أسلوب «تربية النهاية» يناسب جيل «تويتر» و«يوتيوب»

وسائل توعية الشباب.. «ما تنفع»!

«الموت نهاية التفحيط» الصورة والمشهد كافيان للتأثير «أرشيف الرياض»

    من الواضح أن التوعية بأسلوب "هذا صح وهذا خطأ" مباشرة لم تجد نفعاً مع جيل يعرف أدق التفاصيل، وربما أكثر من ذلك، كما أن التوقيت، والمكان، والحالة النفسية؛ جميعها عوامل مؤثرة على وصول الرسالة، ولكن الأهم من كل ذلك - حتى يتحقق التأثير - أن يكون أسلوب التوعية بأسلوب "تربية النهاية"، وهو ما يعني التذكير بنهاية السلوك السلبي الذي يمارسه الشاب، فمثلاً لم يعد مقبولاً أن تقول لشاب مراهق لا تفحط، أو لا تخالف تعليمات المرور؛ لأنه ببساطة يدرك "الصح والخطأ"، ولكن المقبول أن تشعره بنهاية التفحيط؛ حين ينتهي به إلى الموت، أو السجن، أو الخسائر المادية.

لقد تجاوزت معظم وسائل التوعية للشباب من الجنسين دورها في كشف جوانب المشكلة ومخاطرها ونتائجها، وقد تمتد إلى الدور الفعلي في محاولة إيقاف أو تجميد هذه المخاطر أياً كانت الأداة، فمن الخطأ جداً أن يثق أحدهم بمقدرته التامة على تغيير سلوك الآخر بمهاراته التربوية وقدراته العقلية وملكاته النفسية، فالأسلوب الشائع الذي يستهلكه الأغلبية لتوعية الشباب هو الإقرار بخطأ الفعل وتوبيخهم ثم الاستعانة بالأدلة النقلية والعقلية لدعم وجهة نظره، ثم ينتهي بتبيين الطريقة الأفضل - كما يراها هو - والتي في الغالب ما يضرب لنفسه الأمثلة والأسوة الحسنة، متجاهلين أنّ الناس كذلك يمكنهم التفكير بشكل منطقي، ولكن فعلياً مشاعر الشخص وعاطفته تتحكّم بشكل كبير في أفعاله، وتجعله أحياناً يفعل ما يتنافى مع المنطق، فعندما تظهر لأحد وكأنك أعلم منه فيما يخصّه وتذكيره أنّه مخطئ في أمرٍ ما، سيتحوّل إلى الطور الدفاعي فوراً محاولاً إثبات عكس ذلك، أو قد يقاوم حدة حديثك كنوع من العناد فقط!.

وسائل قديمة

وذكر "إبراهيم الجهني" أنّ من النادر وجود من يفرق بين إسداء النصيحة والانتقاد غير البناء، فمعظم وسائل توعية الشباب لا تترك أثراً مرغوباً في النفس إمّا لفظاظتها أو لعدم مصداقيتها، أولاتباعها السبل القديمة غير الصالحة لشباب هذا العصر - الذي اعتمد على التقنية في تشكيل ثقافته، وضبط شخصيته وتهذيبها -، فهذه المرحلة التي يعيش فيها الشباب على الانفتاح لا يمكن أن تتأثر بالطرق ذاتها التي كانت تستخدم قبل عشر سنوات أو أكثر.

