يعتبر القيادة من الجوانب الهامة جدًا في أي مؤسسة أو منظمة، سواء كانت تجارية أو غير ربحية، ويمكن أن تكون القيادة الناجحة هي العامل المحوري والحاسم في تحقيق الأهداف المرجوة. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف وتحقيق النجاح في المؤسسات والمنظمات، يجب أن تتوافر في القائد بعض الصفات والعلامات التي تدل على صلاحيته وكفاءته في القيادة.

تعد علامات صلاح القيادة موضوعًا شائعًا في الإدارة والقيادة، حيث يتم تحليلها ودراستها بعمق لتحديد مدى أهميتها وتأثيرها على القيادة والإدارة بشكل عام. تتمثل هذه العلامات في مجموعة من الصفات والخصائص التي يتمتع بها القائد الناجح والفعال في القيادة وإدارة الفريق.

<!-- وضوح الهدف

فالقائد من يُعلِن عن أهدافه الإستراتيجية والمرحليَّة، فلقد اجتمع عبد الله بن عمر، وعروة بن الزبير، ومصعب بن الزبير، وعبد الملك بن مروان بفناء الكعبة، فقال لهم مصعب: "تمنَّوا"، فقالوا: ابدأ أنتَ، فقال: ولاية العراق، وتزوُّج سكينة ابنة الحسين، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله، فنال ذلك.

وتمنَّى عروةُ بن الزبير الفقهَ، وأن يُحمل عنه الحديث، فنال ذلك، وتمنَّى عبد الملك الخلافةَ، فنالها، وتمنى عبد الله بن عمر الجنَّة.

<!-- الزهد في أمور الدنيا

فليس أن تكون الشخص الأول في المجموعة يعني أنَّك ستكون المستفيد الأول في الجوانب الماديَّة والمعنويَّة، بل على العكس يَنبغي أن من يكون في المقام الأول يكون في أمور الدنيا في المقام الأخير، وهذه عقدة مفصليَّة في العمل الجماعي، وتؤثِّر على البوصلة بشكلٍ كبير.

فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، أنَّ رسول الله . ﷺ . لمَّا زوَّجه فاطمة بعث معه بخميلةٍ، ووسادة من أدم حشوها ليف، ورحيين، وسقاء، وجرتين، فقال علي لفاطمة ذات يوم: والله لقد سنوتُ حتى لقد اشتكيتُ صدري، قال: وقد جاء الله أباك بسَبْيٍ، فاذهبي فاستخدِميه، فقالت: وأنا والله قد طحنتُ حتى مجلت يداي، فأتَت النبيَّ . ﷺ .، فقال: ما جاء بك أي بنيَّة؟، قالت: جئتُ لأسلِّم عليك، واستحيَت أن تسألَه ورجعَت، فقال: ما فعلتِ؟ قالت: استحييتُ أن أسأله، فأتيناه جميعًا، فقال علي: يا رسولَ الله، والله لقد سنوتُ حتى اشتكيتُ صدري، وقالت فاطمة: قد طحنتُ حتى مجلت يداي، وقد جاءك الله بسبيٍ وسَعة، فأخدِمنا، فقال رسول الله . ﷺ .: " والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفَّة تَطْوَى بطونهم، لا أجد ما أُنفق عليهم، ولكنِّي أبيعهم وأنفق عليهم أثمانَهم فرجعا ".

و(ما كاد التابعيُّ الجليل أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ينفض يديه من تراب قَبر سلفه سليمان بن عبد الملك، حتى سمع للأرض - من حوله - رجَّة.

فقال: ما هذه؟

فقالوا: هذه مراكب الخِلافة - يا أمير المؤمنين - قد أُعدَّت لك لتركبها، فنظر إليها عمر بطرف عينه، وقال بصوته المتهدج الذي نَهكه التعَب، وأذبله السَّهر: ما لي ولها؟

" نـَحُّوها عنِّي بارك الله عليكم، وقرِّبوا لي بغلتي؛ فإنَّ لي فيها بلاغًا ".

<!-- السماح لأهل العِلم والمعرفة في المجموعة بإبداء آرائهم

ومَنحهم المكانةَ التقديريَّة المناسبة، وإنزالهم المنازلَ التي تليق بهم، وإعطاؤهم المساحةَ المناسبة بين الناس، فلق قَدِم هارون الرشيد الرقَّة، فانجفل النَّاس خلف عبد الله بن المبارك، وتقطَّعَت النِّعال، وارتفعَت الغبرةُ، وأشرفَت أمُّ ولد أمير المؤمنين من برج من قصر الخشب، فلمَّا رأَت الناس، قالت: ما هذا؟ قالوا: عالِم من أهل خراسان قدم الرقَّة يقال له: عبد الله بن مبارك، فقالت: هذا والله المُلك، لا مُلك هارون الذي لا يَجمع الناسَ إلا بشُرَطٍ وأعوان.

