العوامل الفردية:

حيث يتجلى السلوك التنظيمي في تصرفات وأفعال الأفراد داخل البيئة التنظيمية، ولكن هذا السلوك لا ينبثق من فراغ، بل يتأثر بمجموعة من العوامل التي تتداخل مع بعضها البعض لتشكل تجربة الفرد داخل المنظمة.

تعتبر العوامل المؤثرة في السلوك التنظيمي أمورًا أساسية للباحثين والقادة على حد سواء، إذ تشمل هذه العوامل الفردية التي تتعلق بالشخص نفسه، والعوامل الجماعية التي تنشأ من التفاعلات الاجتماعية، والعوامل التنظيمية التي تنبع من البيئة التنظيمية، بالإضافة إلى العوامل الخارجية التي تنبع من البيئة الخارجية للمنظمة.

تلعب هذه العوامل دورًا حاسمًا في تشكيل سلوك الأفراد وتصرفاتهم داخل المنظمة. فهي تحدد مدى انخراط الفرد في أداء مهامه وتحقيق أهداف المنظمة، وتؤثر في كيفية التواصل بين الأفراد وبناء العلاقات الإيجابية، وتحدد سوية الرضا الوظيفي والالتزام التنظيمي. كما تلعب دورًا في تحديد كيفية اتخاذ القرارات والتفاعل مع التحديات التنظيمية والبيئية.

إن فهم هذه العوامل وتأثيرها يمكن أن يسهم في تحسين أداء المنظمة وبناء بيئة عمل صحية وإيجابية. من خلال مراجعة هذه العوامل ودراستها بعناية، يمكن للقادة والمدراء تكييف استراتيجياتهم لتلائم احتياجات وتطلعات الأفراد داخل المنظمة.

هذا الفصل سيستكشف تفصيليًا العوامل المؤثرة في السلوك التنظيمي وكيفية تفاعلها لتشكيل البيئة التنظيمية والأداء الفردي والجماعي، سنستعرض الأبعاد المختلفة لكل عامل وأهميتها وتأثيرها على السلوك داخل المنظمات.

تمثل العوامل الفردية مجموعة من العوامل التي ترتبط بالفرد نفسه وتؤثر على تصرفاته وأدائه داخل المنظمة. وتتضمن هذه العوامل الجوانب النفسية والشخصية والمهارات والخبرات التي يتمتع بها الفرد، ويمكن ذكر بعض العوامل الفردية ضمن العوامل المؤثرة في السلوك التنظيمي كما يلي:


 

<!--الميول والاحتياجات:

الميول والاحتياجات هي جوانب أساسية من العوامل الفردية التي تؤثر على سلوك الفرد داخل المنظمة، تعبر عن الرغبات والاحتياجات الشخصية التي يسعى الفرد لتحقيقها أو تلبيتها في سياق العمل والبيئة التنظيمية. ويمكن شرح الميول والاحتياجات كعاملين مؤثرين في السلوك التنظيمي كما يلي:

<!--الميول:

تعبر عن الاهتمامات والميول التي يميل الفرد إلى تطويرها والانخراط فيها، يمكن أن تشمل الميول مجموعة متنوعة من الاهتمامات مثل التعلم، أو التطوير المهني، أو العمل في فريق متعدد التخصصات، وغيرها. كما أن هذه الميول تؤثر في اختيار الفرد لنوع المهام والمشروعات التي يشترك فيها وكذلك في مدى التفاني والالتزام في أدائه.

<!--الاحتياجات:

تعبر عن الحاجات الأساسية والنفسية التي يحتاج الفرد إلى تلبيتها للشعور بالرضا والارتياح، وتنقسم الاحتياجات إلى عدة فئات مثل الاحتياجات الفسيولوجية (مثل الطعام والمأوى)، والاحتياجات الاجتماعية (مثل الانتماء والاعتراف)، والاحتياجات النفسية (مثل التحقيق والاعتراف)، والاحتياجات التقديرية (مثل التقدير والتقدير الذاتي)، والاحتياجات الذاتية الفعلية (مثل تحقيق الذات والتطوير الشخصي).

