الغزل والغضب
فى ديوانى هجرة الحب
هجــرة الحـب
شعر
عبد الحكيم العبد
"هجرة الحب: قصائد الغزل والغضب" هو الديوان الثاني للشاعر بعد ديوانه الأول "عودة الحب شعر ذاتي بحت " الهجرة هنا بعد العودة ، لا قبلها ، وهي تُبرِق برسالة الشاعر من قريب .
بين الديوانين نحو عشرين عاماً من الصمت الشعري الظاهري، انشغالاً بالبحث التخصصي وبالسفر ونحو ذلك من محاولات استرجاع المكان والمكانة المنغصين أبداً في الوطن الأم. ولعل هذا هو سبب الطابع الانفجاري الظاهر في الديوان، ويقع الديوان في ثلاثة أقسام:
القسم الأول:
قصائد وموشحات
القسم الثاني :
ملحمة "الشكل والأصل".
القسم الثالث :
تراجم شعرية معايشة.
* * * *
السفَر المذكور كان إلى غرب إفريقيا والخليج ، وهو اغتراب ربما تفاقم باغتراب داخلي أشد ضراوة . وقد أعقب الاغترابين في نهاية المطاف سفر إلى إحدى دول شرق أوربا أشبه النفيَ الاختياري، ولكنه لم يشعر الشاعر بالاغتراب بفضل قِصَرِه وعاطفتي الغضب والغزل ، وبسبب عنصر الدهش فيهه [1] .
لغضب الشاعر خاصة خلفيتُه في كتاب الشاعر "دراسات وشجون في المسرح والفنون" ، وفي تمهيد وجيز ارتجله الشاعر بين يدي إنشاده العاصف بمكتبة القاهرة الكبرى لقصيدة "في مزعم التنوير : مشجاة النيون ..." . وقد مثلت هذه المشجاة وتلك المناسبة خلفية فى دراسة أخص للشاعر أيضا [2] .
* * * *
أما الديوان بصفة عامة ففيض موحيات ثلاث، عاين الشاعر منها في عام واحد:
- " سـنوهوايت في يوتوبيا مملكة النساء" :
، التي تجسدت كابوساً في "برقت في الدجى"، وقطع أسلاك الاتصال بها في "الرنين ونغرة السكين" ، إلى أن تحرر منها في "قطعة العدم" . وتنضح هذه القصائد بخلخلة العلاقة بين الرجال والنساء في مصر، حتى أو خاصة بالقانون 100 / 85 للأحوال الشخصية ، كما بين الشاعر فى ثلاث مقالات بجريدة "آفاق عربية" [3] ، وثلاث قصص قصيرة ، فضلاً عن قصائد هذا القسم من الديوان، إلى جانب ملحمة "الشكل والأصل" ، في القسم الثاني . وفي بعض ذلك شعر الشاعر بجمالية مبدأ رد الحديقة الإسلامي {الخلع الشرعي} ؛ .. ولكن في إطار إصلاح متعمق جوهري للقانون.:
... وتحوت راعي العدل لا يدلي إلا بدلو المادح الهطل والكل منقاد بلا حول حتى رجال الأزهر المثلِ ..... |
- موحية الشاعر الثانية هي أمته:
التي أسعدته هونا في "السهل الممتنع وفى " في رحاب الحور" ، ولكنها آلمته في "عطلات ؛ "موظف تحت الاختبار " ؛ " الشكل والأصل" ؛ "أيها الداعي إلى المحق" ؛ "إلى قاتل أبويه" ؛ "في مزعم التنوير" ؛ "النفي الجديد".
"هذه وأمثالها اللواتي مثلن موقف الشاعر العام سنة السفر إلى أكرانيا إعارة أو نفياً كما أومأنا..
عبرت قصيدة "معلقة النفي الجديد" ، وهي "بنت أكرانيا" ا لمعنونة باسم "اجعلي المارش هوينا" عن مطرد غضب الشاعر وعن مطرد تحذيراته :
هل جهاد الحرب والأموال يغني عن جهاد النفس والخلق الجديب؟! فاشهدوا اليوم بمصر هول ما يلــ ــقي المواطن لم يلوث من لغوب !! |
وفي القصيدة ، كما في أمثالها: موشحة 1 "تحب ألنا" و "موشحة 2 "بايع الأشرار" وغيرهما تتمثل رسالة مصر من خلاله إلى حكامها وإلى العالم. وخاتمتها "استعذ من حسدك النفس" أو "إيزيس الجديدة" ، التي تبدو روحاً من "ذات الوجه الصبوح"، ومن ثائرة أزهرية ، أشبهتها "ذات الوجه الصبوح" في الكثير النقي والنبيل ، الذي يعز في نخبتنا الناشئة في ذلك المناخ .. ؛ حيث تعز القيمة ويتضخم إرهاب المنصبية والتربح ، وتجد سورة "المنافقون" مصداقاً لها في المظهري الغالب فيما حولنا؛ حتى ليجد الشاعر فيهم مثل ما وجد شيشرون في شعب روما فساداً لا يقل ضراوة عن طغيان نيرون .
