دور البحث والتطوير والابتكار في التنمية الاقتصادية
"النمو الاقتصادي يحدث كلما اتخذ الشعب الموارد ونظمها في الطرق التي تؤدي الى قيمة أكبر" (بول رومر)
في العقود الاخيرة شهد العالم تغيرات في معظم مجالات الحياة تقريبا ، من نمو اقتصادي ، والنظم الاجتماعية ، ومستويات المعيشة والتكنولوجيات الحديثة. فالنماذج الاقتصادية الكلاسيكيه تشير الى أن رأس المال والعمال والموارد الطبيعيه هم الاسس للحفاظ على النمو الاقتصادي، في حين أن النهج الجديد يشير الى أن العلم والتكنولوجيا هي بذور النمو وخلق الثروات.
وفي الواقع ، فان التاريخ علمنا أن البلدان التي تستغل التكنولوجيا بطريقة فعالة، تحقق الثروة والسلطة الكبيرة. فعلى سبيل المثال ، المصريون القدماء ، والصينيون ، والاغريق والرومان بنو حضاراتهم على اساس المعرفه في والزراعة ، والبناء والنقل. وكذلك في العصر الحديث، فكل من المانيا واليابان استردا قوتهما عن طريق إعادة بناء قدراتهم التكنولوجيه.
وحتى أن الحضارة العربية الإسلامية قد أظهرت تطورا كبيرا في البحث العلمي والتنمية التكنولوجيه خلال العصر الذهبي. فالعالم العربي اليوم يقبع بعيدا عن الإنجازات العلمية التي تحققت في العالم. فمساهمة الدول العربية ،و طبقا لتقرير التنمية البشريه 2007 ، لا تزيد عن 2 ٪ في الناتج المحلي الاجمالي للعالم. كذلك أول دولة عربية تظهرعلى مؤشر التنمية البشريه هي الكويت التي تحتل المرتبة 33 ، و بعدها قطر 35 والامارات 39 ، في حين ان البلدان الحديثة النمو مثل اسرائيل تقع في المرتبة 23 وكوريا 26.
هذا التأخر الاقتصادي نجم عن تخطيط وتنفيذ غير ملائم لمنظومة الابتكار والعلوم. فعلى سبيل المثال ، في العالم العربي ، طلاب التعليم العالى فى مجالات العلوم والهندسه والصناعة والبناء تتراوح ما بين 17 ٪ و 31 ٪ من طلاب التعليم العالي في حين أن هذه القيمه هي في حدود 40 ٪ في ماليزيا و 28 ٪ في اسرائيل.
علاوة على ذلك ، فان نفقات البحث والتطوير كنسبه من الناتج المحلي الإجمالي لا تزال منخفضة وفقا لتقرير التنمية البشريه لعام 2007. فتتراوح ما بين 0،6 في تونس و 0،19 في كل من مصر والكويت ، في حين ان المتوسط العالمي هو 2،3 وجميع البلدان الناميه في المتوسط 1،02 . وعلى سبيل المثال الانفاق في الصين على البحث والتطوير يصل الى 1.4 وماليزيا الى 0،7. واذا ما قارنا هذه القيمه الى الانفاق العسكري في العالم العربي نجد انه يتراوح ما بين 1،6 في تونس و 11،9 في سلطنة عمان. ولكن في الاقتصادات الناشئة مثل ماليزيا لا تصل لاكثر من 2،4.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار براءات الاختراع على انها مخرجات مننظومة الابتكار ، فيمكننا ان نجد أن اجمالي براءات الاختراع المقدمة الى مؤسسة WIPO من الدول العربية بين عامي 2000 و 2007 حوالي 630 طلبا ، في حين يمكننا ان نرى اسرائيل ، والصين وكوريا الجنوبيه من بين اكبر 15 بلدا، هذا مع مساهمه لبراءات الاختراع بنسبة ليست اقل من 1 ٪ لكل منهما من مجمل براءات الاختراع في العالم.
