهم سبيلا للنجاح والتقدم وأفلحوا في ذلك ..
أولا : تحديد الأولويات بكل دقة :
لا تكتب مجرد قائمة بالأشياء التي تنوي إنجازها كل يوم ، وإنما حدد هل كل منها أولوية عليا أم أسبقية اختيارية ، وبهذه الطريقة يمكنك أن تبدأ بالمهام الحيوية فقط ، وحينما تكون هناك عقبات تحول دون إنجاز قائمتك ، فهذا يعني تأجيل البنود الاختيارية فقط .
إننا دوما نقدم غير الهام على الهام وغير المفيد على المفيد, فتذهب الأوقات في الأمور غير الهامة وغير المفيدة, فنعود في آخر اليوم بالخسارة والانتكاس.
وقد قسم الإداريون الأعمال حسب أهميتها إلى أربعة أنواع هي ( أعمال هامة عاجلة , وأعمال هامة غير عاجلة , ثم أعمال غير هامة عاجلة , وأعمال غير هامة غير عاجلة )
فالأولوية يجب أن تكون دوما على جدولك للأعمال الهامة العاجلة , وثانيًا للأعمال الهامة غير العاجلة, وثالثًا للأعمال غير الهامة العاجلة, وأخيرًا للأعمال غير الهامة غير العاجلة.
وترتيب الأعمال بتلك الصورة ترتيب يجعلك تقوم بفعل أولوياتك الحقيقية بعيدًا عن توهم الأولوية للأعمال التي لا تستحق الجهد أو على الأقل لا تستحق أن تكون في مقدمة اهتماماتك .
فالمستوى الأول من الأعمال وهو مستوى الأعمال الهامة العاجلة , وهي الأعمال التي تمثل صلب عملك , والتي تحسن إنجازها , كما أنها هي التي تكون مطلوبة منك على وجه عاجل سواء من رئيسك المباشر أو منك كمسئول في عمل ما , وهي تلك الأعمال التي لا يمكن تأخيرها عن موعدها أو الاعتذار عنها أو التفويض فيها وكذلك كل الأعمال التي سيترتب على غيابك عنها أو تأخرك عنها أو عدم إنجازك لها أو عدم تركيزك فيها ضرر ما
وأما المستوى الثاني من الأعمال: فهو مستوى العمل الهام غير العاجل وهو يتمثل في مسئوليات الأعمال بشكل عام من حيث المتابعة والتدقيق لتحسين الكفاءة وتقويم الأداء وكذلك رسم الخطط وترتيب الأولويات وتحديد الإمكانيات وتنظيم الأوقات واختيار سبل ووسائل الوصول للأهداف التي قد سبق ووضعتها لنفسك سواء كانت أهدافا مرحلية أو أهدافا بعيدة , ويدخل في هذا المستوى حقوق نفسك ومن تعول
والمستوى الثالث من الأعمال: هو مستوى العمل غير الهام العاجل, وهو ذلك المستوى الذي يقدمه معظم الناس في أولوياتهم على أعمالهم الأخرى, وربما يتسبب ذلك في إرباك كبير في جدول أعمالهم , وهذا المستوى يحسن فيه استخدام التفويض في العمل بحيث ما أمكن أن يؤديه غيرك من أعمال هذا المستوى فلا تتردد فورا في تفويض أحدهم بذلك
وأما المستوى الرابع: فهو مستوى الأعمال غير الهامة غير العاجلة, ومكانها في مؤخرة الجدول ولا شك.
ثانيا : تعلم أن تدير ذاتك :
إدارة الذات من أهم احتياجات العصر , ويحتاجها الرجال البارزون دوما لاستمرار العطاء والنجاح , فكم من موهوب ضاعت موهبته وكم من مبدع فشل في تحقيق أمنيته لعدم قدرته على إدارة ذاته .
