مشكلات وحلول في التربية الفنية
(أهم المشكلات التربوية في التربية الفنية أسبابها وعلاجها )
أولا:
المشكلة: ( عدم اهتمام الطلاب بالتربية الفنية )
الأسباب:
1ـ لأنها ليست مادة رسوب ونجاح.
2ـ اعتقاد بعض الطلاب وأولياء الأمور بعدم أهميتها.
3ـ عدم اهتمام المعلمين بالمادة و نتائج الطلاب.
4ـ تعويد الطلاب بإعطائهم الدرجات كاملة بدون تقييما لأعمالهم.
العلاج:
1ـ نشر الوعي الثقافي والفني بين الطلاب وأولياء أمورهم من حيث الأهداف المنشودة من تدريس التربية الفنية وذلك من خلال النشرات والمطويات والمجلات وغيرها.
2ـ محاولة تحفيز جميع الطلاب بصورة مستمرة سواءاً كان التحفيز معنويا أو تحفيزا ملموسا كتقديم الهدايا وشهادات الشكر والتقدير.
3ـ تذكير الطلاب دائما بطريقة المعلم في كيفية وضع الدرجات وتقييم أعمالهم وكيفية استحقاق الطالب للدرجة وحثهم على الجد فيالمادة ليحصلوا على درجات عليا في التربية الفنية مما يزيد في عدد درجات المجموع النهائي للطالب.
4ـ عدم إعطاء الطالب الدرجة إلا إذا كان يستحقها.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
ثانيا:
المشكلة: ( عدم وجود منهج أو موضوع يستند عليه معلم التربية الفنية )
الأسباب:
التربية الفنية مادة حرة لكل معلم طريقته في وضع المنهج بما يتناسب مع بيئته التي يدرس فيها وإمكانيات المدرسة وقدرات وميول الطلاب.
العلاج:
يتم الان وضع اللمسات النهائية لمنهج التربية الفنية للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة وقد شكلت لجان للقيام بوضع المنهج وتاليفه وقد كان رئيس اللجنة العلمية استاذنا الغالي الدكتور ناصر المسعري من جامعة الملك سعود بالرياض والذي صرح بان المنهج سوف يكون له الصدى الكبير باذن الله وسوف ننافس الدول العالمية التي سبقتنا في هذا المجال ,
ويتكون المنهج من عدة اصدارات كتاب للطالب وكتاب للمعلم ودليل للمشرف التربوي
ونتمنى نحن العاملين في مجال التربية الفنية بان يرى هذا الاصدار النور قريبا
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
ثالثا:
المشكلة: ( إحراج معلم التربية الفنية من قبل زملاءه من معلمين ومدير في تنفيذ بعض الوسائل و الأعمال الخاصة بهم مما يتنافى مع (رسالة المعلم التربوية ).
الأسباب :
1ـ فكرة المجتمع عن معلم التربية الفنية بأنه صاحب صنعة ( نجار,حداد , رسام , خطاط .. )
بينما معلم التربية الفنية صاحب رسالة تربوية لها أهدافها وبرامجها وطرقها.
2ـ اعتقاد بعض المعلمين بعدم أهمية التربية الفنية لذا يطلبون من معلمي التربية الفنية باستغلال حصص التربية الفنية في أخراج بعض الطلاب للقيام ببعض الأعمال الخاصة بهم.
العلاج:
1ـ نشر تعميم للمدارس يبين فيها دور معلم التربية الفنية في العملية التربوية والتعليمية.
2ـ وضع إعلان في المدرسة موضح فيه بمنع تكليف معلم التربية الفنية بإنتاج الوسائل والأعمال الخاصة بالمعلمين.
3ـ عدم السماح للطلاب بالخروج من الصف إلا للضرورة وذلك مقارنة بالمواد الأخرى.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
رابعا ً:
المشكلة: ( قول الطالب أنا لا أعرف ارسم )
الأسباب:
1ـ تكرار المهارات المعطاة للطلاب.
2ـ بعض الطلاب يعتقد أن الرسم المطلوب لابد أن يكون محاكيا للواقع.
العلاج:
1ـ تنوع المهارات المعطاة للطلاب مثل الزخرفة والتصميم وغيرها من المهارات.
2ـ الإكثار من الأشغال خاصة لمرحلة التعبير الواقعي (مرحلة المتوسطة ) لأن إقبالهم على الأشغال أكثر من إقبالهم على الرسم .
3ـ تحفيز الطلاب وتشجيعهم والثناء على أعمالهم مهما كانت .
4ـ التوضيح للطلاب بأن المطلوب منهم في حصة الرسم هو التعبير وليس المحاكاة للواقع.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
خامساً :
المشكلة ( وجود الآلية في رسوم الطلاب بحيث أن كل طالب يقلد زميل له في الفصل )
الأسباب :
1ـ عدم وجود غرفة للتربية الفنية في بعض المدارس .
2ـ تقارب الطلاب في الفصول وخاصة في المدارس المستأجرة .
3ـ طريقة عرض الوسيلة .
العلاج :
1ـ محاولة تخصيص غرفة للتربية الفنية في كل مدرسة قدر المستطاع.
2ـ تغيير جو الفصل بإعطاء الطلاب مواضيع التربية الفنية في المصلى أو المسرح المدرسي أو الملعب حتى يكون هناك تباعد بين الطلاب.
3ـ عندما يعرض المعلم وسيلة في درس التربية الفنية عليه أن يتحرى الدقة في اختيار وقت عرض الوسيلة, وبعد انتهاء العرض تخفى الوسيلة ويبدأ الطلاب في العمل .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
سادساً:
المشكلة: ( عدم التزام الطلاب بإحضار الأدوات والخامات اللازمة للتربية الفنية )
أسبابها:
1ـ عدم اهتمام الطلاب وأولياء الأمور بالتربية الفنية .
2ـ تكلفة بعض الخامات العالية .
العلاج :
1ـ توزيع المطويات والنشرات توضح فيها أهمية التربية الفنية ودورها في بناء شخصية الطالب .
2ـ تفعيل لائحة السلوك والمواظبة فيما يخص عدم إحضار الأدوات والخامات
3ـ محاولة الاعتماد على خامات البيئة المهملة قدر الإمكان.
4ـ التنسيق مع إدارة المدرسة في توفير بعض الخامات التي يحتاجها الطلاب ولا يمكنهم توفيرها.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
سابعا :
المشكلة : ( لجوء كثير من الطلاب إلى طلب المساعدة من أحد أفراد الأسرة لرسم الموضوع المعطى لهم في حصة التربية الفنية )
الأسباب:
1ـ جهل الأسرة بدور التربية الفنية في تربية النشء.
2ـ تقبل المعلم الرسومات التي يحضرها التلميذ من المنزل.
3ـ التفريق بين حصص التربية الفنية مما يجعل الطالب يكمل العمل في المنزل ويتدخل أحد أفراد أسرته في عمله.
العلاج:
1ـ تثقيف الأهل والطلاب بدور التربية الفنية, وذلك من خلال المطويات والصحف والنشرات.
2ـ التوضيح للأهل بآثار هذه المشكلة على سلوكيات الطالب من حيث عدم المصداقية وعدم الاعتماد على النفس وغيرها.
3ـ عدم التفريق بين حصص التربية الفنية ليتسنى للطالب إكمال العمل أمام المعلم وتحت إشرافه.
4ـ تنبيه الطلاب من قبل المعلم بعدم قبول أي عمل ما لم يتم رسمه في المدرسة, وحثهم على الاعتماد على النفس.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
م/تامر الملاح: أقوى نقطة ضعف لدينا هي يأسنا من إعادة المحاولة، الطريقة الوحيدة للنجاح هي المحاولة المرة تلو المرة .."إديسون"
معرفة مرحلة الطفولة ومشاكل الأطفال وحلولها من أهم أهداف التربية وهي بالتأكيد من أهم أهداف الأسرة ،فما يقدمه الأب وألام للطفل سيشكل ما يقارب 70% من شخصيته في المستقبل ،كونه صفحة بيضاء تسطر عليها أفعال المستقبل وسلوك المراحل ألاحقة كما انه يحدد طرق التفكير وردود الأفعال والاستجابة وقد واجه علماء التربية ( الطفل المشاكس و ترويضه ) في حين أوجد الاباء والأمهات حلا لهذا الإشكال بالطرق السريعة والمباشرة متجاوزين كل النظريات التربوية والافتراضات العلمية في التربية والسايكولوجيا بالية قديمة متوارثة هي ( الضرب ) وهي كارثة التربية التي تمارس احيانا بشكل خطير تاركة ورائها كم متراكم من العقد والخوف الذي ينعكس أحيانا بسلوك شاذ فالآباء او الأمهات في هذه الحالة يسيئون فهم متطلبات الطفل وعواطفه الإنسانية فكل الأخطاء التي تظهر في أطفالنا هي في حقيقتها ( أخطاء الاباء المتراكمة ) وقد أظهرت دراسة أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية أن الأطفال الذين يتعرضون للضرب قبل بلوغهم العامين أكثر قابلية للتعرض لمشاكل سلوكية في مراحل متقدمة من أعمارهم.وقال الدكتور اريك الأستاذ المساعد بكلية الصحة العامة بجامعة جون هوبكنز أن الأطفال يتأثرون بهذا النوع من العقاب لأسباب متفاوتة ، واعتمدت الدراسة على الاستطلاع شمل نحو ألفي طفل من أجناس مختلفة من كافة أنحاء الولايات الأمريكية . وكانت الدراسة قد طلبت من الأمهات وصف أي مشاكل سلوكية لاحظتها على أطفالهن وفوجيء الباحثون أن 39% من الأطفال الذين يعانون من اضطرابات ومشكلات سلوكية قد تعرضوا للضرب قبل بلوغهم العامين من أعمارهم . في حين أثبتت دراسات أخرى أن هناك علاقة كبيرة بين الضرب والمشكلات السلوكية في الأطفال ، غير أن الدراسة الأولى التي تحدد على وجه الضرب قبل بلوغ السنتين من العمر في الأطفال .
يستخدم الضرب مع الطفل المشاكس في بعض الأسر بعد عجزها عن الحلول المناسبة لأنهم يجدون الوسيلة الأسرع لحل الإشكال ذاك لكن الغريب ان هذا ما يحدث ايضا في الأسر التي تملك مؤهلات ثقافية واجتماعية جيدة فالضرب يبدأ كأداة بعد السنة الثانية من عمر الطفل بسبب المشاكسة ، لكن ما لا يفهمه الكثير من الاسر ان المشاكسة ليست طفرة نوعية في سجلاتهم بل ظاهرة بل ظاهرة طبيعية لنتائج التربية غير الموجهة وعدم معرفة تطور الطفل العقلي ، فالمشاكس يملك ادراكا غير الذي يملكه الطفل الهادىء وان نسبة الذكاء تتفاوت بينهما علما ان الارضية صحيحة عند الاثنان وان ادراكهم سليم وصحيح الا انالطفل المشاكس يتجاوز احيانا مرحلته العمرية بنسب طفيفة ما بين العمرية والعقلية فيبدو ذكيا جدا .
ياتي الضرب كرادع للمشاكسة وهو ما يؤدي الى كبت في الطاقات التي يملكها الطفل في الوقت الذي كان حريا بنا ان نتفهم هذه الطاقة الخلاقة ونعيد توجيهها بشكل سليم لتحويل المشاكسة الى منهج ارتقاء وتعلم وتطوير ومن اهم الطرق التي تطور الطفل هي ( اللعب ) مع المراقبة ،لان اللعب من اهم صيغ التعبير الشخصية والسلوكية في حياة الاطفال فعلى الاسرة تعليم طفلها اللعب ودفعه الى ممارسته بشكل مدروس فاللعب احد اليات التعبير والذي من خلاله يتم ايضا معالجة الاخطاء السلوكية وان استبدال اساليب العقاب من البدني الى المعنوي - الوقتي - عن طريق منع اللعب يشكل احد اهم المرتكزات في علاج المشاكسة لان هذا المنع سيدفع الطفل الى ايجاد حلوللل تعويض عن النقص ولعدم قدرته على ايجاد حلول للتعويض لسد النقص والحصول على فرصة اللعب يجد ان من الأجدر به طاعة والديه للحصول على فرصة للعب مجددا ، فاللعب مفتاح لحل المشاكسة او لولادة المشاكسة لذا كان من الاجد ان يكون خناك مراقبة وتوجيه وحتى اختيار سليم للالعاب لان الالعاب قد ترسم بعض السلوكيات المستقبلية مثلما هو لغة يتعلمها الطفل فهو سلوك يقوم به أيضا ، وعلينا ان نميز ما بين اللعب الالهائي واللعب الفكري والتطويري فالاول يشبع الاحتياج العاطفي والثاني يكمل بناء الشخصية الفكرية وينمي الملكات العقلية ومن الخطأ التعويل على احدهما لانها ستولد ضغطا عاطفيا او فكريا في الاخرى ،فلكل مرحلة عمرية نسبة من الذكاء ومحصلة معرفية وان ممارسة التكثيف وسياسة طي الزمن لتحويل الطفل الى ذكي خارق قد يتحول الى نتائج سلبية هي ( الطفل الذكي المشاكس جدا ) وعليه يكون اللعب احد المخارج البديلة للضرب ولكنه في الوقت نفسه يخلق المشاكسة والأخطاء اذا لم يكن هناك اختيار مناسب ومراقبة وعلاج
م/تامر الملاح: أقوى نقطة ضعف لدينا هي يأسنا من إعادة المحاولة، الطريقة الوحيدة للنجاح هي المحاولة المرة تلو المرة .."إديسون"
أحداث المستقبل و تحدى القرآن
( أ ) تحدى القرآن للعرب
نأتى بعد ذلك إلى آية أخرى .. الرسول عليه الصلاة و السلام يأتى فيقرأ .. " تبت يدا أبى لهب و تب ما أغنى عنه ماله و ما كسب سيصلى ناراً ذات لهب و امرأته حمالة الحطب فى جيدها حبل من مسد " ( سورة المسد )
المسد : أى : الليف الخشن
.. هذا قرآن .. و فى من .. ؟ فى عم الرسول .. و فى من .. ؟ فى عدو الإسلام .. ألم يكن أبو لهب يستطيع أن يحارب الإسلام بهذه الآية ؟ ألم يكن يستطيع أن يستخدمها كسلاح ضد القرآن ؟ ضد هذا الدين .. قالت له الآية يا أبا لهب أنت ستموت كافراً , ستموت مشركاً , و ستعذب فى النار .. و كان يكفى أن يذهب أبو لهب إلى أى جماعة من المسلمين .. و يقول أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمداً رسول الله .. يقولها نفاقاً .. يقولها رياء .. يقولها ليهدم بها الإسلام .. لا ليدخل فى الإسلام .. يقولها ثم يقف وسط القوم يقول : إن محمداً قد أنبأكم أننى سأموت كافراً .. و قال : إن هذا كلام مبلغ له من الله .. و أنا أعلن إسلامى لأثبت لكم أن محمداً كاذب .. لو كان أبو لهب يملك ذرة واحدة من الذكاء لفعل هذا .. و لكن حتى هذا التفكير لم يجرؤ عقل أبى لهب على الوصول إليه .. بل بقى كافراً مشركاً , و مات و هو كافر .. و لم يكن التنبؤ بأن أبا لهب سيموت كافراً أمراً ممكناً .. لأن كثيراً من المشركين اهتدوا إلى الإسلام كخالد بن الوليد و عمرو بن العاص و عمر بن الخطاب .. و غيرهم .. كانوا مشركين و أسلموا .. فكيف أمكن التنبؤ بأن أبا لهب بالذات لن يسلم و لو نفاقاً و سيموت و هو كافر ؟ .. المعجزة هنا أن القرآن قد أخبر بما سيقع من عدو .. و تحداه فى أمر اختيارى .. كان من الممكن أن يقوله و مع ذلك هناك يقين أن ذلك لن يحدث .. لماذا ؟ لأن الذى قال هذا القرآن .. يعلم أنه لن يأتى إلى عقل أبى لهب تفكير يكذب به القرآن .. هل هناك إعجاز أكثر من هذا ؟
( ب ) تحدى القرآن لغير العرب
انتقل بعد هذا إلى النقطة الثانية .. و هى ماذا حمل القرآن لغير العرب فى عصره ؟ و لغير العرب و الدنيا كلها بعد عصره ؟ أى ماذا حمل القرآن من أنباء نواميس الله فى الأرض و قوانينه التى كانت غيباً على البشرية كلها فى عصره و بعد عصره ؟ هنا الأمثلة كثيرة .. و المجال لا يتسع لها كلها .. و لكننى سأحاول أن أبين عدداً منها فيما يختص بالإعجاز فى عصر القرآن لغير العرب .. فقد كان هناك أمتان كبيرتان امبراطوريتان بجانب الجزيرة العربية .. هما الروم و الفرس .. الروم أمة مؤمنة .. أهل كتاب .. و لو أنهم لا يصدقون برسالة محمد إلا أن هناك عندهم إيماناً بوجود الله .. و القيم السماوية .. و الفرس كانوا أهل كفر و إلحاد فى ذلك الوقت .. لا يؤمنون بأى دين من الأديان .. إذن فأيهما أقرب إلى قلب المؤمنين ؟ الروم باعتبارهم أهل كتاب .. و أيهما أقرب إلى قلب الملحدين و الكفار .. الفرس باعتبارهم مشركين و كفرة .. قامت الحرب بين الدولتين .. فهزم الروم وانتصر الفرس و هنا فرح المشركين لأن الكفر قد انتصر .. و حزن المؤمنون لأن نوعاً من الإيمان قد هزم .. و هنا يتدخل الله سبحانه و تعالى ليزيل عن المؤمنين هذا الحزن .. فيقول فى كلام محفوظ متعبد بتلاوته لن يجرؤ و لن يستطيع أحد أن يغير فيه .. يقول : " الم غلبت الروم فى أدنى الأرض و هم من بعد غلبهم سيغلبون فى بضع سنين لله الأمر من قبل و من بعد و يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء و هو العزيز الرحيم " ( الروم 1 : 5 ) ثم يمضى القرآن ليمعن فى التحدى ..
" وعد الله لا يخلف الله وعده و لكن أكثر الناس لا يعلمون " ( الروم 6 ) ما هذا ؟ أيستطيع محمد صلى الله عليه و سلم أن يتنبأ بنتيجة معركة ستحدث بين الروم و الفرس بعد بضع سنين ؟ هل يستطيع قائد عسكرى مهما بلغت قوته و عبقريته .. و نبوغه أن يتنبأ بمصير معركة عسكرية بعد ساعة واحدة من قيامها ؟ فما بالك أن ذلك يأتى و يقول إنه بعد بضع سنين ستحدث معركة بين الفرس و الروم و ينتصر فيها الروم .. هل أمن محمد صلى الله عليه و سلم على نفسه أن يعيش بضع سنين ليشهد هذه المعركة ؟ .. لقد وصل الأمر بأبى بكر رضى الله عنه .. أنه راهن على صحة ما جاء به القرآن .. إذن فقد أصبحت قضية إيمانية كبرى .. هذا هو القرآن .. كلام الله .. و أساس الإيمان كله .. يأتى و يخبر بحقيقة أرضية قريبة ستحدث لغير العرب .. و يقول الكفار إن القرآن كاذب .. فيقول المؤمنون إن هذا صدق .. و يحدث رهان بين الإثنين ..
ماذا كان يمكن أن يحدث لو أنه لم تحدث معركة بين الروم و الفرس ؟ أو لو أنه حدثت معركة و هزم فيها الروم ؟ أكان بعد ذلك يصدق أى انسان القرآن ؟ أو يؤمن بالدين الجديد ؟ ثم إذا كان القرآن من عند محمد فما الذى يجعله يدخل فى قضية غيبية كهذه لم يطلب منه أحد الدخول فيها ؟ أيضيع الدين من أجل مخاطرة لم يطلبها أحد ؟ و لم يتحده فيها إنسان ؟ و لكن القائل هو الله .. و الفاعل هو الله .. و من هنا كان هذا الأمر الذى نزل فى القرآن يقيناً سيحدث .. لأن قائله ليس عنده حجاب الزمان .. و حجاب المكان .. و لا أى حجاب و هو الذى يقول ما يفعل .. و من هنا حدثت الحرب .. و انتصر الروم على الفرس فعلاً .. كما تنبأ القرآن ..
و هكذا تحدى القرآن الكفار و غير المسلمين فى وقت نزوله .. أى أنه لم يتحد العرب وحدهم .. بل تحدى الكفار و المشركين من غير العرب .. بأن أنبأهم بما سيحدث لهم قبل أن يحدث بسبع أو ثمانى سنوات .. تحداهم بهذا لعلهم يؤمنون ..
الروم : كانوا على دين المسيح ( مسيحيون )
الفرس : كانوا يعبدون النار ( مجوس )
و إلى هنا :
إذا انتهينا إلى هذا نكون قد أثبتنا أن القرآن تحدى العرب و غير العرب فى وقت نزوله .. و لكننا قلنا إن القرآن ليس له زمان .. و ليس له مكان .. و أنه سيظل حتى قيام الساعة .. فكيف يمكن أن يتحدى الأجيال القادمة ؟ لابد أن يكون للقرآن معجزة دائمة .. أن يعطى عطاء لكل جيل لم يعطه للأجيال السابقة ..
و قد كان .. جاء فى القرآن أشياء لو أن أحداً أخبر بها وقت نزوله لاتهم الذين قالوها بالجنون .. و لكنها جاءت للعصور القادمة , جاءت لتتحدى عبر الأجيال إلى يومنا .. و إلى الأيام القادمة ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و شهدوا للقرآن و هم كافرون
إن إعجاز القرآن لم يتوقف .. و لن يتوقف .. و إذا كان القرآن قد تحدى الكفار فى عصر نزوله بأن أنبأهم بما يدور داخل صدورهم .. و أنبأهم بمصائرهم .. فإنه يتحدى الكفار حتى فى هذا الزمان .. فى هذا الوقت الذى نعيش فيه بل و يستخدمهم .. فى ماذا ؟ فى إثبات قضية الإيمان .. تماماً كما استخدمهم وقت نزوله فى إثبات قضية الإيمان .. إن هدف الكفار و المضلين عن سبيل الله هو إنكار هذا الدين .. و إنكار وجود الله .. و لكن القرآن جاء .. و بعد أربعة عشر قرنا .. ليستخدم الكفار فى إثبات أن دين الله حق ..
و أن هذا الكتاب هوكلام الله المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه و سلم .. و هذا هو موضوعنا :
الحقائق الكونية فى القرآن الكريم
عندما يقول الله سبحانه و تعالى :
" ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها و من الجبال جدد بيض و حمر مختلف ألوانها و غرابيب سود و من الناس و الدواب و الأنعام مختلف ألوانه كذلك " ( فاطر 27 / 28 )
فإننا نرى أن الله سبحانه و تعالى تكلم عن الجماد .. و تكلم عن النبات .. و تكلم عن الحيوان و الإنسان .. ثم يقول الله سبحانه و تعالى : " إنما يخشى الله من عباده العلماء " ( فاطر 28 ) العلماء فى ماذا ؟ .. فيما يتعلق بخلق الله من الجماد و الحيوان و النبات و الإنسان ..
ولذلك جاء الله سبحانه و تعالى بالمتناقضات الموجودة فى النوع الواحد .. لو أنه جنس واحد لما وجد فيه متناقضات ..
أولاً النبات :
عند قوله تعالى : " ثمرات مختلفاً ألوانها " كان يجب أن نلتفت إليها .. لماذا اختلفت ألوانها .. و ما هى العلاقة بين الألوان و الطبيعة .. مثلاً حينما يتغذى النبات وجد من الدراسة أنه يتغذى بواسطة خاصية الأنابيب الشعرية .. و هنا نقف قليلاً .. هل هذه الأنابيب الشعرية تميز .. هل تستطيع التمييز .. إذا جئنا بحوض .. و وضعنا فيه سائلاً مذاباً فيه أصناف مختلفة .. ثم جئنا بالأنابيب الشعرية .. نجد أن الماء قد صعد فى مستوى أعلى من مستوى الإناء .. و لكن هل كل أنبوبة ميزت عنصر أخذته ؟ .. أم أن كل أنبوبة أخذت جميع العناصر ؟ .. و هى مذابة .. لكن النبات ليس هكذا .. أننى أزرع الحنظل .. بجانب القصب .. فيخرج هذا حلوا .. و هذا مرا .. هذا يأخذ عناصره وهذا يأخذ عناصره من نفس التربة .. هناك إختيار .. و من هنا ظهر ما سمى بخاصية الانتخاب .. و الانتخاب معناه الاختيار بين بديلات .. أى أنك تترك هذا و تأخذ هذا و لذلك قال الله سبحانه و تعالى " يسقى بماء واحد و نفضل بعضها على بعض فى الأكل " ( الرعد 4 ) لكن خاصية الأنابيب الشعرية .. تتعامل مع السائل كله .. بلا تمييز .. و من هنا نعرف أن الخاصية شئ .. و اختيار النبات للعناصر الغذائية التى يريدها أو يحتاجها شئ آخر .
ثانياً : الجماد :
نأتى بعد ذلك للجماد .. يقول الله سبحانه و تعالى " و من الجبال جدد بيض و حمر مختلف ألوانها و غرابيب سود " .. هذا علم الجماد .. و هو علم الآن فيه مجلدات .. ثم بعد ذلك الإنسان .. أجناس الوجود كلها .. ثم بعد ذلك قال الله " إنما يخشى الله من عباده العلماء ".. العلماء فى ماذا ؟ بهذه كلها .. إذن كلمة العلماء أطلقت على من يتفكر فى خلق الله .. سواء كان جمادا أو حيوانا أو نباتا .. و الذهن النشط يستطيع أن يصل إلى هذه العلوم الأرضية .. بالملاحظة و التجربة .. و الدليل على ذلك أنك إذا استعرضت تاريخ أى مخترع من المخترعات فى الكون التى أراحت الناس .. تجد أنها نتيجة لإنسان قد لاحظ بدقة .. و لم تمر عليه المسألة كباقى الناس و العلم مكانه المعمل و الملاحظة و التجربة .
