حلقة نقاشية بعنوان "واقع الشباب اليمني بين مطرقة الاستغلال وسنديان التحريض في الحرب القائمة" والتي نفذها برنامج "واحد من الوطن" امس الخميس في شبكة التواصل الاجتماعي "الواتساب" شارك فيها اعضاء ما يقارب ٦٠٠ عضوا في ست مجموعات، حيث كان ضيف الحلقة الشاب القيادي حمدان عيسى محمد سيف نجل الشهيد عيسى محمد سيف.
وهدفت الحلقة النقاشية إلى استعراض الواقع للشباب اليمني الذي اصبح يستغل بالتحريض في الحرب العبثية القائمة.
وقدم حمدان عيسى صحفي وناشط حقوقي عرض تفصيلي لواقع الشباب الذين يعتبرون أحد الشركاء والفاعلين وهم ركيزة التنمية في أي مجتمع، وهم وقود الحاضر وحركته وقادة المستقبل وصناعه، وهم أداة وصناع التغيير، حقيقة لا يختلف عليها اثنان، حيث تتميز فترة الشباب في حياة أي إنسان بالحماس والحيوية والاندفاع والجرأة، هذه الفترة الشبابية التي يجب على كافة المؤسسات كانت حكومية أو غير الحكومية استغلالها من خلال تنشئتهم وتنميتهم وصقل قدراتهم السياسية والفكرية والجماهيرية والثقافية بما يخدم مستقبل الوطن - على حد قوله.
واكد عيسى بقوله "مع إدراكنا أن التنمية هي السبيل الأمثل لتأكيد شخصية الشباب وتفعيل دورهم وإدماجهم بالشكل الذي يجعل منهم شركاءً فاعلين في البناء، ويعزز من حضورهم الإيجابي في الحياة بشكل عام، إلا أن الواقع يؤكد الغياب الايجابي للشباب الذين يمثلون نسبة 75% من عدد السكان بسبب ضعف الخدمات التنموية والخدمية وبناء قدراتهم للتعاطي مع العصر ومستجداته بكفاءة وفعالية، وظهور الكثير من أشكال العنف والتطرف، وفقدان الشباب للتوازن النفسي والفكري مروراً بتقبلهم الأفكار المتطرفة للهروب من الفراغ الفكري والعملي وتناقض في المواقف والتعامل الخاطئ مع التراث، منوةً ان هناك دراسا أجريت لقياس درجة الولاء وجد أن نسبة الولاء والانتماء عند الشباب انخفض أثناء الحرب القائمة من نسبة 55% إلى نسبة 20% وهذا يعني فشل منهج التربية الوطنية في تنمية الولاء الوطني وقصور المنهج بناءً وتنفيذاً. وغياب التعاون بين المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني المعني بتمكين الشباب، وتزايد عدد العاطلين من الشباب وغياب دور الدولة في استيعاب الخريجين من الجامعات والمعاهد، وعدم وجود آلية واضحة ومحددة لضمان تنفيذ الاستراتيجيات والخطط والبرامج الحكومية وعجزها في سد احتياجات شباب الريف، وغياب المشاريع الإنتاجية الصغيرة التي قد تساعد في تحسين المناخ لدى الشباب وتساعدهم في حل مشاكلهم الاقتصادية، مضيفاً ان عدم الاهتمام بالجوانب التعليمية الفنية والتدريبية وتدني المستوى التعليمي، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والدخول إلى سوق العمل في سن مبكرة بين أوساط الشباب، عدم توفير الخدمات الشبابية والرياضية لشباب بما يعزز مشاركتهم في المجتمع، عدم اعتماد سياسة استثمارية تساهم في خلق فرص عمل جديدة لشباب تحد من البطالة وهجرة شباب الريف إلى مراكز المدن، سيطرة جماعات متطرفة على عدد كبير من المساجد والعمل على تفريغ رسالة المسجد الحقيقية من مضمونها وإبدالها برسالة دينية متطرفة مشوشة وناقصة. أدت إلى ظهور الكثير من الرفض للواقع اليمني لدى الشباب عموماً وشباب الريف خصوصاً.
كما اكد ان الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أدت إلى وقوع الكثير من الشباب فريسة سهلة للتحريض، مستعرضا في حلقته النقاشية بعض العوامل التي تسهل مهمة المحرضين في استغلالهم وهي:
اولاً: العوامل المرتبطة في الاحتياج : هندما تعجز خطط التنمية في سد احتياجات الشباب، ويعجز كذلك الشباب أنفسهم في تشكيل خصائص جديدة لبيئتهم فإنه يرفض التعايش معها ويبحث عن بيئة جديدة وهذه الرغبة تجعله فريسة سهلة للتحريض وهي من أخطر العوامل التي بإمكانها أن تكون نواة لعوامل أخرى .
ثانياً: العوامل المرتبطة بالانتماء : يعمد الكثير من المحرضين الى استغلال الشباب باستخدام الإحتياج والفراغ المعرفي والتعصب الموروث في قضايا لا تخدم الشباب ولا مصلحتهم ولكنها تخدم مصالح شخصيات معينة، من خلال معلومات مشحونة تثير حماس الشباب بحجة الدفاع عن القبيلة أو الوطن أو اللغة أو الدين .
