اسلاميات

edit

1- محمد بن إسماعيل البخاري:

محمد بن إسماعيل البخاري أهم علماء الحديث عند أهل السنة والجماعة وهو صاحب صحيح البخاري أصح الكتب عند أهل السنة بعد القرآن.

نسبه ونشأته:

هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي مولاهم أبو عبد الله البخاري الأوزبكي وأصلة من الأوزبك من مدينة بخارى في أوزبكستان.

ولد الإمام البخاري في ليلة الجمعة الثالث عشر من شوال سنة أربع وتسعين ومائة 194 هـ ومات أبوه وهو صغير، فنشأ في حجر أمه، فتوجّه إلى حفظ الحديث وهو في المكتب، وقرأ الكتب المشهورة وهو ابن ست عشرة سنة حتى قيل إنه كان يحفظ وهو صبي سبعين ألف حديثاً سندًا ومتنًا، وقد كان أصيب بصره وهو صغير، فرأت أمه إبراهيم الخليل فقال: يا هذه، قد رد الله على ولدك بصره بكثرة دعائك أو قال بكائك فأصبح وهو بصير.

ملامح شخصيته:

تمتع الإمام البخاري بصفات عذبة وشمائل كريمة، لا تتوافر إلا في العلماء المخلصين، وهذه الصفات هي التي صنعت الإمام البخاري:الإقبال على العلم: قام البخاري بأداء فريضة الحج وعمره ثماني عشرة سنة فأقام بمكة يطلب بها الحديث ثم رحل بعد ذلك إلى سائر مشايخ الحديث في البلدان التي أمكنته الرحلة إليها وكتب عن أكثر من ألف شيخ.
الجد في تحصيل العلم: وقد كان البخاري يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه فيوقد السراج ويكتب الفائدة تمر بخاطرة ثم يطفئ سراجه ثم يقوم مرة أخرى وأخرى حتى كان يتعدد منه ذلك قريبا من عشرين مرة.

قوة حفظه وذاكرته:

وهب الله الإمام البخاري منذ طفولته قوة في الذكاء والحفظ من خلال ذاكرة قوية تحدى بها أقوى الاختبارات التي تعرض لها في عدة مواقف.يقول البخاري ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب وكان سنه عشر سنين، ولما بلغ البخاري ست عشرة سنة كان قد حفظ كتب ابن المبارك ووكيع.
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان كان أبو عبد الله البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام فكنا نقول له إنك تختلف معنا ولا تكتب فما تصنع فقال لنا يوما بعد ستة عشر يوما إنكما قد أكثرتما على وألححتما فاعرضا على ما كتبتما فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد على خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه ثم قال أترون أني اختلف هدرا وأضيع أيامي فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد.
وقال ابن عدي حدثني محمد بن أحمد القومسي سمعت محمد ابن خميرويه سمعت محمد بن إسماعيل يقول أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح.
قال وسمعت أبا بكر الكلواذاني يقول ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل كان يأخذ الكتاب من العلماء فيطلع عليه اطلاعة فيحفظ عامة أطراف الأحاديث بمرة.

تفوقه على أقرانه في الحديث:

ظهر نبوغ البخاري مبكرا فتفوق على أقرانه، وصاروا يتتلمذون على يديه، ويحتفون به في البلدان

فقد روي أن أهل المعرفة من البصريين يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه وكان شابا لم يخرج وجهه.

روي عن يوسف بن موسى المروروذي يقول كنت بالبصرة في جامعها إذ سمعت مناديا ينادي يا أهل العلم قد قدم محمد بن إسماعيل البخاري فقاموا في طلبه وكنت معهم فرأينا رجلا شابا يصلي خلف الأسطوانة فلما فرغ من الصلاة أحدقوا به وسألوه أن يعقد لهم مجلس الإملاء فأجابهم فلما كان الغد اجتمع قريب من كذا كذ ألف فجلس للإملاء وقال يا أهل البصرة أنا شاب وقد سألتموني أن أحدثكم وسأحدثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدون منها.

قال أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا لإسناد هذا وإسناد هذا لمتن هذا ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس فاجتمع الناس وانتدب أحدهم فسأل البخاري عن حديث من عشرته فقال لا أعرفه وسأله عن آخر فقال لا أعرفه وكذلك حتى فرغ من عشرته فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون الرجل فهم ومن كان لا يدري قضى على البخاري بالعجز ثم انتدب آخر ففعل كما فعل الأول والبخاري يقول لا أعرفه ثم الثالث وإلى تمام العشرة فلما علم أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال أما حديثك الأول فكذا والثاني كذا والثالث كذا إلى العشرة فرد كل متن إلى إسناده وفعل بالآخرين مثل ذلك فأقر له الناس بالحفظ فكان ابن صاعد إذا ذكره يقول الكبش النطاح.

روي عن أبي الأزهر قال كان بسمرقند أربعمائة ممن يطلبون الحديث فاجتمعوا سبعة أيام وأحبوا مغالطة البخاري فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق وإسناد اليمن في إسناد الحرمين فما تعلقوا منه بسقطة لا في الإسناد ولا في المتن

وقال أحيد بن أبي جعفر والي بخارى قال محمد بن إسماعيل يوما رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر فقلت له : يا أبا عبد الله بكماله قال: فسكت.

من كلمات البخاري:

"لا أعلم شيئا يحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة"

"ما جلست للحديث حتى عرفت الصحيح من السقيم وحتى نظرت في عامة كتب الرأي وحتى دخلت البصرة خمس مرات أو نحوها فما تركت بها حديثا صحيحا إلا كتبته إلا ما لم يظهر لي"

ما أردت أن أتكلم بكلام فيه ذكر الدنيا إلا بدأت بحمد الله والثناء عليه".

مصنفاته:

تهيأت أسباب كثيرة لأن يكثر البخاري من التأليف؛ فقد منحه الله ذكاءً حادًّا، وذاكرة قوية، وصبرًا على العلم ومثابرة في تحصيله، ومعرفة واسعة بالحديث النبوي وأحوال رجاله من عدل وتجريح، وخبرة تامة بالأسانيد؛ صحيحها وفاسدها. أضف إلى ذلك أنه بدأ التأليف مبكرًا؛ فيذكر البخاري أنه بدأ التأليف وهو لا يزال يافع السن في الثامنة عشرة من عمره، وقد صنَّف البخاري ما يزيد عن عشرين مصنفًا، منهاالجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله وسننه وأيامه، المعروف بـ الجامع الصحيح أو صحيح البخاري - حمل من المكتبة الوقفية
الأدب المفرد: وطُبع في الهند والأستانة والقاهرة طبعات متعددة - حمل من المكتبة الوقفية
التاريخ الكبير: وهو كتاب كبير في التراجم، رتب فيه أسماء رواة الحديث على حروف المعجم، وقد طبع في الهند سنة (1362هـ = 1943م).
التاريخ الصغير: وهو تاريخ مختصر للنبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه ومن جاء بعدهم من الرواة إلى سنة (256هـ = 870م)، وطبع الكتاب لأول مرة بالهند سنة (1325هـ = 1907م)
خلق أفعال العباد: وطبع بالهند سنة 1306هـ = 1888م حمل من المكتبة الوقفية
رفع اليدين في الصلاة: وطبع في الهند لأول مرة سنة (1256هـ = 1840م) مع ترجمة له بالأوردية - حمل من المكتبة الوقفية
الكُنى: وطبع بالهند سنة (1360هـ = 1941م
الضعفاء الصغير - حمل من المكتبة الوقفية
وله كتب مخطوطة لم تُطبع بعد، مثل: التاريخ الأوسط، قلت هو مطبوع في حلب باسم التاريخ الصغير والتفسير الكبير

صحيح البخاري لدى ويكي مصدر نص أصلي يتعلق بهذا المقال: صحيح البخاري

هو أشهر كتب البخاري، بل هو أشهر كتب الحديث النبوي قاطبة. بذل فيه صاحبه جهدًا خارقًا، وانتقل في تأليفه وجمعه وترتيبه وتبويبه ستة عشر عامًا، هي مدة رحلته الشاقة في طلب الحديث. ويذكر البخاري السبب الذي جعله ينهض إلى هذا العمل، فيقول: كنت عند إسحاق ابن راهويه، فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع "الجامع الصحيح"

عدد أحاديث الكتاب 7275 حديثًا، اختارها من بين ستمائة ألف حديث كانت تحت يديه؛ لأنه كان مدقِّقًا في قبول الرواية، واشترط شروطًا خاصة في رواية راوي الحديث، وهي أن يكون معاصرًا لمن يروي عنه، وأن يسمع الحديث منه، أي أنه اشترط الرؤية والسماع معًا، هذا إلى جانب الثقة والعدالة والضبط والإتقان والعلم والورع

كان البخاري لا يضع حديثًا في كتابه إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين، وابتدأ البخاري تأليف كتابه في المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولم يتعجل إخراجه للناس بعد أن فرغ منه، ولكن عاود النظر فيه مرة بعد أخرى، وتعهده بالمراجعة والتنقيح؛ ولذلك صنفه ثلاث مرات حتى خرج على الصورة التي عليها الآن

قد استحسن شيوخ البخاري وأقرانه من المحدِّثين كتابه، بعد أن عرضه عليهم، وكان منهم جهابذة الحديث، مثل: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين؛ فشهدوا له بصحة ما فيه من الحديث، ثم تلقته الأمة بعدهم بالقبول باعتباره أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى. أقبل العلماء على كتاب الجامع الصحيح بالشرح والتعليق والدراسة، بل امتدت العناية به إلى العلماء من غير المسلمين؛ حيث دُرس وتُرجم، وكُتبت حوله عشرات الكتب.

محنة الإمام البخاري:

كان البخاري شريف النفس فقد بعث إليه بعض السلاطين ليأتيه حتى يسمع أولاده عليه فأرسل إليه في بيته العلم والحلم يؤتى يعني إن كنتم تريدون ذلك فهلموا إلي وأبى أن يذهب إليهم والسلطان خالد بن أحمد الذهلي نائب الظاهرية ببخارى فبقى في نفس الأمير من ذلك فاتفق أن جاء كتاب من محمد بن يحيى الذهلي بأن البخاري يقول لفظه بالقرآن مخلوق وكان وقد وقع بين محمد بن يحيى الذهلي وبين البخاري في ذلك كلام وصنف البخاري في ذلك كتاب أفعال العباد فأراد أن يصرف الناس عن السماع من البخاري وقد كان الناس يعظمونه جدا وحين رجع إليهم نثروا على رأسه الذهب والفضة يوم دخل بخارى عائدا إلى أهله وكان له مجلس يجلس فيه للإملاء بجامعها فلم يقبلوا من الأمير فأمر عند ذلك بنفيه من تلك البلاد فخرج منها ودعا على خالد بن أحمد فلم يمض شهر حتى أمر ابن الظاهر بأن ينادى على خالد بن أحمد على أتان وزال ملكه وسجن في بغداد حتى مات ولم يبق أحد يساعده على ذلك إلا ابتلي ببلاء شديد فنزح البخاري من بلده إلى بلدة يقال لها خرتنك على فرسخين من سمرقند فنزل عند أقارب له بها وجعل يدعو الله أن يقبضه إليه حين رأى الفتن في الدين ولما جاء في الحديث (وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين)، ولقي الإمام ربه بعد هذه المحنة.

ثناء العلماء عليه:

شهد العلماء والمعاصرون للبخاري بالسبق في الحديث، ولقّبوه بأمير المؤمنين في الحديث، وهي أعظم درجة ينالها عالم في الحديث النبوي، وأثنوا عليه ثناءً عاطرًا..

فيقول عنه ابن خزيمة: "ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاري".
وقال أبو العباس الدعولي كتب أهل بغداد إلى البخاري... المسلمون بخير ما حييت لهم... وليس بعدك خير حين تفتقد... وقال الفلاس كل حديث لا يعرفه البخاري فليس بحديث

قال أبو نعيم أحمد بن حماد هو فقيه هذه الأمة وكذا قال يعقوب بن إبراهيم الدورقي ومنهم من فضله في الفقه والحديث على الإمام أحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وقال قتيبة بن سعيد "جالست الفقهاء والعباد والزهاد؛ فما رأيت -منذ عقلت- مثل محمد بن إسماعيل، وهو في زمانه كعمر في الصحابة".

وقبَّله تلميذه النجيب "مسلم بن الحجاج" -صاحب صحيح مسلم- بين عينيه، وقال له: "دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذِين، وسيد المحدِّثين، وطبيب الحديث في علله".

وفاته:

فكانت وفاته ليلة عيد الفطر وكان ليلة السبت عند صلاة العشاء وصلي عليه يوم العيد بعد الظهر من هذه السنة أعنى سنة ست وخمسين ومائتين وكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة وفق ما أوصى به وكان عمره يوم مات ثنتين وستين سنة وقد ترك بعده علما نافعا لجميع المسلمين فعلمه لم ينقطع بل هو موصول بما أسداه من الصالحات في الحياة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به) الحديث رواه مسلم وشرطه في صحيحه هذا أعز من شرط كل كتاب صنف في الصحيح لا يوازيه فيه غيره لا صحيح مسلم ولا غيره.

  • Currently 109/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
34 تصويتات / 657 مشاهدة

الخنســـاء أم الشهداء

مقدمة

هي -أم عمرو- تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد السليمية الملقبة بالخنساء من أشهر شاعرات العرب. وقد أجمع علماء الشعر أنه لم تكن امرأة أشعر منها...وشعرها كله في رثاء أخويها معاوية وصخر اشتهر رثاؤها في أخويها وعظم مصابها. وأنشدت الخنساء في سوق عكاظ بين يدي النابغة الذبياني وحسان بن ثابت فقال لها النابغة (اذهبي فأنت أشعر من كل ذات ثديين. ولولا أن هذا الأعمى (يعني الأعشى) أنشدني قبلك لفضلتك على شعراء هذا الموسم).
حالها في الجاهلية

 عرفت الخنساء (رضي الله عنها) بحرية الرأي وقوة الشخصية ونستدل على ذلك من خلال نشأتها في بيت عـز وجاه مع والدها وأخويها معاوية وصخر، والقصائد التي كانت تتفاخر بها بكرمهما وجودهما، وأيضا أثبتت قوة شخصيتها برفضها الزواج من دريد بن الصمة أحد فرسان بني جشم ؛ لأنها آثرت الزواج من أحد بني قومها، فتزوجت من ابن عمها رواحة بن عبد العزيز السلمي، إلا أنها لم تدم طويلا معه ؛ لأنه كان يقامر ولا يكترث بماله،لكنها أنجبت منه ولدا ، ثم تزوجت بعده من ابن عمها مرداس بن أبي عامر السلمي ، وأنجبت منه أربعة أولاد.

بكاؤها على أخيها صخر 

قُتل أخوها صخر في الجاهلية فبكته كثيرًا، وقالت فيه شعرًا منه: 

    أعينيَّ جودا ولا تجمــدا    ألا تبكيـان لصخر الندى

   ألا تبكيان الجريء الجميل   ألا تبكيان الفتى السيـدا

   ساد عشيرته أمــردا    طويـل العماد عظيم الرماد

 وبعد إسلامها قالت: "كنت أبكي لصخر على الحياة، فأنا اليوم أبكي له من النار"، وبعد ظهور الإسلام قدِمت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مع قومها من بني سليم، فأسلمت وحسُن إسلامها.

 وأكثر ما اشتهرت به الخنساء فى الجاهلية هو شعرها وخاصة رثاؤها لأخويها صخر ومعاوية والذين ما فتأت تبكيهما حتى خلافة عمر ومما يذكر فى ذلك ما كان بين الخنساء وهند بنت عتبة قبل إسلامها ......نذكره لنعرف إلى أى درجة اشتهرت الخنساء بين العرب فى الجاهلية بسبب رثائها أخويها.
عندما كانت وقعة بدر قتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، فكانت هند بنت عتبة ترثيهم، وتقول بأنها أعظم العرب مصيبة. وأمرت بأن تقارن مصيبتها بمصيبة الخنساء في سوق عكاظ ، وعندما أتى ذلك اليوم، سألتها الخنساء : من أنت يا أختاه؟ فأجابتها : أنا هند بنت عتبة أعظم العرب مصيبة، وقد بلغني أنك تعاظمين العرب بمصيبتك فبم تعاظمينهم أنت؟ فقالت: بأبي عمرو الشريد ،

وأخي صخر ومعاوية . فبم أنت تعاظمينهم؟ قالت الخنساء: أوهم سواء عندك؟ ثم أنشدت هند بنت عتبة تقول:
أبكي عميد الأبطحين كليهما ومانعها من كل باغ يريدها
أبي عتبة الخيرات ويحك فاعلمي وشيبة والحامي الذمار وليدها
أولئك آل المجد من آل غالب وفي العز منها حين ينمي عديدها
فقالت الخنساء:
أبكي أبي عمراً بعين غزيـرة قليل إذا نام الخلـي هجودها
وصنوي لا أنسى معاوية الذي له من سراة الحرتيـن وفودها
و صخرا ومن ذا مثل صخر إذا غدا بساحته الأبطال قــزم يقودها
فذلك يا هند الرزية فاعلمي ونيران حرب حين شب وقودها
إسلامها

قال ابن عبد البر في الاستيعاب "قدمت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مع قومها من بني سليم فأسلمت معهم"
وتعد الخنساء من المخضرمين ؛ لأنها عاشت في عصرين : عصر الجاهلية وعصر الإسلام ، وبعد ظهور الإسلام أسلمت وحسن إسلامها .(2)
أهم ملامح شخصيتها
1- قوة الشخصية

عرفت بحرية الرأي وقوة الشخصية ونستدل على ذلك من خلال نشأتها في بيت عـز وجاه مع والدها وأخويها معاوية وصخر، والقصائد التي كانت تتفاخر بها بكرمهما وجودهما، وأيضا أثبتت قوة شخصيتها برفضها الزواج من دريد بن الصمة أحد فرسان بني جشم ؛ لأنها آثرت الزواج من أحد بني قومها.
2-الخنساء شاعرة

يغلب عند علماء الشعر على أنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها. كان بشار يقول: إنه لم تكن امرأة تقول الشعر إلا يظهر فيه ضعف، فقيل له: وهل الخنساء كذلك، فقال تلك التي غلبت الرجال
أنشدت الخنساء قصيدتها التي مطلعها:
قذى بعينيك أم بالعين عوار . . ذرفت إذ خلت من أهلها الدار
وسئل جرير عن أشعر الناس فـأجابهم: أنا، لولا الخنساء ، قيل فيم فضل شعرها عنك، قال: بقولها
إن الزمان ومـا يفنى له عجـب . . أبقى لنا ذنبا واستؤصل الــرأس

3- البلاغة وحسن المنطق والبيان
في يوم من الأيام طلب من الخنساء أن تصف أخويها معاوية وصخر، فقالت: أن صخرا كان الزمان الأغبر، وذعاف الخميس الأحمر. وكان معاوية القائل الفاعل. فقيل لها: أي منهما كان أسنى وأفخر ؟ فأجابتهم : بأن صخر حر الشتاء ، ومعاوية برد الهواء. قيل: أيهما أوجع وأفجع؟ فقالت: أما صخر فجمر الكبد ، وأما معاوية فسقام الجسد
4- الشجاعة والتضحية.
ويتضح ذلك في موقفها يوم القادسية واستشهاد أولادها . فقالت الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم .
ولها موقف مع الرسول( صلي الله عليه وسلم ) فقد كان يستنشدها فيعجبه شعرها وكانت تنشده وهو يقول : " هيه يا خناس " . أو يومي بيده (3)
أثر الرسول فى تربيتها</b> تلك المرأة العربية التي سميت بالخنساء، واسمها تماضر بنت عمرو، ونسبها ينتهي إلى مضر.مرت بحالتين متشابهتين لكن تصرفها تجاه كل حالة كان مختلفا مع سابقتها أشد الاختلاف, متنافرا أكبر التنافر, أولاهما في الجاهلية, وثانيهما في الإسلام. وإن الذي لا يعرف السبب يستغرب من تصرف هذه المرأة.
- أما الحالة الأولى فقد كانت في الجاهلية يوم سمعت نبأ مقتل أخيها صخر, فوقع الخبر على قلبها كالصاعقة في الهشيم, فلبت النار به, وتوقدت جمرات قلبها حزنا عليه, ونطق لسانها بمرثيات له بلغت عشرات القصائد, وكان مما قالته:
قذى بعينك أم بالعين عوار أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدار
كأن عيني لذكراه إذا خطرت فيض يسيل على الخدين مدرار
وإن صخرا لوالينا وسيدنا وإن صخرا إذا نشتو لنحار
وإن صخرا لمقدام إذا ركبوا وإن صخرا إذا جاعوا لعقار
وإن صخرا لتأتم الهداة به كــأنـه عـلـم في رأســــــــــه نار
حـمـال ألويـة هبـاط أوديــة شهــاد أنديــة للجيــش جرار
ومما فعلته حزنا على أخويها "صخر ومعاوية" ما روي عن عمر أنه شاهدها تطوف حول البيت وهي محلوقة الرأس, تلطم خديها, وقد علقت نعل صخر في خمارها.
- أما الحالة الثانية التي مرت بها هذه المرأة والتي هي بعيدة كل البعد عن الحالة الأولى: فيوم نادى المنادي أن هبي جيوش الإسلام للدفاع عن الدين والعقيدة ونشر الإسلام، فجمعت أولادها الأربعة وحثتهم على القتال والجهاد في سبيل الله،