ثالثاً : الإنسان و البحث فى الروح
و لكننا أحياناً نتجاوز موضوع العلم .. موضوع التجربة و المعمل .. و ذلك عندما أقول مثلاً الروح قبل المادة .. أو المادة الروح .. فهذا بحث فى عنصري الإنسان الذى لم نشهد خلقه .. و لا نستطيع أن نجرى عليه تجربة .. إن هذا يدخل فى علم الله .. فهو الذى خلق .. و هو الذى يستطيع أن يقول لنا كيف تم الخلق .. و لذلك يقول الله سبحانه و تعالى : " ما أشهدتهم خلق السماوات و الأرض و لا خلق أنفسهم " ( الكهف 51 ) إذن فهذه مسألة لا يمكن أن يصل فيها العلم البشرى إلى نتيجة .. لماذا ؟ . لأننا لم نحضر التجربة .. و لم نرها بالعين .. و لا نستطيع أن نجربها أو نقوم بها .. و لكن بالأذن سمعناه من الله .. و هذا أمر غيبى عنا .. و ما دام الأمر غيبياً عنا .. فإن الله الذى خلقنى هو الذى يحدثنى .. كيف خلقت ؟ و من هنا فإننى لا يمكن أن أتحدث علمياً عن العنصرين اللذين يتكون منهما الإنسان .. و أيهما جاء أولاً .. و إذا صمم أحد على أن يبحث فى هذا .. يكون قد شغل نفسه بعلم لا ينفعه عن جهل لا يضره .. لأنه لن يستطيع أن يدلل على ما يقول علمياً .. و بالتجربة أنا أستطيع أن أمسك المادة و أدخلها المعمل .. و لكنى لا أستطيع أن أمسك بالروح و أدخلها إلى المعمل ..
العلم التجريبى لا اختلاف فيه
و العلم يجب أن يتم على مادة صماء .. يمكن أن تدخل فى المعمل الأصم .. و تعطى حقائق صماء .. أليست هذه الحقيقة ؟ و الدليل على ذلك أن المعسكرات المتصارعة لا تختلف فى مذاهب العلم .. و لكنها تختلف فى مذاهب الهوى و النظريات .. لا توجد هناك كهرباء أمريكية .. و كهرباء روسية .. و لا توجد كيمياء ألمانية .. ولا كيمياء إنجليزية .. كل علم الكيمياء فى أى دولة من دول العالم خاضع لما تعطيه التجربة الصماء التى لا هوى لها .. و بهذا تكون النتيجة واحدة .. سواء كان المعمل إنجليزيا أو أمريكيا أو سوفيتيا .. أو أى معمل من معامل الدنيا ..
و لكن الخلاف يحدث عندما تتدخل مذاهب الهوى و النظريات .. فإذا جئنا إلى مذاهب الهوى .. هوى النفس .. نجد أنها متناقضة .. ليست مختلفة و لكنها متناقضة .. هذا على النقيض من ذلك .. رأسمالية و شيوعية .. إيمان .. و إلحاد .. و إنكار للديانات لماذا ؟ لأن هوى النفس دخل هنا فأفسد القضية العلمية و أضاع حقائقها .
فإذا أخذنا خلق الإنسان مثلا .. فاننا نأخذ هذا الخلق عن الله .. الذى خلق .. ماذا قال الله سبحانه و تعالى .. قال خلقتك من تراب .. و قال من طين .. و قال من حمأ مسنون .. و قال من صلصال كالفخار .. هذه ليست تناقضات فى الخلق .. أو تناقضات فى مادة الخلق نفسها و هى التراب .. بل إن الله سبحانه و تعالى يبين لنا أطوار هذه المادة من التراب إلى الطين إلى الحمأ إلى الصلصال .. إنها المراحل التى مر بها خلق الجسد البشرى من تراب إلى ما قبل نفخ الروح فيه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكفار يشهدون بصحة القرآن
و نعود إلى الآية الكريمة " ما أشهدتهم خلق السماوات و الأرض و لا خلق أنفسهم و ما كنت متخذ المضلين عضداً "
( الكهف 51 ) ما معنى كلمة مضل ؟ كلمة مضل تعنى أن هناك قضية حق .. و ان هناك إنسانا يريد أن يضللنى و يعطينى عكس القضية .. أى يعطينى غير الحقيقة و هو الضلال .. هذا هو معنى مضل .. إذن قول الله " و ما كنت متخذ المضلين عضداً " .. أى أننى فى ساعة الخلق لم أطلب العون و المساعدة أو المشورة .. أو النصيحة .. من هؤلاء المضلين .. و إلا لو كان حدث ذلك .. ثم جاءوكم يخبرونكم كيف تم خلق السماوات و الأرض .. و كيف خلقتم أنتم ؟ لكان لكم العذر فى تصديقهم .. ولكن ما داموا لم يشهدوا الخلق .. و لم أطلب معونتهم .. فإن ما سيقولونه لكم غير واقع .. غير صحيح .. إنه ضلال .. و هذه معجزة من معجزات القرآن .. فقد قال لنا الله .. إنه سيكون هناك مضلون .. و أن هؤلاء المضلون سيحاولون أن يقولوا لكم غير الحق فى قضية خلق السماوات و الأرض .. و فى قضية خلق الإنسان .. فلا تصدقوهم لأننى لم أستعن بهم ساعة الخلق .. و لم يكونوا موجودين . إذن لو لم يحدث أن جاء أناس يضلون عن سبيل الله .. لقلنا إن القرآن غير صحيح .. لأنه أين المضلون ؟ و لو وجد المضلون و تناولوا قضية أخرى غير خلق السماوات و الأرض و خلق الإنسان .. لقلنا إن القرآن غير صحيح .. لأنه يوجد من يضل عن سبيل الله .. و لكنه لا يتناول فيما يقوله قضية خلق السماوات و الأرض .. و لا قضية خلق الإنسان .. و لكن كون المضلين جاءوا و كونهم تحدثوا عن قضية خلق السماوات و الأرض و خلق أنفسهم .. و هل المادة قبل الروح ؟ أم الروح قبل المادة ؟ كون هؤلاء جاءوا .. و كونهم تناولوا قضية خلق السماوات و الأرض .. و خلق الإنسان .. فهذا إثبات لما جاء فى القرآن عنهم .. و كأن هؤلاء المضلين الذين جاءوا ليصدوا عن سبيل الله .. إنما قدموا خدمة كبيرة للدعوة الإسلامية .. و للقرآن .. بأنهم أثبتوا بكفرهم صحة القرآن .. و صحة آياته .. أترى إعجاز أكثر من ذلك ؟ يستخدم الله الكفار الذين يضلون عن سبيله .. و يحاولون تكذيب القرآن .. يستخدمهم الله سبحانه و تعالى ليقوموا و هم لا يدرون بإثبات صحة الدين الذى يحاولون أن يهدموه .. و بإثبات وجود الله سبحانه و تعالى .. و هم يريدون أن ينكروه .. فيقول فى قرآن نزل منذ أربعة عشر قرناً : إن هناك من سياتى ليضل عن سبيل الله .. و يتخذ من قضية خلق السماوات و الأرض و الإنسان مادة لهذا الإضلال .. و كل ما سيقولونه هو غير الواقع .. و أنا أنفى من الأن ما سيقولونه بعد مئات .. أو ألوف السنين .. و أقول لكم إنه غير صحيح . إذن فكون هؤلاء المضلين جاءوا إثبات للقرآن .. و كونهم أنهم قالوا غير الحق و لم يستطيعوا أن يدللوا عليه عملياً .. و أخذوا يطلقون نظرياتهم .. كل نظرية تهدم الأخرى إثبات آخر و هم يجتهدون فى محاولة هدم منهج الله و نحن نقول لهم إنكم تثبتونه .. لأن الله أخبرنا عنكم فى القرآن منذ أربعة عشر قرناً .. و قال إنكم ستأتون .. و ستفعلون كذا و كذا فى محاولة لتضليل الناس .. و هدم القرآن .. أترى الإعجاز .. فى استخدام الكفار لتثبيت قضية الإيمان فى الكون ؟
العلاقة بين جسد الإنسان
و القشرة الأرضية الخصبة
إذن فخالق الإنسان هو الله .. و خالق السماوات و الأرض هو الله .. و هذا أمر غيبى نأخذه عمن خلق .. إلا أن الحق سبحانه و تعالى حين يعرض قضية غيبية . فإنه ينير طريق العقل دائماً بقضية نحسها و نشهدها .. تقرب القضية الغيبية التى يتحدث عنها .. فالله خلقنى من تراب .. من طين .. من حمأ مسنون .. من صلصال كالفخار .. ثم نفخ فيه من روحه .
إذا أخذنا التراب ثم نضيف إليه الماء فيصبح طينا .. ثم يترك لتتفاعل عناصره فأصبح حمأ مسنوناً كالذى يستخدمه البشر فى صناعاتهم .. ثم يجفف فيصبح صلصالاً .. هذه أطوار خلق الجسد البشرى .. و البشر تم خلقهم من الطين .. من الأرض ..
فإذا جئنا للواقع .. فلنسأل أنفسنا : الإنسان مقومات حياته من أين ؟ من الأرض .. من الطين .. هذه القشرة الأرضية الخصبة هى التى تعطى كل مقومات الحياة التى أعيشها .. إذن فالذى ينمى المادة التى خلقت منها هو من نفس نوع هذه المادة .. و هى الطين .. و لقد حلل العلماء جسد الإنسان فوجدوه مكوناً من ستة عشر عنصراً .. أولها الأوكسجين .. و آخرها المنجنيز .. و القشرة الأرضية الخصبة مكونة من نفس العناصر .. إذن عناصر الطين المخصب هى نفس عناصر الجسم البشرى الذى خلق منه .. هذا أول إعجاز .. و هذه تجربة معملية لم يكن هدفها إثبات صحة القرآن أو عدم صحته .. و لكنها كانت بحثا من أجل العلم الأرضى .
الموت دليل على الحياة لأن الموت نقض لها :
و لقد جعل الله سبحانه و تعالى .. من الموت دليلا على قضية الخلق .. فالموت نقض للحياة .. أى إن الحياة موجودة .. و أنا أنقضها بالموت .. و نقض كل شئ يأتى على عكس بنائه .. فإذا أردنا أن نبنى عمارة نبدأ بالدور الأول .. و إذا أردنا أن نهدمها نبدأ الأخير .. إذا وصلت إلى مكان و أردت أن أعود .. أبدأ من آخر نقطة وصلت إليها .. إنها تمثل أول خطوة فى العودة .. و نحن لم نعلم عن خلق الحياة شيئا .. لأننا لم نكن موجودين ساعة الخلق .. و لكننا نشهد الموت كل يوم .. و الموت نقض الحياة إذن هو يحدث على عكسها .. أول شئ يحدث فى الإنسان عند الموت . أن الروح تخرج .. و هى آخر ما دخل فيه .. أول شئ خروج الروح .. إذن آخر شئ دخل فى الجسم هو الروح .. ثم تبدأ مراحل عكس عملية الخلق .. يتصلب الجسد .. هذا هو الصلصال .. ثم يتعفن فيصبح رمة .. هذا هو الحمأ المسنون .. ثم يتبخر الماء من الجسد و يصبح ترابا .. و يعود إلى الأرض .. إذن مراحل الإفناء التى أراها و أشهدها كل يوم هى عكس مراحل الخلق .. فهناك الصدق فى مادة الخلق .. و الصدق فى كيفية الخلق .. كما هو واضح أمامى من قضية نقض الحياة .. و هى الموت ..
الحياة نفخ من روح الله
شئ آخر .. يقول الله سبحانه و تعالى : " و نفخت فيه من روحى " ( الحجر 29 ) . و معنى النفخ أى نفس .. أى أن هناك نفسا خرج من النافخ إلى المنفوخ فيه .. فبدأت الحياة .. و بماذا تنتهى الحياة بخروج هذا النفس .. فأنت إذا شككت فى أن أى إنسان قد فارق الحياة .. يكفى أن يقال لك إنه لا يتنفس .. لتتأكد يقينا أنه مات إذن دخول الحياة إلى الجسد هو دخول النفس .. مصداقا لقوله تعالى : " و نفخت فيه من روحى " .. و خروجها هو خروج هذا النفس فالمسألة يقيناً كما قال الله ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معجزة القرآن فى إخباره بعلم الأجنة
و إذا كنا نريد إعجازاً أكثر .. فلننظر ماذا قال القرآن فى علم الأجنة .. علم تكوين الجنين فى بطن أمه .. هل تناول أحد هذه المسألة قبل القرآن أو عصر القرآن .. أو بعده بفترة .. أبدا .. أول من تحدث عنها هو القرآن و أعطانى ما هو غائب عنى .. فكون الله سبحانه و تعالى يأتى فى قرآنه و يعطينى مراحل تكوين الجنين .. فهذه آية من آيات عظمته و قدرته .. و علمه .. و يقول الله فى أطوار الجنين : " ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً " ( المؤمنون 13 / 14 ) علم الأجنة ما عرفه الناس إلا حديثاً .. و القرآن كما قلت كلام متعبد بتلاوته .. لا تبديل فيه و لا تغيير .. أى أن القضية التى يذكرها ستبقى كما هى إلى آخر الدنيا .. فعندما يأتى القرآن و يخبر بهذا فكأنه يتحدى العلم و العلماء .. إلى يوم القيامة .. يقول لهم هذا هو تكوين الجنين فى بطن أمه .. و أنا أذكره لكم و أذكر مراحله بالتفصيل .. لم يشهده أحد من البشر حتى ساعة نزول القرآن .. و لا حتى بعد نزوله بمئات السنين .. و لكننى أسجله لتعلموا عندما أعطيكم من العلم ما تستطيعون به معرفة أطوار الجنين .. أن القائل هو الخالق .. لأنه لا يمكن لأحد أن يقول هذا الكلام .. و أن يتحدى بصحته على مر العصور و أن يخترق الحجب ليروى شيئاً لم تكن البشرية تعرفه أو تعلم به .. إلا أن يكون ذلك هو الله .. و إلا فكيف يأمن أى إنسان ؟ أى بشر مهما بلغ من العلم .. كيف يأمن أنه بعد عشرات السنين .. أو مئات السنين .. لن يأتى ما يناقض هذا الحديث . و ما يثبت عدم صحته ؟
فإذا لم يكن الحديث هنا عن الله .. و إذا لم يكن عن يقين كامل .. فكأن القرآن قد أعطى معه وسيلة هدمه .. كان يكفى أن يقول إنسان إن القرآن يقول هذا عن أطوار الجنين .. و قد أثبت التقدم العلمى أنه غير صحيح .. كان يكفى أن يقال هذا ليهدم قضية الدين من أساسه .. و يكون القرآن قد أعطى للكفار أقوى سلاح يهدمونه به .. فالذى كشف علم الأجنة متأكد تماماً أن ما يقوله هو الحق .. و أن تطور العلم مهما جاء فانه لن يأتى ليناقض هذا الكلام .. و لقد أثبتت أحدث البحوث عن الجنين .. صحة ما ذكره القرآن منذ أربعة عشر قرناً .. و لم تختلف عنه .. فى أى تفصيل من التفصيلات .. رغم أن هذا كان أمراً غيبياً .. و أمراً لم يتحدث عنه أى إنسان قبل أن يأتى القرآن .. و مع هذا فقد ذكره القرآن بالتفصيل .. و حدد أطواره .. و جاء العلم بعد ذلك ليثبت هذه الحقيقة .. إذن فلابد أن قائل القرآن هو الله .. لأن الذى يعلم يقيناً هو الله وحده ..
آيات الله فى الأرض
مراكز الإحساس بالجلد
نأتى بعد ذلك إلى نقاط سأمر عليها بسرعة .. لأن آيات الله كثيرة جداً فى الأرض .. و كلها تنطق بإعجاز القرآن .. يقول الله سبحانه و تعالى : " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب " ( النساء 56 ) هذه الآية عن الكفار يوم القيامة .. و الهدف منها هو أن يقول الله إن العذاب سيستمر فى الآخرة .. و كانوا يقولون إن مراكز الإحساس موجودة فى المخ .. و إن الجلد ليس فيه مراكز إحساس .. كان هذا هو الحديث حتى فترة وجيزة .. أما أيام نزول القرآن فلم يكن أحد يعرف شيئاً عن ذلك على الإطلاق فيأتى الله سبحانه و تعالى و يقول : " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب " . فكأن العذاب له صلة بالجلد .. و الإحساس بالعذاب يأتى من الجلد .. ثم يكتشف العلم أخيراً أن مراكز الإحساس بالألم موجودة فعلاً فى الجلد .. و هى التى تحس بالعذاب .
( يؤكد العلم الحديث أن كل سنتيمتر فى الجلد يستقبل 800 مؤثر , و الأذن و العين كل منهما يستقبل 18 مؤثراً و لو زاد العدد فقد الإحساس ) .
الذرة
و نأتى إلى القرآن فنجده ربما كان أول كتاب فى العالم كله ... أخبر : أنه يوجد شئ أصغر من الذرة .. فيقول سبحانه و تعالى : " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرة شراً يره " ( الزلزلة 7 /8 ) لأن الذرة هى أدق ميزان فى العالم .. ثم يأتى فى آية أخرى و يقول عن الذرة " و لا أصغر من ذلك و لا أكبر إلا فى كتاب مبين " ( يونس 61 ) إذن فهناك شئ أصغر من الذرة .. و هذا الشئ مقيد فى كتاب عند الله و مكتوب ..
ديمومة ذكر الله
و يقول الله " فلا أقسم برب المشارق و المغارب " ( المعارج 40 ) أى مشارق و أى مغارب ؟ فى عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان كل ما يعرفه الناس عن الشمس أنها تشرق من مكان .. و تغرب من مكان آخر .. فيقول مثلاً الشمس تشرق من ناحية هذا الجبل .. و تغرب من ناحية هذه الشجرة .. و لكن الآن كل بلد له مشرق و مغرب .. فالشمس عندى تشرق من ناحية الجبل .. و بعد دقائق تشرق فى بلدة أخرى .. و بعد دقائق فى بلدة ثالثة .. و بعد دقائق فى بلدة رابعة .. و هى تغرب من هناك و بعد دقائق تغرب من بلدى .. و بعد دقائق تغرب من بلد مجاورة .. أى أن لها مشارق و مغارب .. و الصلاة مثلاً .. الصلاة مستمرة فى الأرض ليلاً و نهاراً .. توقيت الظهر مثلاً عندى .. و بعد دقائق فى بلدة أخرى .. و بعد دقائق فى بلدة ثالثة .. و نصف الأرض نائم .. و النصف الثانى يسبح الله .. بعض الناس يصلون الفجر .. و فى نفس اللحظة غيرهم يصلون الظهر .. و فى نفس اللحظة غيرهم يصلون العصر .. و فى نفس اللحظة غيرهم يصلون العشاء .. الصلاة هنا فى القاهرة مثلاً و بعد دقيقتين فى بنها .. و بعد دقيقتين أخريين هى فى دمنهور .. و بعد دقيقتين هى فى الإسكندرية .. و بعد دقيقتين أو ثلاث هى فى بلد آخر .. و هكذا .. بحيث لا ينقطع عن العالم أجمع ثانية واحدة ليست فيها ذكر الله ..
من إعجاز القرآن
يأتى الله سبحانه و تعالى ليرينا كيف يعالج قضية أخرى ..يعالجها بما يناسب عقول الذين عاصروا نزول القرآن إلى الأرض .. و تفكير كل الأجيال القادمة .. يأتى فيقول : " و الخيل و البغال و الحمير لتركبوها و زينة " ( النحل 8 ) أى إنه و هو يتحدث عن نعمة قد حدد للإنسان ما خلقه له ليساعده على التنقل فى الأرض .. و لكن هل هذا هو نهاية المطاف .. لو أننى أفكر بتفكير ذلك العصر .. العصر الذى نزل القرآن لقلت إنها نهاية المطاف .. و لكن الله يعلم أن الإنسان سيركب السيارة و الصاروخ و الطائرة .. و أن كل جيل سيختلف عن الجيل الآخر بوسائل التنقل .. فكيف يسجل ذلك دون ان يقول ما هو فوق عقول الناس فى ذلك الوقت .. مما قد يذهب الإيمان فى نفوسهم ؟ يقول الله سبحانه و تعالى : " و الخيل و البغال و الحمير لتركبوها و زينة و يخلق ما لا تعلمون " ( النحل 8 ) أترى بلاغة القرآن .. قد سجل علم الله و فى نفس الوقت احتفظ به غيبا على الذين عاصروا نزول القرآن .. و يخلق ما لا تعلمون .. هنا معناها ان ما ذكرته ليس نهاية المطاف .
و لذلك فأنا أقول لكم من الآن : إن هذه هى وسائل تنقلكم و لكنى سأخلق فى الأجيال القادمة ما لا تعلمون أنتم .. و سأخلق للأجيال التى بعدها ما لا تعلمه الأجيال القادمة .. و هكذا إلى نهاية الدنيا .. و من هنا فقد سجل القرآن التطور الذى سيحدث .. و فى نفس الوقت احتفظ بعبارته فى مستوى العصر الذى نزل فيه ..
عنصرا الذكر و الأنثى فى الرجل
و تأتى الدنيا كلها .. فتتهم النساء بأن لهن دخلا فى أن يلدن إناثا و يلدن ذكورا .. و يخبر الله سبحانه و تعالى أنه خلق الإناث و الذكور من نطفة الرجل .. و ليس للمرأة دخل فى ذلك " و أنه خلق الزوجين الذكر و الأنثى من نطفة إذا تمنى "
( النجم 45 / 46 ) .. ثم يأتى العلم أخيراً .. و يكتشف هذه الحقيقة الكونية .. و يعلن أن عنصرى البشرية الذكر و الأنثى موجودان معاً فى الرجل .. و أن تحديد النوع يأتى من الرجل و ليس للمرأة دخل فيه ..
دعوة القرآن إلى إمعان النظر فى الكون
و الله سبحانه و تعالى يقول : " و كأين من آية فى السماوات و الأرض يمرون عليها و هم عنها معرضون "
( يوسف 105 )
أى إن هناك أشياء عجيبة خلقها الله فى السماوات و الأرض تتطلب من الإنسان أن يمعن النظر فيها .. و لكنه لا يمعن فيها النظر .. رغم أن الله سبحانه و تعالى طلب منا أن نمعن النظر فى آياته .. و أن نستخدم نشاطات الذهن فى اكتشاف نشاطات الكون ..
كتاب اللفة الشيخ طه الحبيشي
إن قيل زرتم فيما رجعتم ؟ يا أكرم الخلق ما نقولُ
قولوا رجعنا بكل خيرٍ واجتمع الفرع والأصول
تأملات تحت سماء المدينة المنورة
لقد من الله علينا حيث قبل النبي ضيافتنا في المدينة المنورة بدءاً من يوم الأحد الحادي والعشرين من شهر مايو بعد أن من الله علينا قبل ذلك بزيارة بيته الحرام.
ولم يشأ الله أن يكون لدينا من الفراغ وسعة الوقت ما نكتب من خلاله تأملاتنا ونحن في أم القرى، وكان ذلك لضيق الوقت الذي قضيناه ونحن ضيوف على الله في بيته الحرام، حيث شاء الله أن تمتلئ أوقاتنا بأمور يعلمها هو ونسأله المثوبة عليها.
شاء الله أن نصل إلى حرم رسول الله وفي ضيافته مساء يوم الأحد في التاريخ المذكور أعلاه.
وما من أحد يدعوه رسول الله إلى ضيافته إلا ويجد التيسير بصاحبه إذا أخلص النية لله، وإذا امتلأ قلبه بالمحبة لله ولرسوله .
وإن المرء الذي هذه صفته ليجد في المدينة منذ أول عهده بها هذا الأنس الذي لا يخطئه شعوره، وهذا الود الذي لا تخطئه نفسه، وهذه الطمأنينة التي لا يخطئها قلبه.
فالمرء الذي هذه صفته إذا نزل إلى المدينة لأول عهده بها لا يجد غرابة في هذا البنيان الذي يحيط به ، ولا في هذه الطرق التي يَدْرَج عليها، ولا في هذه السماء التي تظله، ولا في هذه الأرض التي تقله.
ومع أن الطبيعة مختلفة من حيثيات كثيرة عن الطبيعة التي نشأ عليها هذا الزائر، وتربى بين أحضانها، إلا أن الأنس، وهذه الطمأنينة، وذلك الود أمور لا يختلف عليها اثنان من زوار هذه البقعة التي يعرفها المسلمون باسم المدينة المنورة، وحقيقة أنوارها ليست تتمثل في هذا النور المادي الذي للبشر فيه دخل، وإنما حقيقته في هذا النور الذي نستشعره في القلوب وتتمتع به الأرواح، وإذا رضى الله عن قوم متعهم في دنياهم وأخراهم.
1ـ التأمل الأول
المدينة بين الاسم والصفة
وإذا كان لي أن أعرض تأملاتي وأنا تحت سماء طيبة وعلى أرضها، فإني أبدؤك وأبدأ نفسي بهذا التأمل الذي أخذني إلى موضوعه أخذاً شديداً.
وموضوع هذا التأمل هو هذا الاسم من أسماء يثرب وهو: ( المدينة ).
والمدينة كلمة قد عرفها علماء الاجتماع، وعلماء السياسة، والإداريين في كل دولة أو أمة، هؤلاء جميعاً قد عرفوا كلمة (المدينة) وصفاً يقابله القرية، أو النجع، أو الكفر، أو ما شئت أو شاء لك هواك من الأسماء التي تطلق على التجمعات ناقصة الخصائص والخدمات التي يحتاج إليها أبناؤها.
إن ( المدينة ) في مفهوم الباحثين والإداريين، إنما تطلق على نوع من التجمع العمراني اكتملت فيه خصائص معينة اشترطها هؤلاء المتخصصون، بحيث إذا اجتمعت لنوع ما من التجمع العمراني على أرض معينة استحقت هذه البقعة وصف (المدينة).
واللغة العربية تقسم الأسماء من حيث دلالتها على معانيها إلى ثلاثة أقسام.
فإذا وضع الاسم ليدل على خسة أو رفعة، كان هذا الاسم لقباً .
وإذا بدئ الاسم بأب أو أم ، أو بنت أو ابن ، كان هذا الاسم لقباً .
وهذان الاسمان على كل حال يندرج تحتهما أفراد كثيرون، بحيث لا يصح لفرد واحد أن يدعي حيازته لهذا الاسم، واختصاصه بمسماه.
ومع ذلك فإن اللغة العربية قد اتسع صدرها لنوع آخر من الأسماء، كل واحد منها يُعين مسماه بغير واسطة لاختصاصه به، ودورانه معه، وكأن المسمى قد حاز هذا الاسم وتملكه.
وهذا النوع من الأسماء يسمى ( علماً ).
وفي إطار هذه المعاني اللغوية يمكن أن ندرج اسم (المدينة) وأن نصنِّفه ضمن قسم اللقب، فهو يفيد رفعة هذا المكان الذي يُطلب عليه، لأنه قد جمع مجموعة من الخواص لا توجد في غيره من التجمعات الأخرى.
هكذا يفهم اللغويون، وهكذا يقدر اللغويون على نظم اسم (المدينة) في سلك نوع اللقب.
ولم يفعل اللغويون ذلك، ولم يذهب اللغويون إلى هذا المذهب، إلا بعد أن قدم لهم علماء الاجتماع، وفقهاء السياسة، ومجموعة الإداريين هذا الاسم مرتبطاً بمسماه الذي يدل عليه.
أما مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تأبت وترفعت على ما فهمه اللغويون، وعلى ما فهمه علماء الاجتماع، وفقهاء السياسة ، وأساتذة النظام من الإداريين.
