لم تكن الأجيال السابقة تستشعر هذه الفجوة الهائلة في المعرفة ، بل كان التقارب المعرفي يتيح القيام بعملية التربية في نقل الخبرات والمعارف بشكل بسيط ، الان تطورت التكنولوجيا ، و اصبحت كمية المعلومات المتاحة للاجيال الجديدة مضاعفة وتلزم القائمين على التواصل معهم ببذل مزيد من الجهد لاستثمار هذا الكم من الوسائل المتاحة ، فهل يستطيع الآباء والأمهات الان التحكم في طرق التربية التي يتبعونها مع ابنائهم ، وهل يعاني الوالدان فقط من الابناء ام يعاني الابناء ايضا من آبائهم في ظل هذه التطورات الضخمة المستمرة ،
كل نشاط انساني أشبه بالكائن الحي ، ينمو ويتطور دائماً ، وكذلك التربية والتواصل ، اصبحت تتطلب مهارات خاصة من القائمين عليها لوضع نماذج إرشادية تعلمنا كيف نتعامل مع اجيال تنافس في معارفها خبرات الكبار ،
لابد ان نفكر في طرق انسب لهذا العصر ، ربما يكون مفهوم التكنو تربية مناسبا للبحث و المعرفة ،،
،،
الاعلام والتكنو تربية
،،
في عملية التربية تتطور مفاهيم الناس وعلاقاتهم ببعضهم البعض و علاقاتهم بالبيئة المحيطة ، المفترض ان هذا التطور نحو الافضل ، والتربية تتطور بتطور العصور ، تستخدم المفردات و المستحدثات ، في اتجاه اعادة تكيف الفرد مع متغيرات تدخل حياته لتحسينها بدلا من تدميرها ، لترقيتها و تهذيبها ، او تهذيبنا لنستعيد لياقتنا للتعامل مع الحياة ، او لاستمرارنا على قيد الحياة متكيفين متفاعلين معها ، لا خارجين عن نص الدنيا ، او قادمين من آلة زمن الماضي ، التربية تستهدف الانسان نفسيا وجسديا وعقليا واجتماعيا ، في كل الاعمار ، فلا تتوقف عملية التربية عند الطفولة ، انما لكل مرحلة تربيتها ، حتى ان العديد من الخبراء والمدربين ، يخضعون انفسهم لتدريبات قاسية ملزمة قبل ان يطبقوا برامجهم التدريبية على اخرين ،،
وكما تعاونت علوم وافكار التربية مع علم النفس ومع علم الاجتماع ، والعلوم الشرعية ، ، بل وكافة العلوم التي تنقل معارف متنوعة للبشر ،، فقد اصبح من المهم في هذا العصر ان تتضافر التربية مع التكنولوجيا ، مع علوم الاتصال والاعلام ، خاصة ما يتعلق بتكنولوجيا التواصل ، وان نعرف الكثير عن تكنولوجيا التربية ،تلك التي تعني بالاستفادة من كل الامكانات التكنولوجية لبناء الانسان ، ويتفرع منها تكنولوجيا التعليم التي تشمل تطوير المناهج والاساليب وتحديث الوسائط التعليمية ، ان تدخل التحديثات في التعليم لا ان تكون مجرد اجراءات شكلية لتسديد خانات ،، ان معرفة بعض المفاهيم التقنية والاعلامية والتربوية ، مفاهيم التكنو تربية ، سيسهل علينا التعامل مع انفسنا ومع اجيال متعددة قُدّر لها التعامل معا في هذا العصر مع اختلاف كبير في طرق التعامل مع مستحدثاته ،
وقبل ان تحيد تطورات التكنولوجيا والتواصل عن أهدافها ، دعونا نتذكر ان الطباعة ، والصحف ، والراديو ، والتليفزيون كلها وسائل ، أوجدتها الحاجة للأخبار وللمعرفة ، والاعلام ، ثم تحول مسارها لتحتل الإثارة المراتب المتقدمة لأهدافها ، لأسباب تتعلق بالشق التجاري للاستخدام التكنولوجي ، واستسلمنا لذلك ، ثم جاءت شبكات التواصل الاجتماعي التي اتاحت نوعا من الاعلام الجديد ، فأصبحنا جميعا شركاء في صناعة المحتوى لا استهلاكه ، وربما هنا تكون اللحظة المناسبة حتى لا نفوتها كما فوتنا ما قبلها ، ،