فبعد انتصار المسلمين على الفرس في معركة القادسية سألت الخنساء بنت عمرو عن أبنائها الأربعة، فقالوا لها كتبت لهم الشهادة.
وكان ردها كلمات مضيئة عاشت على جبين الأيام، تضيء الطريق للمؤمنين في كل مكان.
وفي الليلة السابقة على المعركة قدمت لأبنائها وصية خالدة تؤكد صدق إيمانها وقوة بيانها.
أكدت لهم أنهم من اصل طيب كريم وينتظرهم عمل كبير عظيم، من شأنه رفع لواء الإسلام ونشر دعوة الحق، أما الجزاء فمن جنس العمل إما النصر أو الشهادة.
هي تماضر بنت عمرو بن الشريد السلمية، تكنى بأم عمرو ولقبها “الخنساء”، والخنساء هي الظبية.
كانت مع ليلى الأخيلية، أشعر نساء العرب، قالوا عنها إنها غلبت فحول الشعراء وأذهلت أهل الفصاحة والبيان ببلاغتها وعبقريتها، اشتهرت في الجاهلية برثائها في أخويها صخر ومعاوية وعاشت 71 عاما.
جاءت مع قومها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأعلنت إسلامها وكان الرسول يعجب ببلاغتها وكذلك عمر بن الخطاب.
جاءت إلى المدينة في موسم الحج في خلافة عمر وكانت ترتدي ملابس الجاهلية فقال لها: هذا ليس من الإسلام، ومن تبكين هلكوا في الجاهلية وهم في النار فأنشدته من شعرها وقالت:
كنت أبكي عليهم من الثأر واليوم أبكي لهم من النار
سألتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بعد أن جاءت على عصاها لكبر سنها ترتدي خمارا ممزقا، وصدارا من الشعر: أتلبسين هذا وقد نهى الإسلام عنه؟ فقالت: لم أعلم بنهيه.
فقالت أم المؤمنين عائشة: ما الذي بلغ بك ما أرى؟ قالت: موت أخي، وأخذت تعدد عليها مآثره وحسن شمائله، وكيف ساعدها في محنتها وشاطرها ماله، بالإضافة إلى شجاعته التي كانت مضرب الأمثال، ووسامته التي فاقت كل التصورات.
كان موت أخويها هو الذي أطلق شرارة موهبتها، فانطلقت تكتب قصائدها ومراثيها، ولما جاء الإسلام تغيرت أحوالها من النقيض إلى النقيض، وأصبحت إنسانة جديدة تؤمن بالله ورسوله وملائكته وكتبه واليوم الآخر.
كانت شاعرة تتقاذفها الأهواء والأحداث، وأصبحت مسلمة مؤمنة تعرف حدود دين الله، وتحرص على تنفيذها بصدق وإخلاص، تركت الشعر إلا قليلا، وقرأت القرآن بكرة وأصيلا، شهدت موقعة القادسية مع المسلمين ضد الفرس في السنة الرابعة عشرة للهجرة في عهد الفاروق عمر بن الخطاب مع أبنائها الأربعة.
وحين خرج سعد بن أبي وقاص على رأس جيش الإسلام لبت النداء ودفعت أبناءها إلى الجهاد، وقالت لهم كلمات كتبها المؤرخون بحروف من النور.
جاء الفرس في هذه المعركة بجيش جرار يفوق جيش المسلمين في كل شيء تتقدمه الخيول والأفيال، لكن جند الإسلام لم يترددوا ولم يتقهقروا ولكن أقدموا وتقدموا فزلزلوا الأرض من تحت أقدام أعدائهم، وارتدت عليهم الخيول والأفيال فولوا الأدبار ولاذوا بالفرار.
“يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتقُواْ اللّهَ لَعَلكُمْ تُفْلِحُونَ” (آل عمران: 200)، وأحرز المسلمون النصر المبين في هذه المعركة الفاصلة.
قبل المعركة أوصت الخنساء أولادها بوصيتها الخالدة: “يا بنيّ، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما هجنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم، واعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية، اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون، فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها، وحلت نارا على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها، عند احتدام خميسها (جيشها) تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة”.
ولما جاء الصباح تقدموا الصفوف يحركهم إيمانهم وتدفعهم وصيه الأم الصالحة، جاهدوا جهاد الفاتحين الشجعان حتى قتلوا جميعا، فلما بلغها الخبر قالت: “الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم جمعيا في سبيل الله، ونصرة دينه، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته”، وجاءت وفاتها في أول خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه ثالث الخلفاء الراشدين سنة 24 ه - 646م.
واصلت المرأة المؤمنة رحلة الحياة زاهدة في متاعها راضية بما قسم الله لها قائمة صائمة قارئة لآيات الذكر الحكيم.

1- استشهاد الأبناء
فلما أصبح الأبناء باشروا القتال واحداً بعد واحد حتى قتلوا ... وكل منهم أنشد قبل أن يستشهد

فقد قال الأول : يا إخوتي إن العجوز النّاصحة قد نصحتنا إذ دعتنا البارحة
بمقالـة ذات بيـان واضحـة..وإنّما تَلْقَـونَ عندَ الصّابِحة
من آل ساسان كلاباً نابحة )

وأنشد الثاني : إن العجـوز ذات حزم وجَلَـد ... قد أمرتْنَا بالسّـدَادِ والرَّشَـد
نصيحـةً منها وَبرّاً بالولـد...فباكِرُوا الحَرْبَ حماةًفي العدد )

وأنشد الثالث : واللهِ لا نعصي العجوزَ حَرْفَا ....نُصْحاً وبِرّاً صَادِقاً ولطفا

فبادِرُوا الحربَ الضَّروسَ زَحْفاً ...حتّى تَلَقَّوْا آل كسْرَى لَفّا )

وأنشد الرابع : لسـتُ لخنساءَ ولا للأخر. .ززولا لعمروٍ ذي السِّعاءِ الأقدم

أنْ لم أرِد في الجيش خنس الأعجمي ...ماضٍ على الهولِ خِضَمّ حَضْرِمي )

ضربت أعظم الأمثلة في الصبر والتضحية والفداء، ومن يستطيع الصبر كما صبرت، أو يقول كما قالت، أو يحتسب كما احتسبت، أو يفعل كما فعلت.
عندما سمعت منادي الجهاد كانت أول الملبين، وعندما خرج فرسان المسلمين كانت مع أبنائها الأربعة في طليعة الصفوف، لم تلن لها قناة أو يرتجف لها قلب أو يهتز لها يقين.
باتت ليلتها تنصح أبناءها وتدفعهم إلى القتال في سبيل الله دفعا، وفي الصباح استجاب الأبناء البررة إلى دعوة الأم الكريمة المؤمنة، قاتلوا قتال الفرسان وجاهدوا جهاد الشجعان وشاركوا في الفوز بالنصر، وفي نهاية المطاف مع النبيين والصديقين شهداء أحياء عند ربهم يرزقون.
سألت الخنساء عن أبنائها وعرفت مصيرهم، فدعت الله أن تكون معهم في مستقر رحمته، لم تلطم خدا ولا شقت جيبا، لكنها قالت كما يقول المؤمنون الصابرون “إنا لله وإنا إليه راجعون”.!

 ومن لا يعرف السبب الذي حول هذه المرأة من حال إلى حال يظل مستغربا, ويبقى في حيرة من أمره فهذه المرأة تسلل إلى قلبها أمر غــير حياتها , وقلب أفكارها, ورأب صدع قلبها, إنها باختصار دخلت في الإسلام, نعم دخلت في الإسلام الذي أعطى مفاهيم جديدة لكل شيء, مفاهيم جديدة عن الموت والحياة والصبر والخلود.
فانتقلت من حال الـيـأس والقــنـوط إلى حـال الـتـفـاؤل والأمـل، وانتقلت من حال القـلـق والاضـطـراب إلى حال الطـمأنـيـنة والاســتقرار، وانتقلت من حالة الشرود والضياع إلى حالة الوضوح في الأهداف, وتوجيه الجهود إلى مرضاة رب العالمين. نعم هذا هو الإسلام الذي ينقل الإنسان من حال إلى حال, ويرقى به إلى مصاف الكمال, فيتخلى عن كل الرذائل, ويتحلى بكل الشمائل, ليقف ثابتا في وجه الزمن, ويتخطى آلام المحن, وليحقق الخلافة الحقيقية التي أرادها الله للإنسان خليفة على وجه الأرض. (4)
من مواقفها مع الصحابة لها موقف يدل علي وفائها ونبلها مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فلم تزل الخنساء تبكي على أخويها صخرا ومعاوية حتى أدركت الإسلام فأقبل بها بنو عمها إلى عمر بن الخطاب( رضي الله عنه) وهي عجوز كبيرة فقالوا : يا أمير المؤمنين هذه الخنساء قد قرحت مآقيها من البكاء في الجاهلية والإسلام فلو نهيتها لرجونا أن تنتهي . فقال لها عمر : اتقي الله وأيقني بالموت فقالت : أنا أبكي أبي وخيري مضر : صخراً ومعاوية . وإني لموقنة بالموت فقال عمر : أتبكين عليهم وقد صاروا جمرة في النار ؟ فقالت : ذاك أشد لبكائي عليهم ؛ فكأن عمر رق لها فقال : خلوا عجوزكم لا أبا لكم فكل امرئ يبكي شجوه ونام الخلي عن بكاء الشجي.

من كلماتها
كانت لها موعظة لأولادها قبيل معركة القادسية قالت فيها:
"يا بني إنكم أسلمتم وهاجرتم مختارين والله الذي لا إله غيره إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم . وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين . واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية يقول الله عز وجل : " يا أيها الذي أمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون " . فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائه مستنصرين . وإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها وجللت نارا على أرواقها فتيمموا وطيسها وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة ". (6)
فلما وصل إليها نبأ استشهادهم جميعاً قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.

شِعرها وخصائصه

تُعـد الخنساءُ من الشعراء المخضرَمين، تفجَّر شعرها بعد مقتل أخويها صخر ومعاوية، وخصوصًا أخوها صخر، فقد كانت تحبه حبًّا لا يوصف، ورثته رثاءً حزينًا، وبالغت فيه حتى عُدَّت أعظم شعراء الرثاء، ويغلب على شعر الخنساء البكاء والتفجُّع والمدح والتكرار؛ لأنها سارت على وتيرة واحدة، ألا وهي وتيرة الحزن والأسى وذرف الدموع، وعاطفتها صادقة نابعة من أحاسيسها الصادقة، ونلاحظ ذلك من خلال أشعارها.

وهناك بعض الأقوال والآراء التي وردت عن أشعار الخنساء: ومنها:

"كانت أشعر النساء حتى قيل إنه لم تكن امرأةٌ قبلها ولا بعدها أشعرَ منها، وكان بشار بن برد يقول: إنه لم تكن امرأة تقول الشعر إلا يظهر فيه ضعف، فقيل له: وهل الخنساء كذلك، فقال تلك التي غلبت الرجال، وعدَّها البعض أعظم الشعراء على الإطلاق، حتى قال النابغة الذبياني:"الخنساء أشعر الجن والإنس"،

وفاتها:
توفيت بالبادية في أول خلافة عثمان رضي الله عنه سنة 24هـ.

almarawan

المروان

  • Currently 173/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
57 تصويتات / 4723 مشاهدة
نشرت فى 22 يوليو 2010 بواسطة almarawan

مصعب بن عمير
أول سفراء الاسلام

هذا رجل من أصحاب محمد ما أجمل أن نبدأ به الحديث.

غرّة فتيان قريش، وأوفاهم جمالا، وشبابا..

يصف المؤرخون والرواة شبابه فيقولون:" كان أعطر أهل مكة"..

ولد في النعمة، وغذيّ بها، وشبّ تحت خمائلها.

ولعله لم يكن بين فتيان مكة من ظفر بتدليل أبويه بمثل ما ظفر به "مصعب بن عمير"..

ذلك الفتر الريّان، المدلل المنعّم، حديث حسان مكة، ولؤلؤة ندواتها ومجالسها، أيمكن أن يتحوّل الى أسطورة من أساطير الايمان والفداء..؟

بالله ما أروعه من نبأ.. نبأ "مصعب بن عمير"، أو "مصعب الخير" كما كان لقبه بين المسلمين.

انه واحد من أولئك الذين صاغهم الاسلام وربّاهم "محمد" عليه الصلاة والسلام..

ولكن أي واحد كان..؟
ان قصة حياته لشرف لبني الانسان جميعا..

لقد سمع الفتى ذات يوم، ما بدأ أهل مكة يسمعونه من محمد الأمين صلى الله عليه وسلم..

"محمد" الذي يقول أن الله أرسله بشيرا ونذيرا. وداعيا الى عبادة الله الواحد الأحد.

وحين كانت مكة تمسي وتصبح ولا همّ لها، ولا حديث يشغلها الا الرسول عليه الصلاة والسلام ودينه، كان فتى قريش المدلل أكثر الناس استماعا لهذا الحديث.

ذلك أنه كان على الرغم من حداثة سنه، زينة المجالس والندوات، تحرص كل ندوة أن يكون مصعب بين شهودها، ذلك أن أناقة مظهره ورجاحة عقله كانتا من خصال "ابن عمير التي تفتح له القلوب والأبواب..

ولقد سمع فيما سمع أن الرسول ومن آمن معه، يجتمعون بعيدا عن فضول قريش وأذاها.. هناك على الصفا في درا "الأرقم بن أبي الأرقم" فلم يطل به التردد، ولا التلبث والانتظار، بل صحب نفسه ذات مساء الى دار الأرقم تسبقه أشواقه ورؤاه...

هناك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه فيتلو عليهم القرآن، ويصلي معهم لله العليّ القدير.

ولم يكد مصعب يأخذ مكانه، وتنساب الآيات من قلب الرسول متألفة على شفتيه، ثم آخذة طريقها الى الأسماع والأفئدة، حتى كان فؤاد ابن عمير في تلك الأمسية هو الفؤاد الموعود..!

ولقد كادت الغبطة تخلعه من مكانه، وكأنه من الفرحة الغامرة يطير.

ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بسط يمينه الحانية حتى لامست الصدر المتوهج، والفؤاد المتوثب، فكانت السكينة العميقة عمق المحيط.. وفي لمح البصر كان الفتى الذي آمن وأسلم يبدو ومعه من الحكمة ما بفوق ضعف سنّه وعمره، ومعه من التصميم ما يغيّر سير الزمان..!!!

كانت أم مصعب "خنّاس بنت مالك" تتمتع بقوة فذة في شخصيتها، وكانت تهاب الى حد الرهبة..

ولم يكن مصعب حين أسلم ليحاذر أو يخاف على ظهر الأرض قوة سوى امه.

فلو أن مكة بل أصنامها وأشرافها وصحرائها، استحالت هولا يقارعه ويصارعه، لاستخف به مصعب الى حين..

أما خصومة أمه، فهذا هو الهول الذي لا يطاق..!

ولقد فكر سريعا، وقرر أن يكتم اسلامه حتى يقضي الله أمرا.

وظل يتردد على دار الأرقم، ويجلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قرير العين بايمانه، وبتفاديه غضب أمه التي لا تعلم خبر اسلامه خبرا..

ولكن مكة في تلك الأيام بالذات، لا يخفى فيها سر، فعيون قريش وآذانها على كل طريق، ووراء كل بصمة قدم فوق رمالها الناعمة اللاهبة، الواشية..

ولقد أبصر به "عثمان بن طلحة" وهو يدخل خفية الى دار الأرقم.. ثم رآه مرة أخرى وهو يصلي كصلاة محمد صلى الله عليه وسلم، فسابق ريح الصحراء وزوابعها، شاخصا الى أم مصعب، حيث ألقى عليها النبأ الذي طار بصوابها...

ووقف مصعب أمام أمه، وعشيرته، وأشراف مكة مجتمعين حوله يتلو عليهم في يقين الحق وثباته، القرآن الذي يغسل به الرسول قلوبهم، ويملؤها به حكمة وشرفا، وعدلا وتقى.

وهمّت أمه أن تسكته بلطمة قاسية، ولكن اليد التي امتدت كالسهم، ما لبثت أن استرخت وتنحّت أمام النور الذي زاد وسامة وجهه وبهاءه جلالا يفرض الاحترام، وهدوءا يفرض الاقناع..

ولكن، اذا كانت أمه تحت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب والأذى، فان في مقدرتها أن تثأر للآلهة التي هجرها بأسلوب آخر..

وهكذا مضت به الى ركن قصي من أركان دارها، وحبسته فيه، وأحكمت عليه اغلاقه، وظل رهين محبسه ذاك، حتى خرج بعض المؤمنين مهاجرين الى أرض الحبشة، فاحتال لنفسه حين سمع النبأ، وغافل أمه وحراسه، ومضى الى الحبشة مهاجرا أوّابا..

ولسوف يمكث بالحبشة مع اخوانه المهاجرين، ثم يعود معهم الى مكة، ثم يهاجر الى الحبشة للمرة الثانية مع الأصحاب الذين يأمرهم الرسول بالهجرة فيطيعون.

ولكن سواء كان مصعب بالحبشة أم في مكة، فان تجربة ايمانه تمارس تفوّقها في كل مكان وزمان، ولقد فرغ من اعداة صياغة حياته على النسق الجديد الذي أعطاهم محمد نموذجه المختار، واطمأن مصعب الى أن حياته قد صارت جديرة بأن تقدّم قربانا لبارئها الأعلى، وخالقها العظيم..

خرج يوما على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله، فما ان بصروا به حتى حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعا شجيّا..

ذلك أنهم رأوه.. يرتدي جلبابا مرقعا باليا، وعاودتهم صورته الأولى قبل اسلامه، حين كانت ثيابه كزهور الحديقة النضرة، وألقا وعطرا..

وتملى رسول الله مشهده بنظرات حكيمة، شاكرة محبة، وتألقت على شفتيه ابتسامته الجليلة، وقال:

" لقد رأيت مصعبا هذا، وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه، ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله".!!

لقد منعته أمه حين يئست من ردّته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة.. وأبت أن يأكل طعامها انسان هجر الآلهة وحاقت به لعنتها، حتى ولو يكون هذا الانسان ابنها..!!

ولقد كان آخر عهدها به حين حاولت حبسه مرّة أخرى بعد رجوعه من الحبشة. فآلى على نفسه لئن هي فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه..

وانها لتعلم صدق عزمه اذا همّ وعزم، فودعته باكية، وودعها باكيا..

وكشفت لحظة الوداع عن اصرار عجيب على الكفر من جانب الأم واصرار أكبر على الايمان من جانب الابن.. فحين قالت له وهي تخرجه من بيتها: اذهب لشأنك، لم أعد لك أمّا. اقترب منها وقال:"يا أمّه اني لك ناصح، وعليك شفوق، فاشهدي بأنه لا اله الا الله، وأن محمدا عبده ورسوله"...

أجابته غاضبة مهتاجة:" قسما بالثواقب، لا أدخل في دينك، فيزرى برأيي، ويضعف عقلي"..!!

وخرج مصعب من النعمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثرا الشظف والفاقة.. وأصبح الفتى المتأنق المعطّر، لا يرى الا مرتديا أخشن الثياب، يأكل يوما، ويجوع أياماو ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة، والمتألقة بنور الله، كانت قد جعلت منه انسانا آخر يملأ الأعين جلال والأنفس روعة...

وحين اذ ، اختاره الرسول لأعظم مهمة في حينها: أن يكون سفيره الى المدينة، يفقّه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا الرسول عند العقبة، ويدخل غيرهم في دين الله، ويعدّ المدينة ليوم الهجرة العظيم..

كان في أصحاب رسول الله يومئذ من هم أكبر منه سنّا وأكثر جاها، وأقرب من الرسول قرابة.. ولكن الرسول اختار مصعب الخير، وهو يعلم أنه يكل اليه بأخطر قضايا الساعة، ويلقي بين يديه مصير الاسلام في المدينة التي ستكون دار الهجرة، ومنطلق الدعوة والدعاة، والمبشرين والغزاة، بعد حين من الزمان قريب..

وحمل مصعب الأمانة مستعينا بما أنعم الله عليه من رجاحة العقل وكريم الخلق، ولقد غزا أفئدة المدينة وأهلها بزهده وترفعه واخلاصه، فدخلوا في دين الله أفواجا..

لقد جاءها يوم بعثه الرسول اليها وليس فيها سوى اثني عشر مسلما هم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة، ولكنه لم يكد يتم بينهم بضعة أشهر حتى استجابوا لله وللرسول..!!

وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة، كان مسلمو المدينة يرسلون الى مكة للقاء الرسول وفدا يمثلهم وينوب عنهم.. وكان عدد أعضائه سبعين مؤمنا ومؤمنة.. جاءوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم اليهم "مصعب ابن عمير".

لقد أثبت "مصعب" بكياسته وحسن بلائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كيف يختار..

فلقد فهم مصعب رسالته تماما ووقف عند حدودها. وعرف أنه داعية الى الله تعالى، ومبشر بدينه الذي يدعوا الناس الى الهدى، والى صراط مستقيم. وأنه كرسوله الذي آمن به، ليس عليه الا البلاغ..

هناك نهض في ضيافة "أسعد بم زرارة" يفشيان معا القبائل والبيوت والمجالس، تاليا على الناس ما كان معه من كتاب ربه، هاتفا بينهم في رفق عظيم بكلمة الله
(انما الله اله واحد)..


ولقد تعرّض لبعض المواقف التي كان يمكن أن تودي به وبمن معه، لولا فطنة عقله، وعظمة روحه..

ذات يوم فاجأه وهو يعظ الناس "أسيد بن خضير" سيد بني عبد الأشهل بالمدينة، فاجأه شاهرا حربته و يتوهج غضبا وحنقا على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم.. ويدعوهم لهجر آلهتهم، ويحدثهم عن اله واحد لم يعرفوه من قبل، ولم يألفوه من قبل..!

ان آلهتهم معهم رابضة في مجاثمها واذ احتاجها أحد عرف مكانها وولى وجهه ساعيا اليها، فتكشف ضرّه وتلبي دعاءه... هكذا يتصورون ويتوهمون..

أما اله محمد الذي يدعوهم اليه باسمه هذا السفير الوافد اليهم، فما أحد يعرف مكانه، ولا أحد يستطيع أن يراه..!!

وما ان رأى المسلمون الذين كانوا يجالسون مصعبا مقدم أسيد ابن حضير متوشحا غضبه المتلظي، وثورته المتحفزة، حتى وجلوا.. ولكن مصعب الخير ظل ثابتا وديعا، متهللا..

وقف اسيد أمامه مهتاجا، وقال يخاطبه هو وأسعد بن زرارة:

"ما جاء بكما الى حيّنا، تسهفان ضعفاءنا..؟ اعتزلانا، اذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة"..!!

وفي مثل هدوء البحر وقوته..

وفي مثل تهلل ضوء الفجر ووداعته.. انفرجت أسارير مصعب الخير وتحرّك بالحديث الطيب لسانه فقال:

"أولا تجلس فتستمع..؟! فان رضيت أمرنا قبلته.. وان كرهته كففنا عنك ما تكره". الله أكبر. ما أروعها من بداية سيسعد بها الختام..!!
كان أسيد رجلا أريبا عاقلا.. وها هو ذا يرى مصعبا يحتكم معه الى ضميره، فيدعوه أن يسمع لا غير.. فان اقتنع، تركه لاقتناعه وان لم يقتنع ترك مصعب حيّهم وعشيرتهم، وتحول الى حي آخر وعشيرة أخرى غير ضارّ ولا مضارّ..

هنالك أجابه أسيد قائلا: أنصفت.. وألقى حربته الى الأرض وجلس يصغي..

ولم يكد مصعب يقرأ القرآن، ويفسر الدعوة التي جاء بها محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، حتى أخذت أسارير أسيد تبرق وتشرق.. وتتغير مع مواقع الكلم، وتكتسي بجماله..!!

ولم يكد مصعب يفرغ من حديثه حتى هتف به أسيد بن حضير وبمن معه قائلا:

"ما أحسن هذا القول وأصدقه.. كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين"..؟؟

وأجابوه بتهليلة رجّت الأرض رجّا، ثم قال له مصعب:

"يطهر ثوبه وبدنه، ويشهد أن لا اله الا الله".

فعاب أسيد عنهم غير قليل ثم عاد يقطر الماء الطهور من شعر رأسه، ووقف يعلن أن لا اله الا الله، وأن محمدا رسول الله..

وسرى الخبر كالضوء.. وجاء سعد بن معاذ فأصغى لمصعب واقتنع، وأسلم ثم تلاه سعد بن عبادة، وتمت باسلامهم النعمة، وأقبل أهل المدينة بعضهم على بعض يتساءلون: اذا كان أسيد بن حضير، وسعد ابن معاذ، وسعد بن عبادة قد أسلموا، ففيم تخلفنا..؟ هيا الى مصعب، فلنؤمن معه، فانهم يتحدثون أن الحق يخرج من بين ثناياه..!!

لقد نجح أول سفراء الرسول صلى الله عليه وسلم نجاحا منقطع النظير.. نجاحا هو له أهل، وبه جدير..

وتمضي الأيام والأعوام، ويهاجر الرسول وصحبه الى المدينة، وتتلمظ قريش بأحقادها.. وتعدّ عدّة باطلها، لتواصل مطاردتها الظالمة لعباد الله الصالحين.. وتقوم غزوة بدر، قيتلقون فيها درسا يفقدهم بقية صوابهم ويسعون الى الثأر،و تجيء غزوة أحد.. ويعبئ المسلمون أنفسهم، ويقف الرسول صلى الله عليه وسلم وسط صفوفهم يتفرّس الوجوه المؤمنة ليختار من بينها من يحمل الراية.. ويدعو مصعب الخير، فيتقدم ويحمل اللواء..

وتشب المعركة الرهيبة، ويحتدم القتال، ويخالف الرماة أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، ويغادرون موقعهم في أعلى الجبل بعد أن رأوا المشركين ينسحبون منهزمين، لكن عملهم هذا، سرعان ما يحوّل نصر المسلمين الى هزيمة.. ويفاجأ المسلمون بفرسان قريش تغشاهم من أعلى الجبل، وتعمل فيهم على حين غرّة، السيوف الظامئة المجنونة..

حين رأوا الفوضى والذعر في صفوف المسلمين، ركزا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لينالوه..

وأدرك مصعب بن عمير الخطر الغادر، فرفع اللواء عاليا، وأطلق تكبيرة كالزئير، ومضى يجول ويتواثب.. وكل همه أن يلفت نظر الأعداء اليه ويشغلهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه، وجرّد من ذاته جيشا بأسره.. أجل، ذهب مصعب يقاتل وحده كأنه جيش لجب غزير..

يد تحمل الراية في تقديس.. ويد تضرب بالسيف في عنفوان..

ولكن الأعداء يتكاثرون عليه، يريدون أن يعبروا فوق جثته الى حيث يلقون الرسول..

لندع شاهد عيان يصف لنا مشهد الخاتم في حياة مصعب العظيم..!!

يقول ابن سعد: أخبرنا ابراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري، عن أبيه قال:

[حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد، فلما جال المسلمون ثبت به مصعب، فأقبل ابن قميئة وهو فارس، فضربه على يده اليمنى فقطعها، ومصعب يقول: وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل..

وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه، فضرب يده اليسرى فقطعها، فحنا على اللواء وضمّه بعضديه الى صدره وهو يقول: وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل..

ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأندق الرمح، ووقع مصعب، وسقط اللواء

وقع مصعب.. وسقط اللواء..!!

وقع حلية الشهادة، وكوكب الشهداء..!!

وقع بعد أن خاض في استبسال عظيم معركة الفداء والايمان..

كان يظن أنه اذا سقط، فسيصبح طريق القتلة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاليا من المدافعين والحماة..

ولكنه كان يعزي نفسه في رسول الله عليه الصلاة والسلام من فرط حبه له وخوفه عليه حين مضى يقول مع كل ضربة سيف تقتلع منه ذراعا:

(وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل)

هذه الآية التي سينزل الوحي فيما بعد يرددها، ويكملها، ويجعلها، قرآنا يتلى..

وبعد انتهاء المعركة المريرة، وجد جثمان الشهيد الرشيد راقدا، وقد أخفى وجهه في تراب الأرض المضمخ بدمائه الزكية..

لكأنما خاف أن يبصر وهو جثة هامدة رسول الله يصيبه السوء، فأخفى وجهه حتى لا يرى هذا الذي يحاذره ويخشاه..!!

أو لكأنه خجلان اذ سقط شهيدا قبل أن يطمئن على نجاة رسول الله، وقبل أن يؤدي الى النهاية واجب حمايته والدفاع عنه..!!

لك الله يا مصعب.. يا من ذكرك عطر الحياة..!!

وجاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شهداءها..

وعند جثمان مصعب، سالت دموع وفيّة غزيرة..

يقول خبّاب بن الأرت:

[هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل اله، نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله.. فمنا من مضى، ولم يأكل من أجره في دنياه شيئا، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد.. فلم يوجد له شيء يكفن فيه الا نمرة.. فكنا اذا وضعناها على رأسه تعرّت رجلاه، واذا وضعناها على رجليه برزت رأسه، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اجعلوها مما يلي رأسه، واجعلوا على رجليه من نبات الاذخر"..]..

وعلى الرغم من الألم الحزين العميق الذي سببه رزء الرسول صلى الله عليه وسلم في عمه حمزة، وتمثيل المشركين يجثمانه تمثيلا أفاض دموع الرسول عليه السلام، وأوجع فؤاده..

وعلى الرغم مما امتلئت أرض المعركة بجثث أصحابه وأصدقائه الذين كان كل واحد منهم يمثل لديه عالما من الصدق والطهر والنور..
على الرغم من كل هذا، فقد وقف على جثمان أول سفرائه، يودعه وينعاه..


أجل.. وقف الرسول صلى الله عليه وسلم عند مصعب بن عمير وقال وعيناه تلفانه بضيائهما وحنانهما ووفائهما:

(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)

ثم ألقى في أسى نظرة على بردته التي مفن بها وقال لقد رأيتك بمكة، وما بها أرق حلة، ولا أحسن لمّة منك. "ثم هأنتذا شعث الرأس في بردة"..؟!

وهتف الرسول عليه الصلاة والسلام وقد وسعت نظراته الحانية أرض المعركة بكل من عليها من رفاق مصعب وقال:

"ان رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة".

ثم أقبل على أصحابه الأحياء حوله وقال:

"أيها الناس زوروهم،وأتوهم، وسلموا عليهم، فوالذي نفسي بيده، لا يسلم عليهم مسلم الى يوم القيامة، الا ردوا عليه السلام"..

السلام عليك يا مصعب..

السلام عليكم يا معشر الشهداء..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
والى ان نلتقى مع صحابى اخر من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سلمان الفارسى
الباحث عن الحقيقة

hurricane1

اللهم انى اعوذ بك من علم لا ينفع وعين لا تدمع وقلب لا يخشع وذنب لا يغفر ودعوة لا يستجاب لها

  • Currently 110/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
36 تصويتات / 869 مشاهدة
نشرت فى 3 أغسطس 2010 بواسطة hurricane1

3-عثمان بن عفان
"ذو النورين"
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة القرشي، أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الستة الذي جعل عمر الأمر شورى بينهم، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق، توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وهو عنه راضٍ صلى إلى القبلتيـن وهاجر الهجرتيـن وبمقتله كانت الفتنة الأولى في الإسلام


إسلامه
كان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- غنياً شريفاً في الجاهلية، وأسلم بعد البعثة بقليل، فكان من السابقين إلى الإسلام، فهو أول من هاجر إلى الحبشة مع زوجته رقيّة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الهجرة الأولى والثانية وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنّهما لأوّل من هاجر إلى الله بعد لوطٍ)... (إن عثمان لأول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوطٍ)...
وهو أوّل من شيّد المسجد، وأوّل من خطَّ المفصَّل، وأوّل من ختم القرآن في ركعة، وكان أخوه من المهاجرين عبد الرحمن بن عوف ومن الأنصار أوس بن ثابت أخا حسّان...
قال عثمان: (ان الله عز وجل بعث محمداً بالحق، فكنتُ ممن استجاب لله ولرسوله، وآمن بما بُعِثَ به محمدٌ، ثم هاجرت الهجرتين وكنت صهْرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبايعتُ رسول الله فوالله ما عصيتُه ولا غَشَشْتُهُ حتى توفّاهُ الله عز وجل
لمّا أسلم عثمان -رضي الله عنه- أخذه عمّه الحكم بن أبي العاص بن أميّة فأوثقه رباطاً، وقال: (أترغبُ عن ملّة آبائك إلى دين محدث؟ والله لا أحلّك أبداً حتى تدعَ ما أنت عليه من هذا الدين)... فقال عثمان: (والله لا أدَعُهُ أبداً ولا أفارقُهُ)... فلمّا رأى الحكم صلابتَه في دينه تركه...

  • Currently 90/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
30 تصويتات / 375 مشاهدة
نشرت فى 21 أغسطس 2010 بواسطة atef4english

4-على بن أبى طالب


هو علي بن أبي طالب، وأبو طالب هو عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي. ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته فاطمة سيدة نساء العالمين، وأبو السبطين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة. وعلى هو أول من أسلم من الصبيان أسلم بعد خديجة وأبي بكر، وقيل بل قبل أبي بكر، وعمره عشر سنين أوخمس عشرة سنة، وهو من العشرة المبشرين بالجنة، تآخى النبي صلى الله عليه وسلم معه عندما آخى بين المسلمين، وقال أنت أخي في الدنيا والآخرة. نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج مهاجرا، وتغطى ببردته ليعمى على المشركين المرابضين أمام بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يؤدي ما كان عنده من الأمانات إلى أهلها. ثم هاجر متخفيا ماشيا فتورمت قدماه من كثرة المشي حتى قدم المدينة، وشهد بدرا وأبلى فيها بلاء حسنا، وشهد أحدا وأصيب فيها بست عشرة إصابة، وكان حامل اللواء بعد استشهاد مصعب بن عمير، وشهد المشاهد كلها إلا يوم تبوك،


اسلامه



سبب إسلامه أنه دخل على النبي صلى اللّه عليه وسلم ومعه خديجة رضي اللّه عنها وهما يصليان سواء، فقال: ما هذا؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "دين اللّه الذي اصطفاه لنفسه وبعث به رسوله، فأدعوك إلى اللّه وحده لا شريك له، وإلى عبادته والكفر باللات والعزى" >>


فقال له عليٌّ: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلستُ بقاضٍ أمراً حتى أحدث أبا طالب. >>
وكره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يفشي سره قبل أن يستعلن أمره، فقال له: "يا عليّ! إن لم تُسلم فاكتم هذا". >>
فمكث عليٌّ ليلته، ثم إن اللّه تعالى هداه إلى الإسلام، فأصبح غادياً إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأسلم على يديه، وكان عليٌّ رضي اللّه عنه يخفي إسلامه خوفاً من أبيه، إلى أن اطلع عليه وأمره بالثبات عليه فأظهره حينئذٍ. أما أبو طالب فلم يرض أن يفارق دين آبائه، وتقول الشيعة: إنه أسلم في آخر حياته. >>
عن أنس بن مالك قال: بُعث النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم الاثنين، وأسلم عليٌّ يوم الثلاثاء، وهو ابن عشر سنين، وقيل: تسع، ولم يعبد الأوثان قط لصغره

  • Currently 75/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
25 تصويتات / 320 مشاهدة
نشرت فى 21 أغسطس 2010 بواسطة atef4english

5-الزبير بن العوام (حواري الرسول )

هو.الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، أبو عبد الله، لقب بحواري الرسول. ولد سنة 28 قبل الهجرة، وأسلم وعمره خمس عشرة سنة، كان ممن هاجر إلى الحبشة، و هاجر إلى المدينة، قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم "إن لكل نبي حوارياً وحواريّ الزبير"، تزوج اسماء بنت الصديق


اسلامه

أسلم الزبير بن العوام رضي الله عنه وعمره ثماني سنوات، وكان من السبعة الأوائل الذين سارعوا بالإسلام، ومن العشرة المبشرين بالجنة، ومن المهاجرين الستة الذين جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة فيهم لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات وقد صرح برضاه عنهم. عذبه عمه عندما أسلم وكان يلفه بالحصير ويعرضه على النار ليكفر بالله ورسوله قائلا (اكفر برب محمد أدرأ عنك هذا العذاب)، فيرد عليه الزبير (لا والله لا أعود للكفر أبدا). هاجر رضي الله عنه إلى الحبشة الهجرتين، وعاد ليغزو مع رسول الله في كافة غزواته

  • Currently 95/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
31 تصويتات / 393 مشاهدة
نشرت فى 21 أغسطس 2010 بواسطة atef4english

7-سعيد بن زيد

سعيد بن زيد، هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل بن عبد العُزّى بن رياح بن قُرط بن رَزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، القُرشي العَدَويُّ، أحد العشرة المبشرين بالجنة، أسلم قبل أن يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم دار الارقم

اسلامه

وضع سعيد بن زيد طاقاته الفتية كلها في خدمة الإسلام إذ أنه أسلم و سنه لم تجاوز العشرين بعد, فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) المشاهد كلها إلا (( بدراً )) , فقد غاب عن ذلك اليوم لأنه كان في مهمة كلفه إياها النبي عليه الصلاة والسلام.

وأسهم مع المسلمي في استلال عرش (( كسرى )) وتقويض ملك (( قيصر )), وكانت له في كل موقعة خاض غمارها المسلمون مواقفُ غرٌّ مشهودةٌّ , وأياد بيض محمودة .

  • Currently 105/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
35 تصويتات / 316 مشاهدة
نشرت فى 21 أغسطس 2010 بواسطة atef4english

_أبو عبيدة بن الجراح (امين الامه)

هو أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح -رضي الله عنه-، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وكان من أحب الناس إلى الرسول (، فقد سئلت عائشة -رضي الله عنها-: أي أصحاب رسول الله ( كان أحب إليه؟ قالت: أبو بكر. قيل: ثم من؟ قالت: عمر. قيل ثم من؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح.

وسماه رسول الله ( أمين الناس والأمة؛ حيث قال: "لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" [البخاري].


اسلامه

أحد السابقين الأولين إلى الاسلام أسلم على يد ابى بكر الصديق في الأيام الأولى للإسلام. هاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية
عندما بايع أبو عبيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن ينفق حياته في سبيل الله، كان مدركا تمام الادراك ما تعنيه هذه الكلمات الثلاث، في سبيل الله وكان على أتم استعداد لأن يعطي هذا السبيل كل ما يتطلبه من بذل وتضحية..
ومنذ بسط يمينه مبايعا رسوله، وهو لا يرى في نفسه، وفي ايّامه وفي حياته كلها سوى أمانة استودعها الله اياها لينفقها في سبيله وفي مرضاته، فلا يجري وراء حظ من حظوظ نفسه.. ولا تصرفه عن سبيل الله رغبة ولا رهبة..
ولما وفّى أبو عبيدة بالعهد الذي وفى به بقية الأصحاب، رأى الرسول في مسلك ضميره، ومسلك حياته ما جعله أهلا لهذا اللقب الكريم الذي أفاءه عليه،وأهداه اليه، فقال عليه الصلاة والسلام:
" أمين هذه الأمة، أبو عبيدة بن الجرّاح".

  • Currently 105/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
35 تصويتات / 367 مشاهدة
نشرت فى 21 أغسطس 2010 بواسطة atef4english

9-طلحه بن عبيد الله

طلحة بن عُبيد الله بن عثمان القُرشي التَّيمي المكي ، تلا فيه الرسول صلي الله عليهم وسلم هذة الأية الكريمة "من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله علية فمنهم من قضي نحبة ، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا"، ثم استقبل وجوه الصحابة ، وقال وهو يشير الي طلحة : "من اراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على رجليه فلينظر إلى طلحة بن عبيدالله" وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة.

اسلامه

كان طلحه رضي الله عنه في تجاره بأرض البصرى حين لقي راهبا من خيار رهبانها ، وأنبأه ان النبي الذي سيخرج في بلاد الحرمين ، والذي تنبأ به الانبياء الصالحون قد هل عصرة وأشرقت ايامة. ولم يرد طلحه ان بفوته هذ الموكب ، فإنه موكب الهدي والرحمه والإخلاص ... وحين عاد طلحة الي بلدة مكه بعد شهور قضاها في بُصرَى وفي السفر ، فكل ما يلتقي بأحد أو بجماعه منهم يسمعهم يتحدثون عن محمد الأمين .. وعن الوحي الذي يأتيه .. وعن الرساله التي يحملها الي العرب خاصه ، والي الناس كافه.. وسال طلحة أول ما سأل عن ابو بكرالصديق فعلم انه عاد مع قافلته وتجارنه من وقت قريب ، وانه يقف الي جوار محمد صلي الله عليه وسلم مؤمنا اوابا ... وحدث طلحة نفسه : محمد ، وابو بكر ....؟؟ تالله لا يجتمع الإثنان علي ضلاله أبدا ولقد بلغ محمد الأربعين من عمرة ، وما عهدنا عليه خللا هذا العمر كذبة واحده .. أفيكذب اليوم علي الله ، ويقول : إنة أرسلني وأرسل إلي وحيا ...؟؟ هذا هو الذي يصعب تصديقه .. واسرع طلحه الخطي الي دار ابي بكر ..ولم يطل بينهم الحديث ، فقد كان شوقه الي لقاء الرسول صلي الله عليه وسلم ومبياعته أسرع من دقات قلبه ... فصحبة أبو بكر الي الرسول عليه الصلاة والسلام ، حيث اسلم واخذ مكانه في القافله المباركه ... وهكذاكان طلحة من المسلمين المبكرين ...

  • Currently 92/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
31 تصويتات / 269 مشاهدة
نشرت فى 21 أغسطس 2010 بواسطة atef4english

10-عبد الرحمن بن عوف

عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي، الصحابي الشهير، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وخؤولة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولد بعد عام الفيل بعشر سنين فهو أصغر من النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنين. و كان ابن عوف سيّد ماله ولم يكن عبده، ولقد بلغ من سعة عطائه وعونه أنه كان يقال:"أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله، ثلث يقرضهم، وثلث يقضي عنهم ديونهم، وثلث يصلهم ويعطيهم


اسلامه

كان عبد الرحمن من السابقين الأولين إلى الإسلام، إذ أسلم قبل دخول النبي محمد دار الأرقم بن أبي الأرقم، وكان اسمه عبد عمرو وقيل عبد الحارث وقيل ايضا عبد الكعبة، فغيره النبي محمد إلى عبد الرحمن،واسلم معه أخوه ألاسود بن عوف وهاجر الهجرتين وشهد بدراً وسائر المشاهد، وآخى النبي محمد صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الخزرجي.
بعثه النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى دومة الجندل، ففتح الله عليه، وأذن له النبي محمد أن ينكح ابنة ملكهم، وهي تماضر بنت الأصبغ الكلبي.
ذكر شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في الإصابة: (قال معمر عن الزهري، تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشطر ماله، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله وخمسمائة راحلة).

  • Currently 106/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
36 تصويتات / 298 مشاهدة
نشرت فى 21 أغسطس 2010 بواسطة atef4english

اسمه ومولده :

هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، أصله من البصرة ، ولد عام (164) هـ ، في بغداد وتوفي والده وهو صغير، فنشأ يتيماً، وتولَّت رعايته أمه .

وقفة : اليتيم قد يكون ناجـحـاً في حياته :

نشأ الإمام أحمد ــ رحمه الله ــ في طلب العلم، وبدأ في طلب الحديث وعمرهُ خمس عشرة سنة، ورحل للعلم وعمرهُ عشرون سنة، والـتقى بعدد من العلماء منهم : الشافعي في مكة ، ويحيى القطَّان ، ويزيد بن هارون في البصرة.

ورحل من العراق إلى اليمن مع يحيى بن مُعين ، فلمَّا وصلا إلى مكة وجدا عبد الرزاق الصنعاني أحد العلماء في اليمن، فقال يحيى بن معين يا إمام يا أحمد : نحنُ الآن وجدنا الإمام، ليس هناك ضرورة في أن نذهب إلى اليمن، فقال الإمام أحمد : أنا نويت أن أُسافر إلى اليمن، ثم رجع عبد الرزاق إلى اليمن ولَحِقـا به إلى اليمن، وبَقِيَ الإمام أحمد في اليمن عشرة أشهر، ثم رجع مشياً على الأقدام إلى العراق .


فلمَّا رجع رأوا عليه آثار التعب والسفر فقالوا له : ما الذي أصابك ؟ فقال الإمام أحمد : يهون هذا فيما استفدنا من عبد الرزاق.