تأثير الميول والاحتياجات على السلوك التنظيمي يتمثل في توجيه الفرد للانخراط في الأنشطة والمهام التي تلبي تلك الميول والاحتياجات. فعلى سبيل المثال، إذا كان لدى فرد احتياجات اجتماعية قوية، فقد يميل للانخراط في الأنشطة الجماعية والفرص التي تسمح له بالتفاعل مع الآخرين، وتلعب الميول والاحتياجات دورًا في تحديد مستوى الرضا والرفاهية النفسية للفرد في بيئته العملية، وبالتالي تؤثر في مدى تحقيقه لأهدافه الشخصية والمهنية.

<!--القيم والمعتقدات:

القيم والمعتقدات هي جوانب أساسية من العوامل الفردية التي تؤثر على سلوك الفرد داخل المنظمة، تعبر القيم عن المبادئ والمعايير التي يعتبرها الفرد مهمة وجوهرية في حياته، بينما تشمل المعتقدات الآراء والاعتقادات التي يؤمن بها الفرد والتي توجه تصرفاته واختياراته. ويمكن شرح القيم والمعتقدات كعاملين مؤثرين في السلوك التنظيمي كما يلي:

<!--القيم:

تعبر عن المبادئ والقناعات الأساسية التي يرتبط بها الفرد وتوجه تصرفاته، وتكون القيم جزءًا من الهوية الشخصية للفرد وتؤثر في اتخاذه للقرارات والاختيارات. مثلاً إذا كان لديه قيمة كبيرة للنزاهة والأمانة، فقد يتجنب الفرد التورط في أي نشاط غير أخلاقي داخل المنظمة، تعبر القيم أيضًا عما يعتقد الفرد أنه مهم وجدير بالتحقيق والالتزام به في العمل والحياة.

<!--المعتقدات:

تمثل الآراء والاعتقادات التي يحملها الفرد بشأن مجموعة متنوعة من المسائل والمواضيع، تأتي المعتقدات من خلفية الفرد وتوجه تفكيره وتصرفاته. فعلى سبيل المثال إذا كان لدى الفرد اعتقادًا بأهمية العمل الجماعي، فقد يكون متعاونًا وملتزمًا في الفرق العملية داخل المنظمة، هذه المعتقدات تؤثر في تصميم الفرد لسلوكه وتوجهه لتحقيق الأهداف.

تؤثر القيم والمعتقدات في السلوك التنظيمي عن طريق توجيه الفرد في تقدير الأولويات واتخاذ القرارات. يمكن للقيم والمعتقدات أن تتصادم مع قيم ومعتقدات آخرين داخل المنظمة، مما قد يؤدي إلى توترات أو صراعات. فعلى الجانب الآخر يمكن أن تتوافق القيم والمعتقدات مع الثقافة التنظيمية والهدف المشترك للمنظمة، مما يسهم في تعزيز التفاعل الإيجابي والانسجام بين أفراد المنظمة.

<!--الشخصية والطباع:

الشخصية والطباع هما عنصران مهمان ضمن العوامل الفردية المؤثرة في السلوك التنظيمي، تلعب الشخصية دورًا حاسمًا في توجيه سلوك الفرد واستجابته للبيئة التنظيمية، بينما تشمل الطباع مجموعة من الصفات والخصائص التي تميز الشخص وتؤثر في سلوكه وتفاعله مع الآخرين والبيئة المحيطة به. ويمكن توضيح كل من الشخصية والطباع كعناصر مؤثرة في السلوك التنظيمي كما يلي:

<!--الشخصية:

الشخصية هي تجمع متعدد الجوانب والخصائص الفردية التي تشمل تصور الفرد لذاته وطريقة تفكيره واستجابته للمواقف المختلفة، وتتكون الشخصية من مجموعة من العوامل الداخلية مثل القيم والمعتقدات والميول والمهارات والصفات الشخصية، كما يؤثر نوع الشخصية في كيفية تفاعل الفرد مع مختلف الوضعيات التنظيمية، سواءً كانت تحديات أو فرص، وكيفية تفاعله مع الزملاء والمرؤوسين.

<!--الطباع:

تمثل الطباع مجموعة من الصفات والخصائص الشخصية التي تميز سلوك الفرد وردود أفعاله. من بين الطباع الشائعة: الانفتاح، الاجتهاد، الاستقلالية، الانفعالية، الاجتماعية، والقيادية. وتؤثر الطباع في سلوك الفرد داخل المنظمة من خلال تحديد كيفية تعامله مع المشكلات واتخاذ القرارات والتفاعل مع الزملاء والمرؤوسين.

لدى كل فرد شخصية فريدة ومجموعة من الطباع التي تؤثر في تصرفاته وسلوكه داخل المنظمة، ويمكن أن يؤثر توافق الشخصية والطباع مع ثقافة المنظمة في تحقيق انسجام واستجابة أكبر، بينما قد يؤدي التضاد بين هذه العوامل وبيئة العمل إلى تحديات وصراعات، وتهدف دراسة الشخصية والطباع في سياق السلوك التنظيمي إلى فهم كيفية تأثير هذه العوامل على تكوين وتوجيه سلوك الفرد داخل المنظمة، وكيف يمكن تحسين تفاعله مع البيئة التنظيمية.

<!--المهارات والقدرات:

المهارات والقدرات تعدّ من العوامل الفردية المؤثرة في السلوك التنظيمي وتلعب دورًا حيويًا في تحديد كيفية تفاعل الفرد مع بيئته العملية وكيفية أدائه في المنظمة، تشمل المهارات الفنية والإدارية والبينية، بينما تشمل القدرات القدرة على تنفيذ المهام والتعامل مع التحديات والوضعيات المختلفة. ويمكن شرح المهارات والقدرات كعوامل مؤثرة في السلوك التنظيمي كما يلي:

<!--المهارات الفنية:

تشمل المهارات التقنية والمعرفية التي تختص بالمجال الذي يعمل فيه الفرد. مثلًا في المجال المالي، يجب أن يكون لدى مديري المالية مهارات في التحليل المالي وإعداد التقارير المالية، وهذه المهارات تؤثر في أداء الفرد وقدرته على تنفيذ المهام المطلوبة في المنظمة.

<!--المهارات الإدارية:

تشمل المهارات المتعلقة بإدارة الذات والآخرين والموارد، تشمل هذه المهارات القدرة على التخطيط والتنظيم واتخاذ القرارات وحل المشكلات وإدارة الوقت.

<!--المهارات البينية:

تتعلق بالقدرة على التفاعل والتواصل مع الآخرين، تشمل هذه المهارات مهارات التحفيز والإلهام والتوجيه وفن الاستماع وحل النزاعات. والمهارات البينية تسهم في بناء علاقات إيجابية مع الزملاء والمرؤوسين وتعزز التعاون داخل المنظمة.

<!--القدرات:

تشمل القدرة على التكيف والتعلم والتطور في مواجهة التحديات والتغييرات في بيئة العمل، تعكس القدرات مدى تحمّل الفرد للضغوط وقدرته على التكيف مع التغيرات والابتكار، وتلعب المهارات والقدرات دورًا محوريًا في تشكيل السلوك التنظيمي للفرد. فعندما يكون لدى الفرد مجموعة من المهارات الفنية والإدارية والبينية، بالإضافة إلى قدرات تنمية ذاته، يصبح لديه القدرة على الأداء بفعالية في بيئة العمل والمساهمة في تحقيق أهداف المنظمة.

<!--المعرفة والخبرة:

المعرفة والخبرة هما جوانب مهمة من العوامل الفردية التي تؤثر على السلوك التنظيمي، وتشير المعرفة إلى المعلومات والفهم الذي يمتلكه الفرد حول مجموعة متنوعة من المفاهيم والمواضيع ذات الصلة بمجال عمله. أما الخبرة فهي الخلفية العملية التي يكتسبها الفرد من خلال مشاركته في مختلف الأنشطة والمهام المتعلقة بمجاله.

تأثير المعرفة والخبرة على السلوك التنظيمي يظهر من خلال النقاط التالية:

<!--اتخاذ القرارات:

 تسهم المعرفة والخبرة في تحسين قدرة الفرد على اتخاذ القرارات المستندة إلى معلومات دقيقة وتقييم موثوق، كما أن الخبرة السابقة في مواجهة مواقف مماثلة تساعد الفرد على تقدير العواقب المحتملة للخيارات المتاحة.

<!--الأداء المهني:

 المعرفة المتعمقة في مجال العمل تمكّن الفرد من تنفيذ مهامه بكفاءة أعلى، كما أن الخبرة في التعامل مع التحديات وحل المشكلات تعزز من الأداء المهني وتقدم نتائج أفضل.

<!--التعلم المستمر:

 تشجع المعرفة والخبرة على رغبة الفرد في التعلم المستمر وتطوير مهاراته، من خلال تحسين معرفته واكتساب المزيد من الخبرات، يتمكن الفرد من النمو والتطور في مجاله.

<!--تحليل المعلومات:

 القدرة على تحليل وفهم المعلومات المعقدة تتطلب مستوى عالي من المعرفة والخبرة، فالفرد الذي يمتلك معرفة واسعة في مجاله يكون قادرًا على استخلاص الأفكار الرئيسية من مجموعة كبيرة من المعلومات.

<!--القيادة والتأثير:

المعرفة المتعمقة في مجال العمل والخبرة في التعامل مع مختلف الوضعيات تزيد من قدرة الفرد على التأثير والقيادة، ويمكن للفرد الذي يتمتع بمعرفة وخبرة قوية أن يشكّل نموذجًا يحتذى به من قبل زملائه. المعرفة والخبرة هما مصدران أساسيان لتطوير القدرات والأداء الفردي، وهما يلعبان دورًا مهمًا في تحديد كيفية تفاعل الفرد مع بيئته التنظيمية وكيفية تأثيره على السلوك والأداء التنظيمي.

<!--التوجهات والاهتمامات:

التوجهات والاهتمامات هي جوانب مهمة من العوامل الفردية التي تؤثر على السلوك التنظيمي، ويمكن تعريفها بأنها الاتجاهات والميول الشخصية التي يميل الفرد إلى التصرف والتفكير وفقًا لها. أما الاهتمامات فهي المجالات والمواضيع التي يثير اهتمام الفرد والتي يستمر في البحث والتعلم حولها.

تأثير التوجهات والاهتمامات على السلوك التنظيمي يتجلى في النقاط التالية:

<!--اتخاذ القرارات: توجد التوجهات والاهتمامات في الخلفية عند اتخاذ القرارات، عندما يكون للفرد اهتمامًا بمجال معين، قد يكون أكثر عرضة للبحث والتحليل لأمور تتعلق بهذا المجال قبل اتخاذ قراراته.

<!--توجيه الجهد: يميل الفرد إلى التفرغ للمهام والأنشطة التي تتناسب مع اهتماماته وتوجهاته، قد يكون أكثر متحمسًا وملتزمًا عند العمل في مجال يثير اهتمامه.

<!--الارتباط والانتماء: يشعر الفرد بالتقارب والتواصل مع الآخرين الذين يشتركون في نفس اهتماماته.

<!--التطوير الشخصي: عندما يتبع الفرد اهتماماته ويسعى لتطوير مهاراته في مجال محدد، فإنه يعزز من نموه الشخصي والمهني، يمكن للفرد تحقيق إشباع كبير عندما يتمكن من مزج اهتماماته مع أهدافه التنظيمية.

<!--المشاركة والمساهمة: فالفرد الذي يتبع توجهاته واهتماماته يمكن أن يكون مشاركًا أكثر ومساهمًا في الأنشطة ذات الصلة، وقد يكون أكثر انخراطًا في المبادرات والمشاريع التي تتناسب مع اهتماماته.

إن التوجهات والاهتمامات الفردية تلعب دورًا هامًا في تحديد اتجاهات وميول الفرد وفي تشكيل نمط سلوكه داخل المنظمة، وتلك العوامل تؤثر في كيفية تفاعل الفرد مع محيطه التنظيمي، وكيفية توجيهه لجهوده وتحقيق أهدافه المهنية.

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 21 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,914,780

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters