قصة المثل العربي
أعَلِّمُه الرمايَة كُلَّ يَومٍ ... فَلَمّا اشتدَّ ساعِدهُ رَماني
- هذا البيت الذي اصبح مثلاً يتداوله العرب جاء في قصيدةٍ لمالك بن فهم الأزدي اليماني ""
يشكوا إبنه حين رماه بسهم تسبب في مقتله .
- وقصته كالاتي :
جاء مالك بن فهم الأزدي مع عشيرته من اليمن إلى منطقة في عُمان و كان لهُ عشره من الذكور وكان أول من قدم إلى عُمان من مهاجرة اليمن بعد سيل العرم..
- وعند نزوله شب قتال بينه وبين الفرس وكان عدد من مع مالك من قومه حينئذ ستة ألاف شخص والفرس كانوا عشر ألاف ولكن لم يكتب النصر لمالك وقومه، وبعدها عاد مالك وقاتل بجيش قوامه عشر ألاف وكان عدد الفرس أربعين ألفاً فطردوا الفرس منها وحكمها مالك مع أولاده وعشيرته. واستتب لهم الحكم ..
- مرت الأيام وكان مالك بن فهم قد جعل على أولاده الحرس بالنوبة على قصرة ، في كل ليلة على رجل منهم مع جماعة من خواصه وأمنائه من قومه الأزد. وكان أحظى ولد مالك إليه وأقربهم، ابنه (سليمة). وهو أصغر ولده. فحسد إخوته مكانه من أبيه، وجعلوا يطلبون له الزلة من أبيه وقومه. وكان مالك يُعلم إبنه سليمة في صغره الرمي والفروسية إلى إن تعلم وكبر، واشتد عضده. فكان يحرس في نوبته.
- ولما بلغ حسد أخوته مكانة كبيرة قام نفر منهم إلى أبيهم، فقالوا: يا أبانا إنك قد جعلت أولادك يحرسون بالنوبة وما أحد منهم إلا قائم بما عليه ما خلا سليمة، فإنه اضعف همة وأعجز منة وإنه إذا جنه الليل في يعتزل عن الفرسان ويتشاغل بالنوم والغفول عما يلزمه،
إلا ان مالك لم يقتنع بذلك، ورد الأبناء المحاولة حتى ملأ الشك قلبه.
- فقرر مراقبة أبنه في نوبته، وقد كان سليمة على رأس الفرسان يحرس ، ولما جن الليل أقبل مالك متخفيا لينظر فعل سليمة، فأنتبه سليمة من صهيل خيله وظنه دخيل ففوق سهمه في كبد قوسه، فأحس مالك بذلك فنادى يا بني لا ترم أنا أبوك. فقال سليمة يا أبت قد ملك السهم قصده، فأصاب مالكاً السهم فلم يبرأ وكان سبباً في مقتله فانشأ اباة يقول :
َفيا عَجَباً لمن رَبَّيتُ طِفلاً
أُلَقِّمُه بأَطرافِ البَنانِ...
جَزاهُ اللَه من وَلَدٍ جزاءً
سُلَيمَةَ إِنَّهُ شَراً جزاني...
أُعَلِّمُه الرمايَة كُلَّ يَومٍ
فَلَمّا اشتدَّ ساعِدهُ رَماني...
وَكَم علمتُه نظمَ القوافي
فَلما قالَ قافيةً هجاني...
أَعلَّمه الفُتُوَّة كل وَقتٍ
فَلَمّا طَرَّ شارِبُه جَفاني...
رَمى عَيني بِسَهمٍ أَشقَذيٍّ
حَديدٍ شَفرتَاهُ لهذَمانِ...
توخّاني بِقَدحٍ شَكَّ قَلبي
دَقيقٍ قد بَرَته الراحَتان...
فأَهوى سَهمه كالبَرقِ حَتىّ
أَصابَ به الفؤادَ وما أَتَّقاني...
فَلا ظَفَرتِ يَداهُ حينَ يَرمي
وَشُلَّت منه حامِلةُ البَنانِ...
فابَكوا يا بَنيَّ عليَّ حَولا
ورَثُّوني وَجازوا من رَماني...
فالأبيات تضرب مثلاً لمن يجازي الاحسان بالسوء، وعلى الرغم من فعل هذا الرجل بوالده الا اننا نلحظ ان الشاعر اراد ان يعطي فرصة لابنه للهروب من عقاب اخوته، حينما طلب منهم ان يبكوه عاما كاملاً ثم يحاسبون قاتله وهو ابنه.
اما الذين قالوا بان الابيات منسوبة لمعن بن أوس، فقالوا انه قالها في ابن اخت له كان قد احسن اليه وقربه الا انه لم يكن كما ظنوا به، فقال الشاعر الابيات،
فالمثل اذاً عبارة فنية سائرة بين الناس مصاغة لتصوير موقف او حادثة تُستخلص منها خبرة انسانية يمكننا استعادتها في حلة اخرى مشابهة لها.