- الموحية الثالثة إذاً هي ذات الوجه الصبوح:
رؤيا الشاعر الأمل التي تمثلت حقيقة في "هديتان"، ورقيا من حسد النفس في "إيزيس الجديدة" .
* * * *
... قصائد الغزل في الديوان:
تتسم بالهدوء وبنوع من الرومانسية ، لا يخلو من تأمل ، مما قد يَنْميه النقاد إلى الرقة والعمق الشديدين. من ذلك في "ذات الوجه الصبوح" :
أهفو إلى الوجه الصبوح يطل شمساً من حجابها الوضيء وجدول الضياء يشع من عينين فى رونق السماء سمْتِ توأمٍ للروح |
ومنه في قصيدة "السهل الممتنع" :
ملحن من عزف فينوس على
وترٌ شُدَّ بقلبي طرفاه
وبروحي منه لو أني أنا
واحد
ألف أنا
ألف حياة! |
ومنه في موشح "تحب ألنا":
الحب ما نضح الكلام به
قد فاح آذر عبقه مسكاً
وأجلُّ حبِّ المرءِ ما أبكي!!
|
* * * *
رغم الطابع الذاتي المتفجر لأغلب مقطوعات وقصائد القسمين الأولين لهذا الديوان؛ فإن بعضها اتسم بطابع ملحمي ، وداخلت البحر السائد فيه بعض تنويعات في الوزن؛ ولا سيما في مطولة "الشكل والأصل".
قال في الممهرجات للقانون ، بعد أن استثنى صوالح النساء الأوليات:
أشبن فى البيت لظي الغِل بالخنق والحرق ألفون بالسم ألفون بالنصل! ……… |
* * * *
موشحتان وأوزان:
ضمن الديوان موشحتان هما: "تحب ألينا" و"بايع الأشرار" .
كذا وردت تفعيلة (فاعلاتكَ) مهملة الخليل ، وهي إحدى تقليبتيه لـ (مفاعلتن) [4] . من ذلك لدينا: في قصيدة "استعذ من حسدك النفس" :
جزت في سرمد سعدكَ كلما أقـ |
بلَ باليمن تنامي وتسامي
|
|
حيث (سعدكَ) متحركة الكاف، وقد يحذلقها التسكين (سعدكْ) . كذا في :
وعلى العاني سلام الله مُذ جا |
ء ويوم يزف برنسه الطهور لعين حور |
وفي:
ناعما في حقل أشواك الحسود و |
بحر نيران التناهز والفجور
|
من قصيدة "لم يعد يكذب" . علما بأن هذا التسكين وإدغامه فيما فيما بعده قراءة فى القرآن الكريم نفسه {لقالون عن نافع} .
هذا وثمة مواضع قليلة لنقص مقطع (سبب خفيف) في بعض الأعاريض لم أتكلف سدها، ولعلها ثقوب تستحب في بعض الإنشاد. كما ترد علتان جاريتان مجرى الزحاف، وذلكما في "اجعلي المارش هوينا"، الموجهة إلى "بنت أوكرانيا " في مجال لتشكي الشاعر من قومه . وكذا فى قوله : "وزراؤنا" . ولعل ذلك يقبل التفاتاً أو هلهلة صحو استحبت في شعر مهلهل ربيعة .
ولعل من المقبول لجو قصيدة "الشكل والأصل" موحدة الروي وهي ذات الطول المتمادي على الشطرات حدوث ما يشبه السناد في قافية مثل "الشكْل – العدْل من جهة، والحوَل – الخطَل إلخ...
ومثل هذه وتلك مما جرأنا على عدم تكلف تعديله درسنا المتخصص في "العروض الشعري في ضوء العروض الموسيقى .
تأخذ الملحمة طابع الخطاب من الأب المجرب إلى ابنه الذى لم ينجبه بعد . وهى تتيح للمستمع المشاركة بالإضافة ؛ ولاسيما فى المواضع المنقوطة ، التى تعنى أن القصيد مفتوح لهذا الغرض .
(متْفاعلن) مضمر الكامل ، و(فعْلن) أو (فعِلن)
- بهما يغلب وزن مضمر الكامل مشطورا : متْفاعلن متْفاعلن فعلن . ومتْفاعلن = مسْتفعلن ، كما نعلم . واصطناع الصورة : متْفاعلن فعلن فى مواضع من ملحمة طويلة قد يسوغ ما ورد أيضا ، وهو وزن مشطور البسيط : مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
علما بأن فعلن مشتركة أيضا فى البحرين . وعسى أن يراعى هذا فى الأسطر القليلة .. بالملحمة ؛ ولمعاونته موسيقيا : يقترح الشاعر ما يقضى به هذا العروض نفسه ، وهو :
▪ ميزان ثلاثى : للشطر الثلاثى التغعيل
▪ ميزان ثنائى : للشطر الثنائى التفعيل
▪ ورباعى للرباعى الخ وهو مثبت على يسار الفِقرات .