وأعني بإدارة الذات هنا البحث عن الوسائل التي بها تستطيع الوصول إلى إخراج أكبر قدرة إنتاجية من المستطاع عندك , وكذلك البحث عن كل الوسائل التي بها تستطيع أن تعلن عن نفسك وأن تتخطى الدرجات صاعدا فيها وأن تتغير دوما نحو الأفضل على كل المستويات , وأن تسير أعمالك ومهامك ومسئولياتك بسلاسة ويسر وانسجام معا مهما كانت الضغوط .
وتتمثل محاور إدارة الذات في عدة نقاط أساسية أهمها : ( القدرة على استغلال الوقت بأقصى طاقة , وإمكانية الإنجاز بأقل مجهود , واستثمار العلاقات في النجاحات المختلفة , وتنظيم الشئون الصغيرة والكبيرة , والقدرة على تقويم الإنجاز ومتابعته )
ثالثا : لا تهمل الحقوق الواجبة :
فالجسد هو آلة الإنجاز وبه العقل الذي يدير شئونه , وإهمال الجسد إهمال لآلة الإنتاج العقلي والنفسي والعلمي وغيره , ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبدا ماأبقيتنا واجعله الوارث منا " , فلذلك لزمنا الاهتمام بصحة ذلك الجسد قدر استطاعتنا , والأجساد السليمة النشيطة المنتعشة يمكنها أن تنتج بصورة أفضل على أية حال , لذلك فاهتم بالآتي :
* الزم نفسك بالتمارين :
يقول البروفيسير بيتر هانسون أستاذ الصحة العامة :" اعتبرها ميعادا دائما غير مسموح الاعتذار عنه ، وبالتزامك بثلاث ساعات من التمارين أسبوعيا سوف تحافظ على صحتك وتعالج ضغوطك بشكل أفضل ، وإن كنت تعمل في مبنى به مدرجات يمكنك استخدامها في الصعود أو النزول أحيانا ، وأوقف سيارتك في أبعد مكان في موقف السيارات حتى تتيح لنفسك فرصة ممارسة رياضة المشي "
والنصائح الرياضية غير معاف منها أي أحد الكبير والصغير والشيخ والشاب لذلك فأرجوك أيها القارئ أن تنتظم في مواعيد رياضية تنشط فيها دورتك الدموية وتعيد فيها الحيوية لأعضائك , واختر ما يناسبك من الأوقات لذلك .( على أن الخبراء قد رأوا أن أفضلها في بداية يومك )
• ألزم نفسك بلحظات استرخاء :
لحظات الاسترخاء هامة جدا لنا جميعا , حيث قد تعودت أدمغتنا ونفسياتنا دوما الإرهاق من كثرة الأعباء , فلا وقت نخلد فيه لأنفسنا ولا ساعة نتنفس فيها نفسا عميقا خاليا من القلق , إن دوام شعورنا بالقلق والانتباه طوال فترات العمل التي تستغرق معظم الأوقات قد يصيبنا بغيبوبة غير محسوسة , يلزمنا الاسترخاء البعيد عن التفكير فيما يقلق , وليس لذلك وقت معين ,. بل اختر ما يناسبك
• استخدم أفضل أنواع الوقود :
يقول بيتر هانسون : " كما تستخدم سيارات أفضل أنواع الوقود ، كذلك أنت ، لا يمكنك أداء أعمالك بشكل أفضل وأنت تتناول وجبات غذائية تفتقر للعناصر المطلوبة أو أي نوع من الأطعمة المفترة أو الغير مفيدة كن دوما كالقاعدة القديمة لبرامج الكمبيوتر : " إذا أدخلت نفايات سوف تخرج نفايات " وينطبق على هذا جسمك أيضا " ..ولك أن تراجع نصائح أطباء ومختصي الأغذية في ذلك المجال
كذلك لا تهمل واجبك كزوج أو رب أسرة أو والد واعلم أن الدقائق التي تقضيها في تأدية هذا الدور محتسبا لله سبحانه يكون لها أكبر الأثر على نجاحاتك , وأحذرك أن تهمل أدوارك هذه بحجة العمل أو ضغوطه , إن النجاح لابد أن يمر عبر هذه الأدوار أيضا , فما قيمة أن تكون ناجحا في مسئولياتك ,فاشلا في دورك وواجباتك كأب أو زوج أو ابن .. تأمل إنها منقصة
رابعا : الحذر من إهمال القلب !