وهذا الافتقار الى تطوير التكنولوجيا ينعكس على الصادرات من الدول العربية التي ما زال لا تنوع في صادراتها، ف87 ٪ من الصادرات هي من المنتجات الاولية (المواد الخام عادة أو المنتجات الزراعية). وإذا ألقينا نظرة على تنوع الصادرات من البلدان الناميه ، فإننا نجد ان المنتجات الاولية تمثل حوالي 28 ٪ من الصادرات. أما بالنظر في صادرات التكنولوجيا المتطوره ، نجد انها تتراوح ما بين 10% في المغرب و 0،6% في مصر كنسبه مئويه من اجمالي صادرات السلع المصنعه. وهذه الصادرات في ماليزيا تمثل 38 ٪ من مجموع الصادرات المصنعه ، بينما في الصين 6 ٪ وفي اسرائيل 10،4 ٪.
كل هذا يؤدي الى مشكلة هجرة العقول من العالم العربي. فالخبرات المحلية تترك المنطقة أساسا لأسباب اقتصادية و للبحث عن التحديات في البلدان التي تحسن استغلال واستثمار مهاراتهم ومواهبهم.
فمن اجل تحسين الاقتصاديات العربية المحلية ، يجب أن تُرسم السياسات والخطط وتكون محددة وذلك لايجاد الاراض الخصبه ، وتحقيق البيئة اللازمة لأن ينمو الإقتصاد على أساس البحث العلمي والمعرفي. هذه السياسات يجب ان تدعم الاستثمار في الابحاث والتعليم وتحدد برامج لاستغلال النتائج. ومن المهم اعادة هيكلة الاستثمارات المحلية على توليد المعرفه بدلا من الاستثمار في البناء والعقار.
علاوة على ذلك ، فإن اقتناء ونشر المعرفه لا تتوقف على مجرد شراء وتمويل الابحاث ، ولكن الاتصالات المباشرة والمناقشات بين الخبراء وحرية حركة الناس هم العوامل الرئيسية التي تقوم بنشر المعرفه والعلم وذلك لان المعرفة تتواجد بعقول العلماء وليست بالاجهزة التكنولوجية المستوردة.
وبالاضافة لذلك ، يجب ان تضمن السياسات ليس فقط اكتساب المعرفه والتكنولوجيا وانما ايضا تخصيص الموارد لادارة الابتكارات والمشاريع البحثيه. مثل هذه السياسات ينبغي ان تضطلع بدور رئيسي في دفع التغيير الثقافي للبحوث والتطوير والابتكار ، لأن أي نمو اقتصادي من خلال التكنولوجيا يجب أن تكون مستدامه على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. ويجب على الحكومات زيادة الانفاق والاستثمار فى التعليم والبحث العلمي للوصول الى المعايير الدولية. اضافة الى ان تنفذ برامج نقل التكنولوجيا في الجامعات ومعاهد البحوث لاستغلال نتائج البحوث وربطها بالصناعات المحلية.
وقد دأبت المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا على تشجيع ودعم التميز والابتكار في مجال البحث العلمي والتكنولوجي في البلدان العربية. وتلتزم بتعزيز التنسيق والتعاون فيما بين العلماء والمنظمات العلمية لتحقيق التنمية المستدامة في البلدان العربية.
والمؤسسة منذ انشائها قدمت عدة برامج لتعزيز التنمية الاقتصادية للمنطقة العربية على اساس البحث والتطوير والابتكار. فبرامج المنح البحثيه تقدم لمجموعة كبيرة من الباحثين من المنطقة من مختلف الميادين. وهذه المنح تقدم لدعم الابحاث التطبيقيه التي تؤدي عادة الى اختراعات.
ومن ناحية اخرى ، ترعى المؤسسة وتنظم بنرامج صنع في العالم العربي وذلك لمساعدة المخترعين والباحيث لاستكشاف فرص استغلال نتائج ابحاثهم واختراعاتهم.
وتنظم المؤسسة وتشارك بالعديد من المحافل والمؤتمرات العلميه في داخل وخارج المنطقة العربية لتعطي الفرصة للعلماء مناقشة أخر التطورات في مجال العلم والتكنولوجيا واستكشاف امكانيات الاستفادة منها للمنطقة العربية.