 

لم يعد مقبولاً أن تقول لمراهق لا تفحط لأنه يدرك «الصح والخطأ» ولكن تشعره أن الموت نهاية فعله

 

نبذ الخلل

ولفت "سليمان عتيق" إلى أنّ غرس شجرة وتعاهدها فترة بعد أخرى بالسقيا والعناية خير من غرسها ونسيانها مدة طويلة من الزمن حتى تذبل أو تيبس، مبيّناً أنّ هذه - للأسف - طريقة معظم وسائل التوعية الآن، بحيث تُنكر المنكر وقت حدوثه دون أن تعالج أساس المشكلة، أو أن تتناول القضية من كافة جوانبها، إضافةً إلى ذلك كيفية إصلاح المسار أو محاولة تصحيح الوضع الذي تراه خاطئاً، إذ لا ينبغي أن تُخبر إنساناً بأخطائه دون أن تخبره بكيفية تصحيح تلك الأخطاء، أو أن تجعل الخطأ في شخصه لا في تصرفه، فلا يشعر الشاب حينها أنك تحاول دعمه لنبذ الخلل في سلوكه ومعاونته في الإقلاع عنه.

نهج واعٍ

وأشاد "أحمد البقعاوي" بفئات الشباب المهتمين بتوعية مجتمعهم وفق سبل حديثة وبسيطة وملهمة تترك أثراً إيجابياً طول المدى في نفوس الآخرين، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية، بالإضافة إلى البرامج التلفزيونية التوعوية التي تستهدف فئة الشباب وسلوكهم، إذ أثّرت كثيراً في نمط شخصياتهم، بل وتركت أثراً واضحاً في أسلوب حياتهم، وذلك لبساطة الأسلوب وحداثة الفكرة وصدق العبارة التي لامست عمق مشاعرهم وكان لها الأثر البالغ في تشكيل نهج واعٍ لنظام حياة الفرد وطريقة تفكيره.

استيعاب فكري

وبيّن "محمد الزنيدي" -أخصائي اجتماعي- أنّ الشباب يمثل مستقبل هذه الأمة وأملها والقوة التي ترتكز عليها، فهم قوة وسند وثروة ورأس مال إن استثمر بحكمة وأُعد بفطنة ووجه التوجيه الطيب والسليم فسيحقق الأصل المعقود عليه، مبيّناً أنّ بعض الشباب تصدر منهم عدد من السلوكيات الخاطئة، حيث يتأثرون بمؤثرات خارجية؛ مما يجعل بعض تصرفاتهم وسلوكياتهم باتجاه خاطئ، ويحتاج إلى تدخل خاص ومركّز من خلال توجيههم وإرشادهم نحو المسار الصحيح، وذلك من خلال إعداد برامج التوعية والتثقيف المدروسة والموضوعة وفق معايير تناسب فئة الشباب ومدى استيعابهم الفكري.

مجتهدو وناسخو تجارب

وقال: "نجد أنّ وسائل الاتصال والإعلام الجديدة فتحت لنا عصراً جديداً من عصور التوعية والتفاعل بين شرائح المجتمع المختلفة، حيث تتصدر تلك الوسائل شبكات التواصل الاجتماعي، إذ أصبحت تتوغل وتظهر تداعياتها وآثارها على الأجيال الشابة في الوقت الحاضر، كما أنّها تعتبر من أهم وسائل التوجيه والإرشاد في وقتنا الراهن، ومن جانب آخر نجد وسائل توعوية تقليدية متبعة عن طريق إعداد البرامج وبثها من خلال الصحف والتلفاز من أجل توصيل تلك الرسائل التوعوية لجمهور أكبر من الشباب، حيث أنّها تمثل في أساسها ذات اتجاه واحد في الغالب، باستثناء البرامج التي تعد بمشاركة فعالة من الشباب بحيث تكون ثنائية الاتجاه، كما أنّ التلقين يعتبر من أهم الممارسات الخاطئة في عملية التوعية، حيث أنّ زمنه قد انتهى في ظل تداخل التقنية والاتصال الحديثة، خاصةً أنّ فئة الشباب لم تعد كالسابق، وأصبح اتصاله مع الآخرين يعتمد على الفعل وردة الفعل، كذلك تلك البرامج التي تعتمد على تلك التجارب السابقة والتي تكون من خلال اجتهادات من قبل البعض أو خليط بين مجتهدين وناسخي تجارب قد لا تتوافق معطياتها مع معطيات الشباب، حيث كان لها أثرها السلبي والتي تحولت من برامج توعوية إلى برامج ترويجيه سلبية في كثير من الحالات، خاصةً إن كانت تلك البرامج غير مدروسة، فمن الطبيعي أن نجد عواقبها كوارثية لمجرد أنّهم لم يتمكنوا من قراءة الواقع؛ مما يجعل من تلك البرامج تحقق نجاحها وأهدافها".

 

الزنيدي: إجبار الشاب على تعديل سلوكه يزيد من عناده

 

تمرد وعصيان!

وأضاف أنّ البرامج التقليدية قد تعتمد على المطبوعات الورقية كالكتيبات والمطويات وخلافها - التي في الغالب ما يكون مردودها سلبياً وخاطئاً أو إيجابياً ولكن لا يصل نحو الهدف المنشود -، فمثلاً عند نشر صور أشخاص متوفين، حيث أنّ نهاية تلك الممارسة لا تعكس أصل المشكلة ولا تصل إليهم بصورتها الحقيقة مقارنة بعرض ذلك الضرر من خلال المشاهدة كاملة لأخذ العضة والعبرة، كذلك استخدام التطبيع الاجتماعي دون مراعاة التغير الحادث بالمجتمع وتجاهل الفروق النفسية والاجتماعية التي تظهر في عملية التجديد الدائم في أفكارهم، فمحاولة استخدام التطبيع وممارسة الضغط لإجبارهم على تعديل السلوك قد يكون سبب رئيس في التمادي ومواصلة تلك السلوكيات غير المرغوب بها مجتمعياً، ومن أخطر أنواع تلك الممارسات هي استخدام الترهيب والضغط لمحاولة إقناعهم أو ثنيهم عن تلك الممارسات والتي يكون في الغالب سبب رئيس للتمرد والعصيان.

توجيه هادف

وأشار إلى أنّه من المهم إيجاد طرق بديلة تتوافق مع فكر الشباب وتتماشى مع متغيرات العصر، وتترك الخيار فيما بعد للشاب كي يستطيع التمييز بين الصواب والخطأ، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ طبيعة الإنسان ليست معصومة عن الخطأ ومنها يتعلم ويستقي من خلالها العبر، فمرحلة الشباب مرحلة تجسد سلسلة من المغامرات والتجارب من أجل اكتشاف كل ما هو مجهول والتي خلالها يكتسب خبراته وتجاربه، فالتوعية خلال هذه المرحلة يجب أن تتماشى مع متطلباتها وتتوافق مع رغباتها واحتياجاتها بشرط ألا تتجاوز حدود المعقول، فالواجب في هذه المرحلة السير بجانبه وتقديم النصيحة بشكلها الكامل بحيث تكون مستوفية لجميع مضار ذلك السلوك، وإيضاح ملموس لنهاية ذلك الطريق بضرب الأمثلة حتى ندرك أنه وصل لمرحلة إدرك الجانب السلبي لتلك الممارسة، وبعدها تترك له مساحة لاتخاذ القرار بنفسه وهذا ما يعرف ب"تربية النهاية"، بالإضافة إلى استخدام لغة الحوار وجعلهم يشاركون من خلال وضع المسببات، كذلك وضع الحلول التي يرونها مناسبة لحلها والإفادة منها بهدف إشعارهم أنّهم جزء مهم وفعال في بناء هذا المجتمع وإصلاحه، وأنّهم ركيزة أساسية في تقدمها وبنائها، والأهم من هذا هو احترام تفكيرهم، وتوجههم، وآرائهم، ودعم ما يرونه مناسباً لهم أو لمجتمعهم من خلال التوعية والتوجيه الهادف وعدم تجاهلهم البتة.

 


ــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: جريد الرياض - مرام الجبيل
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 145 مشاهدة
نشرت فى 26 يناير 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

938,818

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.