كثيرون في غفلة الحياة ورتابة دورتها وكثرة الضواغط يهملون تجلية قلوبهم وترقيقها وتصفية نفوسهم وتزكيتها , وقد يقع في ذلك دعاة وربما علماء , فقد يغفلون بكثرة مشاغلهم عن مراقبة دواخلهم , وهي أزمة كبيرة وخطر داهم يجب الحذر منه , فالنجاح الحقيقي دوما يرتبط بالقدرة على فعل ما يقرب إلى الله سبحانه , وأي إنجاز نتكلم عنه لا يستحق أن يكون إنجازا إلا إذا كان في سيبل المقاصد النبيلة التي تنتهي إلى رضا الله سبحانه .
وليحذر كل منا من ظواهر الأعمال التي لم يصل أثرها إلى قلوبنا , يقول الإمام ابن القيم : "فبين العمل وبين القلب مسافة, وفي تلك المسافة قُطَّاع تمنع وصول العمل إلى القلب, فيكون الرجل كثير العمل, وما وصل منه إلى قلبه محبة ولا خوف ولا رجاء, ولا زهد في الدنيا, ولا رغبة في الآخرة, ولا نور يفرق بين أولياء الله وأعدائه, وبين الحق والباطل, ولا قوة في أمره, فلو وصل أثر الأعمال إلى قلبه؛ لاستنار وأشرق, ورأى الحق والباطل, وميز بين أولياء الله وأعدائه"
الإنسان يَطمح للغلَبة و الانتصار على الآخرين في أيِّ مجالٍ في حياته ، فلا يرضى أن يكون غيره أعلى منه ، كما أنه لا يُحب أن يغلبه أحد في ساحاتِ العِراك و التصارع التنافسي نحو الأعلى و الأسمى في الحياة .
لذا ؛ كان الأهم لديه أن يكون متأهِّباً لكلِّ حالةٍ يكون فيها صراعٌ و تنافس نحوَ الكمال ، و لا يكون متأهباً ما لم يكن ناظراً بدقَّةٍ في مكامن قوته و أسلحة المعركة ، فالحياةُ ليست إلا بسلاحٍ ، و النجاح له أسلحةٌ كثيرة ، و قيمة السلاح في قوته و جودته ، و إن لم يكن كذلك فليسَ إلا اسماً مُعاراً يجلبُ عاراً .
كلُّ إنسان فيه من القوةِ الكثيرُ ، كما أنه فيه من الضعيفِ شيءٌ ، و الشيءُ كَفَيءٍ ، و الفيءُ لا يستقر ، و من الفطنةِ في منافسَةِ الآخرين على بلوغ النجاح أن ينتبه الإنسان إلى تلك المكامن التي فيها قوته ، و يبحث عنها و يُوفِّرها ، لتكون قائمة بعملها ، كما أنه ينبغي له أن ينظرَ إلى مكامن الضعفِ فيسعى في تقويتها و تجويدها ، و ألا يغُضَّ النظر عنها حيناً و إلا فـ " رُبَّ جُرْح أصاب في مقتلٍ " .
سلاحُ النجاح هي القوةُ المختزنة لدى الإنسان ، و هي الذاتيَّة العظيمة التي تجعله يسيرُ في طلب الشيءِ بيقين البلوغِ و التحصيل له ، و هي أشياءُ لها حقيقتها و أثرها في واقع حياته ، و إن لم يكن لها أثرفي واقعه فليست إلا أوهامٌ و الـ " وهم سيبتره النسيان يوماً " ، و لا تبقى إلا الحقائق ، كما أنه لا يصح إلا الصحيح .
البحثُ عن تلك الأشياء التي هي أسلحةُ السعي للنجاح خطوةٌ أولى ، و هي من الأهمية بمكانٍ ، فيبحثُ عن نقاط قوته في كلِّ شيءٍ ، فيتلمَّس ذات أنحاءِ عالَمه ليحصل عليها ، و بقدر البحثِ يكون البعثُ ، فإن أكثرَ البحثَ و التنقيبَ وجدَ كثيراً ، و إن قلَّل البحث قلَّ الموجود .
محالُّ القوة عند الإنسانِ مُوزَّعَةٌ في كيانه كلِّه ، و لكلِ جزءٍ منه شيءٌ من القوة ، فلديه في : العقلِ كثيرٌ من صور القوة ، و العقلُ أقوى قوة يمتلكها الإنسانُ ، حتى لو فقد بقيَّة الكيان القائم به الجسم ، ففيه التفكيرُ و التدبير و الإدارة و القيادة و التأمُّلُ و التخيُّلُ ، و أشياءَ لا تنتهي حصراً لعجزه و قِصَرِ نظره ، و قوةُ العقلِ في المعارفِ التي يحتويها ، و المعرفة قوةٌ بذاتها .
و لديه الجسَدُ ، فكلُّه قوةٌ مُوزَّعَة ، و كل جزء منه قوة بنفسه ، و لو دقَّقَ نظرَهُ في أجزاء جسده ، و خاصة حواسه الخمس ، لأدرك أسراراً خافيةً عنه تمتلك قوة تسحَر ، و لكن أخفاها التغافلُ و التجاهُل ، بِوُدِّي لو أتطرَّق لقوى الحواس و لكن الدلالةُ رسالة .
و لديه العاطفةُ ، فهي قوةٌ متى اسْتُقْوِيَتْ و استُثِيْرَت ، أقلُّ أحوالها أنها إذا تحرَّكتْ حرَّكَت العقلَ فتحرّك له الجسدُ .
إنَّ القوى تلك التي يملكها الإنسان هي التي يجب أن يكون نظرُه عليها ، نظرَ المفتخر بها ، المعتمد عليها ، المتمثِّل بها شهادةً زمنيةً حياتية ، و تلك القوى لا ينظر إليها إلا من ارتقى سماءَ النجاح ، و لا يَمدح الإنسانَ بها إلا من حصلَ عليها و لقيَ أثرها ، و أما من انحطَّ إلى حضيضِ الفشلِ فإنه يبحثُ في الضعفِ و يُهمل القوة .
متى التفت الإنسان في ساحة حربِ النجاح إلى خللِ سلاحه فقد استلفتَ انتباه المنافسِ فأتاه من تلك ، و لو ضعُفَ سلاح الإنسان استبدله بآخرَ ، فالاحتياط في حرب الحياة كالأساسِ .
إن كثيراً من الناسِ يمتلك من القوى ما يهزم بها شعوباً ، و لكنه في غياب نظره وعدم اهتمامه بها و اشتغالِه فيما نقَّبَه المنافسون من نقاط ضعفه ، بسبب ذلك كلِّه يكون في خسارة في الحربِ ، و خصومه نظروا إلى قوتهم و لم يلتَهوا بمعالجة الضعف ، لأن الساحة ساحة قوة ، و القوة الحقيقية هي التي لها البقاء و الأثر .
لا يعني الاهتمامُ بالقوةِ إهمال الضعف ، بل تفعيلُ القوةِ في حالٍ القوة ، و معالجة الضعفِ في حال السِلْم و عدم الحرب ، متى غابَ المنافسُ عُولِج الضعف ، و مع وجودِه تُظهر القوة .
نظرُ الإنسان إلى مَثاراتِ ضعفه مُوهِنٌ لقوَّتِه ، و عائقٌ لمسيرته ، و عندها تضيع المكاسب ، و تُخسَر الغنائم ، و أين ركضُ الكلبِ من ركضِ الظبي ، فما أوهنَ الظبيَ إلا خُسرانِه قوته باستقوائه قوة الكلبِ ، فلا كسبَ إلا بالقوةِ و الضعفُ زيفٌ .
في حربِ النجاحِ تكون المهاراتُ التنافُسيَّة ، و الإبداعُ في كسبِ المعركة ، و أبداً لا تسقط رايةُ قويٍّ ، هكذا الحربُ ، و " الحرب خِدعة " .