إن المراجعة اللاحقة للتخليص هي أسلوب رقابي بالغ الأهمية للجمارك والسلطات التنظيمية الحدودية الأخرى إذ يمكنها من تطبيق نهج رقابة قائم على تقييم المخاطر متعدد الأوجه – أي أنها تنتقل من رقابة تنحصر في فحص المعاملة التجارية إلى إدارة أقوى قائمة على المراجعة.
فأوجه الرقابة القائمة على المعاملة هي التي تطبق على كل شحنة منفردة عند عبور الحدود، مثل الفحص المادي، والتحقق من القيمة ومنشأ السلع وتصنيفها، وفحص العينات والتثبت من الشهادات والرخص وغيرها.
تركز الإدارات التي لا تستخدم الرقابة القائمة على المراجعة رقابتها بحذافيرها على الحدود، ووقت وصول الواردات، وكثيرا ما تطبق أسلوب الفحص المادي بنسبة 100%. ولا يؤدي هذا الأسلوب إلى إطالة مدة التأخير عند الحدود وحسب، وإنما إلى استغلال غير فاعل للعدد المحدود من موظفي الرقابة والتفتيش عند الحدود. علاوة على هذا، فإن الفحص المادي بنسبة 100% يهيئ بيئة مواتية للممارسات الفاسدة. ولذا، فإن أوجه الرقابة القائمة على المراجعة شرط لازم لقيام الإدارات بتطبيق تدابير تسهيل التجارة الأخرى، مثل الفصل بين الإفراج والتخليص، والإجراءات المبسطة للأشخاص المعتمدين، والمشغلين المعتمدين، أو أحكام منظمة التجارة العالمية بشأن التقييم.
إرشادات التنفيذ
إن المراجعة السابقة للتخليص تمكن من تقليل أنشطة الرقابة عند الحدود وفي وقت وصول السلع وتقصرها فقط على الأنشطة الضرورية وتقرير مقبولية السلع. وهذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة كبيرة في الإيرادات إذ أن المراجعة اللاحقة للتخليص تسمح بإجراء تقييم شامل وكلي للعناصر الضرورية لحساب الرسوم والضرائب. ففي اليابان، مثلا، أدى ازدياد استخدام المراجعة اللاحقة للتخليص إلى توليد إيرادات في عام 2009م فاقت ضعفيْ ما تحقق في عام 1999م.
يمكن لمراجعة ما بعد التخليص أن تتخذ شكل الرقابة القائمة على المعاملات التجارية عند الحدود بالتثبت من التصنيف، والتقييم، ومنشأ السلع بعد التخليص عن طريق مراجعة المستندات التجارية المؤيدة، مثل الفواتير. وعلى هذا النحو، يمكن الإفراج عن السلع لدى وصولها (عادة لقاء تأمين أو ضمان) ثم يستكمل التخليص وتسدد الرسوم عقب المراجعة اللاحقة للتخليص. وهذا الفصل بين الإفراج والتخليص إجراء بالغ الأهمية لتسريع حركة السلع عبر الحدود. وقد تكون إدارات الجمارك الحديثة قادرة على اعتماد الإفراج والتخليص في وقت واحد عند وصول السلع، كما تنص على ذلك القاعدة الجمركية رقم 19 لغرفة التجارة الدولية.
علاوة على ما تقدم، يمكن للمراجعة اللاحقة للتخليص أن تتخذ شكل مراجعة دورية، تتم عادة في موقع المستورد أو التاجر المعني حيث تقوم الجمارك بفحص الواردات خلال فترة معينة ومراجعة جميع السجلات التجارية ذات الصلة بما في ذلك البنود المذكور بيانات الحسابات المصرفية والعقود للتثبت من صحة في إقرار السلع. وينبغي أداء كلا الشكلين من المراجعة اللاحقة للتخليص باتباع نهج قائم على تقييم المخاطر مماثل للأسلوب المطبق على المعاملات التجارية الفردية عند الاستيراد أو التصدير.
تتطلب المراجعة اللاحقة للتخليص بيئة مواتية مثل وجود هيئة للمراجعة اللاحقة للتخليص داخل الجمارك، وتوافر الصلاحيات القانونية للحصول على السجلات التجارية والوصول إلى مواقع الأطراف التجارية، وتوافر الموظفين ذوي التدريب الملائم، علاوة على وجود المعايير المحاسبية السليمة وتطبيقها (القائمة على معايير التقارير المالية الدولية الصادرة من مجلس المعايير المحاسبية الدولية التي تتبعها الشركات في سجلاتها المالية). فباتباع مثل هذه المعايير المحاسبية وحدها تستطيع الجمارك تطبيق الرقابة القائمة على المراجعة.
كما تعطي المبادئ التوجيهية لمنظمة الجمارك العالمية، علاوة على المبادئ التوجيهية للمنظمة بشأن المراجعة اللاحقة للتخليص معلومات تفصيلية عن بدء عملية الرقابة القائمة على المراجعة، وإنشاء الإطار المؤسسي الداعم لذلك من حيث التنظيم و اللوائح، بما في ذلك الصلاحيات القانونية الضرورية للمراجعة اللاحقة للتخليص. أما المبادئ التوجيهية لمنظمة التجارة العالمية فهي ليست متاحة بحرية.
المعالجة السابقة على وصول السلع:
تتضمن المعالجة السابقة على وصول السلع تقديم (إلكترونيا) بيانات إقرار السلع أو الشحنة إلى السلطات المعنية قبل وصولها (في حالة الواردات)، أو قبل مغادرتها (في حالة الصادرات). ثم تجري السلطات تقييما للمخاطر ومعالجة الإقرار بهدف اتخاذ قرار بالإفراج عن السلع قبل دخولها إلى ميناء الوصول، أو المغادرة تمهيدا للإفراج عن مثل هذه السلع فور وصولها. وقد يتضمن ذلك إرسال قرار الإفراج إلى الأشخاص المعنيين لكي ينفذوا تدابيرهم اللوجستية.
جرت العادة أن يعلن الموردون بيانات السلع بعد وصولها إلى دولة المقصد. وعندئذ فقط تبدأ الجمارك والسلطات الأخرى المعنية بمراجعة وفحص الإقرار وإعداد قرار الإفراج. يؤدي هذا الأسلوب إلى إطالة عملية الإفراج إذ أن الوقت الذي تستغرقه السلع للوصول إلى الدولة المستوردة لا يؤخذ في الحسبان لأغراض تقييم المخاطر ومعالجة الإقرار.
كذلك بدأ خيار الإقرار السابق على الوصول في عدد متنام من الدول يتحول على نحو متزايد إلى نظام إلزامي في أمن سلسلة الإمداد، وبحدود زمنية في بعض الحالات قبل مغادرة السلع الدولة المصدرة. وهذه ممارسة تؤثر سلبا على التجارة وتؤدي إلى إهدار الوقت في عمل سلاسل الإمداد وإلى ازدياد ملحوظ في كلفة الأعمال.
إرشادات التنفيذ
إن الإقرار الطوعي السابق على وصول السلع وترتيبات المعالجة هو الحل لتسريع الإفراج. وفقا للمعيار 3 (25) من اتفاقية كيوتو المعدلة، على الجمارك أن تسمح بإيداع وتسجيل إقرارات السلع والمستندات الثبوتية قبل وصول السلع. ووفقا لدراسة عن وقت الإفراج عن السلع، أجرتها الجمارك اليابانية عام 2009م، استغرق الإفراج عن شحنات برية بأسلوب لا يتبع الإقرار في مرحلة ما قبل الوصول 2.9 يوم مقارنة بـ 2.2 يوم لنظام الإقرار السابق للوصول. أما في حالة النقل الجوي، كانت الإقرارات السابقة للوصول هي فقط التي مكنت الجمارك اليابانية من منح الإفراج الفوري.
في الوقت نفسه، إذا وضعت الجمارك حدا زمنيا لإيداع إقرار السلع (حتى بأسلوب مرحلة ما قبل الوصول) فإن الوقت المسموح به سيكون كافيا لتمكين صاحب الإقرار من إكمال إقرار السلع والحصول على المستندات والمعلومات اللازمة.
بالنسبة للتجار المعتمدين، يجب على السلطات أن تأخذ بعين الاعتبار إمكانية الإفراج عن السلع حتى قبل وصولها (ما يعرف بالإفراج المسبق، أو مرحلة ما قبل الإفراج) ولاسيما التجار الموثوق بهم، كما نصت المبادئ التوجيهية لمنظمة الجمارك العالمية بشأن الإفراج الفوري.
فالشرط المسبق لإدخال المعالجة في مرحلة ما قبل الوصول هو وجود نظام جمركي آلي قادر على استقبال ومعالجة الإقرار المسبق، ووجود نظام فاعل لإدارة المخاطر.