مِنْ عُلوا الهمَّـة عند الإمام أحمد وهو صغير ، يقول : ربما أردتُ الذهاب مبكراً في طلب الحديث قبل صلاة الفجر، فتأخذ أمي بثوبي وتقول : حتى يؤذِّن المؤذِّن .

ثـناء العلمـاء على الإمـام أحمـد :

* قال عبد الرزاق شيخ الإمام أحمد : ما رأيت أحداً أفْـقَـه ولا أوْرع من أحمد.
* قالوا : إذا رأيتَ الرجل يحبُ الإمام أحمد فاعلم أنَّـه صاحب سنة .
* قال الشافعي وهو من شيوخ الإمام أحمد : خرجتُ من بغداد فما خلَّفتُ بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفْـقَـه من أحمد بن حنبل.
* قال يحيى بن معين : أراد الناس أن يكونوا مثـل أحمد بن حنبل ! لا والله ، ما نقوى على ما يقوى عليه أحمد ، ولا على طريقة أحمد .
* كان الإمام أحمد يحفظ (ألف ألف) حديث ، يعني (مليون) حديث. أي مجموع الروايات والأسانيد والطرق للأحاديث .
* مِنْ حِفْـظِ الإمام أحمد للحديث كان يقول لابنـه : اقرأ عليَّ الحديث وأُخبركُ بالسند، أو اقرأ عليَّ الإسناد لأخبرك بالحديث .

عِفَّـة الإمـام أحمـد :

* لمَّا رحل لطلب العلم لم يكن لديه مال ، فـكان يحمل البضائع على الجمال وعلى الحمير فيأخذ من هذا درهم ومن هذا درهم، فيعيش بهذه الدراهم، وفي الصباح يطلب العلم حتى يستغني عن سؤال الناس، (عِـفَّـة وطلب علم) .

كان الإمـام أحمد يكره الشُهرة والثناء :

* دخل عليه عمُّـهُ وكان الإمام أحمد حزين، فقال عمُّـهُ : ماذا بك ؟ فقال الإمام أحمد : طُوبى لِمَنْ أخْمَلَ الله ذكره، (يعني من لم يكن مشهوراً ، ولا يعلم به إلاَّ اللـه) .
* وقال أيضاً : أريدُ أنْ أكونَ في شِعْبِ مكـة حتى لا أُعْـرَفْ .
* وكان إذا أراد أنْ يمشي يكره أن يتبعه أحدٌ من الناس .

العمل بالعلم :

قال الإمام أحمد ما كتبتُ حديثـاً إلاَّ وقد عملتُ بـه, حتى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم احْـتَـجَـمَ وأعطى الحجَّامَ أجره، فاحْـتَـجَـمَ الإمام أحمد وأعطى الحجَّام أجره.

أخلاق الإمـام أحمـد وآدابه :

* كان يحضر مجلس الإمام أحمد خمسة آلاف طالب ، (500) كانوا يكـتبون العلم، والبقية ينظرون إلى أدبه وأخلاقه وسَمْتِـهِ .
* قال يحيى بن معين : ما رأيتُ مثـل أحمد، صحبناه خمسين سنة فما افـتخر علينا بشيء ممَّا كان فيه من الخير.
* كان الإمام أحمد مائلاً إلى الفقـراء، وكان فيه حِلْمْ، ولم يكن بالعجول، وكان كثير التواضع، وكانت تعلوه السكينة والوقار.
* قال رجل للإمام أحمد : جزاك الله عن الإسلام خيراً، فقال الإمام أحمد : بل جزى الله الإسلام عني خيراً، مَنْ أنا ؟ وما أنا ؟
* كان الإمام أحمد شديد الحياء، وأكرم الناس، وأحسنهم عِشْرةً وأدباً، لمْ يُسمع عنه إلاَّ المُذاكرة للحديث، وذِكْر الصالحين، وكان عليه وقارٌ وسكينة، ولفْـظٌ حَسَنْ .

عبادة الإمـام أحمـد بن حنبل :

* كان يُصلِّي في اليوم والليلة (300) ركعـة، فلمَّا سُجِنَ وضُرِبْ أصْـبَحَ لا يستطيع أنْ يُصلِّي إلاَّ (150) ركعة فـقـط.
* كان يَـخْـتِمُ القرآن كُلَّ أُسبوع .
* قال أحدُهُمْ : كُنْتُ أعرفُ أحمد بن حنبل وهو غُـلام كان يُحيي الليل بالصلاة.
* كان مِنْ عِبادته وزُهده وخوفه، إذا ذَكَـرَ الموت خَـنَـقَـتْـهُ العَبْرة.
* كان يقول : الخوف يمنعني الطعام والشراب، وإذا ذكرتُ الموت هانَ عليَّ كُلُّ أمْـرِ الدنيا.
* كان يصوم الإثـنين والخميس والأيام البيض، فلمَّا رَجَعَ مِنْ السجن مُجْهَداً أَدْمَنَ الصيام حتى مات.
* حَجَّ على قَدَميـه مرتين.
* في مَرَضِ الموت بَالَ دَمَـاً كثيراً، فقال الطبيب المُشْرف عليه : هذا رجُـلٌ قد فَـتَّتَ الخوف قلبـه.


أخبـار منوعـة في سيـرته :

* قابل الإمام أحمد بن حنبل أحدْ أبناء الإمام الشافعي فقال الإمام أحمد لابن الشافعي : أبُوكَ مِنَ السِّـتة الذينَ أدْعُـوا لهم في السَّحَـرْ.

* قيل للإمام أحمد :
كَمْ يكْفي الرجل حتى يُـفْـتِي ؟ مئـة ألف حديث ؟
قال الإمام أحمد : لا .
قال السائل : مائـتين ألف حديث ؟
قال الإمام أحمد : لا .
قال السائل : ثـلاثمائـة ألف حديث ؟
قال الإمام أحمد : لا .
قال السائل : أربعمائـة ألف حديث ؟
قال الإمام أحمد : لا .
قال السائل : خمسمائـة ألف حديث ؟
قال الإمام أحمد : أَرْجُـوا .

حياته الزوجية :

تزوَّجَ وعُمْـرهُ أربعون سنة، يقول عن زوجـتـه : مكـثـنا عِشرينَ سنة ما اختلفنا في كلمةٍ واحدة.

الفتنة التي تعرَّضَ لها الإمـام أحمـد :

لمَّا دعا المأمون الناس إلى القول بخلق القرآن، أجابه أكثر العلماء والقضاة مُكْرهين، واستمر الإمام أحمد ونفرٌ قليل على حمل راية السنة، والدفاع عن معتقد أهل السنة والجماعة.

قال أبو جعفر الأنباري : لمَّا حُمِلَ الإمام أحمد بن حنبل إلى المأمون أُخْبِرتُ فعبرتُ الفُرات، فإذا هو جالس في الخان، فسلمتُ عليه، فقال : يا أبا جعفر تعنَّيْت ؟ فقلتُ : ليس هذا عناء.

وقلتُ له : يا هذا أنت اليوم رأس الناس، والناس يقتدون بكم، فو الله لئن أجبتَ ليُجيبُنَّ بإجابتك خلقٌ كثير من خلقِ الله تعالى، وإنْ أنتَ لم تُجِبْ ليمتنِعُنَّ خلقٌ مِنَ الناس كثير، ومع هذا فإنَّ الرجل إنْ لم يقتلك فإنَّك تموت، ولابدَّ مِنْ الموت ، فاتَّـقِ الله ولا تُجيبهم إلى شيء.

فجعل أحمد يبكي ويقول : ما شاء الله، ما شاء الله. ثم سار أحمد إلى المأمون فبلغه توعد الخليفة له بالقتل إنْ لم يُجبه إلى القول بخلقِ القرآن، فـتوجه الإمام أحمد بالدعاء إلى الله تعالى أنْ لا يجمع بـيـنه وبين الخليفة، فبينما هو في الطريق قبل وصوله إلى الخليفة إذ جاءه الخبر بموت المأمون، فَرُدَّ الإمام أحمد إلى بغداد وحُبِس، ثم تولَّى الخلافة المعتصم، فامتحن الإمام أحمد .

وكان مِنْ خبر المحنـة أنَّ المعتصم لمَّا قصد إحضار الإمام أحمد ازدحم الناس على بابه كيوم العيد، وبُسِطَ بمجلسه بساطاً، ونُصِبَ كرسيـاً جلس عليه، ثم قال : أحضروا أحمد بن حنبل، فأحضروه ، فلمَّا وقف بين يديه سَلَّمَ عليه، فقال له : يا أحمد تكلم ولا تَـخَـفْ، فقال الإمام أحمد : والله لقد دخلتُ عليك وما في قلبي مثـقال حـبَّـةٍ من الفزع، فقال له المعتصم : ما تقول في القرآن ؟

فقال : كلام الله قديم غير مخلوق ، قال الله تعالى : { وَإنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ } [التوبة : 6 ].

فقال له : عندك حجة غير هذا ؟ فقال : نعم ، قول الله تعالى : {الرَّحْمَنْ * عَلَّمَ القُرْآنْ }. [ الرحمن : 1 ، 2 ] ، ولم يقـل : الرحمن خلق القرآن ، وقوله تعالى : {يس * والقُـرْآنِ الْحَكِيم } [ يس : 1 ، 2 ] ، ولم يقـل : يس والقرآن المخلوق.
فقال المعتصم : احبسوه، فحُبِسَ وتفرَّقَ الناس.


فلمَّا كان مِنَ الغد جلس المعتصم مجلسه على كرسيه وقال : هاتوا أحمد بن حنبل، فاجتمع الناس، وسُمعت لهم ضجة في بغداد، فلمَّا جيء به وقف بين يديه والسيوف قد جُردت، والرماح قد ركزت، والأتراس قد نُصبت ، والسياط قد طرحت، فسأله المعتصم عمَّا يقول في القرآن ؟

قال : أقول : غير مخلوق .

وأحضر المعتصم له الفقهاء والقضاة فناظروه بحضرته في مدة ثلاثة أيام، وهو يناظرهم ويظهر عليهم بالحُجج القاطعة، ويقول : أنا رجـل عَلِمتُ علماً ولم أعلم فيه بهذا، أعطوني شيئاً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى أقول به.

وكلما ناظروه وألزموه القول بخلق القرآن يقول لهم : كيف أقول ما لم يُقـل ؟ فقال المعتصم : قهرنا أحمد.

وكان من المتعصبين عليه محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم ، وأحمد بن دُوَاد القاضي ، وبشر المريسي ، وكانوا معتزلة قالوا بخلق القرآن ، فقال ابن دُوَاد وبشر للخليفة : اقـتله حتى نستريح منه ، هذا كافر مُضِـل .

فقال : إني عاهدتُ الله ألا أقـتله بسيف ولا آمر بقـتله بسيف، فقالا له : اضربه بالسياط، فقال المعتصم له : وقرابتي من رسول الله صلَّى الله عليه وسلم لأضربنَّك بالسياط أو تقول كما أقول، فلم يُرهبه ذلك، فقال المعتصم: أحضروا الجلادين، فقال المعتصم لواحد منهم : بكم سوطٍ تـقـتله ؟

قال : بعشرة، قال : خذه إليك، فأُخْرِجَ الإمام أحمد من أثوابه، وشُدَّ في يديه حبلان جديدان، ولمَّا جيء بالسياط فنظر إليها المعتصم قال : ائـتوني بغيرها، ثم قال للجلادين : تقدموا ، فلمَّا ضُرِبَ سوطاً.

قال : بسم الله، فلمَّا ضُرِبَ الثاني قال : لا حول ولا قوةً إلاَّ بالله، فلمَّا ضُرِبَ الثالث قال : القرآن كلام الله غير مخلوق، فلمَّا ضُرِبَ الرابع قال : { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا } [ التوبة : 51 ] .

وجعل الرجل يتقدَّم إلى الإمام أحمد فيضربه سوطين، فيحرضه المعتصم على التشديد في الضرب، ثم يـتنحَّى، ثم يتقدَّم الآخر فيضربه سوطين، فلمَّا ضُرِبَ تسعة عشر سوطاً قام إليه المعتصم فقال له : يا أحمد علام تقتـل نفسك ؟ إني والله عليك لشفيق.

قال أحمد : فجعل عجيف ينخسني بقائمة سيفه وقال : تريد أنْ تغلب هؤلاء كلهم ؟ وجعل بعضهم يقول : ويلك ! الخليفة على رأسك قائم ، وقال بعضهم : يا أمير المؤمنين دمه في عنقي اقـتله، وجعلوا يقولون : يا أمير المؤمنين : إنه صائم وأنت في الشمس قائم، فقال لي : ويحك يا أحمد ما تقول ؟ فأقول : أعطوني شيئاً من كتاب الله وسنة رسوله صلَّى الله عليه وسلم حتى أقول به.

ثم رجع الخليفة فجلس ثم قال للجلاد : تقدمَّ، وحَرَّضه على إيجاعه بالضرب.

قال الإمام أحمد : فذهب عقلي، فأفقت بعد ذلك، فإذا الأقياد قد أُطلِقت عنِّي، فأتوني بسويق فقالوا لي : اشرب وتـقيأ، فقلت : لستُ أُفطر، ثم جيء بي إلى دار إسحاق بن إبراهيم، فحضرتُ صلاة الظهر، فـتقدَّم ابن سماعة فصلى، فلمَّا انفـتل من الصلاة قال لي : صليتَ والدمُ يسيل في ثوبك ، فقلت له : قد صلَّى عمر رضي الله عنه وجرحه يسيل دمـاً.

ولمَّا ولِّيَ الواثق بعد المعتصم، لم يتعرض للإمام أحمد بن حنبل في شيء إلاَّ أنَّـه بعث عليه يقول : لا تساكنِّي بأرضٍ، وقيل : أمره أنْ لا يخرج من بيتـه، فصار الإمام أحمد يختفي في الأماكن، ثم صار إلى منزله فاختـفى فيه عدة أشهر إلى أنْ مات الواثق.

وبعد ذلك تولَّى الخلافة المتوكل بعد الواثق، فقد خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقاد، وطعن عليهم فيما كانوا يقولونه من خلق القرآن، ونهى عن الجدال والمناظرة في الأداء، وعاقب عليه، وأمر بإظهار الرواية للحديث، فأظهر الله به السُـنَّـة، وأمات به البدعة، وكشف عن الخلق تلك الغُمَّـة، وأنار به تلك الظُلمة، وأطلق من كان اعـتُـقِـلَ بسبب القول بخلق القرآن، ورفع المحنـة عن الناس.

* قال أحد الجلادين بعد أن تاب : لقد ضربت الإمام أحمد (80) جلدة، لو ضربـتُها في فيل لسقـط.

فَرَحِمَ اللهُ هذا الإمام الجليل أحمد بن حنبل ، الذي ابتُـليَ بالضرَّاء فصبر ، وبالسرَّاء فشكر ، ووقف هذا الموقف الإيماني كأنـه جبلٌ شامخ ، تـتكسَّرُ عليه المِحَنْ ، وضَرَبَ لنا مثـلاً في الثبات علـى الحـق ...

<!-- / message -->
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 110/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
36 تصويتات / 1435 مشاهدة
نشرت فى 5 سبتمبر 2010 بواسطة ahmedkordy

محمد بن إسماعيل البخاري أهم علماء الحديث عند أهل السنة والجماعة وهو صاحب صحيح البخاري أصح الكتب عند أهل السنة بعد القرآن.

معلومات عنه :

الاسم: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم
اللقب: البخاري
ميلاد: 194هـ اوزبكستان
وفاة: 256هـ
منطقة: بخارى - خراسان
مذهب: أهل السنة والجماعة
نظام المدرسة: مدرسة الحديث
الاهتمامات الرئيسية: علم الحديث
تأثر بـ: الإمام مالك بن أنس والإمام أحمد بن حنبل
تأثر به: مسلم بن الحجاج والترمذي والنسائي


نسبه ونشأته

هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي مولاهم أبو عبد الله البخاري الأوزبكي وأصلة من الأوزبك من مدينة بخارى في أوزبكستان، وهم يفتخرون به، وهو الحافظ إمام أهل الحديث في زمانه والمقتدى به في أوانه والمقدم على سائر أضرابه وأقرانه وكتابه صحيح البخاري أجمع العلماء على قبوله وصحة ما فيه.

ولد الإمام البخاري في ليلة الجمعة الثالث عشر من شوال سنة أربع وتسعين ومائة 194 هـ ومات أبوه وهو صغير، فنشأ في حجر أمه، فتوجّه إلى حفظ الحديث وهو في المكتب، وقرأ الكتب المشهورة وهو ابن ست عشرة سنة حتى قيل إنه كان يحفظ وهو صبي سبعين ألف حديثاً سندًا ومتنًا، وقد كان أصيب بصره وهو صغير، فرأت أمه إبراهيم الخليل فقال: يا هذه، قد رد الله على ولدك بصره بكثرة دعائك أو قال بكائك فأصبح وهو بصير.

شيوخه وتلاميذه

* روى عنه خلائق وأمم وقد روى الخطيب البغدادي عن الفربري أنه قال سمع الصحيح من البخاري معي نحو من سبعين ألفا لم يبق منهم أحد غيري.
* وقد روى البخاري من طريق الفربري كما هي رواية الناس اليوم
* من طريقه وحماد بن شاكر ومحمد بن بن المثنى بن دينار
* وإبراهيم بن معقل .
* وطاهر بن مخلد .
* وآخر من حدث عنه أبو طلحة منصور بن محمد بن علي البردى النسفي وقد توفي النسفي في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ووثقه الأمير أبو نصر بن ماكولا وممن روى عن البخاري مسلم في غير الصحيح
* وكان الأمام مسلم بن الحجاج يتلمذ له ويعظمه
* وروى عنه الترمذي في جامعه
* والنسائي في سننه في قول بعضهم
* وقد دخل بغداد ثمان مرات وفي كل منها يجتمع بالإمام أحمد بن حنبل فيحثه الإمام أحمد بن حنبل على المقام ببغداد ويلومه على الإقامة بخراسان.

ملامح شخصيته

تمتع الإمام البخاري بصفات عذبة وشمائل كريمة، لا تتوافر إلا في العلماء المخلصين، وهذه الصفات هي التي صنعت الإمام البخاري:

* الإقبال على العلم: قام البخاري بأداء فريضة الحج وعمره ثماني عشرة سنة فأقام بمكة يطلب بها الحديث ثم رحل بعد ذلك إلى سائر مشايخ الحديث في البلدان التي أمكنته الرحلة إليها وكتب عن أكثر من ألف شيخ.

* الجد في تحصيل العلم: وقد كان البخاري يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه فيوقد السراج ويكتب الفائدة تمر بخاطرة ثم يطفئ سراجه ثم يقوم مرة أخرى وأخرى حتى كان يتعدد منه ذلك قريبا من عشرين مرة.

من كرم البخاري وسماحته

* قال محمد بن أبي حاتم كانت له قطعة أرض يؤجرها كل سنة بسبع مائة درهم فكان ذلك المؤجر ربما حمل منها إلى أبي عبد الله قثاة أو قثاتين لأن أبا عبد الله كان معجبا بالقثاء النضيج وكان يؤثره على البطيخ أحيانا فكان يهب للرجل مائة درهم كل سنة لحمله القثاء إليه أحيانا.

* قال وسمعته يقول كنت أستغل كل شهر خمس مائة درهم فأنفقت كل ذلك في طلب العلم فقلت كم بين من ينفق على هذا الوجه وبين من كان خلوا من المال فجمع وكسب بالعلم حتى اجتمع له فقال أبو عبد الله: ما عند الله خير وأبقى

* كان يتصدق بالكثير يأخذ بيده صاحب الحاجة من أهل الحديث فيناوله ما بين العشرين إلى الثلاثين وأقل وأكثر من غير أن يشعر بذلك أحد وكان لا يفارقه كيسه.

ورعه

قال محمد بن إسماعيل البخاري ما وضعت في كتاب الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.

* قال محمد بن أبي حاتم ركبنا يوما إلى الرمي، فجعلنا نرمي وأصاب سهم أبي عبد الله البخاري وتد القنطرة الذي على نهر ورادة فانشق الوتد فلما رآه أبو عبد الله نزل عن دابته فأخرج السهم من الوتد وترك الرمي وقال لنا ارجعوا ورجعنا معه إلى المنزل فقال لي يا أبا جعفر لي إليك حاجة مهمة قالها وهو يتنفس الصعداء، وقال لمن معنا اذهبوا مع أبي جعفر حتى تعينوه على ما سألته فقلت أية حاجة هي قال لي: تضمن قضاءها؟ قلت نعم على الرأس والعين. قال: ينبغي أن تصير إلى صاحب القنطرة فتقول له إنا قد أخللنا بالوتد فنحب أن تأذن لنا في إقامة بدله أو تأخذ ثمنه وتجعلنا في حل مما كان منا وكان صاحب القنطرة حميد بن الأخضر الفربري. فقال لي أبلغ أبا عبد الله السلام وقل له أنت في حل مما كان منك وجميع ملكي لك الفداء وإن قلت نفسي أكون قد كذبت، غير أني لم أكن أحب أن تحتشمني في وتد أو في ملكي فأبلغته رسالته فتهلل وجهه واستنار وأظهر سرورا وقرأ في ذلك اليوم على الغرباء نحوا من خمسمائة حديث وتصدق بثلاث مائة درهم.

* قال ابن أبي حاتم ورأيته استلقى على قفاه يوما ونحن بفربر في تصنيفه كتاب التفسير وأتعب نفسه ذلك اليوم في كثرة إخراج الحديث فقلت له إني أراك تقول إني ما أثبت شيئا بغير علم قط منذ عقلت فما الفائدة في الاستلقاء قال أتعبنا أنفسنا اليوم وهذا ثغر من الثغور خشيت أن يحدث حدث من أمر العدو فأحببت أن استريح ؛ فإن فاجئنا العدو كان بنا حراك.

* ضيفه بعض أصحابه في بستان له وضيفنا معه فلما جلسنا أعجب صاحب البستان بستانه وذلك أنه كان عمل مجالس فيه وأجرى الماء في أنهاره فقال له يا أبا عبد الله كيف ترى فقال هذه الحياة الدنيا.

* كان الحسين بن محمد السمرقندي يقول كان محمد بن إسماعيل مخصوصا بثلاث خصال مع ما كان فيه من الخصال المحمودة كان قليل الكلام وكان لا يطمع فيما عند الناس وكان لا يشتغل بأمور الناس كل شغله كان في العلم.

قوة حفظه وذاكرته

وهب الله الإمام البخاري منذ طفولته قوة في الذكاء والحفظ من خلال ذاكرة قوية تحدى بها أقوى الاختبارات التي تعرض لها في عدة مواقف.

* يقول البخاري ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب وكان سنه عشر سنين، ولما بلغ البخاري ست عشرة سنة كان قد حفظ كتب ابن المبارك ووكيع.
* وقال محمد بن أبي حاتم الوراق سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان كان أبو عبد الله البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام فكنا نقول له إنك تختلف معنا ولا تكتب فما تصنع فقال لنا يوما بعد ستة عشر يوما إنكما قد أكثرتما على وألححتما فاعرضا على ما كتبتما فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد على خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه ثم قال أترون أني اختلف هدرا وأضيع أيامي فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد.
* وقال ابن عدي حدثني محمد بن أحمد القومسي سمعت محمد ابن خميرويه سمعت محمد بن إسماعيل يقول أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح.
* قال وسمعت أبا بكر الكلواذاني يقول ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل كان يأخذ الكتاب من العلماء فيطلع عليه اطلاعة فيحفظ عامة أطراف الأحاديث بمرة.
كان الإمام البخاري يقول قبل موته: كتبت عن ألف وثمانين رجلا ليس فيهم إلا صاحب حديث كانوا يقولون الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.

* رحلته في طلب العلم ونبدأها من مسقط رأسه بخارى فقد سمع بها من الجعفي المسندي ومحمد بن سلام البيكندي وجماعة ليسوا من كبار شيوخه ثم رحل إلى بلخ وسمع هناك من مكبن بن إبراهيم وهو من كبار شيوخه وسمع بمرو من عبدان بن عثمان وعلي بن الحسن بن شقيق وصدقة بن الفضل. وسمع بنيسابور من يحيى بن يحيى وجماعة من العلماء وبالري من إبراهيم بن موسى.
* ثم رحل إلى مكة وسمع هناك من أبي عبد الرحمن المقرئ وخلاد بن يحي وحسان بن حسان البصري وأبي الوليد أحمد بن محمد الأزرقي والحميدي.
* وسمع بالمدينة من عبد العزيز الأويسي وأيوب بن سليمان بن بلال وإسماعيل بن أبي أويس.
* وأكمل رحلته في العالم الإسلامي آنذاك فذهب إلى مصر ثم ذهب إلى الشام وسمع من أبي اليمان وآدم بن أبي إياس وعلي بن عياش وبشر بن شعيب وقد سمع من أبي المغيرة عبد القدوس وأحمد بن خالد الوهبي ومحمد بن يوسف الفريابي وأبي مسهر وآخرين.

تفوقه على أقرانه في الحديث

ظهر نبوغ البخاري مبكرا فتفوق على أقرانه، وصاروا يتتلمذون على يديه، ويحتفون به في البلدان

فقد روي أن أهل المعرفة من البصريين يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه وكان شابا لم يخرج وجهه.

روي عن يوسف بن موسى المروروذي يقول كنت بالبصرة في جامعها إذ سمعت مناديا ينادي يا أهل العلم قد قدم محمد بن إسماعيل البخاري فقاموا في طلبه وكنت معهم فرأينا رجلا شابا يصلي خلف الأسطوانة فلما فرغ من الصلاة أحدقوا به وسألوه أن يعقد لهم مجلس الإملاء فأجابهم فلما كان الغد اجتمع قريب من كذا كذ ألف فجلس للإملاء وقال يا أهل البصرة أنا شاب وقد سألتموني أن أحدثكم وسأحدثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدون منها.

قال أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا لإسناد هذا وإسناد هذا لمتن هذا ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس فاجتمع الناس وانتدب أحدهم فسأل البخاري عن حديث من عشرته فقال لا أعرفه وسأله عن آخر فقال لا أعرفه وكذلك حتى فرغ من عشرته فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون الرجل فهم ومن كان لا يدري قضى على البخاري بالعجز ثم انتدب آخر ففعل كما فعل الأول والبخاري يقول لا أعرفه ثم الثالث وإلى تمام العشرة فلما علم أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال أما حديثك الأول فكذا والثاني كذا والثالث كذا إلى العشرة فرد كل متن إلى إسناده وفعل بالآخرين مثل ذلك فأقر له الناس بالحفظ فكان ابن صاعد إذا ذكره يقول الكبش النطاح.

روي عن أبي الأزهر قال كان بسمرقند أربعمائة ممن يطلبون الحديث فاجتمعوا سبعة أيام وأحبوا مغالطة البخاري فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق وإسناد اليمن في إسناد الحرمين فما تعلقوا منه بسقطة لا في الإسناد ولا في المتن

وقال أحيد بن أبي جعفر والي بخارى قال محمد بن إسماعيل يوما رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر فقلت له : يا أبا عبد الله بكماله قال: فسكت.

من كلمات البخاري

"لا أعلم شيئا يحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة"

"ما جلست للحديث حتى عرفت الصحيح من السقيم وحتى نظرت في عامة كتب الرأي وحتى دخلت البصرة خمس مرات أو نحوها فما تركت بها حديثا صحيحا إلا كتبته إلا ما لم يظهر لي"

ما أردت أن أتكلم بكلام فيه ذكر الدنيا إلا بدأت بحمد الله والثناء عليه""تهيأت أسباب كثيرة لأن يكثر البخاري من التأليف؛ فقد منحه الله ذكاءً حادًّا، وذاكرة قوية، وصبرًا على العلم ومثابرة في تحصيله، ومعرفة واسعة بالحديث النبوي وأحوال رجاله من عدل وتجريح، وخبرة تامة بالأسانيد؛ صحيحها وفاسدها. أضف إلى ذلك أنه بدأ التأليف مبكرًا؛ فيذكر البخاري أنه بدأ التأليف وهو لا يزال يافع السن في الثامنة عشرة من عمره، وقد صنَّف البخاري ما يزيد عن عشرين مصنفًا، منها

* الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله وسننه وأيامه، المعروف بـ الجامع الصحيح أو صحيح البخاري - حمل من المكتبة الوقفية
* الأدب المفرد: وطُبع في الهند والأستانة والقاهرة طبعات متعددة - حمل من المكتبة الوقفية
* التاريخ الكبير: وهو كتاب كبير في التراجم، رتب فيه أسماء رواة الحديث على حروف المعجم، وقد طبع في الهند سنة (1362هـ = 1943م).
* التاريخ الصغير: وهو تاريخ مختصر للنبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه ومن جاء بعدهم من الرواة إلى سنة (256هـ = 870م)، وطبع الكتاب لأول مرة بالهند سنة (1325هـ = 1907م)
* خلق أفعال العباد: وطبع بالهند سنة 1306هـ = 1888م حمل من المكتبة الوقفية
* رفع اليدين في الصلاة: وطبع في الهند لأول مرة سنة (1256هـ = 1840م) مع ترجمة له بالأوردية - حمل من المكتبة الوقفية
* الكُنى: وطبع بالهند سنة (1360هـ = 1941م
* الضعفاء الصغير - حمل من المكتبة الوقفية
* وله كتب مخطوطة لم تُطبع بعد، مثل: التاريخ الأوسط، قلت هو مطبوع في حلب باسم التاريخ الصغير والتفسير الكبير

صحيح البخاري

هو أشهر كتب البخاري، بل هو أشهر كتب الحديث النبوي قاطبة. بذل فيه صاحبه جهدًا خارقًا، وانتقل في تأليفه وجمعه وترتيبه وتبويبه ستة عشر عامًا، هي مدة رحلته الشاقة في طلب الحديث. ويذكر البخاري السبب الذي جعله ينهض إلى هذا العمل، فيقول: كنت عند إسحاق ابن راهويه، فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع "الجامع الصحيح"

بلغ عدد أحاديث صحيح البخاري مع وجود المكررة منها 7593 حديثاً حسب إحصائية الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله، اختارها الإمام البخاري من بين ستمائة ألف حديث كانت تحت يديه؛ لأنه كان مدقِّقًا في قبول الرواية، واشترط شروطًا خاصة في رواية راوي الحديث، وهي أن يكون معاصرًا لمن يروي عنه، وأن يسمع الحديث منه، أي أنه اشترط الرؤية والسماع معًا، هذا إلى جانب الثقة والعدالة والضبط والإتقان والعلم والورع.

كان البخاري لا يضع حديثًا في كتابه إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين، وابتدأ البخاري تأليف كتابه في المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولم يتعجل إخراجه للناس بعد أن فرغ منه، ولكن عاود النظر فيه مرة بعد أخرى، وتعهده بالمراجعة والتنقيح؛ ولذلك صنفه ثلاث مرات حتى خرج على الصورة التي عليها الآن

قد استحسن شيوخ البخاري وأقرانه من المحدِّثين كتابه، بعد أن عرضه عليهم، وكان منهم جهابذة الحديث، مثل: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين؛ فشهدوا له بصحة ما فيه من الحديث، ثم تلقته الأمة بعدهم بالقبول باعتباره أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى. أقبل العلماء على كتاب الجامع الصحيح بالشرح والتعليق والدراسة، بل امتدت العناية به إلى العلماء من غير المسلمين؛ حيث دُرس وتُرجم، وكُتبت حوله عشرات الكتب.كان البخاري شريف النفس فقد بعث إليه بعض السلاطين ليأتيه حتى يسمع أولاده عليه فأرسل إليه في بيته العلم والحلم يؤتى يعني إن كنتم تريدون ذلك فهلموا إلي وأبى أن يذهب إليهم والسلطان خالد بن أحمد الذهلي نائب الظاهرية ببخارى فبقى في نفس الأمير من ذلك فاتفق أن جاء كتاب من محمد بن يحيى الذهلي بأن البخاري يقول لفظه بالقرآن مخلوق وكان وقد وقع بين محمد بن يحيى الذهلي وبين البخاري في ذلك كلام وصنف البخاري في ذلك كتاب أفعال العباد فأراد أن يصرف الناس عن السماع من البخاري وقد كان الناس يعظمونه جدا وحين رجع إليهم نثروا على رأسه الذهب والفضة يوم دخل بخارى عائدا إلى أهله وكان له مجلس يجلس فيه للإملاء بجامعها فلم يقبلوا من الأمير فأمر عند ذلك بنفيه من تلك البلاد فخرج منها ودعا على خالد بن أحمد فلم يمض شهر حتى أمر ابن الظاهر بأن ينادى على خالد بن أحمد على أتان وزال ملكه وسجن في بغداد حتى مات ولم يبق أحد يساعده على ذلك إلا ابتلي ببلاء شديد فنزح البخاري من بلده إلى بلدة يقال لها خرتنك على فرسخين من سمرقند فنزل عند أقارب له بها وجعل يدعو الله أن يقبضه إليه حين رأى الفتن في الدين ولما جاء في الحديث (وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين)، ولقي الإمام ربه بعد هذه المحنة.

ثناء العلماء عليه

قال أبو العباس الدعولي كتب أهل بغداد إلى البخاري... المسلمون بخير ما حييت لهم... وليس بعدك خير حين تفتقد... وقال الفلاس كل حديث لا يعرفه البخاري فليس بحديث

قال أبو نعيم أحمد بن حماد هو فقيه هذه الأمة وكذا قال يعقوب بن إبراهيم الدورقي ومنهم من فضله في الفقه والحديث على الإمام أحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وقال قتيبة بن سعيد رحل إلي من شرق الأرض وغربها خلق فما رحل إلى مثل محمد بن إسماعيل البخاري.

وفاته

فكانت وفاته ليلة عيد الفطر وكان ليلة السبت عند صلاة العشاء وصلي عليه يوم العيد بعد الظهر من هذه السنة أعنى سنة ست وخمسين ومائتين وكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة وفق ما أوصى به وكان عمره يوم مات ثنتين وستين سنة وقد ترك بعده علما نافعا لجميع المسلمين فعلمه لم ينقطع بل هو موصول بما أسداه من الصالحات في الحياة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به) الحديث رواه مسلم وشرطه في صحيحه هذا أعز من شرط كل كتاب صنف في الصحيح لا يوازيه فيه غيره لا صحيح مسلم ولا غيره.

<!-- / message --><!-- / message --><!-- / message -->
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 116/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
38 تصويتات / 981 مشاهدة
نشرت فى 5 سبتمبر 2010 بواسطة ahmedkordy

الإمام ابن قيم الجوزية



أسمه ولقبه وكنيته :

هو محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد حريز الزرعي (نسبة إلى زرعة: قرية من حوران بدمشق) الدمشقـي ، الملقب بشمس الدين ، والمكنى بـأبى عبدالله ، والمعروف بابــن قيم الحوزية ، والجوزية مدرسـة كان أبوه قيماً عليها.

مولده ونشأته :

ولد في السابع من صفر سنة 691هـ بدمشق ، ونشأ في أسرة مشهورة بالفضل ، معروفة بالعلم ، فجد في الطلب ، واشتغل بالتحصيل ، وقيل: قد بدأ في السماع في سن السادسة أو السابعة ، وعنى بالعلوم المختلفة ، والفنون المتنوعة فبرع في كثير منها وبخاصة علم التفسير والحديث والأصلين حتى بلغ رتبة التدريس والإفادة ، وارتقى منصب الإفتاء والإمامة ، فدرس بالصدرية وأم مدة بالجوزية .

شيوخه في العلم :

قرأ العربية على مجد الدين أبي بكر بن محمد المرسي التونسي ومحمد بن أبي الفتح البعلبكي الحنبلي ، وأخذ الفرائض خاصة عن والده ، والفقه عامة عن مجد الدين إسماعيل بن محمد الحرافي الحنبلي وتقى الدين أحمد ابن عبدالحليم أبي العباس ابن تيمية الحنبلي ، وتلقى الأصول عليه وعلى صفى الدين محمد بن عبدالرحيم الهندي الشافعي ، وسمع الحديث على زين الدين إبراهيم بن محمد أبي نصر ابن الشيرازي الشافعي وصدر الدين إسماعيل بن يوسف بن مكتوم السويدي الدمشقي وأبي بكر بن أحمد بن عبدالدائم النابلي وتقى الدين سليمان بن حمزة أبي الفضل المقدسي وعيسى بن عبدالرحمن الصالحي الحنبلي المعروف بالمطعم وأم محمد فاطمة بنت إبراهيم بن محمد بن جوهر البطائحي ولما عاد الشيخ تقى الدين ابن تيمية من الديار المصرية في نسة 712 لازمه إلى أن مات الشيخ فإخذ عنه علماً جماً ، مع ما سلف له من الاشتغال فصار فريداً في بابه في فنون كثيرة مع كثرة الطلب ليلاً ونهاراً وكثرة الابتهال .

تلاميذه :

منهم ابنه عبدالله ، والحافظ ابن كثير صاحب كتاب البداية والنهاية تفسير القرآن العظيم ، والحافظ ابن رجب الحنبلي ، وابن عبدالعادي ، وشمس الدين محمد بن عبدالقادر النابلسي.

عبادته وأخلاقة :

قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية : " كان حسن القراءة والخلق كثير التودد لا يحسد أحداً ولا يؤذيه ولا يستعيبه ، ولا يحقد على أحد ، وكنت من أصحب الناس له وأحب الناس إليه ، ولا أعرف في هذا العالم في زماننا أكثر عبادة منه ، وكانت له طريقة في الصلاة يطيلها جداً ويمد ركوعها وسجودها ، رحمه الله ، فالغالب عليه الخير والأخلاق الصالحة " .

منهاجه وعقيدته :

كان ابن قيم الجوزية ، رحمه الله ، صاحب عقيدة صافية نقية ، يلتمس أبوابها ومفرداتها من فقة الكتاب والسنة ، وما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، عازفاً عن طريقة الفلاسفة ومنهج المتكلمين ويرى الحق في اتباع النصوص والتزامها دون تأويل ولا تعطيل ، ولا تشبيه ولا تمثيل ، ولهذا ، فقد كان حرباً على الفرق الضالة والأحزاب المبتدعة ، يصوب إلى ظلمة أهوائها أنوار حججه فيكشف زيفها ، ويظهر زيغها ، وكان داعية إلى إيقاظ العقول وتحريرها من ربقة التقليد ، وبعث الهمم على طلب الحجة ، والبحث عن الدليل ، ودفع النفوس إلى الخروج من العصبية الذميمة والأهواء الممقوتة.
وكان من منهجه أن لا يقدم على القرآن والسنة شيئاً ، ولا يعدل بأقوال الصحابة أقوال غيرهم ، ثم يلجاً إلى القياس حيث لا يجد قرآناً ولا سنة ولا قول صاحب ، ويرى القياس تطبيقاً لمبدأ العدل حيث لا يجوز التفريق بين المتماثلين ، ولا الجمع بين المختلفين في الحكم ، وعليه فإنه يرى أن القياس الصحيح لا يمكن أن يتعارض مع النص الثابت .
وقد عاش ابن القيم حياته كلها مجاهداً في سبيل دعوته ، حريصاً على ردً الناس إلى عقيدة خير القرون وعبادة المبشرين بجنة الرحمن ، داعياً إلى نبذ الفرقة والاختلاف وردً النزاع إلى الله ورسوله .
وقد أوذي بسبب دعوته وثباته على مبدأه ومخالفة فتاواه لأواء من عاصروه وسجن مع شيخه العظيم ابن تيمية في القلعة منفرداً عنه ، ولم يفرج عنه إلا بعد وفاة شيخة ، رحمهما الله .

مؤلفاته :

كان أبن القيم من أبرز العلماء الذين رزقوا حظاً كبيراً في التأليف ، ومن أبرز مؤلفاته :
1- كتاب زاد المعاد في هدى خير العباد
2- كتاب حادى الأرواح إلى بلاد الأفراح
3- كتاب الداء والدواء أو الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي
4- مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين
5- تحفة الودود بأحكام المولود
6- الروح
7- عدة الصابرين
8- بدائع الفوائد
9- طريق الهجرتين
10- مفتاح دار السعادة
11- الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
12- أعلام الموقعين
وعيرها كثير ، جعلها الله في ميزان حسناته يوم يقوم الناس لرب العالمين

وفاتـــــه :

توفى ، رحمه الله ، في ليلة الخميس الثالث عشر من شهر رجب وقت أذان العشاء ، وصلى عليه بعد صلاة الظهر من الغد بالجامع الأموى ودفن عن والدته بمقابر الباب الصغير ، وقد كانت جنازته حافلة ، رحمه الله ، شهدها القضاة والأعيان والصالحون من الخاصة والعامة ، وتزاحم الناس على حمل نعشه وكمل له من العمر ستون سنة رحمه الله

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 109/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
36 تصويتات / 1330 مشاهدة
نشرت فى 12 سبتمبر 2010 بواسطة ahmedkordy

النجاشي ملك الحبشة وصفه رسول الله "صلى الله عليه وسلم " بأنه ملك صالح" و"أنه ملك لا يُظلم عنده أحداً"، ويقال عنه أنه كان عبداً صالحاً لبيباً زكياً، عادلاً عالماً.

اسمه أصحمة ويعني "عطية" ويقال أن كلمة "نجاشي" هي لفظ من الحبشة يطلق على الحاكم أو الملك مثل "قيصر" لملك الروم، و"كسرى" لملك الفرس، وفرعون لملك مصر وهكذا.

تولى الحكم بعد وفاة عمه بصاعقة، اشتهر النجاشي بعدله في الحكم وتجاوزت سيرته الطيبة الحبشة وانتشرت في العديد من البلدان.

نصح الرسول "صلى الله عليه وسلم" المسلمين عندما اشتد أذى المشركين بهم بترك مكة والهجرة إلى الحبشة لأن بها ملك عادل في حكمه لا يًظلم عنده أحد.

النجاشي والمسلمين

للنجاشي العديد من المواقف التي ساعد بها المسلمين وكان سبباً في إسلام عمرو بن العاص، نذكر من هذه المواقف استقباله للمسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة هروباً من اضطهاد قريش، وذلك عندما نصحهم الرسول "صلى الله عليه و سلم" بترك مكة و الهجرة إلى الحبشة لأن فيها ملك لا يُظلم عنده أحد و عادل في حكمة كريماً في خلقة، كما أنه هو الذي قام بدفع صداق السيدة أم حبيبة رضي الله عنها، وأرسلها مع المهاجرين العائدين من الحبشة إلى الرسول "صلى الله عليه وسلم".

هجرة المسلمين للحبشة






كان عمرو بن العاص على الجاهلية عندما وفد على النجاشي جماعة المسلمين المهاجرين إلى الحبشة، وأراد عمرو أن يسلمه النجاشي هؤلاء المسلمين فذهب إليه مع أعوانه محملاً بالهداية الثمينة، طالباً منه أن يسلمه المسلمين فرفض النجاشي أن يسلمهم له دون أن يستمع لهم فدعاهم النجاشي، ولما حضروا صاح جعفر بن أبي طالب بالباب " يستأذن عليك حزب الله " فقال النجاشي: مروا هذا الصائح فليعد كلامه، ففعل.

 قال نعم فليدخلوا بإذن الله وذمته، فدخلوا ولم يسجدوا له، فقال: ما منعكم أن تسجدوا لي؟ قالوا: إنما نسجد لله الذي خلقك وملكك، وإنما كانت تلك التحية لنا ونحن نعبد الأوثان، فبعث الله فينا نبيا صادقا، وأمرنا بالتحية التي رضيها الله، وهي " السلام " تحية أهل الجنة، فعرف النجاشي أن ذلك حق، وأنه في التوراة والإنجيل.

فقال أيكم الهاتف يستأذن؟ فقال جعفر أنا، قال فتكلم، قال إنك ملك لا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم، وأنا أحب أن أجيب عن أصحابي، فأمر هذين الرجلين فليتكلم أحدهما، فتسمع محاورتنا، فقال عمرو لجعفر تكلم. فقال جعفر للنجاشي سله أعبيد نحن أم أحرار؟ فإن كنا عبيدا أبقنا من أربابنا فارددنا إليهم، فقال عمرو : بل أحرار كرام . فقال: هل أهرقنا دما بغير حق فيقتص منا؟ قال عمرو: ولا قطرة، فقال هل أخذنا أموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها ؟ فقال عمرو: ولا قيراط، فقال النجاشي: فما تطلبون منه؟ قال كنا نحن وهم على أمر واحد على دين آبائنا، فتركوا ذلك واتبعوا غيره، فقال النجاشي: ما هذا الذي كنتم عليه، وما الذي اتبعتموه؟ قل وأصدقني .

فقال جعفر: أما الذي كنا عليه فتركناه وهو دين الشيطان ، كنا نكفر بالله ونعبد الحجارة، وأما الذي تحولنا إليه فدين الله الإسلام جاءنا به من الله رسول وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقا له، فقال تكلمت بأمر عظيم، فعلى رسلك .

ثم أمر بضرب الناقوس فاجتمع إليه كل قسيس وراهب، فقال لهم أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، هل تجدون بين:عيسى وبين يوم القيامة نبيا ؟ قالوا: اللهم نعم، قد بشرنا به عيسى، وقال من آمن به فقد آمن بي، ومن كفر به فقد كفر بي، فقال النجاشي لجعفر رضي الله عنه ماذا يقول لكم هذا الرجل ؟ وما يأمركم به؟ وما ينهاكم عنه؟، فقال يقرأ علينا كتاب الله، ويأمرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر، ويأمرنا بحسن الجوار وصلة الرحم وبر اليتيم، ويأمرنا بأن نعبد الله وحده لا شريك له .

فقال اقرأ مما يقرأ عليكم، فقرأ سورتي العنكبوت والروم، ففاضت عينا النجاشي من الدمع، وقال زدنا من هذا الحديث الطيب، فقرأ عليهم سورة الكهف .

فأراد عمرو أن يغضب النجاشي، فقال إنهم يشتمون عيسى وأمه، فقال ما تقولون في عيسى وأمه ؟ فقرأ عليهم سورة مريم، فلما أتى على ذكر عيسى وأمه رفع النجاشي بقشة من سواكه قدر ما يقذي العين، فقال والله ما زاد المسيح على ما تقولون نقيرا .

ورفض النجاشي أن يسلم المسلمين لعمرو بن العاص بعد أن سمع منهم، وأمنهم في بلده، وعاد المسلمون من الحبشة مرة أخرى عقب فتح خيبر وعلى رأسهم جعفر بن أبي طالب، وفرح الرسول "صلى الله عليه وسلم" بهم كثيراً حتى انه قال: " ما أدرى بأيهما أنا أشد فرحًا؛ أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر؟". 

في كتاب البداية والنهاية لابن كثير يذكر لنا:



رسل رسول الله

ذكر البيهقي أيضاً عن الحاكم، عن أبي الحسن محمد بن عبد الله الفقيه - بمرو - حدثنا حماد بن احمد، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن اسحاق قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي في شان جعفر بن أبي طالب وأصحابه، وكتب معه كتاباً‏:‏

‏"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة، سلام عليك فاني احمد إليك الله الملك القدوس المؤمن المهيمن، واشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطاهرة الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخته، كما خلق ادم بيده ونفخه‏.‏

واني ادعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وان تتبعني فتؤمن بي وبالذي جاءني، فاني رسول الله وقد بعثت إليك ابن عمي جعفراً، ومعه نفر من المسلمين فإذا جاءوك فاقرهم ودع التجبر، فاني ادعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي، والسلام على من اتبع الهدى‏‏".‏

فكتب النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم، إلى محمد رسول الله من النجاشي الأصحم بن ابجر، سلام عليك يا نبي الله من الله ورحمة الله وبركاته لا اله إلا هو الذي هداني إلى الإسلام، فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى، فورب السماء والأرض إن عيسى ما يزيد على ما ذكرت‏.‏

وقد عرفنا ما بعثت به إلينا وقرينا ابن عمك وأصحابه، فاشهد انك رسول الله صادقاً ومصدقاً، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين‏.‏

وقد بعثت إليك يا نبي الله باربحا بن الأصحم بن ابجر، فاني لا املك إلا نفسي، وان شئت أن أتيك فعلت يا رسول الله فاني اشهد أن ما تقول حق‏".‏‏

 

  • Currently 112/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
38 تصويتات / 1456 مشاهدة
نشرت فى 26 سبتمبر 2010 بواسطة bios

كان عمرو بن العاص مازال على الجاهلية عندما قدم المهاجرين المسلمين على النجاشي في الحبشة، وكان يقول لو أسلمت قريش كلها لن اسلم، وكان للنجاشي فضل كبير في إسلام عمرو بعد ذلك، وتبدأ قصته مع النجاشي كما يلي:

قال عمرو بن العاص: لما انصرفنا يوم الأحزاب عن الخندق، جمعت رجالاً من قريش كانوا يرون رأيي، ويسمعون مني، فقلت لهم‏:‏ تعلمون والله إني أرى أمر محمد يعلو الأمور علواً منكراً، واني لقد رأيت أمراً فما ترون فيه‏؟‏

 قالوا‏:‏ وما رأيت ‏؟‏

 قال‏:‏ رأيت أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده، فان ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي، فانا إن نكن تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد، وان ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا فلن يأتينا منهم إلا خير‏.‏

قالوا‏:‏ إن هذا لرأي‏.‏ قلت‏:‏ فاجمعوا لنا ما نهدي له، فكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الادم، فجمعنا له ادماً كثيراً، ثم خرجنا حتى قدمنا عليه، فوالله أنا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية الضمري، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه إليه في شان جعفر وأصحابه‏، وأيضاً بكتاب ليزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان.

قال‏:‏ فدخل عليه، ثم خرج من عنده‏.‏ قال‏:‏ فقلت لأصحابي‏:‏ هذا عمرو بن أمية لو قد دخلت على النجاشي فسألته إياه فاعطانيه فضربت عنقه، فإذا فعلت رأت قريش إني قد اجزات عنها حين قتلت رسول محمد‏.‏ فدخلت على النجاشي فسجدت له كما كنت اصنع، فقال‏:‏ مرحباً بصديقي اهديت لي من بلادك شيئاً‏؟‏ قال‏:‏ قلت نعم أيها الملك، اهديت لك ادماً كثيراً‏.‏ ثم قدمته فأعجبه، وفرق منه شيئاً بين بطارقته، وأمر بسائره فادخل في موضعٍ، وأمر أن يكتب ويحتفظ به، فلما رأيت طيب نفسه قلت‏:‏ أيها الملك، إني قد رأيت رجلاً خرج من عندك وهو رسول عدو لنا، قد وترنا وقتل أشرافنا وخيارنا فأعطنيه فاقتله‏.‏ فغضب من ذلك، ورفع يده فضرب بها انفي ضربة ظننت انه كسره، فابتدر منخراي فجعلت أتلقى الدم بثيابي، فأصابني من الذل ما لو انشقت بي الأرض دخلت فيها فرقاً منه‏.‏ ثم قلت‏:‏ أيها الملك لو ظننت انك تكره ما قلت ما سألتك‏.‏ قال‏:‏ فاستحيا وقال‏:‏ يا عمرو تسألني أن أعطيك رسول رسول الله من يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، والذي كان يأتي عيسى لتقتله‏؟‏ قال عمرو‏:‏ فغير الله قلبي عما كنت عليه، وقلت في نفسي‏:‏ عرف هذا الحق، والعرب، والعجم، وتخالف أنت‏؟‏ ثم قلت‏:‏ أتشهد أيها الملك بهذا‏؟‏ قال‏:‏ نعم، اشهد به عند الله يا عمرو فاطعني واتبعه، فوالله انه لعلى الحق، وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده‏.‏

 قلت‏:‏ أتبايعني له على الإسلام‏؟‏

 قال‏:‏ نعم، فبسط يده فبايعني على الإسلام، ثم دعا بطست فغسل عني الدم، وكساني ثياباً - وكانت ثيابي قد أمتلات بالدم فألقيتها - ثم خرجت على أصحابي فلما رأوا كسوة النجاشي سروا بذلك،

وقالوا‏:‏ هل أدركت من صاحبك ما أردت‏؟‏ فقلت لهم‏:‏ كرهت أن اكلمه في أول مرة،

وقلت أعود إليه‏.

‏ فقالوا‏:‏ الرأي ما رأيت‏.‏ خرج عمرو بن العاص من عند النجاشي وقد شرح الله قلبه للإسلام وبالفعل انطلق قاصداً رسول الله، والتقى بكل من خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة وأعلن الجميع إسلامهم بن يدي رسول الله "صلى الله عليه وسلم". تلبيته لطلب الرسول أرسل الرسول "صلى الله عليه وسلم" إلى النجاشي بكتاب ليزوجه من السيدة أم حبيبة – رملة بنت أبي سفيان - وهي رضي الله عنها كانت واحدة من المهاجرات المسلمات إلى الحبشة، وواحدة من ضمن المسلمين الذين اشتد عليهم أذى الكفار فهاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش مع من هاجر إلى الحبشة من المسلمين، ولكن محنة أخرى أصابتها بعدما ارتد زوجها عن الإسلام وتحول إلى النصرانية ثم انكب على الخمر حتى مات، وقد بشرت أم المؤمنين "أم حبيبة" في منام لها أن جاءها آت في المنام وناداها بأم المؤمنين. لبى النجاشي طلب الرسول ودفع صداق أم حبيبة أربعمائة دينار بالحبشة وجهزها نيابة عن الرسول وأرسلها مع المهاجرين العائدين من الحبشة. كرم الرسول وتواضعه نذكر هنا أحد الموقف كما رواها ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية"، قال أبي قتادة قدم وفد النجاشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام يخدمهم فقال أصحابه: نحن نكفيك يا رسول الله، فقال الرسول الله صلى الله عليه وسلم "انهم كانوا لأصحابنا مكرمين وإني أحب أن اكافيهم" وفاة النجاشي عندما توفى النجاشي نعاه الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" قال البخاري‏ في موت النجاشي‏:‏ حدثنا أبو الربيع، حدثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر قال‏:‏ قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" - حين مات النجاشي:‏ ‏‏مات اليوم رجل صالح، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة". وفي كتاب البداية والنهاية لابن كثير يذكر لنا: ذكر الحافظ البيهقي ها هنا موت النجاشي صاحب الحبشة على الإسلام، ونعي رسول الله صلى الله عليه وسلم له إلى المسلمين وصلاته عليه‏، فروى‏:‏ من طريق مالك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى إلى الناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى، فصف بهم وكبر أربع تكبيرات‏.‏ وقال العلماء أنه صلي عليه لأنه كان يكتم إيمانه عن قومه فلم يكن عنده يوم وفاته من يصلي عليه عقب عودة المسلمين من الحبشة، فصلى الرسول "صلى الله عليه وسلم عليه" صلاة الغائب، ويقال أن وفاته كانت في رجب السنة التاسعة من الهجرة.

  • Currently 107/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
36 تصويتات / 1590 مشاهدة
نشرت فى 26 سبتمبر 2010 بواسطة bios

 

هي الصدّيقة بنت الصدّيق أم عبدالله عائشة بنت أبي بكر بن قُحافة ، وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر الكِنَانية ، ولدت في الإسلام ، بعد البعثة النبوية بأربع أو خمس سنوات.

وعندما هاجر والدها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ، بعث إليها بعبد الله بن أريقط الليثي ومعه بعيران أو ثلاثة للحاق به ، فانطلقت مهاجرة مع أختها أسماء ووالدتها وأخيها .

وقد عقد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ببضعة عشر شهراً وهي بنت ست سنوات ، ودخل بها في شوّال من السنة الثانية للهجرة وهي بنت تسع سنوات.

وقبل الزواج بها رآها النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام ، فقد جاءه جبريل عليه السلام وهو يحمل صورتها إليه ويقول له : ( هذه زوجتك في الدنيا والآخرة ) رواه الترمذي وأصله في الصحيحين .

ولم يتزوج صلى الله عليه وسلم من النساء بكراً غيرها ، وهو شرفٌ استأثرت به على سائر نسائه ، وظلّت تفاخر به طيلة حياتها ، وتقول للنبي – صلى الله عليه وسلم - : " يا رسول الله ، أرأيت لو نزلتَ وادياً وفيه شجرةٌ قد أُكِل منها ، ووجدتَ شجراً لم يُؤكل منها ، في أيها كنت ترتع بعيرك ؟ " قال : ( في التي لم يرتع منها ) ، وهي تعني أنه لم يتزوج بكراً غيرها ، رواه البخاري ، وتقول أيضاً : " لقد أُعطيت تسعاً ما أُعطيتها امرأة بعد مريم بنت عمران - ثم قالت - لقد تزوجني رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بكراً ، وما تزوج بكراً غيري " .

وكان لعائشة رضي الله عنها منزلة خاصة في قلب رسول الله – صلى الله عليه وسلم –لم تكن لسواها ، حتى إنّه لم يكن يخفي حبّها عن أحد ، وبلغ من حبّه لها أنه كان يشرب من الموضع الذي تشرب منه ، ويأكل من المكان الذي تأكل منه ، وعندما سأله عمرو بن العاص رضي الله عنه : " أي الناس أحب إليك يا رسول الله ؟ " ، قال له : عائشة ) متفق عليه ، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يداعبها ويمازحها ، وربّما سابقها في بعض الغزوات .


وقد روت عائشة رضي الله عنها ما يدلّ على ملاطفة النبي – صلى الله عليه وسلم – لها فقالت: ( والله لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم على باب حجرتي ، والحبشة يلعبون بالحراب ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسترني بردائه لأنظر إلى لعبهم من بين أذنه وعاتقه ، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف ) رواه أحمد .

ولعلم الناس بمكانة عائشة من رسول الله – صلى الله عليه وسلم - كانوا يتحرّون اليوم الذي يكون فيه النبي – صلى الله عليه وسلم – عندها دون سائر الأيّام ليقدّموا هداياهم وعطاياهم ، كما جاء في الصحيحين.

ومن محبتّه – صلى الله عليه وسلم – لها استئذانه لنساءه في أن يبقى عندها في مرضه الذي تُوفّي فيه لتقوم برعايته .

ومما اشتهرت به عائشة رضي الله عنها غيرتها الشديدة على النبي – صلى الله عليه وسلم - ، التي كانت دليلاً صادقاً وبرهاناً ساطعاً على شدّة محبّتها له ، وقد عبّرت عن ذلك بقولها له : " وما لي لا يغار مثلي على مثلك ؟ " رواه مسلم .

وفي يومٍ من الأيّام كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عندها ، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بوعاء فيه طعام ، فقامت عائشة رضي الله عنها إلى الوعاء فكسرته ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع الطعام وهو يقول : ( غارت أمكم ) رواه البخاري .

وكلما تزوّج النبي - صلى الله عليه وسلم – بامرأة كانت تسارع بالنظر إليها لترى إن كانت ستنافسها في مكانتها من رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وكان النصيب الأعظم من هذه الغيرة لخديجة رضي الله عنها بسبب ذكر رسول الله لها كثيراً .

وعندما خرج النبي – صلى الله عليه وسلم – في إحدى الليالي إلى البقيع ، ظنّت أنّه سيذهب إلى بعض نسائه ، فأصابتها الغيرة ، فانطلقت خلفه تريد أن تعرف وجهته ، فعاتبها النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال لها : ( أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله ؟ ) رواه مسلم .

والحديث عن فضائلها لا يُملّ ولا ينتهي ، فقد كانت رضي الله عنها صوّامة قوّامة ، تُكثر من أفعال البرّ ووجوه الخير ، وقلّما كان يبقى عندها شيءٌ من المال لكثرة بذلها وعطائها ، حتى إنها تصدّقت ذات مرّة بمائة ألف درهم ، لم تُبق منها شيئاً .

وقد شهد لها النبي – صلى الله عليه وسلم – بالفضل ، فقال : ( فضلُ عائشة على النساء ، كفضل الثريد على سائر الطعام ) متفق عليه .

ومن فضائلها قوله - صلى الله عليه وسلم - لها : ( يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام ، فقالت : وعليه السلام ورحمة الله ) متفق عليه .

وعلى الرغم من صغر سنّها ، إلا أنها كانت ذكيّةً سريعة التعلّم ، ولذلك استوعبت الكثير من علوم النبي - صلى الله عليه وسلم – حتى أصبحت من أكثر النساء روايةً للحديث ، ولا يوجد في نساء أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - امرأة أعلم منها بدين الإسلام .

ومما يشهد لها بالعلم قول أبي موسى رضي الله عنه : " ما أشكل علينا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - حديثٌ قط فسألنا عائشة ، إلا وجدنا عندها منه علماً " رواه الترمذي .

وقيل لمسروق : هل كانت عائشة تحسن الفرائض؟ قال : إي والذي نفسي بيده، لقد رأيت مشيخة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - يسألونها عن الفرائض " رواه الحاكم .

وقال الزُّهري : لو ُجمع علم نساء هذه الأمة ، فيهن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كان علم عائشة أكثر من علمهنّ " رواه الطبراني .

وإلى جانب علمها بالحديث والفقه ، كان لها حظٌٌّ وافرٌ من الشعر وعلوم الطبّ وأنساب العرب ، واستقت تلك العلوم من زوجها ووالدها ، ومن وفود العرب التي كانت تقدم على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – .

ومن بركتها رضي الله عنها أنها كانت السبب في نزول بعض آيات القرآن ، ومنها آية التيمم ، وذلك عندما استعارت من أسماء رضي الله عنها قلادة ، فضاعت منها ، فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بعض أصحابه ليبحثوا عنها ، فأدركتهم الصلاة ولم يكن عندهم ماءٌ فصلّوا بغير وضوء ، فلما أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه ، فنزلت آية التيمم ، فقال أسيد بن حضير لعائشة : " جزاكِ الله خيراً ، فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لكِ منه مخرجاً ، وجعل للمسلمين فيه بركة " متفق عليه .

وعندما ابتليت رضي الله عنها بحادث الإفك ، أنزل الله براءتها من السماء قرآناً يتلى إلى يوم الدين ، قال تعالى: { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي توَلى كبره منهم له عذاب عظيم ، لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين } (النور: 11-12).

وقد توفّيت سنة سبع وخمسين ، عن عمر يزيد على ثلاث وستين سنة ، وصلّى عليها أبو هريرة ، ثم دفنت بالبقيع ، ولم تُدفن في حجرتها بجانب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، فقد آثرت بمكانها عمر بن الخطاب ، فرضي الله عنهما وعن جميع أمهات المؤمنين.

  • Currently 95/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
31 تصويتات / 4191 مشاهدة
نشرت فى 27 سبتمبر 2010 بواسطة aasha

الترمذي هو أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي. ولد في مطلع القرن الثالث الهجري (العصر الذهبي لتدوين السنة النبوية المباركة حيث ظهرت في هذا القرن كتب الصحاح و منها جامع الترمذي)ولد بترمذ في ذي الحجة سنة 209 هـ في بلاد ما وراء النهر (نهر جيحون) أرض علماء الحديث المشهورين محمد بن إسماعيل البخاري ، مسلم بن الحجاج النيسابوري وبالضبط في قرية من قرى مدينة ترمذ تسمى بوغ بينها و بين ترمذ ستة فراسخ ،

أما نسبته بالسلمي نسبة إلى بني سليم قبيلة

تعلمه

طلب العلم صغيراورحل من اجله إلى العراق وخراسان .وقد عاش الترمذي للحديث و رحل اليه حيثما وجد فأخذ العلم و سمع من الخرسانيين و العراقيين و الحجازيين ، و هو تلميذ إمام المحدثين الإمام البخاري ومسلم وابي داود و خريجه, و تأثر به أشد التأثر و لا سيما في فقه الحديث و ناظره و ناقشه.

وقد سمع الترمذي من جملة من الأئمة منهم: الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري المعروف بالإمام مسلم ، الإمام أبو داود السجستاني المعروف بأبي داود .

كما اشترك مع أقرانه الأئمة الخمسة أصحاب الكتب المعتمدة (الإمام البخاري ، الإمام مسلم ، الإمام أبو داود ، الإمام النسائي ، الإمام ابن ماجة ) في تسعة شيوخ و هم: الشيخ محمد بن بشار بندار ، الشيخ محمد بن المثنى أبو موسى ، الشيخ زياد بن يحي الحساني ، الشيخ عباس بن عبد العظيم العنبري ، الشيخ أبو سعيد الأشح عبد الله بن سعيد الكندي ، الشيخ أبو حفص عمرو بن علي الفلاسي ، الشيخ يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، الشيخ محمد بن معمر القيسي البحراني و الشيخ نصر بن علي الجهضمي.

وقد أدرك الترمذي شيوخا أقدم من هؤلاء و روى عنهم في كتابه الجامع منهم الشيخ عبد الله بن معاوية الجمحي ، الشيخ علي بن حجر المروزي ، الشيخ سويد بن نصر بن سويد المروزي قتيبة بن سعيد الثقفي

مكانته عند الأئمة

قال ابن الأثير في تاريخه:
(كان الترمذي إماما حافظا له تصانيف حسنة منها الجامع الكبير و هو أحسن الكتب ) .

قال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب : (كان مبرزا على الأقران آية في الحفظ و الإتقان ) .
قال المزي في التهذيب بأنه : (الحافظ صاحب الجامع و غيره من المصنفات ، أحد الأئمة الحفاظ المبرزين و من نفع الله به المسلمين) .
و صفه السمعاني بأنه : (إمام عصره بلا مدافعة)
قال الإمام الذهبي في الميزان (الحافظ العالم صاحب الجامع ثقة مجمع عليه و لا التفات إلى قول أبي محمد بن حزم في الفرائض من كتاب الايصال أنه مجهول فإنه ما عرف ولا درى بوجود الجامع و لا العلل له ) .
وذكره ابن حبان في الثقات وقال فيه: (كان محمد ممن جمع و صنف و حفظ و الإمام الترمذي صاحب لجامع من الأئمة الستة الذين حرسوا سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصبحت كتبهم في عالم السنة هي الأصول المعتمدة في الحديث و من الذين نضر الله وجوههم لأنه سمع حديث رسول الله فأداه كما سمعه)

مؤلفاته

للترمذي العديد من المؤلفات منها ما هو موجود نذكر:

الجامع للسنن و هو المؤلف الذي اشتهر به ومكنه من لقب الإمام ، و يعتبر كتاب العلل الصغرى ضمن كتاب الجامع للسنن كمدخل له و جزء منه.
وقد قال الترمذي عن صحيحه صنفت هذا المسند الصحيح و عرضته على علماء الحجاز فرضوا به و عرضته على علماء العراق فرضوا به, و عرضته على علماء خراسان فرضوا به و من كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي ينطق)

كتاب الشمائل المحمدية .
ومنها ما هو مفقود مثل:

كتاب العلل الكبرى
كتاب التفسير
كتاب التاريخ
كتاب الأسماء و الكنى

وفاته

توفي الإمام الترمذي رحمه الله في بلدته بوغ في رجب سنة 279 هـ و قد أصبح الترمذي ضريرا في آخر عمره

قال محدث خراسان : الحاكم أبو أحمد : سمعت عمران بن علان يقول : مات البخاري ولم يخلف بخرسان مثل أبي عيسى في العلم و الورع بكى حتى عمى.

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 1179 مشاهدة
نشرت فى 1 إبريل 2011 بواسطة ahmedkordy

 الإمام البخاري

 

 نهض بالحديث النبوي دراية ورواية رجال نابهون من العرب أو من أصول غير عربية، لكن الإسلام رفع أصلهم، وأعلى العلم ذكرهم، وبوأهم ما يستحقون من منزلة وتقدير؛ فهم شيوخ الحديث وأئمة الهدى، ومراجع الناس فيما يستفتون.

وكان الإمام البخاري واحدًا من هؤلاء، انتهت إليه رئاسة الحديث في عصره، وبلغ تصنيف الحديث القمة على يديه، ورُزِق كتابه الجامع الصحيح إجماع الأمة بأنه أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، واحتل مكانته في القلوب؛ فكان العلماء يقرءونه في المساجد كما تتلى المصاحف، وأوتي مؤلفه من نباهة الصيت مثلما أوتي أصحاب المذاهب الأربعة، وكبار القادة والفاتحين.

 

المولد والنشأة

في مدينة "بخارى" وُلد "محمد بن إسماعيل البخاري" بعد صلاة الجمعة في (13 من شوال 194هـ = 4 من أغسطس 810م)، وكانت بخارى آنذاك مركزًا من مراكز العلم تمتلئ بحلقات المحدِّثين والفقهاء، واستقبل حياته في وسط أسرة كريمة ذات دين ومال؛ فكان أبوه عالمًا محدِّثًا، عُرِف بين الناس بحسن الخلق وسعة العلم، وكانت أمه امرأة صالحة، لا تقل ورعًا وصلاحًا عن أبيه.

والبخاري ليس من أرومة عربية، بل كان فارسيَّ الأصل، وأول من أسلم من أجداده هو "المغيرة بن برد زبة"، وكان إسلامه على يد "اليمان الجعفي" والي بخارى؛ فنُسب إلى قبيلته، وانتمى إليها بالولاء، وأصبح "الجعفي" نسبًا له ولأسرته من بعده.

نشأ البخاري يتيمًا، فقد تُوفِّيَ أبوه مبكرًا، فلم يهنأ بمولوده الصغير، لكن زوجته تعهدت وليدها بالرعاية والتعليم، تدفعه إلى العلم وتحببه فيه، وتزين له الطاعات؛ فشب مستقيم النفس، عفَّ اللسان، كريم الخلق، مقبلا على الطاعة، وما كاد يتم حفظ القرآن حتى بدأ يتردد على حلقات المحدثين.

وفي هذه السنِّ المبكرة مالت نفسه إلى الحديث، ووجد حلاوته في قلبه؛ فأقبل عليه محبًا، حتى إنه ليقول عن هذه الفترة: "ألهمت حفظ الحديث وأنا في المكتب (الكُتّاب)، ولي عشر سنوات أو أقل". كانت حافظته قوية، وذاكرته لاقطة لا تُضيّع شيئًا مما يُسمع أو يُقرأ، وما كاد يبلغ السادسة عشرة من عمره حتى حفظ كتب ابن المبارك، ووكيع، وغيرها من كتب الأئمة المحدثين.

 

الرحلة في طلب الحديث

ثم بدأت مرحلة جديدة في حياة البخاري؛ فشدَّ الرحال إلى طلب العلم، وخرج إلى الحج وفي صحبته أمه وأخوه حتى إذا أدوا جميعًا مناسك الحج؛ تخلف البخاري لطلب الحديث والأخذ عن الشيوخ، ورجعت أمه وأخوه إلى بخارى، وكان البخاري آنذاك شابًّا صغيرًا في السادسة عشرة من عمره.

وآثر البخاري أن يجعل من الحرمين الشريفين طليعة لرحلاته؛ فظل بهما ستة أعوام ينهل من شيوخهما، ثم انطلق بعدها ينتقل بين حواضر العالم الإسلامي؛ يجالس العلماء ويحاور المحدِّثين، ويجمع الحديث، ويعقد مجالس للتحديث، ويتكبد مشاق السفر والانتقال، ولم يترك حاضرة من حواضر العلم إلا نزل بها وروى عن شيوخها، وربما حل بها مرات عديدة، يغادرها ثم يعود إليها مرة أخرى؛ فنزل في مكة والمدينة وبغداد وواسط والبصرة والكوفة، ودمشق وقيسارية وعسقلان، وخراسان ونيسابور ومرو، وهراة ومصر وغيرها…

ويقول البخاري عن ترحاله: "دخلت إلى الشام ومصر والجزيرة مرتين، وإلى البصرة أربع مرات، وأقمت بالحجاز ستة أعوام، ولا أحصي كم دخلت إلى الكوفة وبغداد".

 

شيوخه

ولذلك لم يكن غريبًا أن يزيد عدد شيوخه عن ألف شيخ من الثقات الأعلام، ويعبر البخاري عن ذلك بقوله: "كتبت عن ألف ثقة من العلماء وزيادة، وليس عندي حديث لا أذكر إسناده". ويحدد عدد شيوخه فيقول: "كتبت عن ألف وثمانين نفسًا ليس فيهم إلا صاحب حديث".

ولم يكن البخاري يروي كل ما يأخذه أو يسمعه من الشيوخ، بل كان يتحرى ويدقق فيما يأخذ، ومن شيوخه المعروفين الذين روى عنهم: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن المديني، وقتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو حاتم الرازي.

 

العودة إلى الوطن

وبعد رحلة طويلة شاقة لقي فيها الشيوخ ووضع مؤلفاته العظيمة، رجع إلى نيسابور للإقامة بها، لكن غِيْرَة بعض العلماء ضاقت بأن يكون البخاري محل تقدير وإجلال من الناس؛ فسعوا به إلى والي المدينة، ولصقوا به تهمًا مختلفة؛ فاضطر البخاري إلى أن يغادر نيسابور إلى مسقط رأسه في بخارى، وهناك استقبله أهلها استقبال الفاتحين؛ فنُصبت له القباب على مشارف المدينة، ونُثرت عليه الدراهم والدنانير.

ولم يكد يستقر ببخارى حتى طلب منه أميرها "خالد بن أحمد الدهلي" أن يأتي إليه ليُسمعه الحديث؛ فقال البخاري لرسول الأمير: "قل له إنني لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب السلاطين، فإن كانت له حاجة إلى شيء فليحضرني في مسجدي أو في داري، فإن لم يعجبك هذا فأنت سلطان، فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة أني لا أكتم العلم".

لكن الحاكم المغرور لم يعجبه رد البخاري، وحملته عزته الآثمة على التحريض على الإمام الجليل، وأغرى به بعض السفهاء ليتكلموا في حقه، ويثيروا عليه الناس، ثم أمر بنفيه من المدينة؛ فخرج من بخارى إلى "خرتنك"، وهي من قرى سمرقند، وظل بها حتى تُوفِّيَ فيها، وهي الآن قرية تعرف بقرية "خواجة صاحب".

 

مؤلفاته

تهيأت أسباب كثيرة لأن يكثر البخاري من التأليف؛ فقد منحه الله ذكاءً حادًّا، وذاكرة قوية، وصبرًا على العلم ومثابرة في تحصيله، ومعرفة واسعة بالحديث النبوي وأحوال رجاله من عدل وتجريح، وخبرة تامة بالأسانيد؛ صحيحها وفاسدها. أضف إلى ذلك أنه بدأ التأليف مبكرًا؛ فيذكر البخاري أنه بدأ التأليف وهو لا يزال يافع السن في الثامنة عشرة من عمره، وقد صنَّف البخاري ما يزيد عن عشرين مصنفًا، منها:

q الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسننه وأيامه، المعروف بـ الجامع الصحيح.

q الأدب المفرد: وطُبع في الهند والأستانة والقاهرة طبعات متعددة.

q التاريخ الكبير: وهو كتاب كبير في التراجم، رتب فيه أسماء رواة الحديث على حروف المعجم، وقد طبع في الهند سنة (1362هـ = 1943م).

q التاريخ الصغير: وهو تاريخ مختصر للنبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه ومن جاء بعدهم من الرواة إلى سنة (256هـ = 870م)، وطبع الكتاب لأول مرة بالهند سنة (1325هـ = 1907م).

q خلق أفعال العباد: وطبع بالهند سنة (1306هـ = 1888م).

q رفع اليدين في الصلاة: وطبع في الهند لأول مرة سنة (1256هـ = 1840م) مع ترجمة له بالأوردية.

q الكُنى: وطبع بالهند سنة (1360هـ = 1941م).

q وله كتب مخطوطة لم تُطبع بعد، مثل: التاريخ الأوسط، والتفسير الكبير.

q صحيح البخاري

هو أشهر كتب البخاري، بل هو أشهر كتب الحديث النبوي قاطبة. بذل فيه صاحبه جهدًا خارقًا، وانتقل في تأليفه وجمعه وترتيبه وتبويبه ستة عشر عامًا، هي مدة رحلته الشاقة في طلب الحديث. ويذكر البخاري السبب الذي جعله ينهض إلى هذا العمل، فيقول: كنت عند إسحاق ابن راهويه، فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؛ فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع "الجامع الصحيح".

وعدد أحاديث الكتاب 7275 حديثًا، اختارها من بين ستمائة ألف حديث كانت تحت يديه؛ لأنه كان مدقِّقًا في قبول الرواية، واشترط شروطًا خاصة في رواية راوي الحديث، وهي أن يكون معاصرًا لمن يروي عنه، وأن يسمع الحديث منه، أي أنه اشترط الرؤية والسماع معًا، هذا إلى جانب الثقة والعدالة والضبط والإتقان والعلم والورع.

وكان البخاري لا يضع حديثًا في كتابه إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين، وابتدأ البخاري تأليف كتابه في المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولم يتعجل إخراجه للناس بعد أن فرغ منه، ولكن عاود النظر فيه مرة بعد أخرى، وتعهده بالمراجعة والتنقيح؛ ولذلك صنفه ثلاث مرات حتى خرج على الصورة التي عليها الآن.

وقد استحسن شيوخ البخاري وأقرانه من المحدِّثين كتابه، بعد أن عرضه عليهم، وكان منهم جهابذة الحديث، مثل: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين؛ فشهدوا له بصحة ما فيه من الحديث، ثم تلقته الأمة بعدهم بالقبول باعتباره أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى.

وقد أقبل العلماء على كتاب الجامع الصحيح بالشرح والتعليق والدراسة، بل امتدت العناية به إلى العلماء من غير المسلمين؛ حيث دُرس وتُرجم، وكُتبت حوله عشرات الكتب.

ومن أشهر شروح صحيح البخاري:

q  "أعلام السنن" للإمام أبي سليمان الخطابي، المُتوفَّى سنة (388هـ)، ولعله أول شروح البخاري.

q  "الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري" لشمس الدين الكرماني، المتوفَّى سنة(786هـ = 1348م).

q  "فتح الباري في شرح صحيح البخاري" للحافظ ابن حجر، المتوفَّى سنة (852هـ = 1448م).

q    "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العيني سنة (855هـ = 1451م).

q     "إرشاد الساري إلى شرح صحيح البخاري" للقسطلاني، المتوفَّى (923هـ= 1517م).

 

وفاة البخاري

شهد العلماء والمعاصرون للبخاري بالسبق في الحديث، ولقّبوه بأمير المؤمنين في الحديث، وهي أعظم درجة ينالها عالم في الحديث النبوي، وأثنوا عليه ثناءً عاطرًا..

فيقول عنه ابن خزيمة: "ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاري".

وقال قتيبة بن سعيد: "جالست الفقهاء والعباد والزهاد؛ فما رأيت -منذ عقلت- مثل محمد بن إسماعيل، وهو في زمانه كعمر في الصحابة".

وقبَّله تلميذه النجيب "مسلم بن الحجاج" -صاحب صحيح مسلم- بين عينيه، وقال له: "دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذِين، وسيد المحدِّثين، وطبيب الحديث في علله".

وعلى الرغم من مكانة البخاري وعِظَم قدره في الحديث فإن ذلك لم يشفع له عند والي بخارى؛ فأساء إليه، ونفاه إلى "خرتنك"؛ فظل بها صابرًا على البلاء، بعيدًا عن وطنه، حتى لقي الله في (30 رمضان 256هـ = 31 أغسطس 869م)، ليلة عيد الفطر المبارك.

 

من مصادر الدراسة:

q  الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد- مكتبة الخانجي- القاهرة (1349هـ= 1931م).

q  السبكي: طبقات الشافعية الكبرى- دار هجر- القاهرة (1413هـ= 1992م).

q ابن حجر العسقلاني: فتح الباري في شرح صحيح البخاري (المقدمة)- دار الريان للتراث- القاهرة (1409هـ = 1988م).

q  يوسف الكتاني: الإمام البخاري أمير المؤمنين في الحديث- مطبوعات مجلة الأزهر- القاهرة (1418هـ).

tamer2011-com

م/تامر الملاح: أقوى نقطة ضعف لدينا هي يأسنا من إعادة المحاولة، الطريقة الوحيدة للنجاح هي المحاولة المرة تلو المرة .."إديسون"

  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 511 مشاهدة
نشرت فى 16 سبتمبر 2011 بواسطة tamer2011-com

الإمام الذهبي      

 لم تعرف المكتبة العربية مؤرخًا غزير الإنتاج، متنوع التأليف مثل الإمام الذهبي، وقد بلغت مؤلفاته التاريخية وحدها نحو مائة وخمسين كتابًا، بعضها يتجاوز المجلدات ذوات العدد. ولا تقتصر هذه المؤلفات على عصر معين أو فئة محددة أو تنظيم واحد، بل تتجاوز ذلك كله لتشمل جميع عصور الإسلام.

ويجمع الذهبي بين ميزتين لم يجتمعا إلا للأفذاذ القلائل في تاريخنا، فهو يجمع إلى جانب الإحاطة الواسعة بالتاريخ الإسلامي حوادث ورجالاً، المعرفة الواسعة بقواعد الجرح والتعديل للرجال، فكان وحده مدرسة قائمة بذاتها.

والذهبي من العلماء الذين دخلوا ميدان التاريخ من باب الحديث النبوي وعلومه، وظهر ذلك في عنايته الفائقة بالتراجم التي صارت أساس كثير من كتبه ومحور تفكيره التاريخي.

 

المولد والنشأة

في مدينة دمشق الفيحاء ولد محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي في (ربيع الآخر 673هـ= أكتوبر 1274م). نشأ في أسرة كريمة تركمانية الأصل، يعمل عائلها في صناعة الذهب، فبرع فيها وتميز حتى عُرف بالذهبي، وكان رجلا صالحًا محبًا للعلم، فعني بتربية ولده وتنشئته على حب العلم. وكان كثير من أفراد عائلته لهم انشغال بالعلم، فشب الوليد يتنسم عبق العلم في كل ركن من أركان بيته؛ فعمته "ست الأهل بنت عثمان" لها رواية في الحديث، وخاله "علي بن سنجر"، وزوج خالته من أهل الحديث.

وفي سن مبكرة انضم إلى حلقات تحفيظ القرآن الكريم حتى حفظه وأتقن تلاوته. ثم اتجهت عنايته لما بلغ مبلغ الشباب إلى تعلم القراءات وهو في الثامنة عشرة من عمره، فاتصل بشيوخ الإقراء في زمانه من أمثال: جمال الدين أبي إسحاق إبراهيم بن داود العسقلاني المتوفى سنة (692هـ= 1292م)، والشيخ جمال الدين أبي إسحاق إبراهيم بن غالٍ المتوفى سنة (708هـ= 1308م)، وقرأ عليهما القرآن بالقراءات السبع، واتصل بغيرهما من أهل هذا الفن حتى أتقن القراءات وأصولها ومسائلها. وبلغ من إتقانه لهذا الفن وهو في هذه السن المبكرة أن تنازل له شيخه محمد عبد العزيز الدمياطي عن حلقته في الجامع الأموي حين اشتد به المرض.

وفي الوقت الذي كان يتلقى فيه القراءات مال الذهبي إلى سماع الحديث الذي ملك عليه نفسه، فاتجه إليه، واستغرق وقته، ولازم شيوخه، وبدأ رحلته الطويلة في طلبه.

 

رحلات الذهبي واتصاله بشيوخ العصر

كانت رحلاته الأولى داخل البلاد الشامية، فنزل بعلبك سنة (693هـ= 1293م)، وروى عن شيوخها، ثم رحل إلى حلب وحماة وطرابلس والكرك ونابلس والرملة والقدس، ثم رحل إلى مصر سنة (695هـ= 1295هـ) وسمع من شيوخها الكبار، على رأسهم ابن دقيق العيد المتوفى سنة (702هـ= 1302م) وذهب إلى الإسكندرية فسمع من شيوخها، وقرأ على بعض قرائها المتقنين القرآن بروايتي ورش وحفص، ثم عاد إلى دمشق.

وفي سنة (698هـ= 1298م) رحل الذهبي إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، وكان يرافقه في هذه الرحلة جمع من شيوخه وأقرانه، وانتهز فرصة وجوده هناك فسمع الحديث من شيوخ مكة والمدينة.

وإذا كانت عناية الذهبي الرئيسية منصبّة على الحديث، فإنه لم ينشغل بذلك عن دراسة العلوم الأخرى، فدرس النحو والعربية على شيخه ابن أبي العلاء النصيبي، وبهاء الدين بن النحاس إمام أهل الأدب في مصر، واهتم بكتب المغازي والسير والتاريخ العام وكتب التراجم.

وفي الوقت نفسه اتصل بثلاثة من شيوخ العصر وترافق معهم، وهم: ابن تيمية المتوفى سنة (728هـ= 1327م)، وجمال الدين المزي المتوفى سنة (739هـ= 1338م) والبرزالي المتوفى سنة (739هـ= 1338م). وقد جمع بين هؤلاء الأعلام طلب الحديث، وميلهم إلى آراء الحنابلة ودفاعهم عن مذهبهم. ويذكر الذهبي أن البرزالي هو الذي حبب إليه طلب الحديث.

 

نشاطه العلمي

بعد أن أنهى الذهبي رحلاته في طلب العلم ومقابلة الشيوخ وهم أعداد غفيرة تجاوزت الألف، اتجه إلى التدريس وعقد حلقات العلم لتلاميذه، وانغمس في التأليف والتصنيف، وبدأت حياته العلمية في قرية "كفر بطنا" بغوطة دمشق حيث تولى الخطابة في مسجدها سنة (703هـ=1303م) وظل مقيمًا بها إلى سنة (718هـ= 1318م). وفي هذه القرية ألف الذهبي خير كتبه. وتعد الفترة التي قضاها بها هي أخصب فترات حياته إنتاجًا، ثم تولى مشيخة دار الحديث بتربة أم صالح، وكانت هذه الدار من كبريات دور الحديث بدمشق، تولاها سنة (718هـ= 1318م) بعد وفاة شيخها كمال الدين بن الشريشي، واتخذها سكنًا له حتى وفاته، ثم أضيفت إليه مشيخة دار الحديث الظاهرية سنة (729هـ= 1228م) ومشيخة المدرسة النفيسية في سنة (739هـ= 1338م) بعد وفاة البرزالي، ومشيخة دار الحديث والقرآن التنكزية في السنة نفسها.

وأتاحت له هذه المدارس أن يدرس عليه عدد كبير من طلبة العلم، ويفد عليه للتلقي كثيرون من أنحاء مختلفة بعد أن اتسعت شهرته وانتشرت مؤلفاته، ورسخت مكانته لمعرفته الواسعة بالحديث وعلومه والتاريخ وفنونه، فكان مدرسة قائمة بذاتها، تخرج فيها كبار الحفاظ والمحدثين. وتزخر كتب القرن الثامن الهجري بمئات من تلاميذ الذهبي النجباء، وحسبه أن يكون من بينهم: عبد الوهاب السبكي صاحب طبقات الشافعية الكبرى، والحافظ ابن كثير، وصلاح الدين الصفدي، وابن رجب الحنبلي وغيرهم.

 

مؤلفاته

ترك الإمام الذهبي إنتاجًا غزيرًا من المؤلفات بلغ أكثر من مائتي كتاب، شملت كثيرًا من ميادين الثقافة الإسلامية، فتناولت القراءات والحديث ومصطلحه، والفقه وأصوله والعقائد والرقائق، غير أن معظم هذا الإنتاج يستغرقه علم التاريخ وفروعه، ما بين مؤلف ومختصَر ومنتقى ومعجم الشيوخ وسيرة.

وثلث هذا العدد مختصرات قام بها الذهبي لأمهات الكتب التاريخية المؤلفة قبله، فاختصر تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وتاريخ دمشق لابن عساكر، وتاريخ نيسابور لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري، وتاريخ مصر لابن يونس، وكتاب الروضتين في أخبار الدولتين لأبي شامة، والتكملة لوفيات النقلة للمنذري، وأسد الغابة لابن الأثير. وقد حصر الدكتور شاكر مصطفى الكتب التي اختصرها الذهبي في 367 عملا.

وإلى جانب هذه المختصرات له كتب في التاريخ والتراجم مثل: تذكرة الحفّاظ، وميزان الاعتدال، ومعرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار، والمعين في طبقات المحدّثين، وديوان الضعفاء والمتروكين، والعبر في خبر من عبر، والمشتبه في أسماء الرجال، ودول الإسلام، والمغني في الضعفاء، غير أن أشهر كتبه كتابان هما:

v  تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام

وهو أكبر كتبه وأشهرها، تناول فيه تاريخ الإسلام من الهجرة النبوية حتى سنة (700هـ= 1300م) وهي فترة ضخمة في مدتها الزمنية، واتساع نطاقها المكاني الذي يشمل العالم الإسلامي بأسره. وتضمن هذا العمل الفذ الحوادث الرئيسية التي مرت بالعالم الإسلامي، وتعاقب الدول والممالك، مع تراجم للمشهورين في كل ناحية من نواحي الحياة دون اقتصار على فئة دون أخرى، ويبلغ عدد من ترجم لهم في هذا الكتاب الضخم أربعين ألف شخصية، وهو ما لم يتحقق في أي كتاب غيره.

ويحتوى الكتاب على مادة واسعة في التاريخ السياسي والإداري، انتقاها من مصادر كثيرة ضاع معظمها فلم تصل إلى أيدينا، وعلى ذكر للأحوال الاقتصادية للدولة الإسلامية والتطورات التي حلت عليها.

ويصور الكتاب الحياة الفكرية في العالم الإسلامي وتطورها على مدى سبعة قرون، ويبرز المراكز الإسلامية ودورها في إشعاع الفكر ومساعدة الناس، وذلك من خلال حركة العلماء وانتقالهم بين حواضر العلم المعروفة وغير المعروفة، واتساع الحركة وقت دون آخر؛ الأمر الذي يظهر مدى ازدهار المراكز الثقافية أو خمول نشاطها.

ويبين الكتاب من خلال ترجمته لآلاف العلماء وعلى مدى القرون الطويلة التي تعرض لها اتجاهات الثقافة الإسلامية وعناية العلماء بعلوم معينة، ويكشف عن طرائقهم في التدريس والإملاء والمناظرة، ودور المدارس في نشر العلم والمذاهب الفقهية في أنحاء العالم الإسلامي.

وهذا العمل الضخم جرت أكثر محاولة لنشره كاملا، حتى وفق الدكتور عمر عبد السلام التدمري في تحقيقه في نحو خمسين مجلدًا.

v  سير أعلام النبلاء

وهذا الكتاب هو أضخم أعمال الذهبي بعد كتابه (تاريخ الإسلام) وهو كتاب عام للتراجم التي سبقت عصر الذهبي، وقد رتب تراجمه على أساس الطبقات التي تعني فترة زمنية محددة، وقد جعلها عشر سنوات في كتابه الأم (تاريخ الإسلام) فيذكر الحوادث سنة بعد سنة، ثم يذكر في نهاية الطبقة تراجم الوفيات من الأعلام مع الالتزام بترتيبها على حروف المعجم. في حين جعل الطبقة في سير أعلام النبلاء عشرين سنة، ومن ثم اشتمل الكتاب على خمس وثلاثين طبقة.

ولم يقتصر الذهبي في كتابه على نوع معين من الأعلام، بل شملت تراجمه فئات كثيرة، من الخلفاء والملوك والسلاطين والأمراء والقادة والقضاة والفقهاء والمحدثين، واللغويين والنحاة، والأدباء والشعراء، والفلاسفة. غير أن عنايته بالمحدثين كانت أكثر، ولذا جاءت معظم تراجمه من أهل العناية بالحديث النبوي دراية ورواية. كما اتسع كتابه ليشمل تراجم الأعلام من مختلف العالم الإسلامي، دون أن تكون له عناية بمنطقة دون أخرى، أو عصر دون آخر.

وقد عني الذهبي في كتبه بالنقد وتقييم الرجال، وإصدار أحكام يعرفها المشتغلون بالحديث، مثل: ثقة وصدوق، ومتروك وكذّاب، ولم تكن مثل هذه الأحكام تصدر عن هوى، بل وفق ضوابط محددة معروفة، لتبين أحوال رجال الحديث لمعرفة صحيح الحديث من سقيمه. وقد بلغ الذهبي مكانة مرموقة في هذا الفن، ويشهد على ذلك كتابه النفيس: ميزان الاعتدال. وهذه الطريقة النقدية استعملها الذهبي في تراجمه، وإن كان أصحابها من غير أهل الحديث أو ممن لا علاقة لهم بالرواية.

وامتلأ كتابه "السير" بكل أنواع النقد، فلم يقتصر على مجال واحد من مجالاته، فعني بنقد المترجمين، وبيان أحوالهم، وإصدار أحكام عليهم، وانتقاد الموارد التي نقل منها، ونبه إلى أوهام مؤلفها.

وقد غالى الذهبي في نقد بعض الرجال، وهو ما كان سببا لانتقادات بعض معاصريه له، مثل تلميذه عبد الوهاب السبكي.

ويجب التنبيه إلى أن "سير أعلام النبلاء" ليس مختصرًا لتاريخ الإسلام، وإن كانت كل التراجم الموجودة في "السير" سبق أن تناولها الذهبي في "تاريخ الإسلام" تقريبًا، فثمة فروق مبينها يلحظها المطالع للكتابين، فتراجم الصدر الأول في السيرة أغزر مادة من مثيلاتها في تاريخ الإسلام، كما أنه ضمّن "السير" مجموعة من الكتب التي أفردها لترجمة البارزين من أعلام الإسلام، مثل أبي حنيفة وأبي يوسف، وسعيد بن المسبب وابن حزم، وهذه المادة لا نظير لها في كتابه "تاريخ الإسلام".

على أنه يجب أن نقر أن الذهبي استفاد بطريقة أو بأخرى من مادة كتابة الضخم في تأليف "السير"، وأضاف إليها إضافات جديدة، وأعاد تنظيم بعضها. وقد طبع الكتاب بتحقيق "شعيب الأرنؤوط" وآخرين في 25 مجلدًا.

 

وفاته

تبوأ الذهبي مكانة مرموقة في عصره تجد صداها فيما ترك من مؤلفاته عظيمة وفي شهادة معاصريه له. ولعل من أبلغ تلك الشهادات ما قاله تلميذه تاج الدين السبكي: "محدث العصر، اشتمل عصرنا على أربعة من الحفاظ، بينهم عموم وخصوص: المزي والبرزالي والذهبي والشيخ الوالد، لا خامس لهؤلاء في عصرهم. وأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر لا نظير له، وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضلة، إمام الوجود حفظًا، وذهب العصر معنى ولفظًا، وشيخ الجرح والتعديل..."، وهذا الكلام ليس فيه مبالغة من السبكي، خاصة أنه كان من أكثر الناس انتقادًا لشيخه.

وظل الذهبي موفور النشاط يقوم بالتدريس في خمس مدارس للحديث في دمشق، ويواصل التأليف حتى كلّ بصره في أخريات عمره، حتى فقد الإبصار تمامًا، ومكث على هذا الحال حتى توفي في (3 من ذي القعدة 748هـ= 4 من فبراير 1348م).

 

من مصادر الدراسة:

q عبد الوهاب السبكي: طبقات الشافعية الكبرى ـ تحقيق محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو ـ هجر للطباعة والنشر ـ القاهرة (1413هـ= 1992م)

q ابن كثير: البداية والنهاية ـ تحقيق عبد الله عبد المحسن التركي ـ هجر للطباعة والنشر ـ القاهرة ـ (1418هـ= 1998م)

q  بشار عواد معروف: مقدمة تحقيق سير أعلام النبلاء ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت (1412هـ= 1992م)

q  عبد الستار الشيخ: الإمام الذهبي ـ دار القلم ـ دمشق.

q   شاكر مصطفى: التاريخ العربي والمؤرخون ـ دار العلم للملايين ـ بيروت ـ 1993م

tamer2011-com

م/تامر الملاح: أقوى نقطة ضعف لدينا هي يأسنا من إعادة المحاولة، الطريقة الوحيدة للنجاح هي المحاولة المرة تلو المرة .."إديسون"

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 353 مشاهدة
نشرت فى 17 سبتمبر 2011 بواسطة tamer2011-com

الإمام مسلم

بدأ تدوين الحديث النبوي رسميًا في خلافة عمر بن عبد العزيز بإشارة منه، فقد كتب إلى الأمصار يأمر العلماء بجمع الحديث وتدوينه، وكان فيما كتبه لأهل المدينة: انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاكتبوه، فإني خفت دروس العلم وذهاب أهله، ومنذ ذلك الوقت بدأ العلماء في همة عالية وصبر جميل يجمعون أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ويدونونها في كتب، ولم تكن المهمة يسيرة أو المسئولية سهلة، وتكاد تفوق في عظمها وجسامة المسئولية جمع القرآن الذي تم في عهد الصديق أبي بكر، فالقرآن محفوظ في صدور الصحابة على الترتيب الموجود بين أيدينا، ويصعب أن يختلط بغيره، أما السنة فأئمتها متفرقون في البلاد، ولا يعلم عدد أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وأدخل الكذابون والوضاعون في الحديث ما ليس من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان هذا مكمن الصعوبة ويحتاج إلى مناهج غاية في الدقة والصرامة لتبين الحديث الصحيح من غيره، وهذا ما قام به جهابذة الحديث وأئمة العلم العظام.

 وفي منتصف القرن الثاني الهجري بدأ التأليف في الحديث، فكان أول من جمع الحديث في مكة ابن جريح البصري المتوفى سنة 150 هـ = 768 ، ومحمد بن إسحاق المتوفى سنة 151 هـ = 769م، في المدينة، ومعمر بن راشد المتوفى سنة 153 هـ = 770 في اليمن، وسعيد بن أبي عروبة المتوفى سنة 156 هـ = 772م في البصرة، والليث بن سعد المتوفى سنة 175 هـ = 791م في مصر، ومالك بن أنس المتوفى سنة 179 هـ = 795م في المدينة.

 وكانت معظم المؤلفات التي وضعها هؤلاء الصفوة الكرام تضم الحديث النبوي وفتاوى الصحابة والتابعين كما هو واضح في كتاب الموطأ للإمام مالك الذي ضم ثلاثة آلاف مسألة وسبعمائة حديث، ثم تلا ذلك قيام بعض الحفاظ بإفراد أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في مؤلفات خاصة بها، فظهرت كتب المسانيد التي جمعت الأحاديث دون فتاوى الصحابة والتابعين، وتجمع الأحاديث التي رواها الصحابي تحت عنوان مستقل يحمل اسمه، ويعد مسند أحمد بن حنبل هو أشهر كتب المسانيد وأوفاها فضلا عن كونه أكبر دواوين السنة.

 حتى إذا كان القرن الثالث الهجري نشطت حركة الجمع والنقد وتمييز الصحيح من الضعيف، ومعرفة الرجال ودرجاتهم من الضبط والإتقان وحالهم من الصلاح والتقوى أو الهوى والميل، ولذا ظهرت الكتب التي رأى أئمة الحفاظ أن تجمع الحديث الصحيح فقط وفق شروط صارمة ومناهج محكمة، وكان أول من صنف في الحديث الصحيح الإمام البخاري ثم تبعه مسلم في كتابه صحيح مسلم وهو موضوع حديثنا.

 

المولد والنشأة

في نيسابور تلك المدينة العريقة التي اشتهرت بازدهار علم الحديث والرواية فيها ولد مسلم بن الحجاج سنة 206 هـ = 821م على أرجح أقوال المؤرخين، ونشأ في أسرة كريمة، وتأدب في بيت علم وفضل، فكان أبوه فيمن يتصدرون حلقات العلم، ولذا عني بتربية ولده وتعليمه، فنشأ شغوفًا بالعلم مجدًا في طلبه محبا للحديث النبوي، فسمع وهو في الثامنة من عمره من مشايخ نيسابور، وكان الإمام يحيى بن بكير التميمي أول شيخ يجلس إليه ويسمع منه، وكانت جلسة مباركة أورثت في قلب الصغير النابه حب الحديث فلم ينفك يطلبه، ويضرب في الأرض ليحظى بسماعه وروايته عن أئمته الأعلام.

وتذكر كتب التراجم والسير أن الإمام مسلم كان يعمل بالتجارة، وكانت له أملاك وضياع مكنته من التفرغ للعلم، والقيام بالرحلات الواسعة إلى الأئمة الأعلام الذين ينتشرون في بقاع كثيرة من العالم الإسلامي.

 

رحلاته العلمية وشيوخه

ابتدأ الإمام مسلم رحلاته في طلب العلم، وكان ذلك سنة متبعة بين طلبة العلم، إلى الحجاز، ولم يتجاوز سنه الرابعة عشرة لأداء فريضة الحج، وملاقاة أئمة الحديث والشيوخ الكبار، فسمع في الحجاز من إسماعيل بن أويس، وسعيد بن منصور، ثم تعددت رحلاته إلى البصرة والكوفة وبغداد والري، ومصر، والشام وغيرها ولقي خلال هذه الرحلات عددًا كبيرًا من كبار الحفاظ والمحدثين، تجاوز المائة، كان من بينهم الإمام البخاري أمير المؤمنين في الحديث وصاحب صحيح البخاري، وقد لازمه واتصل به وبلغ من حبه له وإجلاله لمنزلته أن قال له: "دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله".

وكان من شيوخه محمد بن يحيى الذهلي إمام أهل الحديث بخراسان، والحافظ الدارمي أحد الأئمة الحفاظ وصاحب مسند الدارمي، وعبد الله بن مسلمة المعروف بالقعنبي، وأبو زرعة الرازي محدث الري المعروف.

 

منزلته ومكانته

وقد أتت كل جهوده في طلب العلم ثمارها، وبارك الله له في وقته فحصل من العلم ما لا يجتمع للنابغين حيث رزقه الله ذاكرة لاقطة، وعقلا راجحًا، وفهمًا راسخًا، وقد لفت ذلك أنظار شيوخه، فأثنوا عليه وهو لا يزال صغيرًا غض الإهاب، فتنبأ له شيخه إسحاق بن راهويه في نيسابور حين رأى دأبه وحرصه فقال: أي رجل يكون هذا؟! وعده شيخه محمد بشار من حفاظ الدنيا فيقول: حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة الرازي بالري، ومسلم بنيسابور، وعبد الله الدارمي بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخارى.

وأثنى عليه أئمة الحديث ونعتوه بأوصاف الإجلال والإكبار، ومن أجمع الأوصاف ما ذكره القاضي عياض بقوله: هو أحد أئمة المسلمين وحفاظ المحدثين، ومتقني المصنفين، أثنى عليه غير واحد من الأئمة المتقدمين والمتأخرين، وأجمعوا على إمامته وتقدمه وصحة حديثه، وتمييزه وثقته وقبول حديثه.

 

مؤلفاته

كان الإمام مسلم بن الحجاج من المكثرين في التأليف في الحديث وفي مختلف فنونه رواية ودراية، وصل إلينا منها عدد ليس بالقليل، وهو شاهد على مكانة الرجل في علم الحديث، وهي مكانة لم يصل إليها إلا الأفذاذ من المحدثين أصحاب الجهود المباركة في خدمة السنة، وممن رزقوا سعة الصيت ورزقت مؤلفاتهم الذيوع والانتشار.

ومن مؤلفاته الكنى والأسماء، وطبقات التابعين ورجال عروة بن الزبير، والمنفردات والوجدان، وله كتب مفقودة، منها أولاد الصحابة، والإخوة والأخوات، والأقران، وأوهام المحدثين، وذكر أولاد الحسين، ومشايخ مالك، ومشايخ الثوري ومشايخ شعبة.

 

صحيح مسلم

غير أن الذي طير اسم مسلم بن الحجاج وأذاع شهرته هو كتابه العظيم المعروف بصحيح مسلم، ولم يعرف العلماء قدر صاحبه ومعرفته الواسعة بفنون الحديث إلا بعد فراغه من تأليف كتابه، وبه عرف واشتهر، يقول النووي في مقدمة شرحه لصحيح مسلم: "وأبقى له به ذكرا جميلا وثناء حسنا إلى يوم الدين".

وقد بدأ تأليف الكتاب في سن باكرة في بلده نيسابور بعد أن طاف بالبلاد وقابل العلماء وأخذ عنهم، وكان عمره حين بدأ عمله المبارك في هذا الكتاب تسعًا وعشرين سنة، واستغرق منه خمس عشرة سنة حتى أتمه سنة (250 هـ = 864م) على الصورة التي بين أيدينا اليوم.

وقد جمع الإمام مسلم أحاديث كتابه وانتقاها من ثلاث مائة ألف حديث سمعها من شيوخه في خلال رحلاته الطويلة، وهذا العدد الضخم خلص منه إلى 3033 حديثًا من غير تكرار، في حين يصل أحاديث الكتاب بالمكرر ومع الشواهد والمتابعات إلى 7395 بالإضافة إلى عشرة أحاديث ذكرها في مقدمة الكتاب.

وهذه الأحاديث التي انتقاها رتبها ترتيبًا حسنًا، وجعلها سهلة التناول، فرتبها على الأبواب، وجعل كل كتاب يحوي أبوابًا تندرج تحته، وقد بلغت كتب الصحيح حسب ترقيم العالم الجليل محمد فؤاد عبد الباقي 54 كتابًا، تبدأ بكتاب "الإيمان" ويندرج تحته عدة أبواب مثل: باب إن الدين النصيحة، وباب بيان خصال المناق، بيان تحريم الكبر، وتلا كتاب الإيمان كتاب الطهارة، ثم كتاب الحيض، ثم كتاب الصلاة، وينتهي صحيح مسلم بكتاب التفسير وهو الكتاب الرابع والخمسون.

والتزم مسلم بأن جعل لكل حديث موضعًا واحدًا، جمع فيه طرقه التي ارتضاها واختار فيه أسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة، فيسهل على الطالب النظر في وجوه الحديث وما بين سنده ومتنه من فروق وقد تلقت الأمة بالقبول صحيح مسلم وقرنته بصحيح البخاري، وعدت ما فيهما من الحديث صحيحًا مقطوعًا بصحته، وقارن بعض العلماء بينهما، ومال بعضهم إلى تفضيل صحيح مسلم على نظيره البخاري، لكن الذي نص عليه المحققون من أهل العلم أن صحيح البخاري أفضل من حيث الصحة، وصحيح مسلم أفضل من حيث السهولة واليسر حيث يسوق الأحاديث بتمامها في موضع واحد ولا يقطعها في الأبواب مثلما يفعل البخاري.

وقد اعتنى العلماء بصحيح مسلم وخدموه خدمة عظيمة، فوضعوا له عشرات الشروح، ومن أشهر هذه الشروح: إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض، والمنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج للإمام النووي، وإكمال العلم لمحمد بن خليفة المعروف بالأبي، والشروح الثلاثة مطبوعة متداولة.

وامتدت العناية إلى رجال صحيح مسلم، فصنف كثير من العلماء في هذا الاتجاه، مثل كتاب رجال صحيح الإمام مسلم لابن منجويه الأصبهاني، ورجال مسلم بن الحجاج لابن شبرين الأنصاري، وتسمية رجال صحيح مسلم الذين انفرد بهم عن البخاري للذهبي.

وبلغت عناية العلماء بصحيح مسلم أن وضعوا له مختصرات، وجردوه من أسانيد وأحاديثه المكررة، مثل: مختصر صحيح مسلم للقرطبي، والجامع المعلم بمقاصد جامع مسلم للمنذري.

وجمع بعض العلماء بين الصحيحين في كتاب واحد، مثل: الجمع بين الصحيحين للجوزقي، والجمع بين الصحيحين للبغوي، وزاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم للشنقيطي، واللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقي.

وقد طبع صحيح مسلم طبعات عديدة منفردًا مرة، ومقرونًا مع شرح له مرة، غير أن أفضل طبعاته هي التي حققها محمد فؤاد عبد الباقي، ورقم أحاديثها ووضع لها فهارس تفصيلية.

 

وفاته

ظل الإمام مسلم بن الحجاج بنيسابور يقوم بعقد حلقات العلم التي يؤمها طلابه والمحبون لسماع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أشهر تلاميذه الذين رحلوا إليه أبو عيسى الترمذي، ويحيى بن صاعد، وابن خزيمة وأبو بكر محمد بن النضر الجارودي وغيرهم، كما شغل وقته بالتأليف والتصنيف حتى إن الليلة التي توفي فيها كان مشغولا بتحقيق مسألة علمية عرضت له في مجلس مذاكرة، فنهض لبحثها وقضى ليله في البحث، لكنه لقي ربه قبل أن ينبلج الصباح في 25 من رجب 261 هـ = 6 من مايو 875م، وهو في الخامسة والخمسين من عمره، ودفن يوم الإثنين في مقبرته بنصر آباد في نيسابور.

من مصادر الدراسة:

v    الذهبي – سير أعلام النبلاء – تحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرين – مؤسسة الرسالة – بيروت 1412 هـ = 1992م.

v   ابن منظور مختصر تاريخ دمشق (ابن عساكر – تحقيق إبراهيم صالح – در الفكر – دمشق – 1409 هـ = 11989م).

v   ابن خلكان – وفيات الأعيان – تحقيق إحسان عباس – دار صادر – بيروت – 1397 هـ = 1977م.

v   أحمد أمين – ضحى الإسلام – مكتبة النهضة المصرية – القاهرة – 1956م.

v   مشهور حسن محمود سليمان – الإمام مسلم بن الحجاج صاحب المسند الصحيح – دار القلم – دمشق 1414 هـ = 1994م.

tamer2011-com

م/تامر الملاح: أقوى نقطة ضعف لدينا هي يأسنا من إعادة المحاولة، الطريقة الوحيدة للنجاح هي المحاولة المرة تلو المرة .."إديسون"

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 360 مشاهدة
نشرت فى 17 سبتمبر 2011 بواسطة tamer2011-com

مجدى حلمى عبده خطاب

wahaty
الموقع خدمى يهدف الى توسيع دائره المعرفه لدى الكثير من الناس وخاصه الصحيه بالاضافه الى بعض المعارف الاخرى الشيقه .مع اطيب الامنيات بقضاء وقت مفيد داخل الموقع »

بحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

550,524