موقع الدكتور عبد الحكيم العبد على كنانة أون لاين

صفحات لنشر المؤلفات ومخاطبة القارئ والتعبير عن مكنون النفس

 

 (وجازة دراسة) [1]

أولاد حارتنا لنجيب محفوظ

لغوية وغائية - عرض وتفسير

الدكتور عبد الحكيم العبد

اللغة أو دقائق الإبداع عند نجيب محفوظ 

لدى بياننا هذا الجانب الإيجابى فى أدب نجيب محفوظ احتجنا .. إلى التوطئة بنبذة فى علم المعانى ، ذاكرين أنه رغم الدقة الراقية والتقدم الكيفى والزمنى فى هذا العلم لدى العرب ، فإن التنبه إليه فى الأساليب الحديثة يكاد يكون ضئيلاً ، فإن وفق الكاتب إلى شىء  من الإبهار  فيه ، ففى أضيق الحدود ، وبحس حضارى كامن . أكثر من كونه بعلم عليم وصنعة صناع : وهو ما تبيناه فى فقرات استشهدت بها من نجيب محفوظ ومن ثروت أباظة ومن نور الدين الجامى فى ترجمة عبد العزيز البقوش؛ فى قسم(البيانية فى الأدب الحديث) آخر الفصل الثانى بدراستى "حصاد الأندية".

غائية توصيفية 

          فى توصيف واف بحاجة ملِحّة للتعريف بالرواية 1985م  للدكتور رشيد العنانى ، ووَفْقَ تصرف يسير لنا فى ترتيب الأفكار فى الجملة عرضت ثم  التوصيف اللازم بالقول بأنه : نزولا على عادة الطبقات الشعبية الموغلة فى التخلف ، أظهر نجيب محفوظ الأنبياء الثلاثة : فى صور مجاهدين بأقصى ما يملكون من قدرة لتحرير شعوبهم (قبائلهم) من الطغيان والنهب ، اللذين سرعان ما كانا يعودان للظهور عقب كل محاولة  - الأمر الذى وقع فيه العلم الحديث نفسه بتحالفه مع قوى القهر . بهذا التبسيط الشديد جرد محفوظ ، باقتدار فنى ، سادة الديانات الثلاث : اليهودية والمسيحية والإسلام (من إليهم) من قداستهم ،  ومثل (مثالية) متكاملة للتاريخ البشرى منذ تكوين الخليقة إلى اليوم .

فرصة ضائعة وقيمة مهدرة

(كاتب ضمير أمة)

ولع محفوظ بتمثيل الطغام والطغمة ولم ينظر فى تراث أو رسالة حضارية، كان وينبغى وما يزال لها دور فى التاريخ يستثير الضمائر ويستفز أجمل جنونة فن ؛ ولكن واسفاه على حظ بلادنا فى بعض أبنائها . لقد ضن أعظم روائى على أمته بحقها عليه  فى تمثيل وجدانها غير المنكور فى أغلى ما اضطلعت به وخدمت(الأديان الحنيفية السمحة المتعاقبة). حرم محفوظ نفسه فى نفس الوقت من أغلى جائزة تتوج مشواره ، وتجعله رمزا ومثواه مزارا : جائزة أن يكون الكاتب الممثل لضمير أمته.

وقد دار درسى لرواية أولاد حارتنا حول المحاور الآتية

▪ محاكاة الألوهية – آدم وولديه - أصحاب النبوات والعلماء

▪ محاكاة بعثة الأنبياء الثلاثة فى حياة الحارة

▪ تفسير / فقهية إبداعية خاصة -  تجريب اجتزاء وبقية جدوى

▪ وبطبيعة الحال خصص محور للتعريف بدراسة لاوعى المجموع ومزالقها عند يونج.

*كانت دراستى هناك محاولة على طريق النقد العلمى أو الموضوعى أهدف بها إلى جلاء التوصيف التعديلى الذى مهدت به ؛ وهذا  فى ضوء  بعض مبادئ نقدية مستقرة ، وفى ضوء نظرية متكاملة فى الشخصية عند كارل يونج ، وفى ضوء من القصص الدينى الذى استغله المؤلف . 

كانت المبادئ النقدية هناك بادئ بدء ، لا تخرج عما يأتى:

▪  ضرورة التدقيق فى بناء العمل الفنى ومراميه

▪  خطر مسالك اللبس فى الأعمال الإبداعية ، وما يلحق المبدعين أنفسهم من ذلك .

▪  للفنانين إسماح بالتعبير ، وربما نطق الجاهل أو المتجاهل بالكلمة وخلده بضدها آهل كما يقول أبو العلاء . 

رغم ذلك وشىء يبقى

*رغم ذلك وغيره لم يعد شك فى أن نصيب الرموز الكبيرة من التسطيح فى مثل هذا التجريب الروائى كرموز الأنبياء والأب (الله جل وعلا) نصيب موفور. ولولا التأويل بأنه محاكاة أو سخرية لغلب الظن بأنه امتهان مقصود أو مكرس ؛ ولاسيما أنه لا قرينة كافية على أن الأستاذ نجيب محفوظ كان يرمز –ولو من طريق التعريض الفنى برموز الثورة الناصرية التىربما بدأت دلائل تأليهها لأنفسها فى إبان نشر الرواية على صفحات الأهرام سنة 1959م بين القراء المت  ضورين جوعا فى هذه الحقبة من الثورة الناصرية ، بتعبير العنانى .

*وقد قررنا مع هذا أن الرواية تبقى فى تقديرنا مجرد مشروع أو تجريب  إبداعى فنى الدافعية إلى حد كبير ، مؤسس باجتزاء ضار على نظرية عند كارل يونج ؛ ولا أتصور أنه يمثل معتقد الكاتب فى الرموز الدينية نفسها ؛ بل فيمن يأخذونها على هذا النحو . وهو تجريب كان يكون له قيمة أعظم بكثير فيما لو لم يقتصر على جانب "اللاوعى الجمعى" فى هذه النظرية؛  وأعطى لناحيتى "اللاوعى الشخصى" و "الوعى" فى شخصيات روايته ما أعطته النظرية الأصلية لهما أيضا 0 هنا كان يمكن للرواية أن تعمل فى مجالها الحيوى ، ولا تهدر جهدا أو تهين جليلا .

*وحسَبت للرواية أنها ترينا شيئا يجوز أن يسند لنجيب محفوظ فى نهاية الأمر ، وهو رؤيته لمأساة الجنس البشرى ، أو قدره الموزع بين مثاليات وخيريات المعارف الكونية الكبرى (الأديان أو الأفكار العظيمة) ، وبين الطبيعة المسلكية الجمعية المسوقة بلاوعيها  أو بتغرير طغاة خبثاء فى التاريخ ؛  فضلا عن استهدافنا تأمل رؤية نجيب محفوظ العبثية المتمثلة فى رؤيته الأخرى بعجز العلم نفسه عن الفكاك من تحكم الغُشْم أو التسلط فى المجتمع المتقدم نفسه . وهى مفارقة سيلجأ الكاتب بسببها إلى اصطناع مفارقة أخرى - كان له مندوحة عنها - وهى حمله الديانات الكبرى - قبل العلم - على محامل أسطورية : قلنا إن النظرية العلمية النفسية الأصلية تراها فى خيال الجماعة ؛ ولكننا نراها هنا مفارقة أو مفتعلة ؛ لأن معالجة الكاتب لهذه القضية على هذا النحو التعاطفى/الانفعالى (الدراماتيكى) لا مثيل له فى أساطير المجتمع الذى يوجه له الكاتب رسالته أو بوحه الفنى ؛ ومن ثم يبقى العمل مجرد محاولة لتجريب نظرة نفسية غربية ، ترى فى الأديان مجرد نظم بدائية ، وقولا لا يستحق أن يلحق بتجارب نجيب محفوظ السابقة وغيرها فى الشكل الغربى ، والتى رأت الدراسات أن نجيب محفوظ نفسه استيأس من التأثير به فى جماعته وفى عصره ، وأنه من ثم اتجه فى مرحلة رابعة من حياته إلى المنحى الحكوى العربى من نحو أسلوب المقامات وألف ليلة وليلة والحكايات الشعبية الأخرى ؛ وهو الاتجاه الآخذ فى التكرس عند تلاميذ نجيب محفوظ من أمثال الغيطانى والقعيد وغيرهما ؛ لو أن لهما احتفالا بجماليات اللغة التى تكاد تكون فطرة فى أسلوب محفوظ كما قدمنا .  

hakim.eg.vg
[email protected]
[email protected]
+20189063054

 


[1]  عبد الحكيم العبد/ حصاد الأندية فى الأدب المعاصر فى مصر  

المصدر: كتابنا/ حصاد الأندية فى الأدب المعاصر: مدخل ودراسات تحليلية نقدية فى القصة والرواية والمسرحية والشعر الشعبى، 1425هـ- 2005م دورية الرواية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، العدد 9، 2013م

التحميلات المرفقة

HAKIM

موقع dr,hakimعلى كنانة أون لاين

  • Currently 173/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
57 تصويتات / 1085 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2009 بواسطة HAKIM

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

348,255

الدكتور عبد الحكيم عبد السلام العبد

HAKIM
◘ خريج قسم اللغة العربية واللغات الشرقية ، جامعة الإسكندرية 1964م. ◘ أستاذ مشارك متفرغ بمركز اللغات والترجمة، أكاديمية الفنون، الجيزة، مصر. ◘ خبير للغة العربية ، وخلال الإنجليزية. ◘ استشارى ثقافى. ◘ الخبرات: ▪ أستاذ وخبير أبحاث ومحاضر ومعلم فى مستويات التعليم : العالى والمتوسط والعام. ▪ مؤلف للعديد »