واستعرض حمدان عيسى انواع واساليب التحريض، حيث قسمها الى سته انواع وهي:
1. التحريض من أجل القبيلة: مع تدني المعرفة والنسيج الثقافي للشباب يقع معظمهم ضحايا للثأر نصرة لقبيلة أو ثمناً لانتصارها وحتى يكونوا فاعلين في الدفاع عن قبيلتهم أو الانتصار لها فإنهم يخضعون لكثير من المعلومات المشحونة التي تثير فيهم تعصباً يجعل من حياتهم رخيصةً لا قيمة لها .
2. التحريض من أجل اللغة ( اللهجة ) : يتعرض الشباب إلى تحريض يدفع بهم للتعصب من أجل اللهجة المحلية والمناطقية وهذا من أخطر أنواع التحريض الذي يؤدي إلى تفكيك الوحدة الوطنية كونه يعمل على تشكيل أساليب التفكير وبالتالي يتكون الاحتقان ويظهر الشعور بالانتقام خصوصاً في ظل الاحتياج وعدم المساواة.
3. التحريض من أجل الدين : في ظل انقراض المدارس الدينية المعتدلة وظهور مدارس دينية متطرفة ومع عجز مناهج التعليم النظامي عن تقديم بديل يحصن الشباب بالأفكار المعتدلة وكذلك مع وجود الاحتياج والفراغ أصبح الشباب فريسة سهلة للتحريض ضد الأمم والمجتمع بحجة الانتصار للإسلام ضمن مجموعات مذهبية وارهابية متطرفة أساءت للإسلام وألحقت الضرر بالشباب والوطن والأمة.
4. التحريض من أجل الوطن: يقع الكثير من الشباب ضحية لدعوى مفرغة من محتواها مرتكزها الفعلي صراع السياسيين على كرسي الحكم والشباب يدفع الثمن بحجة الوطن، لكنه في الواقع يعبر عن احتياجه أو انتقامه لأنه محروم أو مظلوم، أو عاجز عن تشكيل بيئة توفر له حياة كريمة نتيجة ضعف في قدراته أو امكانياته.
5. التحريض من أجل الحزب : أغلبية الأحزاب السياسية في الساحة اليمنية قائمة على منهج التعبئة وغير قادرة أن تكون قائمة على منهج التكيف مع احتياجات أبناء المجتمع، وفي كثير من الأحيان تقوم بعض تلك الأحزاب على تحريض الشباب للمواجهة المسلحة وما ينذر بالخطر. وهذا يدل على تراجع تأثير المفاهيم الديمقراطية على سلوك الشباب وارتفاع التأثير التحريضي الذي يكون ضحيته هم لا سواهم ..
6. التحريض من أجل الفرد أو الجماعة: اثبتت الاحداث القائمة أن الشباب يعيشون استغلال كبير من أفراد أو جماعات دينية تحاول من خلال استخدامها السلاح والقوة في نشكر أفكار دينية متطرفة تقضي إلى الولاء والانتماء الوطني والتي ضحيتها للاسف الشباب الذين اصبحوا باندفاعهم أدوات تنشر سموم التحريض لمصلحة الفرد أو الجماعة والتي هي بعيدة كل البعد عن مصلحة الوطن العليا.
وقد قدمت مجموعة كبيرة من الاسئلة من قبل الشباب للحصول على اجابات من حمدان عيسى، تلك الاسئلة الحريصة على معرفة اسباب ذلك الاستغلال وكيفية توعية الشباب بعدم وقوعهم بالتحريض.
وكانت من اهم الاجابات التي ذكرها عيسى ان الحرب العبثية القائمة ومنذ ما يقارب 14 شهراً اتضح ان وقودها ومن يضحى فيها بشكل سلبي هم الشباب. أولئك الشباب الذين يعيشون ضمن دائرة مليئة بالتوهان والتشتت والتعصب والانقسام والاختلاف غير قادرين الخروج منها، تلك السلبيات التي تخدم من يشعلوا الفتن والحرب، مضيفاً بقوله "وبدلاً أن يكون أولئك الشباب موقفهم محدد لمصلحة الوطن ويعملون من أجل بناءه، وينادون لتعزيز السلام وايقاف الحرب العبثية أصبحوا هم المروجين لها وبشكل تحريض مخيف لم ينتج سوى الحقد والكراهية والتطرف المذهبي المقرف الذي يقضي على أحلمنا ومشروعنا الوطني المدني الذي ضحى من أجل تحقيقه خيرة شبابنا في ثورة 11 فبراير 2011م".