فالقائد النَّاجح من يَمنح الفرصةَ للآخرين بشكلٍ كامِل للتعبير عن آرائهم، والاستماع لهم جيدًا، ولا يتشدَّق بقدراته العقليَّة العالية فيسكتهم بزَعمه أنَّه قد فَهم قصدَهم وتوصَّل إلى ما يرمون إليه، بل من الواجب عليه أن يَستمع إليهم حتى يَنتهوا من كلامهم.

<!-- تقديم مصالِح الرعيَّة

وحيث إنَّ الأصل في العمل الجماعي هو تَحقيق المصالح لعامَّة المجموعة، اقتضى أن تكون مصالِح الجماعة مقدَّمة على المصالح الفرديَّة.

لقد كان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: "آللهِ الذي لا إله إلا هو، إن كنتُ لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنتُ لأشُدُّ الحجرَ على بطني من الجوع، ولقد قعدتُ يومًا على طريقهم الذي يَخرجون منه، فمرَّ أبو بكر، فسألتُه عن آيةٍ من كتاب الله، ما سألتُه إلَّا ليُشبعَني، فمرَّ ولم يَفعل، ثمَّ مرَّ بي عمر، فسألتُه عن آيةٍ من كتاب الله، ما سألتُه إلَّا ليُشبعني، فمرَّ فلم يفعل، ثمَّ مرَّ بي أبو القاسم . ﷺ .، فتبسَّم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: ((يا أبا هِر))، قلتُ: لبَّيك يا رسولَ الله، قال: ((الحقْ))، ومضى فتبعتُه، فدخل، فاستأذَنتُ، فأذن لي، فدخل، فوجد لبنًا في قدح، فقال: ((من أين هذا اللبن؟))، قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: ((أبا هر))، قلتُ: لبَّيك يا رسول الله، قال: ((الحقْ إلى أهل الصُّفَّة فادعهم لي))، قال: وأهل الصفَّة أضياف الإسلام، لا يَأوون إلى أهلٍ ولا مال ولا على أحد، إذا أتَته صدقَة بَعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئًا، وإذا أتَته هديَّة أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلتُ: وما هذا اللَّبن في أهل الصفَّة؟ كنتُ أحق أنا أن أُصيبَ من هذا اللَّبن شربةً أتقوَّى بها، فإذا جاء أَمرني، فكنتُ أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللَّبن؟ ولم يكن من طاعة الله وطاعةِ رسوله . ﷺ . بُدٌّ، فأتيتُهم فدعوتُهم فأقبلوا، فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسَهم من البيت، قال: ((يا أبا هر))، قلتُ: لبَّيك يا رسول الله، قال: ((خذ فأعطِهم))، قال: فأخذتُ القدح، فجعلتُ أعطيه الرجلَ فيشرب حتى يروى، ثمَّ يرد عليَّ القدحَ، فأعطيه الرجلَ فيشرب حتى يروى، ثمَّ يرد عليَّ القدحَ فيشرب حتى يروى، ثمَّ يرد عليَّ القدح، حتى انتهيتُ إلى النبي . ﷺ . وقد رَوِيَ القومُ كلهم، فأخذ القدحَ فوضعه على يَده، فنظر إلي فتبسَّم، فقال: ((أبا هر))، قلت: لبَّيك يا رسول الله، قال: ((بقيتُ أنا وأنت))، قلت: صدقتَ يا رسول الله، قال: ((اقعد فاشرب))، فقعدتُ فشربتُ، فقال: ((اشرب))، فشربتُ، فما زال يقول: ((اشرب))، حتى قلتُ: لا والذي بعثك بالحقِّ، ما أجد له مسلكًا، قال: ((فأرني)) فأعطيتُه القدحَ، فحمد الله وسمَّى وشرب الفضلةَ".

فها هو رئيس القوم وسيِّد النَّاس وإمام الأمَّة ورسولُ الله . ﷺ . وحبيبه وخير ولد آدم، لا يَشرب حتى يَشرب الفقراءُ والمساكين من أمَّته، ثمَّ يشرب الفضلةَ . ﷺ ..

<!-- رفع لواء الحق

والحقُّ كلمة شامِلة عامَّة تنضوي تحتها كلُّ مفردات الفضِيلة والخير؛ من الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، والعدل بين الناس، وغيرها، فحين يَرفع من يسوس الناس هذه الرايةَ، فهو يتمسَّك بالعمل بكلِّ هذه المفردات، وقد كان لأبي جعفر المنصور صديق كثير الأتباع، فلمَّا ولي المنصور الخلافةَ طلب منه أن يعينَه بأصحابه، فقال له صديقه: "ارفع علَم الحقِّ، يتبعك أهلُه".

<!--ومن أحقية القيادة في السيادة والرياسة

<!-- الحكمة والدهاء

فالقائد النَّاجح من يَقود مَن معه بقوَّة من غير ظلمٍ أو عنف، وبلِينٍ من غير ضعف قد يُستغل من قِبَل الآخرين، وهذه هي رأس الحِكمة في سياسة النَّاس، فهو قويٌّ في الإدارة وفي الثَّقافة وفي التأثير على الآخرين، وليِّن في الجانب الاجتماعي والإنساني، وفي أسلوب الحوار، وبالتعامل البنَّاء مع الآخرين.