ان استثمار وسائل الاعلام الاجتماعي التي تنتشر من خلال عدد من الأجهزة المحمولة فتتيح إنشاء وتبادل المحتوى بين المواطنين بعدما أصبحوا اعلاميين منافسين ، بل احيانا يحاول الاعلاميون الاحترافيون منافسة المواطن الاعلامي بمزيد من التواصل عبر الشبكات الاجتماعية خاصة بعد شعورهم بتهديدات تهز عروش احترافيتهم،
تتيح شبكات التواصل ، وسائل الاعلام الاكثر انتشارا الان قدرات هائلة على تحديد الموقع والزمن والاهمية وترتيب الاولويات، وتضع اجندة النقاشات و تفرض اساليب التفكير ، وتؤكد سطوة الرأي العام ،
نعم لقد عشنا مزيدا من العزلة الرقمية ، وأصبحنا على كثرة عدد الاصدقاء اكثر وحدة ، نعم لقد صار منا الكثير ممن يفضل الرسائل النصية على المحادثات الصوتية ، لقد فقدنا قدرا كبيرا من حميمية اللقاءات المباشرة ، لكننا في ذات الوقت كنا اكثر وضوحا في تحديد رغباتنا ، وكتابة افكارنا ، والرجوع الى ما تم الاتفاق عليه ، وفي ذات الوقت ايضا مازال يمكننا استثمار القدرات الهائلة على التواصل ودعم الثقة والتعبير عن الذات وتوثيق الاحداث ، يمكننا ان نتعامل مع انفسنا باحترافية مؤسسات تنافس المؤسسات العالمية في الرؤية ، والرسالة ، والمهمة والهدف ، يمكننا ان نسوّق لانفسنا بما ينافس الماركات العالمية ، يمكننا ان نبحث عن معلومات وان نوثق ما نحتاجه ، يمكننا ان نتعلم كيف نستقبل ما يرسله الآخرون من محترفين وهواة من رسائل ، وننقيها ونقيمها قبل ان تتبادلها ، او نشارك في نشرها ، يمكننا التعلم والتدريب طوال الوقت ،، ويبدو اننا كافراد قمنا بعقد مقارنات بين الاثار السلبية والايجابية الناتجة عن استخدامنا لشبكات التواصل ، وحسمت اختياراتنا نتائج المقارنات ، فهل تستطيع ان تغلق حسابك الان ؟ ان حصر اصحاب اجابة نعم او لا يؤكد اننا اخترنا الاستمرار ،
ومع ذلك فقد اثارت اتاحة اجهزة الموبايل الحديثة في أيدي الصغار مخاوف الكبار ، فمنعت المدارس اصطحابها ، بل ان عقوبات واستدعاءات لاولياء الأمور تزايدت لتراكم اعداد المستخدمين ، والمنتهكين لقواعد المدارس الصارمة تجاه التعامل مع الموبايل ، ومنعت بعض الكليات العديد من مواقع التواصل الاكثر شعبية داخل حرمها ، ، الا ان بعض المدارس الغربية بدأت بالسماح باستخدام الموبايل داخل الفصل الدراسيين واستطاعت عدة مدارس ان تنجح في تقديم تجارب تستثمر قدرات الطلبة على التركيز والمحادثة والتعلم ، وقد حدثني الاعلامي الكبير الاستاذ فاروق شوشة في عام ٢٠١٤ ، عن تجربة في الامارات لاستخدام الموبايل لتعليم الاطفال مبادئ اللغة العربية عبر موقع تويتر ، لتحفيزهم على التغريد والتسابق في زمن محدد ، في تجربة تدريبية اثبتت قدرا كبيرا من النجاح ، بعدما حققت قدرا كبيرا من التواصل بين الاطفال والمدربين ، و اثارت النقاشات و الانتقادات حتى ساهمت في دعم المعلومات وترسيخها ،
لم تعد التربية الاعلامية مجرد رفاهية بل تزايدت أهميتها ، واتسعت فرص استخدامها ، ومقاومة الاثار السلبية لها بدعم الاستخدام الإيجابي ، في كل مؤسسات التعليم لمختلف الاعمار ، وحتى يمكننا دعمها في الملتقيات والتجمعات المفتوحة بين الناس ، يمكننا ايضا استثمار الالفاظ التي طغت على حياتنا ، مثل ، شارك ، عاجل ، هام ، في دعم أولوياتنا ونشر المعلومات والأفكار وإعادة ترتيب اجندة الهموم والاهتمامات ، وخلق نقاشات مجتمعية حول المعتقدات ، والقيم ، واستحداث بعض القيم الجديدة لمواكبة التغيرات ، و توثيق الموروثات ، ودعم النافع ومحاربة الضار منها ، و شن حملات لمكافحة أمراض مجتمعية ، وقد نجحت بعض التجارب التي تؤكد انه يمكننا الاستثمار المعرفي في هذا ،
اصبحت التربية الاعلامية و إدماج تقنيات المعلومات والاتصال في المنظومة التربوية ، و استحداث اساليب تكنو تربوية ، اصبحت كلها الان تدريبات لابد منها داخل كل المؤسسات ، ولا تقتصر فقط على مجتمعات الطلبة ، بل الطلبة والمدرسين والاسرة ومؤسسات العمل ، والمؤسسات الاجتماعية ، لاننا نتعامل يوميا مع وسائل الاعلام الاحترافية وغير الاحترافية ، عبر وسائل الاعلام التقليدية و شبكات التواصل الاجتماعي ، فينبغي ان نتدرب لدعم الاستخدام الامثل لوسائل الاعلام ، ولمواقع التواصل الاجتماعي ، والتعليم عن بعد ومهارات صناعة المحتوى ، والرسالة الاعلامية و بناء الجملة الصحيحة وتحديد الفروق في التناول بين الاخبار والاراء والمعلومات ، وتحديدموضوعات النقاش ، والقاء الضوء على قضايا جديدة هامة لا يتناولها الاعلام الاحترافي ، وتوزيع الأدوار ، و احترام النقاش ، وهكذا
ومع تعاظم الامكانات التكنولوجية ، وانتشار الاعلام الاجتماعي ، و زيادة الإقبال اليومي على استخدام شبكات التواصل ، وانتشار مهرجانات الفن والاعلام والانتاج منخفض التكاليف ، للأغاني والبرامج والافلام ، التفتت العديد من دول العالم لاهمية التدريب في مجال التربية الاعلامية ، و التكنولوجية ، بل وأرست التشريعات الخاصة بالاستخدام والتدريب ،
لقد تحدثنا كثيرا عن مخاوفنا من اثار سلبية محتملة التزايد من استخدام الاعلام عبر شبكات التواصل الاجتماعي ، لدرجة التقصير في استخدام الامكانات المتاحة ، فكم معلومة عرفناها عبر الفيسبوك وتويتر واليوتيوب ، وكم من نقاش حقق تواصلا وتفاعلا وتطورا في رؤية أطرافه
،،
ففي عام 1990 أصدرت الحكومة الإسبانية تشريعًا أدخل المناهج الخاصة بالاتصال الجماهيري ضمن البرامج التعليمية، ودعم ذلك تشريع ثانٍ صدر عام 2006.
كما أصدرت الحكومة البرازيلية عام 2014 قانونا في مجال التربية الإعلامية.
وفي عام 2014 أصبحت لدى المكسيك إستراتيجية للتربية الإعلامية، كما يتم تنظيم ورش عمل لإكساب الطلاب مهارات إعلامية،
وفي نيجيريا، القارة السمراء . منذ مؤتمر أبوجا تسعى اليونسكو لنشر ثقافة محو الأمية الإعلامية، لتدريب الناس على تنقية ما يتعرضون له من معلومات ، وكذلك كيفية صناعة المحتوى الشخصي ، وتوسيع أهداف البرامج التعليمية وتدريب المعلمين، ووضع عديد من السياسات خاصةً فيما يتعلق بتشكيل تحالف للتثقيف الإعلامي ، وقد تم تأسيس نادٍ في المدارس لمحو الأمية الإعلامية بدأ نشاطاته في مدينة أبوجا، لمواجهة افكار الجماعات المتطرفة
.
وتعرف جمعية الاتصالات الأمريكية تكنولوجيا التربية بأنها " عملية متشابكة ومتداخلة تشمل الأفراد والأساليب والأفكار والأدوات والتنظيمات اللازمة لتحليل المشكلات التي تدخل في جميع جوانب التعليم الإنساني وابتكار الحلول المناسبة لهذه المشكلات وتنفيذها وتقويم نتائجها وإدارة العملية المتصلة بذلك"
الاعلام و تكنولوجيا المعلومات والتربية عمليات تقوم على فكرة اساسية هي الاتصال
وإذا كانت تكنولوجيا التربية هي المعنية بصناعة الإنسان الواعي المتفاعل المؤثر في مجتمعه ، وتشمل استخدام كل إمكانات التكنولوجيا بهدف بناء الإنسان ، "فإن تكنولوجيا التعليم هي المعنية بتحسين وتطوير عملية التعليم والتعلم التي يتلقاها هذا الإنسان في المؤسسات التعليمية المختلفة . والاعلام وسائله وعلى جناحيه تصل الافكار ،
نحو تطوير مفاهيم التربية ، والتعليم ، والانشطة البدنية مستفيدين من التكنولوجيا لا مستسلمين لأضرارها
صباح تك
شاركونا
العاشرة صباح السبت