■ جرت الملحمة فى ثلاثة أشواط شعرية تتضمن :
▪ أن جمال المرأة ليس فى شكلها فقط
▪أن الشاب يجب ألا ينخدع أو يقع فى خدعة قانون الأحوال الشخصية ، الذى صنعته نسوة حديثات عهد بالفق
▪أن القانون نفسه يعكس عقدة نفسية ، وُقِّع بتمرير سياسى وتبعية شائنة ،وضره بالمرأة كضره بالرجل ، وبه ازدهرت صناعة قتل الأزواج :
...........................
▪ تأمل الملحمة يقظة نسائية ، تعود بالقانون إلى عصمة الإسلام ورأى الجماعة ، بلا تلفيق على الشافعى .
▪ توجه الحديث إلى مصر لترفق بالشباب وهم دون ختان (غُرْل) ، وخلالها يحذر الأب ابنه الذى لم ينجبه : من تجربة سيئة مثل تجربته المريرة قبل
▪ تصرح بأن الأب قد عوضه الله بزوجه صالحة ، وهى التى جاء منها الابن نفسه ، مما قوى روح الأب وأنقذه من ويلاته .
▪ تورد دعوة الأب لتأخير ختان الصبيان إلى ما قبيل الزواج الفعلى ؛ حتى لا نشعل فى الشباب نار الرغبة قبل أوان .
▪ تورد تحذير الأب من القانون مرة أخرى ، واستبعاده يقظة مسئول قانون مملكة الأموات من عُقاره .
▪ وتذكر تبرئةَ الأب الشريعة من خطل القانون الجديد ، ودعوته إلى اختيار الزوجة غير مشوهة بمبضع الختان الجائر ، أو بطباع سيئة .
▪ يجب أن يكون الشاب مخطوبا أولا ، ثم يقوم هو بعد ذلك بالقبول والإشهاد والعرف ومبادلة الحب بمثله ، كما يتبادل زوجا الطيور نداء الحب ، ويقعان فى ضرورته :
والحب طير إن تصاديه الـ ـغرام يصدك بدله الغزل . |
كذلك تضمنت المجموعة بعض قصائد حوارية:
، كما في "رحاب الحور" و"موظف تحت الاختبار" ،
كما أن فيها المواضع المفتوحة للارتجال:
التى أومأنا إليها لدى ذكرنا المواضع المنقوطة في مواضع توتر خاصة ، على سبيل الإيعاز من طرف اجتماعي أو سياسي .
* * * *
وكشقيقه البِكري "عودة الحب":
تضمن "هجرة الحب" قسماً للترجمة شعراً كما أومأنا ؛ إلا أن ما انفعل به الشاعر من مذاق ساميّ حاميّ أو عربيّ عتيق ووسيط في لغة هذا الشعر الأكراني السلافي الحق جعل الترجمة أقرب إلى المعايشة الكاملة ، بحسب ما أوضح الشاعر المترجم نفسه بما قوس حوله ، وبما في هوامشه استنادا إلى دراسة خاصة [5] .
لغة الشاعر :
تتراوح بين هذا النمط المعتق الحي وبين المألوف الذي يُحسب لفرط سهولته عامياً ، وهو جِد فصيح ، وبين الفصيح المعلى بتقدير خاص ، من قبيل التقدير اللهجى المثرى فى العربية . ويستطيع القارئ أن يستبدل به في إنشاده دون غضاضة فصيحه المألوف ، ولا بأس بأن يحذو القارئ حذو الشاعر فيما ذكر من قلة من شطرات في لغة أجنبية. وللشاعر طموح إلى أن يصنع المسرح الشعري بمفهومه الموسع الأحدث اليوم من هذه التوليفة كلها أو بعضها شيئا ً. هذا إلى مجيء إحدى أوكرانيات الشاعر في العامية القاهرية لقرب أصلها من الروح الشعبي أو الزجل، وهي قصيدة بربندي الطويلة:
بربندي العجوز كلنا عارفين أعمى وجوال دايم الترحال يعزف ع الكُبْزا والناس فرحين في كل مكان يطرد أحزان ولو أنه ياعين هو نفسه حزين وملهش مكان! |
* * *
اختبر الشاعر وقع قصائده في نفوس مستمعين عديدين في أندية القاهرة الأدبية الحية غير الرسمية ؛ وحتى على منابر بعض الأندية الرسمية ، ولم يكن تأثيرها في نفوس الحداثيين أقل منه في نفوس العموديين ؛ بيد أن وسائط النشر الرسمية والشكلية المعارضة -إلا اثنين- لم تنشرها لنفس سبب هذا التأثير المبين الملموس فيها ؛ وهي وسائل النشر المحتفلة غالباً بشعر التغييب أو ما لا يحرك ساكناً، ولا سيما من بطانات بأعيانها .
* * * *
عوضني وأمثالي الله عن بعض ذلك بناشرينا الإليكترونيين – وشكرا لكنانة أون لاين – و لناشرينا العرب الآخرين الكثيرين ، من أخيار أمة -إن تكن في مجموعها تفتقد الحرية الإجرائية - فإنها كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد.
جزاهم الله عن العرب والثقافة الخالدة خير الجزاء .
الدكتور/ عبد الحكيم العبد
hakim.eg.vg
[email protected]
[email protected]
+20189063054
الهوامش
ساحة النقاش