واشار حمدان أن تجنيد واشراك الشباب والأطفال في النزاعات المسلحة في اليمن ليس جديداً بل إنه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بثقافة ووعي المجتمع وخاصة المناطق القبلية. ليس ذلك فالأسباب تتعدد وتختلف باختلاف الظروف الاقتصادية والخلفيات الثقافية والدينية وضعف التشريعات الوطنية ويمكن تحديد الاسباب والدوافع بالاتي:
1- الثقافة القبلية: فالواجب القبلي - خاصة مناطق القبائل والتي يتركز غالبيتها في شمال ووسط البلاد. - يقضي بأن يحمل كل (بالغ) من الذكور السلاح في أي دعوة لمناصرة قبيلته ضد القبيلة الأخرى وهو ما يسمى بـ"الغرّام". وهو دون 15 عاماً من العمر في المتوسط –لكن مرحلة التعلم على استخدام السلاح قد تسبق ذلك بسنوات.
2- الفقر والبطالة: يلعب الوضع الاقتصادي السيئ وارتفاع البطالة والفقر دورا كبيراً ازدياد التحاق الشباب والأطفال بالتجنيد النظامي فهو بالنسبة لهم فرصة جيدة للحصول على وظيفة حكومية.
3- غياب التشريعات الوطنية: لايوجد في التشريعات اليمنية عقوبة محددة بحق من يقوم بتجنيد أو إشراك طفل في صراع مسلح, حتى التشريع الوحيد الذي نص على المنع لم ينص على العقوبة, فالمادة 149 من قانون حقوق الطفل اليمني رقم 45 لسنة 2002 تنص على: عدم تجنيد أي شخص لم يتجاوز سنه الثامنة عشرة وحظر حمل الأطفال للسلاح والمشاركة في النزاعات المسلحة مشاركة مباشرة, عدم إشراك الأطفال إشراكاً مباشراً في الحرب. وعليه فالمشرع اليمني لم يحدد عقوبة بعينها بحق من يثبت تورطهم في تجنيد أو إشراك قاصرين في الصراعات المسلحة..
4- تدني الوعي المجتمعي: بمخاطر حمل السلاح لدى المجتمع، ويساعد على ذلك ارتفاع الأمية وخاصة في مناطق القبائل لانعدام برامج التوعية الإعلامية أو الدينية بصورة شبه كاملة إذ لا يتم ادانه ورفض المجتمع لمن يحمل السلاح .. بالعكس يعتبرون حمل السلاح جزء من الرجولة ..
5. فساد وضعف المؤسسة العسكرية والأمنية حيث اصبحت تابعة للأسرة الحاكمة ومن يواليها أخرجهما من مؤسستين وطنيتين إلى تابعتين للأسرة والقبيلة وهو ما فتح الباب أمام فساد وضعف كبيرين كان من مؤشرتهما التحاق الأطفال بهما دون محاسبة أو رقابة, كما تم استخدامهما لكسب الولاءات حيث كانت الرتب والوظائف العسكرية تمنح كمكافآت وحوافز للموالين من مشائخ القبائل وغيرهم خصوصا أثناء الحروب .
6- البيئة التعليمية الطاردة: المدرسة في المناطق القبلية ليست صديقة للطفل غالباً لذا يفضل أطفال تلك المناطق الالتحاق بالجيش
7- الاستقواء القبلي بالمؤسسة العسكرية والأمنية.
وتحدث عيسى الصحفي والناشط الحقوقي عن الدور التكاملي بين الاحزاب والمجتمع والسلطة، والذي حدده من خلال التركيز على الشباب وتعزيز قيم الولاء الوطنية وبناء ثقافتهم وتوعيتهم وصولاً إلى ادراكهم بأن إنسان المؤمن والوطني الرافض لكل أساليب الانتهازية ونشر ثقافة العنف والمذهبية بين أبناء الشعب اليمني الواحد ... وعدم استخدامه لموقعه في الوطن لتحقيق مصالح انانية.. فهو وحدة القادر على أن ينتصر لمصلحة الوطن العليا، مشيراً ان الواقع اثبت بأن الشباب: أتفقــــوا على أن لا يتفقـــوا ..!! ويا ليت كان عدم الاتفاق من أجل مصلحة الوطن العليا .. وإنما هو من أجل مصالح ذاتية وحزبية ليس إلا، مؤكداً أن اغلبية الشباب مازالوا يتخذون الأوامر والتوجيهات من أحزابهم التي فشلت فشلاً ذريعاً خلال الفترة الماضية والحالية في بناء المشروع الوطني المدني. هؤلاء الشباب للأسف لم يتعلموا الدروس مما سبق ..ومازالوا لا يملكون قراراتهم بعــــد برغم أنهم على حق، وإدراكهم الكبير أن التعبئة الايديولوجية أصبحت غير مجدية في المرحلة الحالية أمام المصلحة العليا للوطن التي يجب تغلبيها من جميع المكونات والقوى السياسية والاجتماعية، على ان يعطى للشباب ادوار فاعلة تمكنهم من اخراج طاقتهم وشعورهم انهم يقدمون شيء لخدمة وطنهم المنشود.
وفي نهاية الحلقة نصح حمدان عيسى جميع الشباب بأن يجعلوا امام اعينهم وداخل ارواحهم وقلوبهم مصلحة الوطن العليا فوق كل اعتبار لانه اغلى واعظم شيء بالوجود....