ولقد جاء رجلٌ إلى الأحنف بن قيس فلطمَه في وجهه، فسأله الأحنفُ: يا أخي، ما دعاك إلى ذلك؟ فقال الرجل:

• لقد أقسمتُ أن ألطم سيِّدَ العرب من بني تميم.

فقال الأحنف:

اذهب فبر بيمينك؛ لأنِّي لستُ سيِّد العرَب، إنَّ سيِّد العرب هو جارية بن قُدامة، فذهب الرجل فلطمَ جاريةَ بن قدامة، فقام إليه جارية بالسَّيف فقطع يمينَه، فبلغ ذلك الأحنف، فقال الأحنف: أنا والله قطعتُها.

ومِن أمثلة الحِكمة في الحُكم ما أوصى به الإسكندر المقدوني أمَّه عند موته، فقد أوصاها بعد أن يُدفن أن تقوم بصُنع طعامٍ تَدعو إليه مَن لم يصبه حزنٌ قطُّ، فلمَّا صنعَت الطعام لم يلبِّ الدعوةَ أحدٌ، ففطنَت أنَّ فلذة كبدها كان يريد أن يوصل لها رسالةً بأنَّه لا يوجد بين الناس من لم يصِبه الهمُّ والحزن، فعليها أن تَصبر كما يفعل الآخرون، فقالت قولتها المشهورة: ما عزَّاني أحدٌ بمثل ما عزَّاني ولدي.

قال الشاعر:

حليمٌ جليلٌ ذو وقارٍ وهيبةٍ ... حكيمٌ يَسوسُ الأمرَ لا يصحبُ العُنفَا

فأكرِمْ به ذاتًا ونفسًا كريمةً ... وأحمِد به صيتًا وأحسِنْ به وصفَا

<!-- استعداده للتضحِية

ولا نَقصد بالصدارة القيادة المدنيَّة أو الإداريَّة فحسب؛ وإنَّما القيادة المعنويَّة والشرعيَّة، فيضحِّي المقصود بامتيازاته من أجل المجموعة، وبالتفكير في الذين معه قبل أن يفكِّر في نفسِه، فيقدِّم لهم ويكرمهم ويذب عنهم، كلُّ ذلك يَنبغي أن يكون جليًّا في الأوقات كافَّة، في الراحة والدعة وفي الشدَّة على حدٍّ سواء.

لقد كان رسولُ الله محمد . ﷺ . نموذجًا حقيقيًّا للتضحية في كثير من المواقف، ومنها أنَّه اهتمَّ بأن يهاجر كلُّ مَن معه إلى خارج مكَّة ويتابِع هجرتهم بنفسه، وقبل ذلك كان قد أمَّن لهم المكانَ المناسِب الذي سيؤويهم، حتى إذا اطمأنَّ عليهم وشعر . ﷺ . أنَّهم بخير وأمان، ورأى . ﷺ . أنَّه بإمكانه أن يهاجِر، قرَّر الهجرةَ.

وفي مقامٍ آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله . ﷺ .، فقال: إنِّي مجهود، فأرسَل إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحقِّ، ما عندي إلا ماء، ثمَّ أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك، حتى قُلْنَ كلهنَّ مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحقِّ، ما عندي إلا ماء، فقال: ((من يُضيف هذا الليلةَ رحمه الله؟))، فقام رجلٌ من الأنصار، فقال: أنا يا رسولَ الله، فانطلَق به إلى رَحلِه، فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا، إلَّا قوت صبياني، قال: فعلِّليهم بشيءٍ، فإذا دخل ضَيفنا فأطفئي السِّراجَ، وأريه أنَّا نَأكل، فإذا أهوى ليَأكل، فقومي إلى السِّراج حتى تُطفئيه، قال: فقعدوا وأكل الضَّيف، فلمَّا أصبح غدا على النبيِّ . ﷺ .، فقال: ((قد عجب اللهُ من صنيعكما بضَيفِكما الليلة)).

ولله در القائل:

تراه إذا ما جئتَه متهلِّلًا       ...    كأنَّك تُعطيه الذي أنتَ سائلُهْ

ولو لم يكُن في كفِّه غيرُ     ...    روحه لجادَ بها فليتَّقِ اللهَ سائلُهْ

ولقد كان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله نموذجًا رائعًا للقدوة الحسَنة للقيادة، وفي التضحية من أجل قضيَّته وعلى ما يؤمِن به والثَّبات على ذلك، فحين سُجن ثمَّ عذِّب حيث جُلد جلدًا رهيبًا، بقي ثابتًا، فقد بال أحمد بن حنبل في مرضه دمًا، فرآه عبد الرحمن المتطبِّب، فقال: هذا رجل قد فتَّت الغمُّ والحزنُ كبدَه.

بهذا النَّوع من التضحية والهمِّ من أجل الآخرين ومن أجل المبادئ والقضيَّة، ساد الإمامُ أحمد بن حنبل رحمه الله الناسَ، وكان إمامهم بحقٍّ.

 

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 120 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,879,527

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters