لما كان نظام إدارة الجودة الشاملة هو خلاصة ما تميزت به النظريات المعاصرة، ولما يتميز به هذا النظام من نماذج تطبيقية فاعلة، ولما حققه من نجاحات متلاحقة في الكثير من المؤسسات الإنتاجية والخدمية في العديد من بلدان العالم، ولكون الجودة في الإسلام مبدأً إسلامياً مصدره الكتاب والسنة والمنهج الإداري في الإسلام يتميز بالمرونة والانتفاع، فإن رؤية نظام إدارة الجودة الشاملة بمنظور إسلامي يعزز من قيمة هذا النظام ويزيد من فرص تطبيقه في المجتمعات الإسلامية ومن أهم المفاهيم الإسلامية ذات العلاقة بالجودة الشاملة :
<!-- مفهوم الإحسان
قال تعالى ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾. [الملك : 2]. وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ﴾. [النحل : 90]، وبالرجوع إلى المعاجم تبين أن الفعل أحسن: وَالإِحْسَانِ الحسن والأفعال الحسنة تشمل جميع المجالات دون استثناء، فالإحسان يتطلب من المسلم الإحسان في كل قول وكل عمل يقوم به والإتيان به على أحسن وجه ممكن ، وبتأمل الآية تبين أن ورود لفظ "عمل" كنكرة يفيد العموم لأي عمل صالح يقوم به الإنسان. وهذا ينطبق مع مفهوم التحسين المستمر في إدارة الجودة الشاملة.
<!-- مفهوم الإتقان
وهو أمر جلى وواضح فيما خلق وصُنْعَ اللَّهِ ويقصد بالإتقان إجادة العمل و)الإتيان بالعمل على أكمل وجه وبدون قصور فيه، قال تعالى: ﴿ صُنْعَ الله الذي أتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾. [النمل :88]، وقوله . ﷺ .: " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " [رواه البيهقي]، والإسلام عندما يكلف أتباعه بالإتقان في كل عمل يقومون به يجـعل ذلك قدر استطاعتهم قال تعالى: ﴿ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾. [البقرة : 286]. وقوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾. [التغابن : 16]، وبهذا يجعل القيام بالعمل طواعية، والإتقان بهذه الدلالة يقوي مفهوم الجودة الشاملة داخل المنظمات الإسلامية.
<!-- مفهوم العمل الجماعي والتعاون
يؤكد الإسلام في كل تشريعاته على العمل الجماعي، فنجد أن جميع العبادات تجمع بين التكليف الفردي والأداء الجماعي وتؤدي إلى تنمية روح الجماعة، فالخطاب الإسلامي يغلب عليه صيغة الجمع لا صيغة المفرد فقد تصدر النداء في خطاب الله تعالى للمؤمنين 89 مرة في "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" ولم يرد هذا النداء بصيغة المفرد، وكما في قوله تعالى ﴿ وقل اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾. [التوبة : 105]، كما أكد الإسلام على أهمية التعاون أثناء تأدية الأعمال كما جاء في قوله تعالى ﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى ۖ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان ﴾. [المائدة : 2]، وأكد الإسلام على أهمية الرغبة الاختيارية للفرد[ التطوعية] أثناء تأدية الأعمال كما جاء في قوله تعالى ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين ﴾. [البقرة : 256].
وفي مشاركة الرسول لأصحابه في حفر الخندق حول المدينة دلالة على بركة التعاون وأثر العمل التعاوني في سرعة الإنجاز ودقته وتأصيلاً لهذا المفهوم، ولا شك أن هذا يتطابق مع مبدأ مشاركة العاملين في إدارة الجودة الشاملة وضرورة العمل بروح الفريق الواحد المبني على التعاون لتحقيق أهداف العمل .
<!-- مفهوم المطابقة
يقول الله تعالى: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾. [الجاثية : 18]. وقال . ﷺ . " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " [رواه مسلم]، فالمطابقة هي ميزان جودة الأعمال في ظاهرها، ومعيار جودة الأداء وإتقان الممارسة. وهذا يمثل مبدأ التطابق مع المعايير والمقاييس الموضوعة في نظام إدارة الجودة الشاملة.
<!-- مفهوم الرقابة
قال تعالى ﴿ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾. [النساء : 1]. وقوله تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾. [ق : 18]، إن الرقابة الإسلامية سواء أكانت داخلية أو خارجية تؤدي للتأكد من تنفيذ الأهداف الموضوعة بصورة دقيقة وفقاً للمقاييس والمعايير والضوابط الشرعية" وهذا ما يتفق مع مبدأ رقابة الجودة في نظام إدارة الجودة الشاملة.
<!-- الشعور بالمسؤولية
انطلاقاً من قوله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾. [المدثر :18 ]. يتولد لدى المسلم شعور بالمسؤولية الكاملة تجاه جميع أعماله وأقواله وجوارحه ، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾. [الإسراء : 36]، كما أنه تتسع دائرة الشعور بالمسؤولية لدى المسلم من الدائرة الفردية الخاصة بتكميل نفسه وفلاحها إلى الدائرة الأسرية إلى دائرة المجتمع، إلى دائرة الأمة ويتناسب شعوره بالمسؤولية تناسباً طردياً مع ما أوتي من قوة أو ثروة أو سلطة، وتطبيق الأفراد لهذا المفهوم من أكبر دعائم نجاح إدارة الجودة الشاملة والذي يتفق في أن الجودة الشاملة مسؤولية جميع العاملين.
<!-- مفهوم الشورى
قال تعالى: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾. [الشورى : 38]. فقد دعا الإسلام إلى الالتزام بمبدأ الشورى من خلال تشاور الأفراد في اتخاذ القرارات وحل المشكلات ليستخرج من هذا التشاور، أفضل الآراء وأجودها وهذا المبدأ الإسلامي يتفق مع المشاركة في اتخاذ القرار وحل المشكلات في إدارة الجودة الشاملة.
<!-- الوقت
من أهم المبادئ الإسلامية استغلال الأوقات أحسن استغلال، وقضائها فيما يفيد في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا﴾ ﴾. [الملك : 2]. والرسول . ﷺ . قد قال: " لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به ". [سنن الترمذي]، فتنظيم الوقت وحسن إدارته واستغلاله من أهم عوامل نجاح إدارة الجودة الشاملة.
بالإضافة إلى المبادئ الإسلامية المتعددة التي تحث على الاستغلال الأمثل لجميع الموارد البشرية والمادية للقيام بعمارة الأرض، وبطبيعة الحال فإنه لا مجال للمقارنة بين المنهج الرباني والمنهج البشري، ولكن المقارنة هي للتأكيد على حقيقة مهمة مفادها: أن المنهج الإداري في الإسلام هو المعيار والنموذج. المعيار الذي نحتكم إليه لنزن مدى صلاحية ونضج الفكر والنشاط الإداري البشري".
كما أن هناك حقيقتين لا بد من التأكيد عليهما:
الأولى: أن نموذجية النظام الإسلامي لا تلغي أو تقلل من قيمة النشاط البشري وما يتضمنه من نظريات إدارية ما دامت لا تقدح في المنهج الإسلامي أو تتعارض مع أصوله ومبادئه وقيمه، فقد أثرت هذه النظم والنظريات الفكر الإنساني بإبداعات ونماذج وطرائق تطبيقية.
الثانية: أن المنهج الإسلامي يتميز بالثبات في الأصول والمبادئ والقيم، ويتميز في نفس الوقت بالمرونة والانفتاح على النظم والنظريات الأخرى قديمها و حديثها للانتفاع بما توصلت إليه.
والسؤال الذى يطرح نفسة هل توجد هناك إدارة إسلامية وإدارة غير إسلامية وما هو المقصود من الإدارة الإسلامية ؟
إن النظم الإدارية ما دامت مبنية على أسس غير مخالفة للشريعة الإسلامية فهي كلها إسلامية.
يقصد بالتعبير وإطلاق مسمى إسلامي على أي فرع من فروع الإدارة أن هناك حدث مشابه أو موقف في حياة الحبيب المصطفى . ﷺ . أو نص قرآني صريح فالقرآن لم يترك مجال من مجالات الحياة إلا وتحدث فيه وإن لم يكن بالتفصيل فالسنة شارحة وعلماء الأمة " قال تعالى "وما فرطنا في الكتاب من شيء".