لقد شاء الله لمدينة رسول الله أن تشارك جميع المدن على وجه الأرض وعبر التاريخ، ف أن يكون اسم (المدينة) لها لقباً، ولكنها في نفس الوقت انفردت بأن يكون اسم المدينة لها علماً مشُخَّصا حازته هذه البقعة من الأرض وتملكته، بحيث إذا أطلقت كلمة (المدينة) فإنها تعين مسماها بغير واسطة.
وهكذا تكون (المدينة) قد استحوزت على عالمية الاسم، لا يشاركها فيه غيرها.
وهكذا تكون (يثرب أو طيبة) قد شاركت جميع المدن في اسم (المدينة) باعتباره صفة.
ولكن ، لو أن كل مدينة قد ألقت بما أهلها لاستحقاق اسم المدينة صفة، وألقت بأسباب الحضارة ضمن ما تجمعه من خواصها، وجدنا طيبة تأتي بكل الخواص التي هي للمدن الأخرى، والتي جعل الله لها منها نصيباً، فاستحقت بذلك المشاركة في الوصف.
ولكن مدينة رسول الله قد أظهرت في محافل التقييم بين المدن خاصية أخرى، دارت على أساس منها هذه الحضارة التي تقوم على ساقين، وتبصر بعينين، وتزن نفسها وغيرها على ميزان الشعرة الدقيق المعتدلة كفتاه، والمنضبط لسان الميزان فيه بضوابط العدل الإلهية.
لقد أخرجت مدينة رسول الله خاصية طاولت بها السماء، وفاقت بها كل بقعة على الأرض.
لقد أظهرت طيبة في محافل التقدير أن فيها قبر ضم أفضل روح وأطهر جثمان، هذا القبر قد أجمع العلماء جميعاً على أنه أطهر بقعة في الأرض، وأطهر بقعة في السماء، ومحتوى هذا القبر من الجسد والروح (إن صح التعبير) مخلوقٌ لربه، ولكنه مخلوق قد أوحى الله إليه بما به تسمو البشرية " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويديهم إلى صراط مستقيم " (المائدة).
إنه مخلوق قد خلقه الله نعم. ولكن الله قد خلقه ، وجعل له الساميات من الأخلاق مركباً يزهو به مركبه " وإنك لعلى خلق عظيم " وما أجمل هذا العلو وما أسمى المعلو عليه، ولما لا. وهو الذي
تتباهى ربك العصور وتسمو بك علياءٌ بعدها علياء
لك ذات العلوم من عالِمَ الغيب ومنها لآدم الأسماء
أخرجت المدينة خاصيتها تلك بعد ما وقفت جميع المدن على خط الانطلاق عند السباق، وغازت الرّكب.
فمن يطاول المدينة في خاصيتها هذه حين اجتمعت المدن في معارض التقدير والترجيح.
لقد حازت مدينة رسول الله قصب السبق حين عُرض اسم (المدينة) وصفاً ولقبا، حيث شاركت جميع المدن في خواصها الخيرة، ونفضت عنها السيئ من الخواص، ثم انفردت بما يخصها حيث قالت : عندي نبيٌ هو خاتم المرسلين ، وسيد الخلق أجمعين، وباعث الحضارة في كل أمة، ولها ساقان، وهي تتمتع بعينين تبصران.
تراجعت جميع المدن أمام سبق مدينة رسول الله .
فماذا عسى أن يكون لطيبة في معارض السباق، إذا عرضت كلمة (المدينة) علماً ؟
حين عُرضت كلمة (المدينة) على أنها علم يعين مسماه من غير واسطة، لم تتقدم بقعة من الأرض قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ، تدعى حيازة هذا الاسم لها.
وحين عُرضت كلمة (المدينة) على أنها علم يعين مسماه من غير واسطة لم تتقدم بقعة من الأرض بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، تدعي ملكية هذا الاسم واختصاصه بها.
وسيدوم هذا الحال بمشيئة الله إلى أن تقوم الساعة أبداً بغير انقطاع.
وسيبقى هذا الاسم (المدينة) لا يُعَين إلا مسمىَّ واحد يكون علماً عليه، إلا هذه البقعة من أرض العرب بين هاتين اللابتين المعروفتين، وما عسى أن يكون لها من توابع فوق هاتين اللا بتين أو خلفهما.
وبناءً على هذا النوع من الاختصاص فإنه إذا أُطلقت كلمة (المدينة) علماً في أي مكان من أرض الله، فإن الذهن ينصرف تلقائياً على مدينة رسول الله.
وتلك ميزة لها نظائر وأشباه، ولها أمثال في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيد على أن تكون خصائص قد اختصها الله بها وحجبها عن غيره.
فأنت تستطيع مثلاً أن تتأمل في أسماء رسول الله ، وأنت واجدٌ إن شاء الله حين تتأمل في أسماء رسول الله أن أكثر أسمائه شهرة قد احتجزها الله عز وجل له.
وأنت واجد إن شاء الله كذلك أن هذه الأسماء الشهيرة من أسمائه صلى الله عليه وسلم، إنما نقلت من العلمية إلى الصفات .
ودونك هذه الأمثلة من أسمائه الشريفة.
فمن أسمائه أنه (محمد).
و (محمدٌ) اسم مفعول من الحمد.
واسم المفعول هو اسم يدل على الذات وعلى وصف وقع على هذه الذات، أي أنه باختصار شديد اسم يدل على ذات وصفة.
و(محمد) بهذا المعنى من الأسماء الشريفة، فالموصوف به ذاتٌ محمودة.
وأنا وأنت وغيرنا نعلم من التاريخ أن جدَّه (عبد المطلب) حين سماه بهذا الاسم، التفت إلى ما فيه من معنى الصفة، فلما اندهش قومه لغرابة هذا الاسم، وأنه اسم جديد لا نظير له في الآباء ولا الأجداد، وكلموا جده في ذلك، لم يزد على أن لفتهم إلى ما في هذا الاسم من معنى الصفة، فقال: "سميته محمداً ليكون محموداً في الأرض محموداً في السماء " ، أو قال : " سميته محمداً ليحمده أهل الأرض وأهل السماء " .
وهذه الصفة الآن ربما يشارك النبي فيها غيره، ولكن النبي ينفرد بأنه إذا حمد في الأرض على اختلاف أنواع الموجودات فيها، حمد حقيقة ولم يُحمد نفاقاً ، ثم إنه ينفرد بعد ذلك بمحامد أهل السماء، وبمحامد رب الأرض والسماء، وبمحامد غير المكلفين من الموجودات أو الأشياء.
ثم يبقى أن يكون لفظ (محمد) علماً على النبي قد احتجزه الله عز وجل له، من يوم أن خلق الأرض والسموات إلى يوم أن سُمى النبي بعد ميلاده به.
وأنت تعجب غاية العجب أن العرب والعجم جميعاً يعرفون مادة الحمد، ولم يلتف أحد من الناس إلى أن يشتق لنفسه أو لعقبه منها اسم (محمد)، ولم يعرف واحد منهم أن هذا الاسم إنما قد احتجزه الله لنبيه، لم يتسمَ به أحد قبله، فيما عدا من سنشير إليهم قريبا.
أما بعد أن تسمىّ به النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما بعد أن أذن النبي صلى الله عليه وسلم للناس أن يتسموا به، حيث جاء فيما هو المشهور عنه: " خير الأسماء ما عبِّد أو حمدِّ " .
أما بعد هذا فقد صار يسمي الواحد منهم ابنه محمداً تفاؤلاً وبركة وأسوة.
ولقد شهد التاريخ فترة قبيل مولد رسول الله نشط فيها أهل الكتاب، يبشرون بنبيٍ طلع نجمه، وقرب زمانه، واسمه (محمد)، حينئذٍ طمع بعض الحالمين من العرب أن يكون هذا النبي في عقبه، فسمى ابنه محمداً.
ولقد كان هؤلاء الذين تسموا محمداً قبل ميلاده في حكم الندرة أوصل عدَدَهم بعض المؤرخين في أقصى ما احتملوه ستة عشر رجلا، أكثرهم من الذين لا تشهد لهم سيرتهم.
ومن أسماء النبي المشهورة : (أحمد).
وهو اسم علمٌ كذلك من مادة (الحمد) ، وهو على هيأة الصفة المُشَبهَة.
و (أحمد) هذه صفة تدل على ذات وقع منها الحمد كثيراً، بحكم الوزن الذي صيغت عليه (أحمد).
والنبي بحكم هذا الاسم قد يشاركه غيره، ولكن يبقى النبي ينفرد بأنه ما من أحد في الوجود كان له عليه يدٌ إلا وقد كافأه بها، واستثناء أبي بكر كان من باب جبر الخاطر، وإلا فإن أبا بكر نفسه يعلم بأنه قد كوفئ بما لا مزيد عليه.
ويبقى النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس حمداً لربه، ورعاية لشرعه، وتقديراً لخالقه حق قدره.
فلما تحول هذا الاسم (أحمد) من الصفة إلى العلم، احتجزه الله عز وجل من أول الوجود إلى مولد حبيبه ( محمد) للنبي ، لم يتسمَّ به أحد قبله، ثم أذن ـ على ما رأيت ـ للناس بعد ذلك أن يتسموا بهذا الاسم.
ولقد حاول علماء التاريخ أن يبحثوا عمن اسمه أحمد قبل النبي ، فلم يجدوا من ذلك شيئاً، إلا أن يكون بعضهم قد تعلق بجد الخليل صانع علم العروض، والذي نعرفه باسم الخليل بن أحمد، وقالوا: إن جدّه هذا (أحمد) كان قبل أن يولد النبي (محمد).
غير أن المقياس العلمي الدقيق ازور عن هذا الرأي ازوراراً جعله أقرب إلى الاندثار، وأبعد من الانتشار.
ولو قد صح هذا الرأي، لكان ما ذكر عيسى بن مريم من القول الحق في الإخبار عن النبي واسمه يمكن أن يكون عرضة للتشويش.
وما ربك بفاعل مثل هذا، ولا شيئاً منه.
وتبقى بشريات الأنبياء السابقين من نحو قول عيسى عليه السلام، " ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " (الصف).
أرأيت إلى هذه (المدينة المنورة) حين اختصت باسمها هذا علماً، وشاركت غيرها في هذا الاسم صفة، فلم يشاركها أحد في عَلَميته، ثم هي قد تفوقت بما لها من خواص على من شاركوها فيه وهو صفة أو لقب ؟ !
أرأيت إلى (المدينة) حين كان هذا مع اسمها ووصفها قد تلاءمت وانسجمت مع بعض ما للنبي من خواص وأسماء ؟
ألا فلتهنأ طيبة بما لها من تميز.
وألا فلتهنأ المدينة المنورة بما لها بالنبي من صلة.
2ـ التأمل الثاني
المدينة كما ورد اسمها في القرآن
عجيبٌ أمر هذه المدينة المنورة.
وعجيبٌ أمر ساكنيها.
نعم عجيب أمر المدينة المنورة، فما من مدينة تقع على هذا الكوكب الأرضي، إلا ويكون ساكنوها بين شقي وسعيد، يستمتع كل واحد من هؤلاء السكان بحياته التي كتبت له على نحو ما يشاء أن يستمتع بها، فمنهم من يضيع حياته كلها في اللهو واللعب، ومنهم من يعرف طريقه إلى الجد الذي يطبع به سلوكه، فيملأ حياته بما يفيده ويفيد غيره من معاصريه، ومن الأجيال التي تأتي بعد.
وقد تضم المدينة من المدن أناساً يملأ الصفاء قلوبهم، وتملأ الرحمة وجداناتهم، ظاهرهم كباطنهم لا يختلف هذا عن ذاك ، لا ولا قيد أنملة.
ومن سكان هذه المدينة أو تلك من يكون له ظاهر وباطن، يظهر الخير تحقيقا لمنافعه ومنافع أهله وذويه، ويبطن الشر حقداً على الناس على ما آتاهم الله من فضله، وعلى ما هم فيه من بحبوحة العيش، أو راحة البال، أو محبة الناس لهم واحترامهم إياهم.
تكون المدينة من المدن على كل حال على هذا النحو، أهلها ليسوا على منهج واحد، لا في الاعتقاد، ولا في السلوك، ولا حتى فيما يتبادلونه من أسباب المعايش.
ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم قد يبدو من ظاهرها أنها على هذا الحال، فيها الشقي وفيها السعيد، فيها المستقيم وفيها المنحرف، فيها المحب وفيها الشانئ.
فيها هذا وفيها ذاك، وفيها ما هو على نظائر هذا وذاك.
لكن المدينة المنورة مع هذا قد حباها الله بأمور ذكرها في القرآن.
فأنت حين تقرأ القرآن ستجد المدينة قد ذكرها الله في بعض آياته، ولكن ذكرها ليتحدث عن ساكنيها.
ومن أوائل ساكنيها هو النبي صلى الله عليه وسلم ، فيها محياه، وفيها مماته وحياته بعد مماته.
وحين يتكلم القرآن عن ساكني المدينة، يتكلم عنهم على حسب أحوالهم مع النبي .
وأحوال ساكني المدينة مع النبي هي التي تحدد مصيرهم في الدنيا والآخرة على السواء.
وأحوال سكان المدينة مع النبي على أساس منها سيتحدد علاقاتهم بالله سبحانه.
وسوف أحاول وأنا أتأمل ما أسمعه يُتلَى في الحرم النبوي في أثناء الصلوات الجهرية على لسان الأئمة، أو ما يقرأه ضيوف النبي في مسجده، وهم جالسون بين الصلاة والصلاة، شاكرين لربهم أن وفقهم لأداء الصلاة الأولى، ومنتظرين على شوق الصلاة الثانية، يقضون هذا الوقت كله في قراءة القرآن الكريم.
وأنا أسمع لهذا وذاك أتأمل حديث القرآن عن المدينة كلما مرت بنا آية فيها ذكر المدينة.
وأنا الآن سأحاول كما قلت أن أعرض إلى نماذج من تأملاتي فيما سمعت من آيات تتحدث عن المدينة المنورة.
1ـ جاء في سورة التوبة هذا النص الكريم " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين * ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين* ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون" ( التوبة :119 ـ 121 ).
ونحن حين نتأمل هذا النص نجد فيه خطاباً أو حديثاً عن أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب، تتصل بعلاقاتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو حديث من الله جاد على هيئة الخبر، لكنه في الحقيقة تكليف ، فهم مكلفون بمقتضى هذا النص لأمرين:
أولهما: أنه لا يجوز لهم مجتمعين، كما لا يجوز لأفرادهم كل على انفراده أن يتخلف عن رسول الله إذا دعاه لأمر ما، سواء أدرك خطر هذا الأمر بالنسبة للجماعة والأفراد أو لم يدركه.
وهذا الأمر هنا قد ورد بصورة التعميم لجميع المسلمين في آية أخرى من الكتاب العزيز "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه ترجعون " ( الأنفال : ).
والآية هنا خاصة بأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب، تسوق المعنى نفسه، لكنه في سياق عجيب، إذ بين الله لهم أن التخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن يكون طبعًا من طباع ساكني المدينة، ولا صفة من صفات أهلها، بل ولا يجوز أن يكون خاطراً من الخواطر التي تعرض للقلوب فينحيها أصحابها عن قلوبهم مستعينين بالله على ذلك الإقصاء، وانظر إلى هذا السياق مرة أخرى في الآية الكريمة تجد المعنى ظاهراً أمامك " ما كان لأهل المدينة " على معنى أنه ما ينبغي لأهل المدينة، كما لا ينبغي لهؤلاء الذين تربطهم بأهل المدينة صلة، ما ينبغي لهؤلاء ولا لهؤلاء أن يتخلفوا عن رسول الله في موقف من مواقفه أو في شئ يدعوهم إليه، أو في حالٍ من أحواله يؤذن لهم فيه أن يلتفوا حوله.
وهذه الصياغة على هذا النحو تكون على أعلى درجات البلاغة في صياغة النصوص التكليفية؛ إذ مآل القول أن يكون الله قد كلف أهل المدينة بهذا الأمر، ثم هم قد أسرعوا بالإجابة والاستجابة، فأخبر الله عنهم أن ما قاموا به من سرعة الاستجابة أمر يوافق طباعهم، ويساوق خلائقهم، في حين أن ضده ما ينبغي أن يعبر عن طبع من طباعهم، ولا خليفة من خلائقهم.
وثانيهما: أعني ثاني الأمرين اللذين ينبغي لك أن تقف عليهما، وأنت تتأمل النص الذي تلوته بين يديك من جديد.
ثاني هذين الأمرين هو أنه بمقتضى هذا النص لا يجوز لأهل المدينة، ولا لمن لهم بأهل المدينة صلة، إنه لا يجوز لهؤلاء ولا لهؤلاء أن يفضلوا ذواتهم، ولا حياتهم ، ولا أعز ما يملكون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يقول القرىن " ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه " .
وهو سياق كما ترى قد وقع في إطار الخبر المذكور، وهو طلبٌ بصيغة الإخبار، وقد علمت قريباً أن الأمر صيغة الخبر، يكون في أعلى درجات البلاغة المتصلة لصياغة هذا النوع أو ذاك من أنواع التكليف.
وأنت خبير ولا شك بأن المسلمين جميعاً مكلفون بأن يكون النبي عندهم مقدم على الآباء والأبناء والأموال والممتلكات، ثم هو مقدم قبل ذلك وبعده على النفس التي هي بين جنبي صاحبها.
فماذا لو قال عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في حالة من حالات ارتفاع درجات الوعي بالإيمان، وهما سائران في الطريق، أو جالسان معاً : " يا رسول الله إنك لأحب إلىَّ من والدي وولدي والناس أجمعين" أو قال له: " إنك لأحب إلىَّ من كل شئ إلا من نفسي " .
تُرى هل يقبل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ؟
إن النبي لو قبل منه ذلك لكان مخالفاً للنص القرآني (وحاشاه).
فتوجه النبي صلى الله عليه وسلم لعمر يعينه على نفسه، فلمس صدره بيده ضارباً عليه قائلاً : " لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك التي بين جنبيك " فقال عمر: ( الآن يا رسول الله ).
وأنت وأنا لا نستغرب هذا التحول السريع في فؤاد عمر، إذ لي ولك أن نلتفت مرة أخرى إلى قصة إسلام عمر، فلن نجد في بعض رواياتها إلا هذا التحول السريع نفسه.
فالله قد عود عمر أن يقتلع من قلبه في لحظة أموراً لا يرتضيها منه، ولا يحبها له، وهو في نفس الوقت يغرس له في سويداء فؤاده ما تكمل به شخصيته.
وخلاصة الأمر كله أن المسلمين جميعاً مكلفون بأنهم أولا: إذا دعاهم الله ورسوله، يجب عليهم أن يلبوا هذا النداء، وثانيا: إن المرء لا يكمل إيمانه إلا إذا كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وإلا أن يكون النبي أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه.
والمرء أمام التكليف قد يأتي منه على قدر عزيمته، ويقصر في أداء باقيه.
أما أهل المدينة، فالصياغة في حقهم تختلف، " إذ ما ينبغي لهم أن يتخلفوا عن رسول الله، وما ينبغي لهم " أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه " .
لا يجوز لهم هذا، ولا يجوز لهم ذلك، والسبب فيما أذهب إليه أنهم أهل المدينة، أو أنهم لهم علاقة بأهل المدينة.
وهذا السبب إنما يلفتنا إلى أن المدينة حرم رسول الله ، لها ما لمدينة إبراهيم عليه السلام من الحرمة والقداسة.
فإذا كان العمل في حرم إبراهيم عليه السلام مضاعف الأجر إن كان حسناً، مضاعف العقاب إن كان سيئاً، فإن الأمر نفسه يكون في المدينة على هذا النحو.
والذي حملني على هذا الفهم ما جاءت به الآيات تعلل هذين الأمرين التكليفيين اللذين جاءا على هيأة الخبر.
فهيا بنا نتأمل بقية النصوص، وفي التأمل بركة.
إن الآيات تسترسل في شئ من التفصيل الذي يكاد يصل إلى حد الاستقصاء، وهي تعلل أو تسبب الأمر التكليفي الذي جاء في سياق الخبر، مراعاة لأعلى درجات البلاغة في الأداء.
وهذا التفصيل الذي يكاد أن يصل إلى حد الاستقصاء، إنما يجيب على تساؤل هام وهو: أن تكليف أهل المدينة على هذا النحو لا يخلو من وجود شئ من الصعوبة في الأداء، فما مقابل هذه الصعوبة.
وقبل أن أجيبك عما طرأ في مخيلتك من خلال هذه الآية التي نحد بصددها، سألفتك إليك موقف قد سجله التاريخ للأنصار أول عهدهم بالنبي، وقد سجله لهم عند العقبة على أرض منى في موسم من مواسم الحج، قبل أن يتشرف الأنصار بهجرة رسول الله وارتباطه بهم على هذا النحو الذي حازوه من الشرف.
إنه في بيعة العقبة الثالثة وفيها رجال ونساء، وفيها شباب وكهول، وفيها من تحركهم عواطفهم، وفيها من يخضعون لضوابط الحكمة.
إنها بيعة العقبة الثالثة التي لا تخطئك ، بل إنها لا تخطئ واحداً من أبنائنا في أوائل الطلب.
لكن الذي ينبغي أن ألفتك إليه هنا هو أن أحد هؤلاء المبايعين للنبي حين أراد النبي أن يأخذ عليهم العهد والميثاق ، جذب يده من يد النبي، يريد أن يستوثق، أو يريد أن يستبين، ثم قال يا رسول الله: إننا والله بيننا وبين القوم (يعني اليهود) حبال من العلاقات موصولة، وبيننا وبين إخواننا العرب خاصة القرشيين قناطر ودٍّ ومصالح، وإن لنا أبناء وذرية هم أعز علينا وأوقع في نفوسنا، وإن لنا أرضاً تحتاج منا إلى جهد وعرق، وإنا والله لو عاهدناك واستقدمناك لانقطعت بنا حبال العلاقات مع اليهود، وتهدمت قناطر الود بيننا وبين العرب، واشتعلت بيننا وبين الجميع حروب، يفقد فيها الفتيان زهرة شبابهم حين يسقطون شهداء، وتبقى الأرض تصرخ بنا تحتاج إلى من يثيرها ويغمرها بالماء حتى يُؤتى بالزروع والثمار.
إن ذلك كله تعلمه أنت ونعلمه نحن، فماذا لو حدث ذلك؟ مع أنه لو حدث لكنا به راضين بعد هذه المقابلة معك.
ولكن يا رسول الله نريد أن نعلم ما الذي سيكون لنا كفاء ذلك حتى نقارن بين البذل والعطاء من جهة، وبين الأجر والثواب من جهة أخرى؟
ولم يزد النبي صلى الله عليه وسلم على أن قال: إن جزاءكم على ذلك الجنة
وكأني بجواب النبي صلى الله عليه وسلم قد صافح قلوب القوم، فنسى كلَّ واحدٍ منهما ثِقَل التكليف وعِظَم المهمة.
إنك إن علمت ذلك الموقف، وفهمت منه ما أردت أن أُفهمك إياه، ثم جئت معي وقفت على هذه المعاني التي ذكرها القرآن الكريم في تفصيل يكاد يصل إلى حد الاستقصاء، يذكره سببا لما توجه به إلى أهل المدينة من تكليف يبدو في ناظريك ذا ثِقل من نوع ما ، إنك إن فهمت الموقف في العقبة، ووقفت معي على أعتاب هذه المعاني تذكرها هذه الآية الكريمة، لعلمت أنها شجرة واحدة تُسقى بماء واحد، تتعدد ولكنها لا تُؤتي من الأكل إلا ما كان من هذا النوع.
فأهل المدينة:
أ ـ " لا يصيبهم ظمأ " وهو شدة العطش لأي سبب من الأسباب في الحرب أو في السلم.
ب ـ " ولا نصب " وهو التعب من أي نوع كان في الدفاع عن الدين ونشر الدعوة، أو في تحصيل المعايش، أو في غير ذلك.
ج ـ " ولا مخمصة في سبيل الله" على وجه الخصوص بعد أن وجد سبيل الله طريقه إلى الدخول في المعاني السابقة عليه.
د ـ " ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار" في حرب باردة أو في حرب ساخنة.
هـ ـ " ولا ينالون من عدوٍ نيلاً " في نفس أو جسد، أو مصلحة اقتصادية أو اجتماعية.
إن الأنصار لا يقع منهم شئ من ذلك " إلا كتب لهم به عمل صالح ". لأن الله "لا يضيع أجر المحسنين " .
ثم هم في مجال الاجتماعيات لهم أعمالهم لا يضيع منها شئٌ :.
و ـ " ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة " ولا ما بين ذلك ما داموا على هذه الدرجة من الوعي بالتوحيد، والحرص على الالتفاف حول النبي ، وفدائه بأنفسهم.
ز ـ " ولا يقطعون واديا " في تحصيل معايشهم، أو نشر دعوتهم وإلا كُتب لهم " .
وما ذلك كله إلا لأن الله يريد ، وإرادته خير "ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون" .
ولك أن تتأمل هذا الإغفال المتعمد لتحديد قيمة هذا الجزاء، فهم فقط يُكتب لهم العمل الصالح، وهم فقط معرضون إلى أن يجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون.
وما ذلك إلا لأن الكريم إذا أخفى وفّى .
فاهنأوا معاشر الأنصار برضى ربكم عنكم.
2 ـ وجاء في سورة التوبة كذلك هذا النص الكريم " وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم " (التوبة: 101).
لقد سمعنا النص الأول، وهو نص يُتلى في مدينة رسول الله فترتفع المشاعر الإيمانية عند من يسمعه في المدينة ، سواءٌ كان مواطناً أو مقيماً بها إلى حين.
لقد سمعنا النص الأول، وهو نص يتلى في مسجد رسول الله فتهتز به أعطاف كلَّ مُخَاطبٍ به ، وتهيج به مشاعر كل من لم يكن من سكان المدينة، ولا من عقب سكان المدينة الذين سمعوا النص يُتلى لأول مرة.
والجميع يتمنى أن يكون ضمن المخاطبين بهذا النص.
والجميع يتمنى أن يكون من الذين وفقهم الله لأداء الواجب الذي تضمنه هذا النص.
هذه المشاعر المزدحمة المتنوعة تكدست كلها حول سماعنا للنص الأول.
وها أنا أنتقل بتأملي إلى نص آخر نسمعه ونقرأه، ونجد فيه لفظ (المدينة) علماً عل هذه البقعة من الأرض ـ زادها الله شرفاً ـ .
ولكن هذا النص يخاطب الناس خطاباً آخر، إنه يرفع وعى المسلمين بمن حولهم من المحبين والشائنين على السواء ، وإنه يحذر المؤمنين بدءاً من إمامهم صلى الله عليه وسلم من أناس لهم دِرْبَة على الشر، والكيد للآخرين، بحيث لا يكاد الآخرون أن يعرفوهم بطباعهم، وصفاتهم ومكايدهم.
وهذا النص الثاني كما ترى يخبر فيه رب العزة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن هؤلاء الأعراب حول المدينة، والذين دخلوا معه في معاهدات سلم وعهود مودة، ليسوا كلهم على طريق واحد في الإخلاص للعهود، والعزم على تنفيذ الوعود.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد عقد معاهدات سلام مع بعض الأعراب من نحو: جهينة، وأسلم، وأشجع، وغفار، ولحيان، وعصيـة.
وهؤلاء على الجملة قد أخلصوا للنبي فيما أعطوه من عروض ووعود، وهو إخلاص يدعو إلى الارتياح والسرور، إذ لا يتوقع أن يأتيه شر من قبل هؤلاء الناس، فأعلمه ربه أن هذا الذي شعر به صحيح ولكنه ليس على إطلاقه، بل إن هؤلاء الأعراب من بينهم أناس مردوا على الرذيلة، وتمرسوا على الكيد بليل، وإن كنت لا تعلمهم فالله يعلمهم.
وهذا النص الثاني الذي نحن بصدده يرفع وعي المسلمين بدءاً من إمامهم صلى الله عليه وسلم بسكان المدينة نفسها، على أساس أنهم وإن كانت غالبيتهم قد التفت حول النبي تسرع في تلبية ندائه إذا ناداهم، وتُسرع بأفتدائه بأنفسهم إذا اقتضى الأمر أن يفتدوه بأنفسهم .
إذا كانت غالبية أهل المدينة على هذا النحو ، فإن فيهم هم الآخرون مجموعة قد مردوا على النفاق، ودربوا عليه، تدريباً يمنحهم القدرة على التمويه، وإخفاء مقاصدهم خلف سلوكهم المزيف الذي يدق فهمه، وفهم المقاصد من خلفه، حتى على النبي نفسه وهو الفطن الثقف اللقن ، صاحب التجربة التي تمنح صاحبها قدرة على فهم ما دق من الأمور، وصاحب الفطنة التي تُلقي بصاحبها مباشرة إلى ملاحظة ما لم يلحظه غيره.
في المدينة المنورة إذاً على نحو ما في غيرها ممن حولها من الأعراب، صفات سيئة يجسدها أناس أكثر سوءاً ، قد دربوا على الكيد للآخرين في ظلمة ، ونصب الشباك لهم بليل.
وقد يظن بعض الظانين أن النفاق حين يوجد في المدينة المنورة فإن مجرد وجوده فيها يعيبها، والآية تؤكد ولا شك وجود النفاق في المدينة وفي المحسوبين على المدينة من المحيطين بها " وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم " .
وقد يظن بعض الناس لأول وهلة أو وجود النفاق في المدينة ينتقص من مكانة المدينة.
والأمر على خلاف ما يظنه هؤلاء.
فالنفاق إذا وجد في مجتمع، دل ذلك على أن المجتمع الذي وجد النفاق فيه، فيه قوة من نوع ما ، إذ القاعدة أن المنافق ضعيف لا يقوى على المواجهة فيلجأ إلى الحيلة والخداع.
وأنا لا أريد أن أدخل في تفاصيل القوة التي تُنَافق ، فمنها حَسَن وقبيح، ومنها العالي الذي لا ينال إلا ببذل المجهود، ومنها الهابط الذي يصل إليه صاحبه بأساليب لا يقرها دين ولا خلق.
أما ما نحن فيه، فالمدينة قد قويت بوجود النبي فيها، والتفاف المسلمين حوله، والمدينة قد قويت بوجود النبي فيها وتصميمه على صناعة أمة تكتمل فيها عناصر الأمة الرشيدة، والمدينة قد قويت بوجود النبي فيها يُراعي جماعة من البشر يضعهم على الطريق الصحيح بمنهج قويم لم يشهد التاريخ لهم نظير ولا شبيه.
ومن أجل هذه القوة التي ظهرت كان من الطبعي أن يلجأ الشائنون والذين في قلوبهم مرض إلى النفاق على مواصفات النفاق.
وبمقابلة بسيطة يندفع هذا الظن عن أصحابه، وتتضح الرؤية بغاية الجلاء والظهور.
والمقابلة يمكن أن نعقدها بين فترة مقام النبي في مكة، وفترة مقام النبي في المدينة المنورة.
ففي مكة لم يكن للمسلمين سطوة ولا سلطة، ولا دولة ولا سلطان.
وفي مكة قد بدأت الدعوة توجه من قِبَل النبي إلى عامة الناس، فازور عنها أصحاب المصالح غالباً ، وهم علية القوم بمقاييس البشر، وبقى الذين اتبعوا الإسلام واعتنقواه، وهم في الأغلب من المستضعفين.
والأمر على خلاف ذلك في المدينة كما نعلم.
من أجل ذلك لم يكن في مكة نفاق ولا منافقون.
أما المدينة فالمنطق يقول: إنها كانت بيئة مناسبة لظهور النفاق، لا لشئ إلا لأن المنهج فيها صار قويا، وللسلطان فيها مقدرة على الردع والزجر، وللقائد فيها أمره ونهيه، وللجميع فيها عزتهم المستمدة من اعتزازهم بالله وبالإسلام.
ألا فلننحي عنا هذا الظن، ولنتجه إلى تأمل آخر أهم، وهو تأمل متصل بالنص الذي سطرناه بين يديك.
وهذا التأمل الذي أعنيه هو ما رتبه الله عز وجل على فعال هؤلاء القوم السيئة من جزاء.
ولو أننا تأملنا هذا الجزاء الذي رتبه الله على فعال القوم لعلمنا قيمة المدينة، بوصفها حرم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأنت خبير ولا شك أن الجزاء يرتب على قيمة الأشخاص والأمكنة ومقاديرهما.
فزوجات النبي مثلاً ، لو أن الواحدة منهن أخطأت (وحاشاها) ، كان عقابها على قدر مكانتها " يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا " (الأحزاب).
ولو أن الواحدة من زوجات النبي توجهت بأعمال الخير إلى الله قانتة راغبة في محبته، كان جزاؤها لا يعلمه إلا الله " ومن يقنت منكن لله ورسوله نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقاً كريماً " ( الأحزاب ).
والحرم المكي مكان له قداسته، فمن ارتكب المعصية فيه، أو أراد ارتكابها كان عذابه أليما، " ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم " (الحج).
أما العمل الصالح فيه كالصلاة مثلاً ، فإن الفريضة فيه تكون بمقدار مائة ألف فريضة فيما سواه.
إذا كان الأمر كذلك ( وهو كذلك طبعاً ) فإنه طبقاً لهذا الذي تأملناه، نجد المدينة نفسها لا تخرج عن هذا السياق على هذا الميزان الدقيق.
وأنت واجد ذلك في النص الذي بين يديك " وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم " ( التوبة : 101).
أرأيت إلى المنافقين في المدينة وفيمن حول المدينة من الأعراب ؟ !
لقد أخبر الله أولاً أنه سيعذبهم مرتين.
ورجال التفسير قد فهموا العدد على حقيقته، وذهبوا يبحثون عن المرة الأولى والمرة الثانية، وما استطاع واحد منهم فيما أرى أن يحسم القضية على وجهها، لا لشئ إلا لأنه افترض أن العدد على حقيقته، ولو أنهم فهموا أن كلمة ـ مرتين ـ إنما جاءت لتأكيد العقوبة ، وتكرارها ، ومضاعفتها، لكان ذلك أجدى وأولى.
وللمسألة نظائر كقوله تعالى: " ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير " ( الملك ).
ولا شك أن الاثنينية غير مقصودة، وإنما المقصود هو تكرار إرجاع البصر المرة بعد المرة يؤكده " ينقلب إليك البصر خاسئًا وهو حسير" .
والعرب يقولون : ( لبيك وسعديك ).
فاسم التثنية نائب مناب إعادة اللفظ. والمعنى: سنعذبهم عذاباً شديداً متكررا مضاعفاً، كقوله تعالى: " يضاعف لها العذاب ضعفين ".
وهذا التكرر تختلف أعداده باختلاف أحوال المنافقين واختلاف أزمان عذابهم.
وهذا ما ينبغي أن نفهمه من قوله تعالى: " سنعذبهم مرتين " لأنه هو المناسب للسياق، والأوقع في إبراز مكانة المدينة من طريق الاعتداء على حرمتها.
ومع هذا العذاب الدنيوي نجد القرآن الكريم يؤكد : أنهم بعد ذلك سيردون إلى عذاب عظيم.
والوصف بالعظمة إنما يُفهم دائماً على قدر الوصف وما يُباح له.
فإذا كان الله مع طلاقة قدرته، وعموم إرادته، وانحياز كل شئ في ملكه قد وصف هذا الذي أعد للمنافقين في الآخرة بأنه عظيم، فإن هذا الوصف نفسه يجب أن يكون رادعاً لكل إنسان ، بحيث يقهر عوامل الشر في نفسه، ويلزمه أن يكون عند حدود الله عز وجل حين يأمره وحين ينهاه.
هذا وقد تُسول لبعض المنافقين أنفسهم أن الذي يكيدون له بليل، سواءٌ كان هو النبي أو غيره ما دام لا يعلمهم، فقد خرجوا من دائرة العقاب.
وهذا أمر نفته الآية نفيَّا قاطعاً حين قال الله لنبيه : " لا تعلمهم نحن نعلمهم" ، وإخبار الله أنه هو الذي يعلم يترتب عليه ما ذكرته الآية بعد من إيقاع العذاب بهم "سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم " .
3ـ وفي سورة الأحزاب يقول الله عز وجل حديثاً عن المدينة وعن بعض سكانها "لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يحاورونك فيها إلا قليلاً * ملعونين أين ما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا * سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً " ( الأحزاب : 60 ـ 62).
وفي هذا النص الكريم يأتي اسم المدينة علماً على هذه البقعة من الأرض كسابقَيّه من هذه الجهة، غير أن الكلام يكون فيه بعض الاختلاف عن سابقيه لاختلاف الموضوع بين هذه المواضع الثلاثة.
ففي الموضوع الأول تكليف لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب بألا يتخلفوا عن رسول الله ، وبألا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه.
وفي الموضوع الثاني إخبار من الله لرسوله وللذين آمنوا معه بأن الذين اطمأن إليهم الرسول ومن معه من المؤمنين من الأعراب حول المدينة، ومن سكان أهل المدينة فيهم ما يدعو إلى القلق، وأخذ الحيطة والحذر، وهم هؤلاء الذين مردوا على النفاق، وظنوا أنهم إن خفى أمرهم على النبي فقد نجوا، فبين الله للنبي ولهم أنه إذا لم يكن يعلمهم فالله يعلمهم، ويترتب على علم الله لهم أنه سيعذبهم في الدنيا، ويلجئهم إلى عذاب الجحيم في الآخرة.
أما هذا الموضوع الثالث لهذا النص الذي معنا، فقد ذهب في التصعيد إلى غايته، ودخل من باب التهديد يملأ مصراعيه.
وعند التأمل الأولى في هذا النص من سورة الأحزاب، يقع في ذهن المتأمل أن ما ذكره الله عز وجل عن المنافقين، ربما لم يؤثر فيهم، أو أنهم لم يكونوا قد التفتوا إليه بالقدر المناسب من الالتفات، وظلوا على منهجهم في الكيد للنبي، وربما يكون قد انضم إليهم من هم على منهجهم من اليهود أو غير اليهود، بحيث يجمع الجميع أوصافاً واحدة، تجعل الفؤاد لا يخطئهم لو قدر أراد التعرف عليهم.
لقد جاء النص هذه المرة شديد ا لوقع عظيم التأثير تكاد يد القدرة تتراءى لكل سامع، وتكاد عصى الاقتدار عُـس يدركها سليم الحواس ومن كان في حواسه عطب على السواء.
ومطلع الآية هكذا " لئن لم ينته المنافقون "
واللام التي وقعت في أول الكلام هي دلالة على قسم مطوي أو محذوف، يقدره من شاء أن يقدره من الألفاظ التي تناسب المقام، مختارة من بين صفات الجلال، الخاصة بالله، أو تُختار من بين الألفاظ الدالة على طلاقة القدرة وعموم الاقتدار.
وتقدير الكلام مثلاً أن يكون الله قد قال: " وعزتي وجلالي لئن لم ينته المنافقون" أو يكون قد قال: " وبالذي رفع السماء بلا عمد وبيده ناصية الكون كله لئن لم ينته المنافقون " أو يكون التقدير على غير ذلك من أشباهه ونظائره.
وأنت خبير يا صاحبي : أن الإنسان منا يُقسم لو أن كلامه يتسرب إليه احتمال الكذب، فيزيل المُقسم هذا الاحتمال بقسمه.
أما واجب الوجود أو الموجود المطلق الذي هو الله، فليس قسمه من هذا الباب و (حاشاه) ، وإنما قسمه يكون فيه دلالة على هذه العظمة المطلقة, والقدرة المسيطرة، والاقتدار العام، إذا كان الموقف يحتاج إلى ذلك من نحو هذا الموقف الذي تعالجه هذه الآية.
وقد يكون لإبراز الرحمة والشفقة إذا كان الموقف على غير ذلك.
ثم إن الله إذا أقسم في مثل هذا الموقف، فاعلم أن هذا القسم يدل على أنه قد غضب، وهي دلالة لا تخفاك يا صاحبي، بل ولا تخفى غيرَك.
وإنه لا تغيب عني ولا عنك قصة هذا الأعرابي الذي تحركه فطرته حين جلس يستمع إلى القرآن والقارئ يقرأ في سورة الذاريات ، فلما وصل القارئ إلى قوله تعالى: " وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثلما أنكم تنطقون" قام الأعرابي ويده على رأسه يتأوه وهو يقول: من أغضب الحليم حتى أقسم.
النص الكريم على كل حال بدأ هكذا يشيع الرعب في قلوب من أراد الله أن يتوجه إليهم بالخطاب " لئن لم ينته"
والمخاطبون أناس تجمعهم صفات ثلاث تتحقق هذه الصفات في كل فرد منهم، وهي النفاق، ومرض القلوب، والإرجاف في المدينة.
والمرء حين يسمع هذه الصفات ، ربما يقع في صدره أنها تُقَّسم الناس الذين يخاطبهم الله بهذا النص إلى أنواع ثلاثة، وربما يقع في صدره أن النوع واحد من حيث ذوات المخاطبين وإنما التعدد في الصفات لا في الذوات.
وسواءٌ ملت إلى هذا الخاطر يقع في صدرك أو ذاك، فإن النص يتناول من تحققت فيهم هذه الصفات الثلاث " لئن ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة " .
والنفاق إظهار للإيمان وإخفاء للكفر على نحو ما بينه النص السابق على هذا النص، والذي اقتبسناه من سورة التوبة.
وأما المرض الذي يقع في القلوب فهو داء عضال لا يسببه فيرس، ولا ميكروب ، ولا خلل دوري أو ميكانيكي في الجسم، وإنما هو مرض يعرض للقلب، لصاحبه فيه مدخل وإرادة ورغبة.
وإذا كان الله قد وعد أنه يتكفلُ بإبراء المريض إن شاء إبراءه، مادام مرضه جسميا، فإنه قد قطع بأنه لن يتدخل لإبراء مرض القلوب، بل إنه سيتركهم يزدادون مرضاً على مرض " في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً " (البقرة).
والصفة الثالثة هي هذا الذي سماه الله بالإرجاف في المدينة.
والإرجاف هو هذه الزلزلة والاضطراب النفسي والاجتماعي، يقوم به المنافقون لإضعاف الروح المعنوية للمسلمين من الشباب، أو الذين دخلوا الإسلام حديثاً مستغلين نقص الخبرة عند هؤلاء وهؤلاء .
والإشاعات على كل حال مثلها في المجتمعات مثل الأرَضَة أو السوس تقطع أوصال الأشياء والعظام.
ثلاثة أوصاف على كل حال لو لم تختفِ من المجتمع لأنتجت فيه آثاراً سلبية، لها في جميع المجتمعات نتائج، لا يخرج المجتمع منها إلا الردع المناسب.
فإذا كانت المسألة تتصل بالمدينة المنورة، فالردع فيها يكون أشد، والتعامل معها يكون أعنف.
فماذا لو لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة، يقول الله عز وجل : إن هؤلاء لو لم ينتهوا فإن الله سيحبب إلى النبي وإلى المسلمين قتالهم، وإعمال السيف فيهم بشئ من الإغراء الذي سيحمل النبي والمسلمين على التعامل معهم بغير رحمة " لنغرينك بهم" ثم تكون نتيجة هذا الإغراء ما وعد الله بها، وهي إخراجهم من المدينة، وحرمانهم من جوار النبي ، وهي عقوبة ولا شك شديدة على كل حر أَبِّي ، إذ إن مغادرة الأوطان والنفي منها أشد على النفوس الحرة من القتل أو الموت : " ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً " .
ومع ذلك فإن الإغراء بهم سيستمر، فهم "أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا " حيث سيُكلف النبي والمسلمون معه بالشرع تعضيداً للإغراء بهم، إنه والمسلمون معه كلما وجدوهم أخذوهم بعنف، وقتلوهم تقتيلاً لا هوادة فيه.
والسبب في ذلك أن جريمتهم على القمة، فالنفاق خيانة في العقيدة، ومرض القلوب والإرجاف في المدينة خيانة للأمة، ومنعاً لها من ممارسة أهم وظائفها، وتحقيق أهم خصائصها.
ولقد بين الله عز وجل أن هؤلاء القوم، سواءٌ في تلك الفترة القليلة التي سيجاورون فيها النبي في المدينة، أو بعد إخراجهم منها وسواء في حياتهم الدنيا أو في يوم القيامة، سواءٌ عليهم في هذا أو في ذاك، فإنهم في جميع ذلك سيكونون مطرودين من رحمة الله.
وأنا عندما أعيد التأمل في هذا النص المرة بعد المرة، كلما أعاد القارئ الإيمان في المسجد النبوي الشريف، أو المأموم الذي ينتظر الصلاة بعد الصلاة قراءة هذا النص.
إنني عندما أعيد التأمل المرة بعد الأخرى في هذا النص كلما سمعته، تظهر لي أمور لم أكن قد وقفت عليها من قبل.
فوجود لفظ (المدينة) ضمن هذا التهديد والوعيد، يعطي انطباعًا بِعِظَم الجرم الذي ارتكبه هؤلاء، كما يعطي إحساساً بمضاعفة العذاب تلو العذاب على مرتكبيه.
وحين قال التاريخ إنه لم يتم إجلاء أحد من المدينة عنها، ولم يحدث أن الله قد أغرى النبي بجماعة من الجماعات، علمنا علماً يقينيا إن هؤلاء المنافقين قد تزلزلت بهم أنفسهم، وخافوا العصي التي رُفعت عليهم، كما خاف اليهود من قبلهم الجبل الذي رفعه الله فوقهم يهددهم به ، إذا لم يستجيبوا أسقطه على رؤوسهم.
لقد ارتدع المنافقون، وقبضوا أيديهم عن سلوكهم، واحتفظوا بنفاقهم لهم، وبمرضهم في قلوبهم إلى أن يقذف بهم الله عز وجل في قعر جهنم " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً " ( النساء: ).
ما أجمل التأمل في آيات كتاب الله.
ما أجمل التأمل في آيات كتاب الله، إذا كان التأمل في مدينة رسول الله.
ما أجمل التأمل في آيات كتاب الله ، إذا كان موضوع التأمل في آيات تأتي على ذكر اسم المدينة، والتأمل داخل حدود المدينة.
ما أجمل التأمل في آيات كتاب الله ، إذا كان التأمل في المدينة وفي آيات تأتي على ذكر اسم المدينة وإذا كان التأمل في مسجد رسول الله.
ومن ذاق عَرَف.
4ـ وفي سورة المنافقين يقول الله تعالى حديثاً عن بعض المنافقين: "هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون * يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العِزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون " (المنافقون: 6، 7).
وفي هذا النص الكريم يرد اسم المدينة المنورة علماً على هذه البقعة المعهودة من الأرض للمرة الرابعة في القرآن الكريم.
ولكنه في هذه المرة يحيط به حدث يعد في عرف الناظرين واقعة تطبيقية، يظهر من خلالها بشكل عملي سلوك الذين مردوا على النفاق، وهم الذين في قلوبهم مرض، وهم المرجفون في المدينة.
كما يظهر من خلال الواقعة التطبيقية هذه، رد الفعل لهذا السلوك الصادر عن المنافقين مرضى القلوب، والمرجفين في المدينة على أهل المدينة جميعاً من الأوس والخزرج، ومن المهاجرين الذين صارت المدينة لهم داراً.
وقبل ذلك وبعده سيظهر من خلال تأملنا لهذه الواقعة التطبيقية، والتي احتواها هذا النص الكريم كيف يتصرف النبي صلى الله عليه وسلم في عظائم الأمور، بحكمة لا يفقهها إلا نبي، وبحنكة لا يصل إليها إلا من كان ثقفاً لقناً فطناً، أميناً على رعيته من خلال أمانة عامة، تتوفر له وتكون صفة ملازمة لا تفارقه.
ومن أجل ذلك كله كان تأملنا لهذا النص آخاذاً يملأ إيهابنا بدرجة عالية من الانتباه والاهتمام.
وهذا كله إجمال يحتاج إلى تفصيل.
وتفصيل هذا الإجمال يأتي في سياق
حياة النبى (((رحمة الله للعالمين)))عليه الصلاة و السلام
<!-- / icon and title --><!-- message -->
فنحن نشتاق الى حبيبنا و سيدنا صلوات الله عليه
و يكفينا فخرا شوقه الينا ونسأل الله العظيم أن يشفعه فينا و نتمتع بلقائه في جنة الخلد
و هده البداية على بركة الله
مولده صلى الله عليه وسلم
تزوج عبد الله والد النبي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن حكيم؛ وعمره ثماني عشرة سنة ، وهي يومئذ من أفضل نساء قريش نسباً وأكرمهم خلقاً. ولما دخل بها حملت برسول الله وسافر والده عبد الله عقب ذلك بتجارة له إلى الشام فأدركته الوفاة بالمدينة (يثرب) وهو راجع من الشام، ودفن بها عند أخواله بني عدى بن النجار، وكان ذلك بعد شهرين من حمل أمه آمنة به صلى الله عليه وسلم.
وقد توفي والد النبي ، ولم يترك من المال إلا خمساً من الإبل وأمَته (أم أيمن).
ولما تمت مدة الحمل ولدته بمكة المشرفة في اليوم الثانى عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل، الذي يوافق سنة 571 من ميلاد المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وهو العام الذي أغار فيه ملك الحبشة على مكة بجيش تتقدمه الفيلة قاصداً هدم الكعبة (البيت الحرام) فأهلكهم الله تعالى.
كانت ولادته في دار عمه أبي طالب في شِعْب بني هاشم، أي مساكنهم المجتمعة في بقعة واحدة، وسماه جده عبد المطلب (محمداً) ولم يكن هذا الاسم شائعاً إذ ذاك عند العرب ولكن الله تعالى ألهمه إياه فوافق ذلك ما جاء في التوراة من البشارة بالنبي الذي يأتي من بعد عيسى عليه الصلاة والسلام مسمى بهذا الاسم الشريف، لأنه قد جاء في التوراة ما هو صريح في البشارة بنبي تنطبق أوصافه تمام الانطباق على سيدنا محمد : مسمى، أو موصوفا بعبارة ترجمتها هذا الاسم، كما جاءت البشارة به على لسان عيسى عليه الصلاة والسلام باسمه أحمد، وقد سمى بأحمد كما سمى بمحمد .
وكانت قابلته الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف وحاضنته أم أيمن بركة الحبشية أَمَة أبيه عبد الله، وقد ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم وُلد مختوناً، وورد أيضا أن جده عبد المطلب ختنه يوم السابع من ولادته الذي سماه فيه..
نسبه صلي الله عليه وسلم
نسبه صلى الله عليه وسلم :
هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. هذا هو المتفق عليه في نسبه صلى الله عليه وسلم واتفقوا أيضاً أن عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام.
أسماؤه صلى الله عليه وسلم :
عن جبير بن مطعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: { إن لي أسماء، وأنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدميَّ، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد } [متفق عليه]. وعن أبي موسى الأشعري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء فقال: { أنا محمد، وأحمد، والمقفي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة } [مسلم].
طهارة نسبه صلى الله عليه وسلم :
اعلم رحمني الله وإياك أن نبينا المصطفى على الخلق كله قد صان الله أباه من زلة الزنا، فولد صلى الله عليه وسلم من نكاح صحيح ولم يولد من سفاح، فعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم } [مسلم]، وحينما سأل هرقل أبا سفيان عن نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { هو فينا ذو نسب، فقال هرقل: كذلك الرسل تبعث في نسب قومها } [البخاري].
ولادته صلى الله عليه وسلم : ولد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين في شهر ربيع الأول، قيل في الثاني منه، وقيل في الثامن، وقيل في العاشر، وقيل في الثاني عشر. قال ابن كثير: والصحيح أنه ولد عام الفيل، وقد حكاه إبراهيم بن المنذر الحزامي شيخ البخاري، وخليفة بن خياط وغيرهما إجماعاً.
قال علماء السير: لما حملت به آمنة قالت: ما وجدت له ثقلاً، فلما ظهر خرج معه نور أضاء ما بين المشرق والمغرب.
وفي حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين، وإن آدم لمنجدلٌ في طينته، وسأنبئكم بتأويل ذلك، دعوة إبراهيم، وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت، انه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام } [أحمد والطبراني].
وتوفي أبوه صلى الله عليه وسلم وهو حَمْل في بطن أمه، وقيل بعد ولادته بأشهر وقيل بسنة، والمشهور الأول.
رضاعه صلى الله عليه وسلم :
أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب أياماً، ثم استُرضع له في بني سعد، فأرضعته حليمة السعدية، وأقام عندها في بني سعد نحواً من أربع سنين، وشُقَّ عن فؤاده هناك، واستخرج منه حظُّ النفس والشيطان، فردته حليمة إلى أمه إثر ذلك.
ثم ماتت أمه بالأبواء وهو ذاهب إلى مكة وهو ابن ست سنين، ولما مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبواء وهو ذاهب إلى مكة عام الفتح، استأذن ربّه في زيارة قبر أمه فأذن له، فبكى وأبكى من حوله وقال: { زوروا القبور فإنها تذكر بالموت } [مسلم]. فلما ماتت أمه حضنته أم أيمن وهي مولاته ورثها من أبيه، وكفله جده عبد المطلب، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من العمر ثماني سنين توفي جده، وأوصى به إلى عمه أبي طالب فكفله، وحاطه أتم حياطة، ونصره وآزره حين بعثه الله أعزّ نصر وأتم مؤازرة مع أنه كان مستمراً على شركه إلى أن مات، فخفف الله بذلك من عذابه كما صح الحديث بذلك.
صيانة الله تعالى له صلى الله عليه وسلم من دنس الجاهلية:
وكان الله سبحانه وتعالى قد صانه وحماه من صغره، وطهره من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خُلقٍ جميل، حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين، لما شاهدوه من طهارته وصدق حديثه وأمانته، حتى أنه لما أرادت قريش تجديد بناء الكعبة في سنة خمس وثلاثين من عمره، فوصلوا إلى موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يضعه أول داخل عليهم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: جاء الأمين، فرضوا به، فأمر بثوبٍ، فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب، ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه صلى الله عليه وسلم . [أحمد والحاكم وصححه].
زواجه صلى الله عليه وسلم :
تزوجته خديجة وله خمس وعشرون سنة، وكان قد خرج إلى الشام في تجارة لها مع غلامها ميسرة، فرأى ميسرة ما بهره من شأنه، وما كان يتحلى به من الصدق والأمانة، فلما رجع أخبر سيدته بما رأى، فرغبت إليه أن يتزوجها.
وماتت خديجة رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنين، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت، فلما ماتت خديجة رضي الله عنها تزوج عليه السلام سودة بنت زمعة، ثم تزوج صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، ولم يتزوج بكراً غيرها، ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث رضي الله عنها، وتزوج أم سلمة واسمها هند بنت أمية رضي الله عنها، وتزوج زينب بنت جحش رضي الله عنها، ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، ثم تزوج أم حبيبة رضي الله عنها واسمها رملة وقيل هند بنت أبي سفيان. وتزوج إثر فتح خيبر صفية بنت حييّ بن أخطب رضي الله عنها، ثم تزوج ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، وهي آخر من تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أولاده صلى الله عليه وسلم :
كل أولاده صلى الله عليه وسلم من ذكر وأنثى من خديجة بنت خويلد، إلا إبراهيم، فإنه من مارية القبطية التي أهداها له المقوقس.
فالذكور من ولده:
القاسم وبه كان يُكنى، وعاش أياماً يسيرة، والطاهر والطيب.
وقيل: ولدت له عبدالله في الإسلام فلقب بالطاهر والطيب. أما إبراهيم فولد بالمدينة وعاش عامين غير شهرين ومات قبله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر.
بناته صلى الله عليه وسلم :
زينب وهي أكبر بناته، وتزوجها أبو العاص بن الربيع وهو ابن خالتها، ورقية تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفاطمة تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأنجبت له الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأم كلثوم تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد رقية رضي الله عنهن جميعاً. قال النووي: فالبنات أربع بلا خلاف. والبنون ثلاثة على الصحيح.
مبعثه صلى الله عليه وسلم :
بعث صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة، فنزل عليه الملك بحراء يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، وكان إذا نزل عليه الوحي اشتد ذلك عليه وتغيّر وجهه وعرق جبينه.
فلما نزل عليه الملك قال له: اقرأ.. قال: لست بقارئ، فغطاه الملك حتى بلغ منه الجهد، ثم قال له: اقرأ.. فقال: لست بقارئ ثلاثاً. ثم قال: { اقْرأْ بِاسْمِ رَبّكَ الَّذي خَلَقَ، خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ ورَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } [العلق:1-5]. فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة رضي الله عنها يرتجف، فأخبرها بما حدث له، فثبتته وقالت: أبشر، وكلا والله لا يخزيك أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحملُّ الكَلَّ، وتعين على نوائب الدهر.
ثم فتر الوحي، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يمكث لا يرى شيئاً، فاغتم لذلك واشتاق إلى نزول الوحي، ثم تبدى له الملك بين السماء والأرض على كرسيّ، وثبته، وبشره بأنه رسول الله حقاً، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف منه وذهب إلى خديجة وقال: زملوني.. دثروني، فأنزل الله عليه: { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّر، وَثِيَابَكَ فَطَهِّر } [المدثر:1-4]. فأمر الله تعالى في هذه الآيات أن ينذر قومه، ويدعوهم إلى الله، فشمَّر صلى الله عليه وسلم عن ساق التكليف، وقام في طاعة الله أتم قيام، يدعو إلى الله تعالى الكبير والصغير، والحر والعبد، والرجال والنساء، والأسود والأحمر، فاستجاب له عباد الله من كل قبيلة ممن أراد الله تعالى فوزهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، فدخلوا في الإسلام على نور وبصيرة، فأخذهم سفهاء مكة بالأذى والعقوبة، وصان الله رسوله وحماه بعمه أبي طالب، فقد كان شريفاً مطاعاً فيهم، نبيلاً بينهم، لا يتجاسرون على مفاجأته بشيء في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من محبته له.
قال ابن الجوزي: وبقي ثلاث سنين يتستر بالنبوة، ثم نزل عليه: { فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَر } [الحجر:94]. فأعلن الدعاء. فلما نزل قوله تعالى: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [الشعراء:214]، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف ( يا صباحاه! ) فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد! فاجتمعوا إليه فقال: ( أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا ما جربنا عليك كذباً. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تباً لك، أما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام، فنزل قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَتَبْ } إلى آخر السورة. [متفق عليه].
((صبره صلى الله عليه وسلم على الأذى)):
ولقي صلى الله عليه وسلم الشدائد من قومه وهو صابر محتسب، وأمر أصحابه أن يخرجوا إلى أرض الحبشة فرارا من الظلم والاضطهاد فخرجوا.
قال ابن إسحاق: فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تطمع فيه حياته، وروى أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: { لما مات أبو طالب تجهَّموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عم ما أسرع ما وجدت فقدك }.
وفي الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي، وسلا جزورٍ قريب منه، فأخذه عقبة بن أبي معيط، فألقاه على ظهره، فلم يزل ساجداً، حتى جاءت فاطمة فألقنه عن ظهره، فقال حينئذ: { اللهم عليك بالملأ من قريش }. وفي أفراد البخاري: أن عقبة بن أبي معيط أخذ يوماً بمنكبه صلى الله عليه وسلم ، ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه به خنقاً شديداً، فجاء أبو بكر فدفعه عنه وقال أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟
رحمته صلى الله عليه وسلم بقومه:
فلما اشتد الأذى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف فدعا قبائل ثقيف إلى الإسلام، فلم يجد منهم إلا العناد والسخرية والأذى، ورموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه، فقرر صلى الله عليه وسلم الرجوع إلى مكة. قال صلى الله عليه وسلم : { انطلقت – يعني من الطائف – وأنا مهموم على وجهي، فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب – ميقات أهل نجد – فرفعت رأسي فإذا سحابة قد أظلتني، فنظرت، فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد أرسل لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، ثم ناداني ملك الجبال، قد بعثني إليك ربك لتأمرني بما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين – جبلان بمكة – فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً } [متفق عليه].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في كل موسم، فيعرض نفسه على القبائل ويقول: { من يؤويني؟ من ينصرني؟ فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي! }.
ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي عند العقبة في الموسم ستة نفر فدعاهم فأسلموا، ثم رجعوا إلى المدينة فدعوا قومهم، حتى فشا الإسلام فيهم، ثم كانت بيعة العقبة الأولى والثانية، وكانت سراً، فلما تمت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة، فخرجوا أرسالاً.
هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة:
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر إلى المدينة فتوجه إلى غار ثور، فأقاما فيه ثلاثاً، وعني أمرهم على قريش، ثم دخل المدينة فتلقاه أهلها بالرحب والسعة، فبنى فيها مسجده ومنزله.
غزواته صلى الله عليه وسلم :
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون، لَيهَلِكُنَّ، فأنزل الله عز وجل: { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا } [الحج:39]. وهي أول آية نزلت في القتال. وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً وعشرين غزاة، قاتل منها في تسع: بدر، وأحد، والريسيع، والخندق، وقريظة، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف، وبعثَ ستاً وخمسين سرية.
حج النبي صلى الله عليه وسلم واعتماره :
لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن هاجر إلى المدينة إلا حجة واحدة، وهي حجة الوداع. فالأولى عمرة الحديبية التي صدّه المشركون عنها. والثانية عمرة القضاء، والثالثة عمرة الجعرانة، والرابعة عمرته مع حجته.
صفته صلى الله عليه وسلم :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون - أي أبيض بياضاً مشرباً بحمرة - أشعر، أدعج العينين –أي شديد سوادهما – أجرد –أي لا يغطي الشعر صدره وبطنه -، ذو مَسرُبه – أي له شعر يكون في وسط الصدر والبطن.
أخلاقه صلى الله عليه وسلم :
كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وأصدقهم لهجة، وألينهم طبعاً، وأكرمهم عشرة، قال تعالى: { َإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظيمٍ } [القلم:4]. وكان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأعف الناس وأكثرهم تواضعاً، وكان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، يقبل الهدية ويكافئ عليها، ولا يقبل الصدقة ولا يأكلها، ولا يغضب لنفسه، وإنما يغضب لربه، وكان صلى الله عليه وسلم يأكل ما وجد، ولا يدُّ ما حضر، ولا يتكلف ما لم يحضره، وكان لا يأكل متكئاً ولا على خوان، وكان يمر به الهلال ثم الهلال ثم الهلال، وما يوقد في أبياته صلى الله عليه وسلم نار، وكان صلى الله عليه وسلم يجالس الفقراء والمساكين ويعود المرضى ويمشي في الجنائز.
وكان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً، ويضحك من غير قهقهة، وكان صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله، وقال: { خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي } [الترمذي وصححه الألباني]، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لشيء فعلته: لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله، ألا فعلت كذا!!.
وما زال صلى الله عليه وسلم يلطف بالخلق ويريهم المعجزات، فانشق له القمر، ونبع الماء من بين أصابعه، وحنَّ إليه الجذع، وشكا إليه الجمل، وأخبر بالغيوب فكانت كما قال.
فضله صلى الله عليه وسلم :
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { أعطيت خمساً لم يعطهن أحدٌ قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الناس كافة } [متفق عليه]. وفي أفراد مسلم من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { أنا أول الناس يشفع يوم القيامة، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة }. وفي أفراده من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشقُّ عنه القبر، وأول شافع وأول مُشفع }.
عبادته ومعيشته صلى الله عليه وسلم :
قالت عائشة رضي الله عنها: { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتفطر قدماه، فقيل له في ذلك، فقال: أفلا أكون عبداً شكوراً } [متفق عليه]، وقالت: وكان مضجعه الذي ينام عليه في الليل من أَدَمَ محشوّاً ليفاً!! وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظلُّ اليوم يَلتَوي ما يجد دِقْلاً يملأ بطنه – والدقل ردئ التمر -!! ما ضره من الدنيا ما فات وهو سيد الأحياء والأموات، فالحمد لله الذي جعلنا من أمته، ووفقنا الله لطاعته، وحشرنا على كتابه وسنته آمين، آمين.
من أهم الأحداث:
الإسراء والمعراج : وكان قبل الهجرة بثلاث سنين وفيه فرضت الصلاة.
السنة الأولى : الهجرة - بناء المسجد - الانطلاق نحو تأسيس الدولة - فرض الزكاة.
السنة الثانية : غزوة بدر الكبرى وفيها أعز الله المؤمنين ونصرهم على عدوهم.
السنة الثالثة : غزوة أحد وفيها حدثت الهزيمة بسبب مخالفة تعليمات النبي صلى الله عليه وسلم ونظر الجنود إلى الغنائم.
السنة الرابعة : غزوة بني النضير وفيها أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير عن المدينة لأنهم نقضوا العهد بينهم وبين المسلمين.
السنة الخامسة : غزوة بني المصطلق وغزوة الأحزاب وغزوة بني قريظة.
السنة السادسة : صلح الحديبية، وفي هذه السنة حُرّمت الخمر تحريماً قاطعاً.
السنة السابعة : غزوة خيبر، وفي هذه السنة دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون مكة واعتمروا، وفيها أيضاً تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حُيَيّ.
السنة الثامنة : غزوة مؤتة بين المسلمين والروم، وفتح مكة وغزوة حُنين ضد قبائل هوازن وثقيف.
السنة التاسعة : غزوة تبوك وهي آخر غزواته صلى الله عليه وسلم ، وفي هذه السنة قدمت الوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وسمي هذا العام عام الوفود.
السنة العاشرة : حجة الوداع، و حج فيها مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة ألف مسلم.
السنة الحادية عشرة : وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول مع اختلاف في تحديد هذا اليوم من الشهر. وتوفي صلى الله عليه وسلم وله من العمر ثلاث وستون سنة، منها أربعون سنة قبل النبوة، وثلاث وعشرون سنة نبياً رسولاً، منها ثلاث عشرة سنة في مكة، وعشر سنين بالمدينة، صلى الله عليه و على اله وصحبه.
_(((قصه اخري))_
وفاة آمنة
عاش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مع أمه آمنة بنت وهب ، وجده عبد المطلب بن هاشم ، في حماية الله عز وجل وحفظه ، ينبته الله نباتا حسانا ، لما يريد به من كرامته ، وبينما كانت آمنة راجعة به صلى الله عليه وآله وسلم من مكة ، وقد كانت تزور أخواله من بني عدي بن الجار ، جاءها ملك الموت فقبض روحها ، في منطقة الأبواء ، بين مكة والمدينة ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابن ست سنين
وفاة عبد المطلب
انتقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بعد وفاة أمه ، إلى جده عبد المطلب ، الذي رعاه خير رعاية ، وحفظه خير حفظ ، فكان يحبه حبا جما ، حتى كان يفضله على بنيه ، فكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة ، فيأتي أعمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيجلسون حول فراشه ، فلا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له ، أما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان يأتي وهو غلام جفر ، حتى يجلس عليه ، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه ، فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم: دعوا ابني ، فوا لله إن له لشأنا ، ثم يجلسه معه على الفراش ، ويمسح ظهره بيده ولكن ما إن بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثماني سنوات حتى توفي جده عبد المطلب بن هاشم
..كفالة أبي طالب.
وانتقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى عمه أبي طالب ، تنفيذا لوصية عبد المطلب ، وذلك لأن عبد الله ، أبا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبا طالب أخوان لأب وأم ، فأمهما: فاطمة بنت عمرو وعاش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عند عمه سعيدا فرحا كذلك كان عمه ، سعيدا بصحبته، حتى إنه كان لا ينام إلا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إله وسلم إلى جانبه وقد حدث أبو طالب ، أخاه العباس ، عما كان يرى من شأن ابن أخيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أمرت محمدا في ليلة ، أن يخلع ثيابه وينام معي ، فرأيت الكراهة في وجهه ، لكنه كره أن يخالفني ثم قال: يا عماه اصرف وجهك عني ، حتى أخلع ثيابي ، إذ لا ينبغي لأحد أن يرى جسدي ، فتعجب من قوله وصرفت بصري حتى دخل الفراش ، وحاولت النظر إلى جسده ، فما كنت أرى شيئا ، وكثيرا ما كنت أسمع منه كلاما يعجبني ، وذلك عند مضي بعض الليل ، وكنا لا نسمي على الطعام والشراب ، ولا نحمده بعده ، وكان يقول في أول الطعام: باسم الله الأحد ، وإذا فرغ منه قال: الحمد لله ، فتعجبت منه ، ثم لم أر منه كذبة ولا ضحكا ولا جاهلية ولا وقف مع صبيان يلعبون
بحيرى الراهب
أراد أبو طالب ، أن يخرج إلى الشام في تجارة له ، فلما استعد للرحيل ، ونوى على المسير ، مال إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتعلق بأثوابه ، يريد الذهاب معه ، فرق عليه أبو طالب وعطف عليه وقال: والله لأخرجن به معي ولا يفارقني ، ولا أفارقه أبدا وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مع عمه أبي طالب ، وهو في التاسعة من عمره فلما وصل المركب إلى مدينة بصرى من أرض الشام ، نزلوا قرب راهب هناك يقيم في صومعته ، يدعى بحيرى وكانوا كثيرا ما يمرون به ، أثناء ذهابهم أو أيابهم ، لكنه في هذا العام احتفى بهم ، واستقبلهم استقبالا حافلا ، وقد كان لا يكلمهم ولا يعرض لهم ، ثم صنع لهم طعاما كثيرا ونزل من صومعته وقال للقوم: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش ، وإني أحب أن تحضروا كلكم ، صغيركم وكبيركم ، وعبدكم وحركم ، فقال له رجل منهم: شأنك اليوم ؟ فقال بحيرى : صدقت ، ولكني أحببت اليوم أن أكرمكم ، فأنتم ضيوفي فاجتمع القوم إليه ، وتخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لصغر سنه وكان بحيرى الراهب قد رأي غمامة تظل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإذا سار سارت معه ، ورأى أغصان الشجرة التي أوى تحتها ، قد مالت وتدلت ، على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما نظر بحيرى في القوم ، لم ير ذلك الفتى ، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فطلب من القوم أن يحضروه ، فلما حضر ، صلى الله عليه وآله وسلم ، جعل بحيرى يتفحصه وينظر إلى أشياء من جسده ، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا ، قام إليه بحيرى وقال له: يا غلام أسألك بحق اللات والعزى ، فوا لله ما أبغضت شيئا قط بغضهما ثم جعل بحيرى يسأله عن أشياء من حاله ونومه وهيئته وأموره ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يخبره ، فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته ، ثم نظر إلى ظهره ، فرأى خاتم النبوة بين كتفيه ثم أقبل بحيرى على عمه أبي طالب فقال له: ما هذا الغلام منك ؟ قال أبو طالب: إنه ابني فقال له بحيرى: ما هو بابنك ، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا فقال أبو طالب: إنه ابن أخي ، قال بحيرى: فما فعل أبوه ؟ قال أبو طالب: مات وأمه حبلى به فقال بحيرى: صدقت فارجع بابن أخيك إلى بلده ، واحذر عليه اليهود ، فوا لله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ، لأضمروا له شرا ، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم ، فأسرع به إلى بلاده وكان أهل الكتاب من يهود ونصارى ، يعرفون صفته ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وزمان مبعثه يقول الله سبحانه وتعالى
وإذ قال عيسى ابن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد 1
وعندما سمع أبو طالب ما سمع ، خف راجعا بابن أخيه ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى مكة فشب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في مكة وعناية الله تعالى تحمية وتحفظه من أقذار الجاهلية ، لما يريد به من كرامته ورسالته ، إلى أن كان رجلا ، وأفضل قومه مروءة ، وأحسنهم خلقا ، وأكرمهم حسبا ، وأحسنهم جوارا ، وأعظمهم حلما ، وأصدقهم حديثا ، وأعظمهم أمانة ، وأبعدهم عن الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال ، حتى عرف في قومه بالصادق الأمين ، فإذا ما أراد أحدهم سفرا ، وخشي سرقة أمواله ، أئتمن بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
_((قصة اخري))_
رعيه للغنم
رعى رسول اله صلى الله عليه وآله وسلم الغنم كغيره من الأنبياء الذين سبقوه ، لما في رعاية الغنم ، من تعويد على الصبر والمجلدة ، ولما فيها من بعد الناس ، وخلو إلى النفس ، وزرع للرحمة والمودة في قلب الراعي ، حيث هو حريص على أغنامه ، حريص على أن يعيدها على أحسن حال ، حريص على أن يقودها ويسوسها إلى حيث الخصب والمرعى والماء ، وهو أثناء هذا كله يجلس متفكرا متأملا في ملكوت الله تعالى ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما من نبي إلا قد رعى الغنم قالوا : وأنت يا رسول الله ؟ قال : وأنا وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم ، فقال له أصحابه: وأنت يا رسول الله؟ قال وأنا رعيتها لأهل مكة بالقراريط
عصمته من كل دنس
حفظ الله تعالى نبيه وحبيبه ، محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ، من كل دنس ، وأبعده عن رذائل الجاهلية ومفاسدها ، وحماه من كل سوء فقد ضرب الله تعالى على أذنه فنام ، وما أيقظه إلا حر الشمس ، وذلك بعد أن ترك غلاما مع غنمه ، وذهب ليسمر ويلهو ، كما يسمر ويلهو شباب مكة ، حتى إذا بلغ أول دار بمكة سمع عزفا وغناء ، ثم أفاق من نومه بعد أن أنتهى كل شيء ويحدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عما كان الله تعالى ، يحفظه به في صغره فقال : لقد رأيتني في غلمان قريش ، ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان ، كلنا قد تعرى ، وأخذ إزاره فجعله على رقبته ، يحمل عليه الحجارة ، فإني لأقبل معهم كذلك وأدبر ، إذ لكلمني لاكم ما أراه ، لكمة وجيعة ، ثم قال : شد عليك إزارك ، قال : فأخذته وشددته على ، ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي وإزاري على من بين أصحابي
تعريفه بنفسه صلى الله عليه وآله وسلم
اجتمع نفر من أصحاب ، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حوله ثم قالوا له : يا رسول الله أخبرنا عن نفسك ؟ قال نعم ، أنا دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى أخي عيسى ، ورأت أمي حين حملت بي ، أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام ، واسترضعت في بني سعد بن بكر ، فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما {1} ، لنا ، إذ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض ، بطست من ذهب مملوءة ثلجا ، ثم أخذاني فشقا بطني ، واستخرجا قلبي فشقاه ، فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه ، ثم قال أحدهما لصاحبه ، زنه بعشرة من أمته ، فوزنني بهم فوزنتهم ، ثم قال : زنه بمئة من أمته ، فوزنني بهم فوزنتهم ، ثم قال : زنه بألف من أمته ، فوزنني بهم فوزنتهم ، فقال : دعه عنك ، فو الله لو وزنته بأمته لوزنها
سفره الثاني إلى الشام
عرف رسول الله صلى الله عيه وآله وسلم ، منذ نعومة أظفاره بالصدق والأمانة ، حتى اشتهر ذلك عنه عليه الصلاة والسلام ، فكان أعداؤه هم الذين شهدوا بصدقه وأمانته ، حتى أطلقوا عليه لقب : الأمين ، وذلك لوقاره وهديه وصدق لهجته ، وبعده عن الأدناس ، فقد أعترف أبو جهل عمرو بن هشام المخزومي لأحد أصحابه قائلا : كنا نسميه الأمين ، ومع شدة معاداة المشركين له ، صلى الله عليه وآاه وسلم ، كانوا يضعون الأمانات والودائع عنده ، حتى اضطر عليه الصلاة والسلام يوم الهجرة ، أن يترك أبن عمه عليا ، كرم الله وجهه ، نائبا له ليرد الأمانات إلى أصحابها ولم يكن أحد من المشركين ، يجهل صدقه وأمانته ، صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى سمعت به ، امرأة ذات حسب ونسب ، وذات شرف ومال ، وهي خديجة بنت خويلد الأسدية ، والتى كانت تستأجر الرجال في مالها ، وتجعل لهم شيئا منه ، وكان القرشيون معروفون بحبهم للتجارة وبأسفارهم المتواصلة صيفا وشتاء، فكانت لهم رحلتان : رحلة في الصيف إلى بلاد الشام ورحلة في الشتاء إلى اليمين ، كما يخبرنا الله تعالى في سورة قريش ي
لإيلاف قريش إيلافهم (1) رحلة الشتاء والصيف ، فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع (2) وآمنهم من خوف
فلما وصل إلى خديجة رضي الله عنها ، نبأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وما هو عليه من صدق في الحديث وأمانة وكرم أخلاق ، بعثت إليه ، فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرا ، على أن تعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار ، مع غلام لها يقال له : ميسرة ، وقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ما عرضت عليه خديجة ، رضي الله عنها وخرج في مالها ، وخرج معه غلامها ميسرة حتى وصلا إلى بلاد الشام وفي بصرى توقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت ظل شجرة ليأخذ قسطا من الراحة مع الغلام ميسرة ، فرآهما الراهب ، نسطور ، فتقدم منهما وقال : ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي {3} ثم سأل نسطور ميسة قائلا : أفي عينه حمرة ؟ قال ميسرة : نعم لا تفارقه فقال نسطور : هو نبي وهو أخر الأنبياء وكان ميسرة إذا اشتد الحر ، رأى ملكين {4} يظلان النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، من الشمس وهو على بعيره ، ثم باع رسول الله عليه وآله وسلم التجارة ، وربحت ضعف ما كان يربحه التجار ، وعندما عادا إلى مكة ، حدث ميسرة خديجة رضي الله عنها ، عن قول الراهب ، وما رأى من إضلال الملكين إياه ، فازدادت به إعجابا وثقة ، وأعطته ضعف ما سمت له ، عندما رأت هذا الربح الهائل ، الذي عاد به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لما حل عليه من بركته
_(((قصة اخري)))_
زواجه الأول
أرسلت خديجة ، رضي الله عنها ، نفيسة بنت منية ، إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، تعرض عليه الزواج منها ، وترغبه فيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنفيسة : "ما بيدي ما أتزوج به" قالت نفيسة : فإن كفيت ذلك ، ودعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاءة ، ألا تجيب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فمن هي ؟ قالت نفيسة : خديجة بنت خويلد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وأنا أفعل وكانت خديجة ، رضى الله عنها ، أمرأة حازمة وعاقلة جلدة {1} شريفة غنية جميلة ، ومن أوسط قريش نسبا ، وأعظمهم شرفا وكل رجل من قريش كان حريصا على خطبتها لو أن له قدرة على ذلك ، وكانت رضي الله عنها ، تدعى في الجاهلية بالطاهرة وبسيدة قريش ، وقد خطبت من قبل أشراف قريش وزعمائها ، فلم تقبل أحدا منهم وكانت إذ ذاك تبلغ من العمر أربعين عاما ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ريعان الشباب ، وأوج الفتوة إذ كان يبلغ آنذاك خمسا وعشرين عاما نقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، رغبته في الزواج من خديجة ، رضي اله عنها إلى أعمامه ، فخرج معه حمزة بن عبد المطلب ، وأبو طالب ، ودخلوا على عمها : عمرو بن أسد : هو الفحل الذي لا يجدع {2} أنفه ، وبذل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، اثنتي عشرة أوقية ونصفا من الذهب صداقا لها ، ونح جزورين {3} ، وأطعم الناس ، وفرحت خديجة رضي الله عنها ، وأمرت جواريها أن يرقصن ويضربن بالدفوف ، كما فرح أبو طالب وقال : الحمد لله الذي أذهب عنا الكرب {4} ودفع عنا الغموم وكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أول وليمة أولمها ، وبعد زواجه ، لم يسافر في رحلة للتجارة ، بل أقام في مكة إلى أن هاجر إلى المدينة
أولاده صلى الله عليه وآله وسلم
أنجبت خديجة رضي الله عنها ستة أولاد ، ذكران وهما : القاسم وبه كان يكنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعبد الله ، الذي كان يلقب بالطاهر والطيب ، وقد ماتا قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وأما الإناث فهن : زينب : التي تزوجت ابن خالتها: أبي العاص ابن الربيع ، والذي أعلن إسلامه بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة المنورة
ورقية: والتي تزوجت عتبة بن أبي لهب ، والذي ما لبث أن طلقها ، إثر مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه
وأم كلثوم: والتي تزوجها: عتبة بن أبي لهب والذي طلقها ، بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد موت أختها رقية
وفاطمة الزهراء: صغرى بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والتي تزوجت من أحب فتى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو علي بن أبي طالب ، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وأما إبراهيم فهو من زوجته السرية : مارية القبطية ، التي أهداها إليه صلى الله عليه وآله وسلم ، المقوقس ، ملك القبط في مصر ثم توفي إبراهيم قبل أن يبلغ العامين
_(((قة اخري))_
نبوءة ورقة بن نوفل
ذهبت خديجة بنت خويلد ، رضي الله عنها ، بعد أن سمعت ، ما ذكر لها غلامها ميسرة ، من قول الراهب ، وحديثه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمر الملكين اللذين كانا يظلانه ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وقصت على ابن عمها : ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ، وكان نصرانيا قد تتبع الكتب السماوية ، وعلم من علم الناس ، ما سمعت من غلامها ميسرة فقال ورقة
لئن كان هذا حقا يا خديجة ، إن محمدا لنبي هذه الأمة ، وقد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر ، هذا زمانه
الحكم العادل
لما بلغ رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم خمسا وثلاثين سنة ، عقدت قريش العزم على إعادة بناء الكعبة وترميمها ، بعد أن أصابها سيل أتى من جبال مكة المحيطة بها ، أضر بها ، وخافت قريش ، إن هي أهملت الكعبة ، أن تتهدم ، وهى إرث أبيهم إبراهيم الخليل عليه السلام ، الذي رفع قواعدها مع ابنه إسماعيل عليه السلام ، إلا أن قريشا كانت تهاب {1} هدم الكعبة لإعادة بنائها وسقفها ، وذلك أن حية كانت تخرج من بئر الكعبة ، وتعلو سقفها ، فإن اقترب أحد ، فتحت فاها {2} ، وأخرجت صوتا مخيفا ، إلا أن الله عز وجل ، بعث إليها طائرا فاختطفها فقالت قريش: إنا لنرجو أن يكون الله قد رضي ما عزمنا عليه ، فعندنا العمال المهرة ، وعندنا الخشب ، وقد أذهب الله عنا هذه الحية وبدأت قريش ببناء الكعبة ، بعد أن تقاسمت الأعمال فيما بينها ، فكان جانب من الكعبة لبني عبد مناف ، وجانب لبني مخزوم ، وجانب لبني عبد الدار ، وهكذا ، وتقدم الوليد بن المغيرة ، حاملا المعول ، وبدأ بهدمها قائلا: اللهم لم نزغ {3} فإنا لا نريد إلا الخير فتربص {4} الناس تلك الليلة ، وقالوا: لننتظر حتى الصباح فإن لم يصيب الوليد بن المغيرة بأذى ، تابعنا هدمها ، فأصبح الوليد من ليلته متجها نحو عمله فهدم وهدم معه الناس ، بعد أن اطمأنت نفوسهم
ثم اتجهت القبائل من قريش ، لتجمع الحجارة لبناء الكعبة ، كل قبيلة تجمع على حدة ، وكل قبيلة تبني في الموضع الذي خصص لها ، حتى بلغ البنيان موضع الركن {5} ، فاختلفوا فيه واختصموا ، كل قبيلة تريد أن تحظى بهذا الشرف الرفيع ، واحتدم النقاش فيما بينهم ، وعلت أصواتهم ، وأعدوا للقتال ، وتحالف بعضهم فيما بينهم ، بعد أن غمسوا أيديهم في جفنة {6} مملوءة بالدم ومكثت قريش تترقب أربع ليال أو خمسا ، إلى أن تداعت بمشورة كبارهم للاجتماع وقف أبو أمية بن المغيرة ، خطيبا في قريش ، وكان أكبرهم سنا ، قال: يا معشر قريش ، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه ، أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه ، فرضيت قبائل قريش
فكان أول داخل ، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما رأوه استبشروا وقالوا: هذا الأمين قد رضينا به 0 فلما وصل قصوا عليه الخبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "هلم إلى ثوبا" فجاؤوا به ، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفتحه ثم وضع الحجر الأسود فيه ثم قال : "لتأخذ كل فبيلة بناحية من الثوب ، ثم ارفعوه جميعا" ففعلوا ، حتى إذا بلغوا به موضعه ، أمسكه رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ووضعه بيده الشريفة ، ثم بنى عليه وكانت الكعبة على عهد ، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثماني عشرة ذراعا ، وكانت تكسى القباطي {7} ، ثم كسيت البرود {8}
النبوءة ببعثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
كان الكهان من العرب ، تأتيهم الشياطين من الجن بأخبار ، يسترقونها من السماء، فلما تقارب أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحان موعد مبعثه ، منعت الشياطين عن السمع ، وحجبت أخبار السماء عنها ، وأبعدت عن المقاعد التي كانت تقعد فيها لاستراق السمع ، ورميت بالشهب ، فعرفت الجن ، أن ذلك الأمر حدث لأمر خطير وحدث جلل ، ولذلك بين الله تعالى لنبيه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حين بعثه ، خبر الجن ، إذ حجبوا عن السمع ، وعرفوا ما عرفوا ، لكنهم أنكروا بعد ذلك ما رأوا ، يقول الله سبحانه وتعالى
قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ، فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا (1) يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جد (2) ربنا ما اتخذ صاحبه ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا (3) وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا 4
إلى قول الله سبحانه وتعالى
وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا (5) وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا 6
مما يروى أن بني مذحج الذين كانوا يسكنون اليمن ، كان لهم في الجاهلية كاهن ، فلما ذكر أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وانتشر خبره بين العرب ، قال بنو مذحج لكاهنهم: انظر لنا في أمر هذا الرجل فرفع الكاهن رأسه إلى السماء طويلا ، ثم جعل يثب {7} وقال: أيها الناس إن الله أكرم محمدا واصطفاه ، وطهر قلبه وحشاه ، ومكثه {8} فيكم أيها الناس قليل
معرفة اليهود به ، صلى الله عليه وآله وسلم
كان اليهود ، وهم أهل كتاب ، يعلمون بقرب مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولذلك كانوا يقولون للمشركين من قريش : أنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه ، قتل عاد وإرم {9} ، ولذلك أسلم كثير من المشركين ، وآمنوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لما كانوا يسمعون من اليهود ، أما اليهود أنفسهم ، وهم الذين كانوا يعلمون بقرب مبعثه ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد كفروا به لا بل حاربوه محاربة عظيمة ، وحاولوا قتله ، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل ، وذلك أن الله عز وجل كان يريد لنوره أن يتم وأن يعم الإسلام جميع أنحاء المعمورة يقول الله سبحانه وتعالى ، يصور حال هؤلاء المارقين ، قتلة الأنبياء والمرسلين
ومما يذكر ، أن يهوديا وقف في جماعة من أهل قريش ، يحذرهم ويذكر بيوم القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار ، وقال: إن ذلك يكون لأهل الشرك ، عبدة الأوثان ، الذين لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت ، فقالوا له: أو تري هذا كائنا ؟ ! أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار ، يجزون فيها بأعمالهم فقال اليهودي: نعم فقالوا له : فما آية {12} ذلك ؟ قال: نبي مبعوث من نحو هذا البلاد فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، آمن به بعض أهل قريش ، أما اليهودي فقد كفر به بغيا وحسدا
معرفة النصارى به
عرف كثير من النصارى بقرب مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وذلك أن عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، قد بشر به في الإنجيل ، وقد ورد اسمه علية الصلاة والسلام باسم : البار قليط ، ومعناه باللغة العربية : أحمد كما جاء في القرآن الكريم ، حيث يقول الله سبحانه وتعالى
وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد 13
كذلك ورد اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باسم: المنحمنا باللغة السريانية ، وتعني باللغة العربية : محمد ، وهو صلى الله عليه وآله وسلم باللغة الرومية البرقليطس ولهذا فقد أكرم ملوك النصارى {14} رسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكاد بعضهم أن يعلن إسلامه ، لا لشيء إلا لعلم هؤلاء يأتي من بعد عيسى عليه السلام اسمه: أحمد صلى الله عليه وآله وسلم
ـــ(((تابع)))ـــ
(( اخوكم
حازم ابوحبيشي))
<!-- / ABDU_GO هاك حفظ حقوق الموضوع لموقعك - برمجة --><!-- sig -->
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
اعظم مئة شخصية غيرت مجري التاريخ هذا العنوان هو في الأصل اسم لكتاب ألفه مايكل هارت والذي هو عالم من علماء العصر الحديث عمل في وكالة (نـــاسا ) الأمريكية وله ابداعات علمية كبيرة في شتى العلوم مثل الفيزياء والكيمياء وغيرها .
ـ الف كتابه هذا حيث وضع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أول شخصية .. ووضع الخليفة والصحابي الجليل عمر بن الخطاب 52 .. فقط اثنان من العرب ..
ـ انظروا الحيف !!
وكأنه لم يكن هناك علماء المسلين ومشاهير غيروا التاريخ
لكن هذه مهمة مؤرخي وكتاب العرب ..
أعرض لكم شخصيات هذا الكتاب من الترتيب الأدنى فالأعلى .. ستكون الشخصية ثم ديانتها ثم مكانتها
ولست هنا بصدد نقده .. ولكنها عرض لمعلومات .. أو ما يسمونه اثراء معلوماتي .. ومنا ومنكم نفيد ونستفيد..
100) ماهيفيرا - الهندوسية مع الجاينية - مؤسّس الدين الجايني ، و هو دينٌ في الهند يتْبعُه قرابة 5 ملايين شخص
99) جاستينيان الأول - الكاثوليكية - إمبراطور روماني ؛ أعاد فتح الإمبراطورية الرومانية في الشرق الأوسط
98) هوميروس - الوثنيّة اليونانيّة - شاعر الملاحم
97) شارلاماين - الكاثوليكية - تأسّست الإمبراطوريّة الرومانية بتعميده عام 800 ميلادي
96) مينز - الوثنيّة المصرية - أول فرعون مصري ؛ وحّد شمال مصر مع جنوبها ؛ حكم قبل 3000 سنة من ميلاد عيسى
95) ميخائيل جورباتشيف - النصرانية الأوثوذوكسية الأصولية - أنهى الشيوعية في الإتحاد السوفييتي
94) الملكة إيليزابيث الأولى - الأنجليكية - ملكة بريطانية ؛ أعادت "كنيسة انجلترا" للقوة بعد الملكة "ميري" في القرن السادس عشر
93) زوروستر - المجوسيّة - مؤسّس الدين المجوسي
92) مينشَس - الكونفيوشيّة - فيلسوف ؛ مؤسّس أحد مذاهب الدين الكونفيوشسي
91) هنري فورد - البروتستانتيّة - اخترع السيّارة
90) فرانسيس بيكون - الأنجليكيّة - فيلسوف ؛ مُطبِّق الأسلوب العلمي الإستقرائي ؛ طلب من طلابه تحقيقاتاً علمية كاملة ، مُستبعدةً للنظريّات الناقصة
89) ماو زيدونج - الإلحاد (و هو إنكار وجود الله) ، ثم الشيوعية ، ثم الماويّة - مؤسّس الماويّة ، و هي النسخة الصينيّة من الشيوعيّة
88) بيتر الأكبر - النصرانية الأوثوذوكسية الأصولية - حوّل روسيا إلى أمّة أوروبيّة عظيمة بين القرن السابع عشر و القرن الثامن عشر
87) سايرَس الأكبر - المجوسيّة - مؤسّس الإمبراطوريّة الفارسيّة
86) فاسكو دي جاما - الكاثوليكية - مُستكشف ؛ اكتشف الطريق البحري من أوروبا إلى الهند
85) سوي وين تاي - الدين الصيني التقليدي - وحّد الصين في القرن السادس ميلادي
84) لينين - النصرانية الأوثوذوكسية الأصولية ، ثم الإلحاد ، ثم الماركسية و الشيوعية (يهودي الأصل) - حاكم روسي ؛ والد الثورة الشيوعية
83) ماني - المانيكيانيّة - مؤسّس الدين الماني ، و الذي ضاهى الدين النصراني في قوّته في القرن الثالث ميلادي ، و اندثر هذا الدين تماماً في القرن الثالث عشر
82) جريجوري بينكوس - يهودي - عالِم في الغدد و الهرمونات ؛ اكتشف حبّة منع الحمل
81)جون فيتزجيرالد كينيدي - الكاثوليكية - رئيس أمريكي
80) توماس مالثوس - الأنجليكية - اقتصادي ؛ كاتب "مقالة في أصل التكاثر و الإستيطان"
79) نيكولاي ماكيافيلي - الكاثوليكية - كاتب "الأمير" ، و هي أُطروحة سياسية ذات تأثير
78) جان جاك روسو - البروتستانتية ، ثم الكاثوليكية ، ثم الربوبية (دين يعتقد أن الله خلق العالم ثم تركه ، و العياذ بالله) - فيلسوف فرنسي ربوبي و مؤلّف
77) لينارد يولر - الكالفينية - عالم في الفيزياء و الرياضيات ؛ والد الرياضيات الحديثة
76) إنريكو فيرمي - الكاثوليكية - مؤسّس العصر الذري ؛ والد القنبلة النوويّة
75) يوهانس كبلر - اللوثرية - فلكي ألماني ؛ دَرَس تحرّكات الكواكب
74) فولتير - الجانسينيّة - كاتب و فيلسوف ؛ كَتَب القصّة القصيرة الشهيرة و المؤثّرة على الأدب العالمي: "كانديد"
73) لاو زو - الطاويّة - مؤسّس الدين الطاوي في الصين
72) يوهان سيباستين باخ - اللوثرية ، ثم الكاثوليكية - موسيقار
71) فيلهيلم كونراد رونتجن - الدين غير معروف - مكتشف الأشعّة السينية ، أو أشعة إكس
70) إدوارد جينر - النصرانية (لا يُعرف أي مذهب) - مكتشف لقاح الجدري
69) سيجموند فرويد - اليهودية (بالإسم فقط) ، ثم الإلحاد - مؤسّس التحليل النفسي ؛ والد علم النفس الحديث
68) ويليام الفاتح - الكاثوليكية - مؤسّس إنجلترا الحديثة
67) جولياس سيزر (يوليوس قيصر) - الوثنيّة الرومانيّة - إمبراطور روماني
66) جوزيف ستالين - النصرانية الأوثوذوكسية الأصولية ، ثم الماركسية و الشيوعية - ثوري ؛ حاكم الإتحاد السوفييتي في منتصف القرن العشرين
65) الملكة إيزابيلا الأولى - الكاثوليكية - حاكمة أسبانية ، أرسَلَت كولومبوس ليكتشف أمريكا لاحقاً
64) توماس جيفرسون - الإيبيسكوبيليّة ، ثم الربوبية - ثالث رئيس أمريكي ؛ كاتب ميثاق "إعلان الإستقلال"
63) هيرناندو كورتيز - الكاثوليكية - أسباني ؛ فتح المكسيك
62) فرانسيسكو بيزارو - الكاثوليكية - فاتح أسباني في أمريكا اللاتينية : هزم شعب الإنكا
61) نيكولاس أوغست أوتو - الدين غير معروف - شارك في اختراع محرّك الإحتراق الداخلي
60) جوزيف ليستر - من نصارى كويكرز - المكتشف الأساسي للمعقّمات ، و التي خفّضت معدّلات الوفاة بعد العمليات الجراحية
59) ماكس بلانك - البروتستانتية - عالم في الفيزياء و الطاقة و الحرارة : والد "النظرية الكمّيّة" في الفيزياء
58) جريجور ميندل - الكاثوليكية - من أهم علماء الجينات و الوراثة
57) جون كالفين - البروتستانتية ، ثم الكالفينية - إصلاحي بروتستانتي ؛ أسّس المذهب الكالفيني
56) إيرنست راذرفورد - الدين غير معروف - فيزيائي ؛ رائد في مجال الفيزياء دون الذرية
55) ويليام هارفي - الأنجليكية - مكتشف الدورة الدموية
54) أوغوستين - النصرانية - عالم دين نصراني في القرن الخامس ميلادي ، أشد شخص تأثيراً في النصرانية المحرّفة بعد بولس
53) أسوكا - البوذيّة - ملكٌ هندي اعتنق البوذية ثم نشرها في بلاده في القرن الثالث قبل الميلاد
52 ) عمر ابن الخطّاب - الإسلام - الخليفة الثاني ؛ وسّع الإمبراطوريّة الإسلامية
51) البابا أوربان الثاني - الكاثوليكية - نادى للحرب الصليبية الأولى ، و التي حُشِدَت فيها الجيوش النصرانية و انتهت بمقتل قرابة 70 ألف مسلم في القدس
50) مايكل أنجلو - الكاثوليكية - الرسّام الشهير ، أيضاً ناحت و مهندس معماري
49) رينيه ديكارت - الكاثوليكية - فيلسوف عقلاني و عالم رياضيات
48) سايمون بولوفار - الكاثوليكية ثم الإلحاد - بطل قومي في فينيزويلا ، و كولومبيا ، و الإكوادور ، و بيرو ، و بوليفيا ، حيث حرّرهن من احتلال الأسبان
47) لويس داجور - الدين غير معروف - مخترع التصوير الفوتوغرافي
46) ويرنر هايزنبرج - الدين غير معروف - فيزيائي ؛ مؤسّس نظرية الإشتباه أو الإرتياب
45) لودفيج فان بيتهوفن - الكاثوليكية - الموسيقار الشهير
44) جون لوك - الأنجليكية ، ثم النصرانية الليبرالية (حتى هم ابتلوا بالليبراليين!) - فيلسوف و رجل دين ليبرالي
43) أليكساندر فليمنج - النصرانية الكاثوليكيّة - مكتشف البنسلين
42) ألكساندر جراهام بل - اليونيفيرساليّة (الإعتقاد أن الجميع سيُغفر لهم و ينجون) - مخترع الهاتف
41) أوليفر كروميل - البروتستانتيّة - قائد عسكري و سياسي بريطاني في القرن السابع عشر
40) بلايتو (أفلاطون) - الأفلاطونية ؛ الفلسفة اليونانيّة - من أعظم الفلاسفة في التاريخ ؛ مؤسّس الأفلاطونيّة
39) أدولف هتلر - نشأ على الكاثوليكية ، ثم الوثنيّة الجديدة و النازيّة - قائد عسكري و سياسي ؛ قاد دول المحور في الحرب العالمية الثانية
38) جولييلمو ماركوني - الكاثوليكيّة و الأنجليكية - مخترع المذياع
37) ويليام ت. ج. مورتون - الدين غير معروف - رائد في علم التخدير
36) أنتوني فان لافينهوك - الكالفينية - من روّاد صناعة المايكروسكوبات ؛ درس الحياة المجهريّة
35) توماس أديسون - إحدى مذاهب البروتستانتيّة - مخترع اللمبة ، و الكثير غيرها
34) نابليون بونابارت - الكاثوليكية (بالإسم فقط ، و كان لا يؤمن بوجود عيسى) - فاتح فرنسي
33) الإسكندر الأكبر - الوثنيّة اليونانيّة - فاتح
32) جون دالتون - من نصارى كويكرز - عالم في الفيزياء ، و الكيمياء ، و النظريّة الذرية ؛ له قانون الضغوط الجزئية
31) إدوارد دي فير (و يُعرف أيضاً بـ"ويليام شيكسبير") - النصرانية - أديب
30) آدم سميث - البروتستانتيّة الليبرالية - اقتصادي ، و فيلسوف ديني
29) جنكيز خان - الشامانيّة المنغولية - فاتح منغولي
28) أورفيل رايت و ويلبور رايت - البروتستانتية (بالإسم فقط ، فهم لم يهتموا بالدين) - مخترعا الطائرة
27) كارل ماركس - اليهودية ، ثم النصرانية ، ثم الإلحاد ، ثم الماركسية الشيوعية - مؤسّس الشيوعية
26) جورج واشنطن - البروتستانتية - أول رئيس لأمريكا
25) مارتن لوثر - الكاثوليكية ، ثم اللوثرية - مؤسّس البروتستانتيّة و اللوثرية
24) جيمس كليرك ماكسويل - طوائف مختلفة من النصرانية - فيزيائي
23) مايكل فاراداي - الدين الساندماني - عالم فيزيائي و كيميائي ؛ وضع "قانون فاراداي"
22) جيمس واط - لا ديني - صنع الماكينة البخاريّة
21) قسطنطين الأكبر - الوثنيّة اليونانيّة ثم النصرانية - الإمبراطور الروماني الذي اعتنق النصرانية (بعد أن حرفها بولس في عهده) و فرضها على دولته
20) أنتوان لورنت لافواجييه - الكاثوليكية - والد الكيمياء الحديثة ؛ فيلسوف ؛ اقتصادي
19) نيكولاس كوبرنيكوس - كاثوليكي - فلكي
18) أغسطس قيصر - الوثنية اليونانية - حاكم
17) شي وانج تي - الدين الصيني التقليدي - إمبراطور صيني
16) تشارلز داروين - نصراني بالإسم - عالم أحياء ؛ صاحب نظرية التطور التي أثّرت في العلم الحديث
15) موسى - نبي - من أهم أنبياء الدين اليهودي الصحيح
14) يوكليد - الأفلاطونية و الفلسفة اليونانية - عالم رياضيات
13) أرسطو - الأفلاطونية و الفلسفة اليونانية - فيلسوف يوناني ذو تأثير
12) جاليليو جاليلي - كاثوليكي - فلكي
11) لويس باستر - كاثوليكي - عالِم ؛ اكتشف البسترة
10) ألبرت آينستاين - يهودي الأصل ، لم يتبع ديناً معيناً (و لم يكن ملحداً كما يعتقد البعض) - عالم في الفيزياء ؛ طوّر النظرية النسبية
9) كريستوفر كولومبوس - كاثوليكي - مكتشف أمريكا
8) يوهان جوتنبورغ - كاثوليكي - مخترع الطباعة
7) ساي لون - دين صيني تقليدي - مخترع الورق
6) بولس - اليهودية ، ثم النصرانية - كان يهودياً ، و اضطهد المؤمنين (أهل المسيحية الصحيحة) ، فلم يثنهم ذلك ، فأعلن أنه قديس نصراني و غيّر الدين تماماً ، فأدخل فكرة التثليث ، و ألوهية عيسى ، و ألغى الختان و أباح الخنزير
5) كونفوشيوس - الكونفوشيوسيّة - مؤسّس الدين الصيني: الكونفوشيوسيّة
4) بوذا - الهندوسية ، ثم البوذية - مؤسّس البوذية (و البوذية ليست ديناً بقدر ما هي فلسفة و رؤية للحياة)
3) المسيح عيسى - النبي - أتى بالنصرانية ، و هي امتداد لدين موسى
2) إسحاق نيوتن - الأنجليكية ، لكنه رفض الإيمان بالتثليث ، و لم يصدق أن لعيسى نصيباً من الألوهية ، و كان يعتقد أن عيسى أفضل المخلوقات ، الأمر الذي تكفّره باقي طوائف النصارى ، و هو قريبٌ جداً من الإسلام - فيزيائي ، مكتشف الجاذبية ، و قوانين الحركة
1) محمد - الإسلام - أتى بدين الإسلام
*ـ اعداد /حازم ابوحبيشي
كان عبد المطلب من سادات قريش، محافظاً على العهود، متخلقاً بمكارم الأخلاق،
يحب المساكين، ويقوم على خدمة الحجيج، ويطعم في الأزمات، حتى كان يطعم الوحوش
والطير في رؤوس الجبال، وكان شريفاً مطاعاً جواداً،
وكانت قريش تسميه الفياض لسخائه، وهو الذي عقد الحلف بين قريش وبين النجاشي.
وكان عبد المطلب يشغل منصب الرئاسة في قومه، فهو رئيس بني هاشم وبني المطلب
في حرب الفجار، وكان في قومه شريفاً وشاعراً، ولم يدرك الإسلام.
وأسلم من أولاده، حمزة بن عبد المطلب ، و العباس ، و عاتكه
، و صفية ، ومن بناته أيضا: البيضاء أم حكيم ، برة بنت عبد المطلب ،
و عاتكة أم عبد الله بن أبي أمية ، و صفية أم الزبير بن العوام ، وأروى أم آل جحش .وكان عبد الله أحب الأبناء إلى قلب والده عبد المطلب حيث كانت له منزلة جليلة ا
لقدر، وحدث ذات مرة أن نذر عبد المطلب إن رزقه الله عشرة من الولد أن ينحر أحدهم،
فلما رزقه الله عشرة من الولد، أقرع بينهم أيهم ينحر، فوقعت القرعة على عبد الله ابنه ا
لأصغر، وكان أحب الناس إليه، فقال عبد المطلب: اللهم هو أو مائة من الإبل، ثم أقرع بينه
وبين مائة من الإبل، فوقعت القرعة على مائة من الإبل. وهذه الحادثة فيها دلالة على حفظ الله تعالى لوالد النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعد ذلك اختار عبد المطلب زوجة لابنه عبد الله
، وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ، وكانت يومئذ
تعد أفضل امرأة في قريش نسبًا وموضعًا، وأبوها سيد بني زهرة نسبًا وشرفًا، فزوجه بها،
فبنى بها عبد الله في مكة، ثم خرج بعد أشهر من بنائه بآمنة ، يضرب مناكب الأرض ابتغاء ا
لرزق، وذهب في رحلة الصيف إلى الشام، فذهب ولم يعد، وبعدها عادت
القافلة تحمل أنباء مرضه، وبعدها خبر وفاته، وكانت وفاته قبل أن يولد رسول الله صلى الله عليه وسلم،.
ولما ولدت آمنة النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت به إلى جده عبد المطلب
تبشره بحفيده، فجاء مستبشرًا ودخل به الكعبة، ودعا الله وشكر له. واختار له اسم محمد ـ
وهذا الاسم لم يكن العرب يألفونه، لذلك سألوه: لم رغب عن
أسماء آبائه؟ فأجاب: أردت أن يحمده الله في السماء، وأن يحمده الخلق في الأرض.
وقد رويت أخبار تبين مدى عناية عبد المطلب برسول الله صلى الله عليه وسلم
بعد وفاة أمه آمنة ، فمن ذلك ما رواه أبو يعلى بإسناد حسن، أن عبد المطلب
أرسل محمدا ذات مرة ليتبع إبلاً ضلت، فتأخر عليه حتى حزن حزنا
شديدا، وعندما عاد محمد بالإبل أقسم ألا يبعثه في حاجة له أبدا ولا يفارقه بعد هذا أبدا.
ومما روي أيضا أن عبد المطلب كان يقرب رسول الله منه ،
ولا يدع أحدا يدخل عليه وهو نائم، وكان لا ينام إلا ومحمد
بجانبه، ولا يخرج من البيت إلا وهو معه، وكان له مجلس لا يجلس عليه غيره.
وظل عبد المطلب يحوط النبي صلى الله عليه وسلم ويضعه تحت رعايته،
حتى أحس عبد المطلب بلحظة الفراق، فرأى من نفسه أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه
أبي طالب ، ثم توفي عبد المطلب وعمر النبي صلى الله عليه وسلم ثمان سنوات.
نسبها رضي الله عنها
هي أخت رسول الله صلى الله عليه و سلم من الرضاعة و أسمها حذافة ابنة الحارث و غلب عليها اسم الشيماء حتى صارت لا تعرف إلا به غالباً
امها : حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية مرضعة رسول الله صلى الله عليه و سلم
و أبوها : الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن بكر بن هوازن
الشيماء و طفولة النبي صلى الله عليه و سلم
و لم تكن الشيماء اخت النبي صلى الله عليه و حسب بل كانت تحضنه وتراعيه ، فتحمله أحياناً إذا اشتد الحر ، وطال الطريق ، وتتركه أحياناً يدرج هنا وهناك ، ثم تدركه فتأخذه بين ذراعيها وتضمه إلى صدرها ، وأحياناً تجلس في الظل ، فتلعبه وتقول :حتى أراه يافـــعاً وأمـــردا
يا ربنــــا أبق لنا مـحـمداً
واكبت أعاديه معاً والحســـدا
ثـم أراه ســيداً مســــوداً
وأعطه عزاً يدوم أبــــــداً
قال محمد بن المعلى الأزدي : وكان أبو عروة الأزدي إذا أنشد هذا يقول : ما أحسن ما أجاب الله دعاءها .
إكرام النبي صلى الله عليه و سلم لها
ذكر الإمام ابن حجر في الإصابة أن الشيماء لما كان يوم هوازن ظفر المسلمون بهم ، وأخذوا الشيماء فيمن أخذوا من السبي ، فلما انتهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله ، إني لأختك من الرضاعة. قال : وما علامة ذلك قالت : عضة عضضتها في ظهري ، وأنا متوركتكفعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة ، فبسط لها رداءه ، ثم قال لها : ههنا ، فأجلسها عليه ، وخيّرها ، فقال : إن أحببت فأقيمي عندي محببة مكرمة ، وإن أحببت أن أمتعك فارجعي إلى قومك ، فقالت : بل تمتعني وتردني إلى قومي و أسلمت رضي الله عنها ، فاعطاها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثة أعبد و جارية و اجزل لها العطاء ثم ردها إلى قومها.
ولم يتوقف إكرام النبي صلى الله عليه وسلم للشيماء عند هذا فحسب ، بل شمل ذلك بني سعد جميعهم ، ومعلوم أن بني سعد من هوازن ، وذلك أنه لما انتصر عليهم يوم حنين وغنم أموالهم ونسائهم وذراريهم ، عند ذلك جاءه وفد هوازن بالجعرانة وقد أسلموا، فقالوا : يا رسول الله ، إنا أصل وعشيرة ، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا من الله عليك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نساؤكم وأبناؤكم أحب إليكم أم أموالكم ؟
فقالوا: يا رسول الله ، خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا ، بل أبناؤنا ونساؤنا أحب إلينا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما ما كان ولي ولبني عبد المطلب فهو لكم ، وإذا أنا صليت بالناس فقوموا فقولوا : إنا نستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين ، وبالمسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبنائنا ونسائنا ، فإني سأعطيكم عند ذلك ، وأسأل لكم
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر قاموا فقالوا ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم
فقال المهاجرون : وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وقالت الأنصار : وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن كثير : ولقد كان هذا سبب إعتاقهم عن بكرة أبيهم ، فعادت فواضله عليه الصلاة والسلام قديماً وحديثاً ، خصوصاً وعموماً
رضي الله تعالى عن الشيماء و سائر أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم و جمعهم معه في الجنة إن شاء الله تعالى.
"داود عليه السلام"
هو من الرسل الذين أرسلهم الله إلى بني إسرائيل، وقد آتاه الله الملك والنبوة، وهو من سِبط يهوذا بن يعقوب، وقد ذكره الله في عداد مجموعة الرسل عليهم السلام، وقال: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [الإسراء: 55].
* نسب داود عليه السلام:
أثبت أهل التوراة وأهل الإِنجيل نسبه على الوجه التالي:
هو داود بن يسى "إيشا" بن عَوْبيد بن بوعز "أفصان" بن سلمون بن نحشون بن عِمّيناداب بن إرَام، بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب "إسرائيل" عليه السلام.
* حياة داود عليه السلام في فقرات:
)أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياة داود عليه السلام ما يلي:
أولاً- مقدمة عن حال بني إسرائيل منذ وفاة موسى عليه السلام حتى قيام ملك داود عليه السلام:
1- بعد انقضاء المدّة التي أقامها بنو إسرائيل في التيه -وهي (40) سنة- وبعد وفاة هارون وموسى، تولى أمر بني إسرائيل نبي من أنبيائهم اسمه (يوشع بن نون عليه السلام)، فدخل بهم بلاد فلسطين، وقسم لهم الأرضين. وكان لهم تابوت "صندوق" يسمونه تابوت الميثاق أو "تابوت العهد"، فيه ألواح موسى وعصاه ونحو ذلك، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ءايَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 248].
2- لما توفي يوشع بن نون، تولى أمر بني إسرائيل قضاة منهم، ولذلك سمي الحكم في هذه المدّة: حكم القضاة.
وفي هذه المدة دبّ إلى بني إسرائيل التهاون الديني، فكثرت فيهم المعاصي، وفشا فيهم الفسق، إلى أن ضيعوا الشريعة، ودخلت في صفوفهم الوثنية، فسلَّط الله عليهم الأمم، فكانت قبائلهم عرضة لغزوات الأمم القريبة منهم، وكانوا إلى الخذلان أقرب منهم إلى النصر في كثير من مواقعهم مع عدوهم، وكثيراً ما كان خصومهم يخرجونهم من ديارهم وأموالهم وأبنائهم.
3- وفي أواخر هذه المدّة سَلب الفلسطينيون منهم "تابوت العهد"، في حربٍ دارت بين الطرفين، وكان ممّن يدبر أمرهم في أواخر مدّة حكم القضاة نبي من أنبياء بني إسرائيل من سِبط لاوي اسمه: (صمويل = شَمْويل)، يتصل نسبه بهارون عليه السلام.
فطلب بنو إسرائيل من (صمويل) أن يجعل عليهم ملكاً يجتمعون عليه، ويقاتلون في سبيل الله بقيادته، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [البقرة: 246].
فسأل شمويل ربه في ذلك، فأوحى الله إليه أن الله قد جعل عليهم ملكاً منهم اسمه (طالوت= شاؤول) من سبط بَنْيامين، وكانت قبيلة بنيامين في ذلك العهد قد أوشكت على الفناء في حرب أهلية وفتن داخلية قامت بين بني إسرائيل، فاستنكروا أن يكون طالوت ملكاً عليهم.
قال الله عزّ وجلّ: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 247].
فسألوا عن دليل رباني يدلهم على أن الله ملَّكه عليهم، فقال لهم صمويل:
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ ءالُ مُوسَى وَءالُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 248].
وأعطاهم صمويل موعداً لمجيء التابوت تحمله الملائكة، فخرجوا لاستقباله فلما وجدوا التابوت قد جيء به حسب الموعد أذعنوا لملك طالوت، فكان أول ملك من ملوك بني إسرائيل.
4- جمع طالوت صفوف بني إسرائيل، وهيأهم لمحاربة عدوهم، وخرج بهم، ثم اصطفى منهم خلاصة للقتال، يقارب عددها عدد المسلمين في غزوة بدر. قالوا: وكان عددهم نحواً من (319) مقاتل، وذلك بطريقة قصها القرآن علينا في قوله تعالى: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249].
وهؤلاء القلة هم الذين اصطفاهم طالوت للقتال بعد رحلة برية شاقة سار بهم فيها، وقد اشتد فيها ظمأ القوم، وبهذه القلة التي جاوزت النهر واجه طالوت الأعداء.
5- لقي طالوت خصومه الوثنيين الفلسطينيين، وكان رئيسهم جالوت (جليات عند العبرانيين) قوياً شجاعاً فرهبه بنو إسرائيل.
وهنا دخل في صفوف بني إسرائيل المقاتلين فتى صغير من سِبط يهوذا كان يرعى الغنم لأبيه "اسمه داود"، ولم يكن في الحسبان أن يدخل مثله في المقاتلين، ولكن أباه أرسله إلى إخوته الثلاثة الذين هم مع جيش طالوت ليأتيه بأخبارهم.
قالوا: فرأى داود جالوت وهو يطلب المبارزة معتداً بقوته وباسه، والمقاتلون من بني إسرائيل قد رهبوه وخافوا من لقائه.
فسأل داود -وهو الفتى الصغير- عما يصير لقاتل هذا الرجل الجبار شديد البأس، فأُجيب بأن الملك "طالوت" يغنيه ويزوِّجه ابنته، ويجعل بيت أبيه حراً في إسرائيل.
فذهب داود إلى الملك طالوت وطلب منه الإِذن بمبارزة جالوت، فضنَّ به طالوت وحذره.
فقال له داود: إني قتلت أسداً أخذ شاة من غنم أبي، وكان معه دبّ فقتلته أيضاً، فألبسه طالوت لامَة الحرب وعدة القتال، فلم يستطع داود أن يسير بها لعدم خبرته السابقة بذلك، فخلعها وتقدم بعصاه ومقلاعه وخمسة أحجار صلبة انتخبها من الوادي.
وأقبل داود على جالوت وجرت بينهما مكالمةٌ عن بعد، وأظهر جالوت احتقار الفتى وازدراءه، والعفة عن مبارزته لصغر سنِّه، لكن داود أخذ مقلاعه -وكان ماهراً به- وزوَّده بحجرٍ من أحجاره، ورمى به فثبت الحجر في جبهة جالوت الجبار فطرحه أرضاً، ثم أقبل إليه وأخذ سيفه وفصل به رأسه، وتمت الهزيمة لجنود جالوت بإذن الله!
قال الله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 251].
ووفَّى طالوت لداود بالوعد، فزوجه ابنته (ميكال) وأغناه.
6- ومنذ ذلك التاريخ لمع اسم (داود) في جماهير بني إسرائيل، ثم توالت الانتصارات لبني إسرائيل على يد داود، وخاف طالوت على ملكه منه فلاحقه ولاحق أنصاره وعَزَمَ على التخلص منه بالقتل، إلاَّ أن الله سلَّم داود منه، ولم يكن من داود لطالوت إلاَّ الوفاء والطاعة وحسن العهد، وقد تهيأت له الفرصة عدة مرات أن يقتله فلم يفعل ولو شاء لانتزع منه الملك.
7- ولما لم يجد داود سبيلاً لإِصلاح نفس طالوت عليه، اعتزل عنه بعد عدة محاولات وفاء قام بها نحوه، فلم يخفف ذلك من حسده وقلقه وآلامه.
ومن ثَمّ بدأت الهزائم تلاحق طالوت في حروبه مع أعداء بني إسرائيل، حتى قُتل هو وثلاثة من بنيه، وهُزم رجاله. قالوا: وقد ندم طالوت على ما كان منه وتاب.
وكان نبيهم صمويل قد تغير على طالوت وهجره لما بدر منه نحو داود، وقد أُخبر داود أن المُلكَ صائر إليه بعد موت طالوت.
ثانياً- داود في الملك:
8- علم داود بمقتل طالوت، فصعد إلى حبرون (مدينة الخليل)، فجاء رؤساء سبط يهوذا وبايعوه بالملك.
أما بقية أسباط بني إسرائيل فقد دانوا بالطاعة لولد من أولاد طالوت اسمه: (إيشبوشت).
ثم قامت حروب بين جنود داود وجنود إيشبوشت، انتهت بمقتل ابن طالوت بعد سنتين أو ثلاث، واستتب لداود الملك العام على بني إسرائيل، وكان عمره (30) سنة.
9- اتسعت مملكة بني إسرائيل على يد داود عليه السلام، وآتاه الله مع الملك النبوة، وجعله رسولاً إلى بني إسرائيل يحكم بالتوراة، كما أنزل عليه (الزبور) - أحد الكتب السماوية الأربعة الكبار - وآتاه الله الحكمة وفصل الخطاب.
10- قالوا: وقد دام ملكه (40) سنة ثم توفي عليه السلام، ودفن في "بيت لحم" بعد أن أوصى بالملك لابنه سليمان، فيكون عمره على هذا حين قبض عليه السلام (70) سنة. والله أعلم.
)ب) وقد تعرض القرآن الكريم في عدة سور لحياة داود عليه السلام، بشكل تناول أهم النقاط البارزة في حياته، مما يتصل ببدء ظهور اسمه في بني إسرائيل، وملكه ونبوته، وبعض صفاته ونعم الله عليه، وأبرز ما جاء فيه النقاط التالية:
1- إثبات نبوته ورسالته، وأن الله أوحى إليه وأنزل عليه الزبور، وآتاه الحكمة وفصل الخطاب، وعلمه مما يشاء، وأمره أن يحكم بين الناس بالحق.
2- إثبات أنه قتل جالوت في المعركة التي قامت بين بني إسرائيل وعدوهم بقيادة طالوت.
3- إثبات أن الله أنعم عليه بنعم كثيرة منها:
)أ) أن الله آتاه الملك وشدّه له، وجعله خليفة في الأرض، وأعطاه قوةً في حكمه.
(ب) أن الله سخر الجبال والطير يسبحن معه في العشي والإِبكار.
"فقد آتاه الله صوتاً حسناً، وقدرة على الإِنشاد البديع، فهو يصدح بصوته بتسبيح الله وتحميده، ويتغنى فيه بكلام الله في الزبور في العشي والإِبكار، فترجّع الجبال معه التسبيح والتحميد، وتجتمع عليه الطير فترجع معه تسبيحاً وترنماً وغناءً.
)جـ) أن الله آتاه علم منطق الطير، كما آتى ولده سليمان من بعده مثل ذلك.
)د) أن الله ألان له الحديد، "فهو يتصرف بَطيّه وتقطيعه ونسجه، كما يتصرف أحدنا بالأشياء اللينة بطبعها.
)هـ) أن الله علَّمه صناعة دروع الحرب المنسوجة من زرد الحديد.
قالوا: وكانت هذه الصناعة غير معروفة قبل داود عليه السلام.
4- عرض قصة استفتاء فقهي وُجِّه إليه، فأفتى فيه بوجه، وكان ابنه سليمان فتىً صغيراً حاضراً مجلس الاستفتاء فأفتى بوجه آخر، وكان ما أفتى به سليمان أضمن للحق وأقرب للصواب.
وذلك ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 78-79].
نفشت: أي رعت ليلاً بلا راعٍ.
قال المفسرون: إن زرعاً دخلت فيه ليلاً غنم لغير أهله، فأكلته وأفسدته، فجاء المتحاكمون إلى داود - وعنده سليمان -، فحكم داود بالغنم لصاحب الحرث عوضاً عن حرثه الذي أتلفته الغَنم ليلاً. فقال سليمان - وهو ابن إحدى عشرة سنة -: غير هذا أرفق، فأمر بدفع الغنم إلى أهل الحرث لينتفعوا بألبانها وأولادها وأشعارها، وبدفع الحرث إلى أهل الغنم ليقوموا بإصلاحه حتى يعود إلى ما كان، ثم يترادّان.
5- عرض قصة الخصمين اللذين تسوّرا على داود، ودخلا عليه المحراب في وقت عبادته الخاصة التي يخلو بها ولا يسمح لأحد أن يدخل عليه فيها، ففزع داود منهما، لأنهما لم يستأذنا بالدخول عليه، ولم يدخلا محرابه من بابه، فقالا له:
{لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ} [ص: 22] أي: لا تَجُرْ في الحكم - {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ}.
فأصغى لهما داود، فقال أحد الخصمين:
{إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} - أي: ملكنيها- {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: 23] أي: غلبني في المخاصمة بنفوذٍ أو بقوة.
وسكت الآخر سكوت إقرار.
فقال داود: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24].
وانصرف المتسوران دون أن يعلِّقا بشيء على ما أفتى به داود.
فرجع داود إلى نفسه، فعرف أن الله أرسل إليه هؤلاء القوم بهذا الاستفتاء ابتلاء، وذلك لينبهه على أمر ما كان يليق به أن يصدر منه بحسب مقامه، فوبخ نفسه: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} تائباً من ذنبه، خائفاً من ربه.
وتطبيقاً لمبدأ عصمة الرسل عليهم السلام، فإن ما فُتِنَ به داود ونبِّه عليه عن طريق الخصمين المستفتيين ينبغي أن لا يكون معصية ثابتة، وإنما هو من المباحات العامة التي لا تليق بمقام الرسل المصطفين عليهم السلام.
هذا إذا كانت الحادثة بعد النبوة، أما إذا كانت قبل النبوة فينبغي أن لا تكون من الكبائر، إذ الكبائر لا تليق بآحاد المؤمنين، فضلاً عن الذين يهيؤون للرسالة. والله أعلم.
وذكر فريق من المفسرين أنّ فتنة داود عليه السلام كانت لأنه حكم بمجرّد سماع الدعوى، دون أن يسأل البيِّنة، أو يسمع كلام المدَّعى عليه، ولذلك قال الله له بعد ذلك كما جاء: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26].
أحد العشرة المبشرين بالجنة
لقد كان في تجارة له بأرض بصرى ، حين لقي راهبا من خيار رهبانها ، وأنبأه أن
النبي الذي سيخرج من أرض الحرم ، قد أهل عصره ، ونصحه باتباعه000وعاد الى
مكـة ليسمع نبأ الوحي الذي يأتي الصادق الأميـن ، والرسالة التي يحملها ، فسارع
الى أبي بكر فوجـده الى جانب محمد مؤمنا ، فتيقن أن الاثنان لن يجتمعا الا علـى
الحق ، فصحبه أبـو بكر الى الرسـول -صلى الله عليه وسلم- حيث أسلم وكان من
المسلمين الأوائل000
ايمانه
بطولته يوم أحد
في أحد000أبصر طلحة -رضي الله عنه- جانب المعركة الذي يقف فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلقيه هدفا للمشركين ، فسارع وسط زحام السيوف والرماح الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرآه والدم يسيل من وجنتيه ، فجن جنونه وقفز أمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- يضرب المشركين بيمينه ويساره ، وسند الرسول -صلى الله عليه وسلم وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه ، ويقول أبو بكر -رضي الله عنه- عندما يذكر أحدا :( ذلك كله كان يوم طلحة ، كنت أول من جاء الى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لي الرسول ولأبي عبيدة بن الجراح :"دونكم أخاكم000" ونظرنا ، واذا به بضع وسبعون بين طعنة وضربة ورمية ، واذا أصبعه مقطوعة ، فأصلحنا من شأنه )000 وقد نزل قوله تعالى :" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى
نحبه ، ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلا "000
تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية أمام الصحابة الكرام ، ثم أشار الى طلحة قائلا :( من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض ، وقد قضى نحبه ، فلينظر الى طلحة )000 ما أجملها من بشرى لطلحة -رضي الله عنه- ، فقد علم أن الله سيحميه من الفتنة طوال حياته وسيدخله الجنة فما أجمله من ثواب000
عطائه وجوده
وفي احدى الأيام باع أرضا له بثمن عال ، فلما رأى المال أمامه فاضت عيناه من الدمع وقال :( ان رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري مايطرق من أمر ، لمغرور بالله )000فدعا بعض أصحابه وحملوا المال معه ومضى في الشوارع يوزعها حتى أسحر وما عنده منها درهما000
وكان -رضي الله عنه- من أكثر الناس برا بأهله وأقاربه ، وكان يعولهم جميعا ، لقد قيل :( كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا الا كفاه مئونته ، ومئونة عياله )000( وكان يزوج أياماهم ، ويخدم عائلهم ، ويقضي دين غارمهم )000ويقول السائب بن زيد :( صحبت طلحة بن عبيد الله في السفر و الحضر فما وجدت أحدا ، أعم سخاء على الدرهم ، والثوب ، والطعام من طلحة )000
طلحة والفتنة
وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري 000طلحة والزبير في فريق وعلي في الفريق الآخر ، وانهمرت دموع علي -رضي الله عنه- عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة ) في هودجها بأرض المعركة ، وصاح بطلحة :( يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت ؟)000ثم قال للزبير :( يا زبير : نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمكان كذا ، فقال لك : يا زبير ، الا تحب عليا ؟؟000فقلت : ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟؟000فقال لك : يا زبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم )000 فقال الزبير :( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله لاأقاتلك )000
الشهادة
وبعد أن انتهى علي -رضي الله عنه- من دفنهما ودعهما بكلمات أنهاها قائلا :( اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمـان من الذين قال الله فيهم :( ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين )000ثم نظر الى قبريهما وقال :( سمعت أذناي هاتان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول :( طلحة و الزبير ، جاراي في الجنة )0000
قبر طلحة
م
ن
ق
و
ل<!-- / message -->
إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام
قال تعالى:
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 54-55]. ويترجح لدينا أن الله أرسله إلى القبائل العربية التي عاش عليه السلام في وسطها، وقد ذكر المؤرخون أن الله أرسله إلى قبائل اليمن وإلى العماليق. حياة إسماعيل عليه السلام في فقرات: (أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياته عليه السلام ما يلي:
1 -لما بلغ إبراهيم عليه السلام من العمر (86) سنة ولدت له أمَته المصرية "هاجر" ابنه إسماعيل. وهذه الأَمَة هي التي كان فرعون مصر قد وهبها لسارة زوجة إبراهيم عليه السلام، فوهبتها سارة لإِبراهيم لعل الله أن يرزقه منها بولد، إذْ كانت هي حتى ذلك التاريخ عقيماً لم تلد، إلا أنها ولدت بعد ذلك بإسحاق، ببشارة الملائكة لإِبراهيم كما قدمنا عند الكلام على حياة سيدنا إبراهيم عليه السلام.
2 -أَمر الله إبراهيم عليه السلام أن يُسكِن ولده الصغير -إسماعيل- وأمه في وادي مكة، فسافر بهما إلى هذا الوادي، وأسكنهما فيه طاعة لله تعالى، وانصرف عنهما عائداً إلى الشام، واستودعهما عند الله تعالى يرعاهما برعايته، ويكلؤهما بحفظه.
3 - ولما نفد الماء الذي كان معهما، اشتد الظمأ بالصبي، سعت أمه بين الصفا والمروة باحثةً عن الماء، لعل الله يخلق لها من الشدة فرجاً، فأرسل الله الملك فبحث في مكان زمزم فتفجر الماء، ولما رأت ذلك أقبلت وسقت ولدها إسماعيل، وقد امتلأ قلبها سروراً وفرحاً!!
4 -أحست قبيلة "جُرْهُم" -وهي من القبائل العربية- بأن الوادي أصبح فيه ماء، فوفدت إليه وضربت فيه خيامها إلى جانب الماء، بعد أن استأذنت من هاجر أم الصبي.
5 - شب إسماعيل وتعلَّم اللغة العربية، وتزوج امرأة من "جرهم"، ثم طلقها بإشارة من أبيه، لأن إبراهيم عليه السلام اختبرها فوجدها شاكية متضجرة من شظف العيش وشدَّته، ثم تزوج بأخرى. قالوا: وقد وُلد لإِسماعيل اثنا عشر ولداً ذكراً وكانوا رؤساء قبائل -ومن نسله جاء العرب الذين يعرفون بالعرب المستعربة- كما وُلدت له بنت زوَّجها من ابن أخيه عيسو "العيص" بن إسحاق.
6 -ثم أمر الله إبراهيم -في منامه- أن يذبح ولده إسماعيل ابتلاءً لهما، فعرض الأب الرحيم على ابنه التقي البار أمر الله، فقال إسماعيل: "يا أبت افعل ما تؤمر"، وباشر تنفيذ أمر الله، إلاّ أن الله تعالى فداه بذِبْحٍ عظيم جاء به الملك جبريل عليه السلام.
7 - وقد عمل إسماعيل مع أبيه إبراهيم في عمارة الكعبة المشرفة بيت الله الحرام، وقاما بأداء مناسكهما كما أمر الله تعالى.
8 -عاش إسماعيل عليه السلام
(137) سنة، ومات بمكة ودفن عند قبر أمه هاجر بالحجر، وكانت وفاته بعد وفاة أبيه ب (48) سنة. والله أعلم. (ب) وقد قص الله علينا في كتابه العزيز جوانب من حياة إسماعيل عليه السلام، أهمها النقاط التالية:
1 -إثبات نبوته ورسالته، وأن الله أوحى إليه وأنزل إليه طائفة من الشرائع الربانية.
2 -إثبات أخلاقه الكريمة التي منها: صدق الوعد والصبر، والثناء عليه بأنه من الأخيار، ومن صبره عليه السلام طاعته وامتثاله أمر الله بذبحه، الذي أمر به أباه إبراهيم عليه السلام.
3 -مشاركته لأبيه إبراهيم في رفع القواعد من البيت الحرام، وفي التجاءاته ومناجاته لله تعالى، وفي أن الله عهد لهما أن يطهرا البيت للطائفين والعاكفين والركَّع والسُّجود.
4 -وعد الله بأن يكون من ذريته أمة مسلمة وأن يبعث فيهم رسولاً منهم.
تابع / سلسله القصص باذن الله
سيتم نشرها كلها
قد أثبت الله نبوته ورسالته في مواطن عديدة من الكتاب العزيز، وشهد له بأنه كان أمة قانتاً لله حنيفاً.
قال تعالى:
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ}
[النحل: 120 - 122].
نسب إبراهيم:
ذكر المؤرخون نسبه واصلاً إلى سام بن نوح عليه السلام، ونوح - في سلسلة نسب إبراهيم- هو الأب الثاني عشر. وقد أسقط بعض النسابين من آبائه في سلسلة النسب (قينان)،
بسبب أنه كان ساحراً.
فهو على ما يذكرون: إبراهيم "أبرام" (عليه السلام) بن تارح "وهو آزر كما ورد في القرآن الكريم" بن ناحور بن ساروغ "سروج" بن رعو بن فالغ "فالج" بن عابر بن شالح بن قينان - الذي يسقطونه من النسب لأنه كان ساحراً - بن أرفكشاذ "أرفخشذ" بن سام بن نوح (عليه السلام).
والله أعلم.
حياة إبراهيم عليه السلام في فقرات:
1 -موجز حياته عند أهل التاريخ:
ذكر المؤرخون: أنه ولد بالأهواز، وقيل: ببابل - وهي مدينة في العراق
ويذكر أهل التوراة أنه كان من أهل "فدّان آرام" بالعراق.
وكان أبوه نجاراً، يصنع الأصنام ويبيعها لمن يعبدها.
وبعد نضاله في الدعوة إلى التوحيد ونبذ الأصنام، وما كان من أمره مع نمروذ بن لوش ملك العراق، وإلقائه في النار، ونجاته منها بالمعجزة - كما قص الله علينا في كتابه المجيد -، انتقل إلى أور الكلدانيين - وهي مدينة كانت قرب الشاطئ الغربي للفرات - ومعه في رحلته زوجته سارة وقد آمنت معه، وابن أخيه لوط بن هاران بن آزر وقد آمن معه وهاجر معه، كما قال تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [العنكبوت 29].
كما هاجر معه في الرحلة ثُلة من قومه الذين آمنوا معه، وأبوه آزر دون أن يؤمن به، وأقام في أور الكلدانيين حقبةً من الزمن.
ثم رحل إلى حاران أو "حرَّان".
ثم رحل إلى أرض الكنعانيين - وهي أرض فلسطين -، وأقام في "شكيم" وهي مدينة "نابلس".
ثم رحل إلى مصر، وكان ذلك في عهد ملوك الرعاة، وهم العماليق - ويسميهم الرومان: "هكسوس" -، واسم فرعون مصر حينئذٍ: "سنان بن علوان"، وقيل "طوليس".
وقد وهب فرعون هذا سارة زوجة إبراهيم - بعد أن عصمها الله منه - جاريةٌ من جواريه اسمها: "هاجر"، فوهبتها لزوجها فاستولدها.
ولما وُلِدَ له من هاجر "إسماعيل" - وكان عمره (86) سنة - سافر بأمر من الله إلى وادي مكة، وترك عند بيت الله الحرام ولده الصغير إسماعيل مع أمه هاجر، وعاد إلى أرض الكنعانيين.
ثم وهبه الله ولداً من زوجته سارة سماه "إسحاق"، وذلك حين صار عمره (100) سنة.
وكان يتعهد ولده إسماعيل في وادي مكة من آن إلى آخر، وبنى مع ولده إسماعيل البيت الحرام بأمر من الله. قال الله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
[البقرة: 127].
وقد جاء في الإِصحاح الخامس والعشرين من "سفر التكوين": أن إبراهيم تزوج بعد وفاة سارة زوجة اسمها "قطورة"، فولدت له ستة أولاد هم: زمران ويقشان ومدان ويشباق وشوحا ومديان.
وإلى مديان - هو مدين - بن إبراهيم هذا ينسب "أهل مدين" الذي أرسل إليهم "شعيب عليه السلام".
ولما بلغ عمر إبراهيم عليه السلام
(175) سنة ختم الله حياته في أرض فلسطين، ودفن في مدينة الخليل "حبرون وكان اسمها في الأصل قرية أربع"، في المغارة المقام عليها الآن مقام الخليل عليه السلام، وتعرف بمغارة الأنبياء.
واختتن وهو ابن ثمانين سنة، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اختتن إبراهيم النبي وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم". رواه البخاري ومسلم.
-2 لمحات من قصة إبراهيم عليه السلام في القرآن:
وقد بسط القرآن الكريم مشاهد بارزة مهمة من حياة سيدنا إبراهيم عليه السلام في عدة سور، وأبرز ما فيها النقاط التالية:
1 - بدأ حياته عليه السلام باحتقار الأصنام، وبيان سخف عبادتها، ثم ثورته عليها وتحطيمها، غير مكترث بما ينجم عن عمله هذا، وتنبيه عابديها على خطئهم البالغ في عبادتها وتعظيمها، ونشأته على ما بقي محفوظاً من ملّة نوح عليه السلام.
2 -تأمّلاته في ملكوت السماوات والأرض، وبحثه الذي دلّه على جلال الرب وكمال صفاته وتنزه ذاته عن كل صفة من صفات الحدوث وعوارض النقص.
3- توجُّهه إلى الله فاطر السماوات والأرض، وتبرؤه مما يشرك المشركون.
4- بلوغه منزلة النبوة والرسالة باصطفاء الله له، واضطلاعه بمهامها، وإنزال الصحف عليه المسماة "بصحف إبراهيم".
5- محاجّته لقومه بالبراهين والأدلة المنطقية المقنعة والملزمة، وثباته في محاجّةِ من آتاه الله الملك في البلاد، وارتقاؤه إلى أعلى مراتب الإِيمان بأن الله هو الذي يميت ويحيي، ويطعم ويسقي، ويمرض ويشفي، وبيده كل شيء.
6- تعرضه للعذاب من قبل قومه، وذلك بإيقاد النار له في بنيان أعدوه لهذا الغاية، وإلقاؤه فيها، وصبره وثباته وثقته بالله، ثم سلامته من حرّها وضُرّها، إذ قال الله لها:
{يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}
[الأنبياء:69] !!
7- عزمه على الهجرة من أرض الشرك، وإيمان لوط به ومهاجرته معه.
8- إثبات أن الله أنزل عليه صحفاً تسمى "صحف إبراهيم".
9- زيارته مكة، وإسكانه في واديها بعض ذريته وهو "إسماعيل". ورفع قواعد بيت الله الحرام فيها بعد سنوات من الإسكان مع ولده إسماعيل عليهما السلام. وعهدُ اللهِ له ولولده إسماعيل أن يطهرا البيت للطائفين والعاكفين والركّع السُّجود، وأمر الله له أن يؤذِّن في الناس بالحج. ومشاهد رائعة من مواقف التجاءاته إلى الله، ومناجاته له بالعبادة والدعاء.
10- طلبه من الله أن يريه كيف يحيي الموتى، وذلك ليطمئن قلبه، ويزداد يقينه بالحياة بعد الموت، إذا رأى بالمشاهدة الحسية كيفية حدوث ذلك.
11- أن الله وهبه - على كبر سنه - إسماعيل وإسحاق، وخرق العادة له بإكرامه بإسحاق من امرأته العجوز العاقر "سارة".
12- مجادلته الملائكة المرسلين لإِهلاك قوم لوط، لعل الله أن يدرأ عنهم العذاب الماحق، وذلك طمعاً بأن يهتدوا ويستقيموا، إلاَّ أن جواب الرب ناداه: {إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود: 11].
13- إكرام الله له بأن جعل في ذريته النبوة والكتاب من بعده، وقد كان واقع الأمر كما وعده الله، فجميع الأنبياء والرسل من بعده كانوا من ذريته. أما لوط عليه السلام فإنه كان معاصراً له، على أن إبراهيم كان عمه فيمكن دخوله في عموم الذرية.
قال أبو هريرة:
(تلك أمكم يا بني ماء السماء).
مَهْيَمْ: كلمة استفهام، بمعنى: ما حالك، ما شأنك؟
(الملكة بلقيس) احدى الملكات اللواتي عطرن التاريخ ك (سميراميس) و (نفرتيتي) و (الزباء) وغيرهن، واستقطبت اهتمام وخيال أمم وشعوب كالعرب والأوربيين. (الملكة بلقيس) محاطة بالغموض فلكونها وردت في القرأن مقرونة باسم النبي سليمان فان المدونين المسلمين اظافوا الى (الملكة بلقيس) الكثير من البريق فالهمت ولا تزال تلهم الفنانين والكتاب والشعراء والموسيقيين من مختلف الأمم والعقائد والاتجاهات الفكرية. يتسائلون الآن هل عرفت سبأ فعلاً ملكة؟ أم أن الرواية عنها من الأساطير والخرافات ابتدعتها مخيلة العرب، وساهم في نشرها أقوام المشرق؟ التناقضات الكبيرة في روايات العرب تثير الكثير من الشكوك عن (الملكة بلقيس) فهل كان المدونون العرب يشيرون إلى شخصية واحدة، أم أنهم دمجوا العديد من الحاكمات اليمانيات في ملكة واحدة؟ هل كان ذلك الدمج متعمداً؟ وما أسبابه؟ الواقع ان كتابات المدونين العرب، مليئة بالاختلافات، بعض المدونين العرب يقولون إنها من الجن، بعض اسفار التوراة تعطي صورة قبيحة لـ (الملكة بلقيس) ملكة سبأ، لكونهااقتحمت تراث معظم شعوب العالم بصفتها مثال الجمال والحكمة والسلطان والثروة؟ عرفها العرب باسم (بلقيس) و (بلمقه) و الحبشيون باسم (مكدّا) و (كندكة). وفي التراث الاسرائيلي عرفت بملكة سبأ و (الغول ليلت). المدونون العرب يقولون ان (الملكة بلقيس) احتلت بابل وتدمر وسمرقند، وحتى الصين. فهل هذه حقيقة تاريخية، بل من الخيال المنحول، (الملكة بلقيس) ملكة سبأ، في التراثات الشعبية الأخرى تأخذ منحا آخر، فهي في الارث الاسرائيلي ممثلة الشيطان، بل الشيطان نفسه، بينما اقتحمت تراث مختلف الشعوب بصفتها رمزاً للحكمة والجمال. أرسل لها النبي سليمان طبق ما جاء في القرآن (هدهد) يدعوها للتوحيد، فكرت في أن أفضل حل، إرسال هدية الى (النبي سليمان) دون الحاجة لخوض حرب ومواجهة معه، فأرسلت له هدية عظيمة ولكنه رفضها وأصر على إرسال جيش نحوها وتعجب رسل (الملكة بلقيس) من حجم مملكة سليمان وجنوده من الإنس والجن والحيوانات والطيور المختلفة. قررت (الملكة بلقيس) الذهاب إلى مملكته حتى تتوصل معه إلى حل سلمي قبل تطور الأمور، وبعد وصولها تفاجأت بأن عرش ملكها عنده. وأعد لها (النبي سليمان) مفاجأة أخرى وكانت قصرا من البلور فوق الماء وظهر كأنه لجه فلما قال لها ادخلي الصرح حسبت أنها ستخوض اللجة، فكشفت عن ساقيها، فلما تمت المفاجأة كشف لها سليمان عن سرها، قال: (إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ) أعلنت (الملكة بلقيس) إيمانها بالله، وآمن معها العديد من أبناء شعبها. جغرافيا قصة (الملكة بلقيس) وقعت جنوبي جزيرة العرب، الا ان آراء المستشرقين مختلفة حول اسمها فالمستشرق (مونتغمري وَت) و (اولندروف) يريان أنّ الاسم مأخوذ من المفردة اليونانية (فالاكيس) التي تعني عشيقة، عبر لهجة التوراة أي الكنعانية التوراتية ورد الاسم بصيغة (فلجش فلجس). أما المستشرق (دوساسي) فيرى أن الاسم تصحيف للاسم (نكوليس)، والمستشرق (دورامي) يرى أن الاسم دمج لكلمة (بعلة وكيس)، الباحث (عبد المجيد همو) طرح إمكانية أن اصل الاسم من (بعل وقيس). تواجد (الملكة بلقيس) امر من الصعب الاخذ به فهي مزيج من الأسطورة والخرافة والقصص والتاريخ. مما ترويه الأسطورة أن الملك العظيم (الهدهاد) لحق بغزالة هاربة في رحلة صيد، فخلصها من ذئب، فكافأه أبوها (اليلب بن صعب) فالهدهاد نها علاقة له بطائر الهدهد (الهدهد أصوات الجن)،و الغزالة حيوان عربي جنوبي مقدس، والحرورى أو الحرة هي الجان من الثعبان واليلب أو التلب أو الظبي سيد الحيوانات.
في النقوش الجنوبية يقال ان (شمس) أم (الملكة بلقيس) وتعني في الخرافات عبادة الشمس، والغزالة من حيوانات (المقة) اي (القمر)، قرونها دليل قمريتها.الأسطورة تنقلنا إلى عالم قديم. أما القصص المرتبطة بـ (الملكة بلقيس) فهي متعددة، فقصة (ابن الأثير) تروي أن والد بلقيس مات من غير وصية فأقام الناس ابن أخ له فتآمرت عليه (الملكة بلقيس) وقتلته وتولت بعده، قصة اخرى تروي أنها تولت السلطة بعد وفاة أبيها ثم تخلت لأخيها عن العرش. الأسطورة تروى هوى شعري فهي معالجة خيالية لحوادث التاريخ كما يقول (كمال الصليبي) في كتابه (خفايا التوارة وشعب إسرائيل). التأويل يشير إلى تعصب الرجال لرجوليتهم، فالإخباريات تذكر أن (الملكة بلقيس) تقيم علاقات جنسية مثلية، عناصر جنسية أخرى في القصة تقول أن (النبي سليمان) نكحها من غير زواج أو بناء بها، تحقيرا لها. نروى القصة تولي (الملكة بلقيس) الملك كامرأة في أعلى درجات التاريخ بالجدارة وليس بالوراثة؟ انما هو تقييم عظيم لها حيث (أنها خلصت شعبها من الحكم الجائر). وفي هذه القصة محاولة إدانة الملوك والحكام وتذكيرهم بضعفهم. يقول (الهدهد) ردا على تهديد سليمان له بالتعذيب (اذكر وقوفك بين يدي الله، فلما سمع سليمان ارتعد وعفا عنه). وفي هذا محاولة ضرورة التأدب بآداب الملوك وترك بذخهم اللامعقول كما يجيء في وصف عرش (الملكة بلقيس) في مروية الثعالبي. هدف القصة فيها مواعظ و أحكام وسلوكيات. في الموقف التوراتي الذي يربط اصل (الملكة بلقيس) بالشيطان ويجعل لها حافر حمار ويفصل بين النظام الاجتماعي وبين عالم الأنس، أما الإسلاميون المعادون للمرأة فقد استرجلوا (الملكة بلقيس) بـ (القول أن رجلاها كانتا مشعرتين وادخلوا قصة النّورة والحمام). اما (ابن عربي) في شعره فيجعلها مثالا للمرأة الكاملة حيث يقول عنها (اسقفة من بلاد الروم). يؤكد نجيب محفوظ على المعنى الرمزي لبلقيس في (ترجمان الأشواق) بوصفها مثالاً للحكمة الإلهية التي تجمع بين العلم والعمل ولطف الجن وعمل الإنسان والروح والبدن. الشاعر (جلال الدين الرومي) جعلها مثالا للنبل، (حافظ الشيرازي) جعلها مثالا للجمال. بعض المدونين دمجوا (الملكة بلقيس) مع (الزباء) و (زنوبيا) فكلتاهما كانتا رمزا للحكمة والجمال، وكلتاهما تسلمتا الملك بعد قتل الغريم بالحيلة، واعتزلتا الرجال، وكان لهما وصيفات، قيل عن (الملكة بلقيس) انها بنت (سد مأرب) وانها اتخذت لباسا يجمع بين البسة الرجال والنساء. انتشرت أسطورة (الملكة بلقيس) عبر الشرق ففي تراث الفرس نجد أسطورة (خسرو وشيرين) وفي تركيا تقوم منارة بلقيس، في إيران بين مدينتي تبريز وهمدان يتواجد جبل يعرف بـ (تختي بلقيس) اي (عرش بلقيس)، وقد اختلطت (الملكة بلقيس) بقصة كليوباترا ملكة مصر الشهيرة التي انتحرت بسم ثعبان وهو حيوان جنوبي مقدس أيضا وفي التراث القبطي، ترد كمثال للعفاف وستعود يوم الساعة لمحاسبة العصاة!!. في التراث الحبشي المسيحي في ملحمة (كبرا نجست) أي (عظمة الملوك) تذكر (الملكة بلقيس) كمثال للجمال والذكاء.
الحضارات القديمة في اليمن ابرزها حضارة دولة سبأ، وحضارتها عمود من اعمدة التاريخ اليمني، و (سبأ) عند النسابة هو (أبو حمير) و (كهلان)، ومن هذين الأصليين قامت أنساب أهل اليمن جميعا، كما أن هجرة أهل اليمن في الأمصار ارتبطت بسبأ، و (الطيبة) هي في الأصل ارض سبأ. وابرز رموز اليمن التاريخية (سد مأرب) فقيل عنهم (تفرقوا ايدي سبأ) بعد انهيار (سد مأرب). دولة سبأ في العصر الأول كانت أكبر وأهم تكوين سياسي في اليمن، تلك الدولة كانت تكوينات سياسية كانت تدور في فلكها، ترتبط بها حينا وتنفصل عنها حينا آخر، كـ (دولة معين) و (دولة قتبان) و (دولة حضرموت)، أو تندمج فيها لتكون دولة واحدة مثل (دولة حمير). لقب ملوك اليمن آنذاك بملوك سبأ و (ذي ريدان) هم حمير وأرض سبأ في الأصل في منطقة مأرب، وتمتد إلى الجوف شمالا، ثم ما حاذاها من المرتفعات والهضاب إلى المشرق، وكانت دولة سبا في فترات امتداد حكمها تضم مناطق أخرى، بل تشمل اليمن كله. وعدداّ كبيرا من المكربين والملوك الذين تولوا الحكم في دولة سبأ، والفرق بين الملك والمكرب هو أن الملك يحكم شعبا واحدا أو قبيلة واحدة اما (المكرب) فهو لقب للمجمِّع والموحِّد لعدة شعوب أي الموحد ووجود المكربين في تاريخ اليمن القديم يشهد على جدارة الجهود المبكرة جدا لتوحيد أهل اليمن في كيان واحدة. اتخد السبأيون (صرواح) عاصمةّ لدولة سبأ، وتقع المدينه على بعد 120 كيلومتراّ شرق العاصمه اليمنيه صنعاء وتبعد 50 كيلومتر شمال غرب مدينة مأرب. تعتبرهذه المدينه من الاماكن الاثريه بسسبب ما اكتشف فيها من نقوش ومنحوتات ترجع الى عصر دوله سبأ. تم انتقلت عاصمةّ دولة سبأ الى مأرب بدلاّ عن صرواح، وتقع مأرب جنوب اليمن وعلى بعد 192 كيلومتر من العاصمةّ الحديثه لليمن والتي تدعى صنعاء. ولقد اتخد السبئيون مأرب (في وادي أذنه) عاصمة لهم بسبب خصوبة تربه الوادي حيث تنجرف اليه التربه مع مياة الامطار من المرتفعات. وتدلل الآثار المنتشرة والنقوش اليمنية القديمة التي اكتشفت ذكر (قصر سلحين). ويرجح على الاغلب ان القصر يقع على التل المعروف بقرية مأرب الآن. ذكر العلامة اليمني (الحسن الهمداني) ان القصر كان قائما قبل مايقرب من حوالي الف عام. وقد تحكمت دولة سبأ بطريق التجارة الهام المعروف بـ (طريق اللبان) الذي يخترق ارض مأرب. واللبان من اهم أنواع الطيوب وأغلاها بسبب رائحة الطيبة والى الاعتقاد في تلك الفترة (لاغنى عنه لكسب الآلهة).
ولقد ساعد مناخ اليمن علي نمو اللبان في منطقة المهره وظفار، تميزت هذه المناطق بانتاجها أفضل وأجود أنواع اللبان. أسهم اللبان تجارة ذاك الزمان فنشطت تجارة التوابل كالمر والكركم وغيرهما من التوابل. كان طريق اللبان يمتد من ميناء قنا في مصب وادي ميفعة على بحر العرب إلى غزة على البحر المتوسط، مروراّ بمدينة شبوة ومأرب، ثم يمر بوادي الجوف، ومنه إلى نجران حيث يتفرع إلى فرعين. كان طريق اللبان يمر عبر قرية الفاو في وادي الدواسر، ومنه إلى هجر في منطقة الخليج، ثم إلى جنوب وادي الرافدين وطريق رئيس يمتد من نجران نحو الشمال، ماراّ بيثرب، ثم ددان في شمال الحجاز، ومنه إلى البتراء، ويتجه الطريق الرئيس من البتراء نحو ميناء غزة. بينما يتجه فرع آخر إلى دمشق وإلى مدن الساحل الفينيقي. وكان الجمل الواسطة في القرون الخوالي من الألف الثاني قبل الميلاد ولعب دورا بارزا في إزدهار التجارة بقدرته على حمل الأثقال لمسافات طويلة، وتتوافق تواريخ استئناس الجمل مع ما ورد في التوراة من إشارات إلى زيارة (ملكة سبأ) للنبي سليمان في القرن العاشر قبل الميلاد. (الملكة بلقيس) ملكة مملكة سبأ مملكة عربية قديمة قامت في الألفية الثانية قبل الميلاد في جنوب جزيرة العرب في اليمن. استمرت في الحكم حتى قيام الدولة الحميرية. بدأت المملكة بالازدهار فيما يقرب من القرن الثامن ق.م. اشتهرت سبأ بغناها وقد تاجرت بالعطور والدرر و البخور و اللبان . وقد ذكر انتاجها للعطور في عدة مصادر مثل العهد القديم والإلياذة. وقد ذكرت سبأ العهد القديم من التوراة ولها قصة بالنبي سليمان، واقترن اسمها بسد مأرب والعرم.
ينبغي ان لا ننسى دور (نجران) اذ كانت ركنا مما في تاريخ اليمن البعيد. ففي الجزيرة العربية قبل الاسلام كانت هناك كعبتان هما (كعبة مكة) و (كعبة نجران). (كعبة نجران) بقيت ضمن كيان اليمن منذ فجر التاريخ، الا الملك عبد العزيز آل سعود استولى على (نجران) والحقها بالمملكة العربية السعودية ذلك لان (نجران) وادي خصب ربما من اخصب المناطق في اليمن. الآثار لا حصر لها في (نجران). كالأخدود و (كاتدرائية الأسود العنسي) اي (كعبة نجران)، وبقايا سد (قوم عاد) وغيرها، الوثنية كانت الدين السائد عند العرب العدنانيين قبل الإسلام وكانت الديانتين المسيحية واليهودية متواجدتان في بلاد العرب جنوبا وشمالا. يروي ابن إسحاق حديث (وهب بن منبه) في ادخاله المسيحية إلى نجران جنوب مكة من بلاد اليمن فيقول (إن رجلا يقال له "فيميون" من أهل الشام كان على دين المسيح وكان رجلا صالحا ورزقه الله كرامات فأحبة رجل من أهل البلاد يقال له "صالح" ولازمة). وكما يذكر أن (عبد الله بن الثامر) كان له أثرٌ كبيرٌ في نشر المسيحية في نجران بعد (العبد الصالح فيميون) فانتشرت المسيحية. اليهودية لم تدم طويلاً في (نجران)، لأن (تُبّعاً ذا نواس) عندما دخل المدينة خرج معه حبران من أحبار اليهود وهما اللذان دعواه إلى اليهودية فقبِلَهَا ودان بها، وعذب نصارى نجران، وانتهى ملكه بموته بامر من (أرياط) و (أبرهة) الحبشيين. وبقيت اليهودية قائمة في شمال الجزيرة بفَدَك, وتيما, وخيبر, والمدينة, التي كانت تعرف بيثرب،
اذا كانت قصة الاسطورة (الملكة بلقيس) و (نجران) قد سادتا التاريخ فان قصة (سد مأرب) قد طغت على عقول وافئدة الاجيال لما فيها من عبر والاهم كيف استطاعوا بناء سد الاول من نوعه في التاريخ بما كان لهم تكنولوجيا كيانها اليد والعقل فقط. بني السد في عهد لم تكن فيه رافعات ولا جرارات ولا ادواة قياس وما كان لديهم آنذاك غير الايدي والبعران والخيال. (سد مأرب) كان يعرف ايضا بـ (سد العرم) وهو أكبر سد بني في التاريخ بالقرب من مأرب، تتواجد على جدران السد الأثري كتابات محفورة بخط المسند، وقد إعيد بناء السد في عهد الملك (شرحبيل بن يعفور) عام 450، كما أعيد بناؤه في عهد (أبرهة الأشرم) بعد الغزو الحبشي لليمن عام 525 ثم في عام 571 قيل انه اعيد بناؤه في العهد الحالي. بني (سد مأرب) لاحتواء كميات كبيرة من المياه لري مناطق واسعة من الأراضي الزراعية بين مضيقي جبلين يدعيان (جبلي براق) وبعد ان كان المواطنون ينحتون صخورهما لبناء منازل حجرية عجل في إنهياره، وعندما أعيد بناؤه مرة أخرى كانت المخارج إلى أرض الجنتين قد دمرت، وكان سداً حاجزاً لا ناقلاً للمياه. يعتقد الجيولوجي (مارفولوندو) بأن حوض مأرب تكوّن بين400 - 500 مليون عام قيل ان بركاناً قديماً ثار في صرواح وهو أشهر بركان حدث في اليمن، إذ أمتد من صرواح حيث تفرعت منه مقذوفات اللهب إلى رداع مما جعل من الصعب إقامة أي من المزروعات، ثم قامت جماعة من الأوائل بتحويل مأرب إلى منطقة زراعية ومن ناحية أخرى استمرت الطينة المترسبة مرتفعة في الأرض الزراعية إلى أعلى مستوى وارتفعت ترسبات الطينة بالمستوى نفسه في صعودها مع منافذ السد مما أعاق خزن مياه السد تماماً بعد ذلك أخذ الناس يصعدون إلى إقليم مرتفع وإلى أقصى مستوى للقناتين اللتين كانتا تنقلان المياه في قشرة الأرض واستمر الناس يعملون لمدة طويلة ، وقد بني السد بالطريقة نفسها التي بنيت بها السدود السابقة، وبنيت له قناطر أفقية كما بني هرم من الناحية الخلفية للسد، وكان ارتفاع كل حجر مترين في امتداد الطول، ولكن الصخور التي ظهرت فوقه على سطح الأرض كانت بحجم (50) متر، وهكذا كان البناء مرتفعاً لمنع تسرب المياه ومن أجل إستقرارها. تم بناء السد بـ (قطع حجرية)، وكان طوله 700 متر إلى جانب بناء القناة الرئيسة التي توزعت المياه عبرها، يمتد السد ليشكل امتداداً طبيعياً بهندسة مثالية. يروى بأنه إنهار بفعل الجرذان التي هدمته بأظفاهها وأسنانها، وكان ذلك بنبوءة من زوجة الملك ومن قبلها رجل ملك كاهن إسمه عمران. وكان إنهيار السد سببا في لتشتت القبائل اليمنية وهجرتها. لهذا قيل في المثل (تشتتوا ايدي سبأ) او (تفرقوا ايدي سبا). (بلقيس) اسم ذو رنين موسيقي يطرب الاذن والفؤاد وكثيرات من العربيات يحملن اسم (بلقيس) ومنهن بلقيس زوجة نزار قباني التي رحلت عنه في تفجير جنوني وكان الحدث ضربة لقلب نزار فنزلت دموعه باكيا (بلقيس يا وجعي ويا وجع القصيدة).
أبو هريرة رضي الله عنه
" اللهم حبب عبيدك هذا وأمه الى كل مؤمن ومؤمنة " حديث شريف
كان اسمه في الجاهلية عبد شمس ، ولما أسلم سماه الرسول -صلى الله عليه
وسلم- عبد الرحمن ، ولقد كان عطوفا على الحيوان ، وكانت له هرة ، يرعاها
ويطعمها وينظفها وتلازمه فدعي أبا هريرة -رضي الله عنه-...
نشأته و اسلامه
يتحدث عن نفسه -رضي الله عنه- فيقول : ( نشأت يتيما ، وهاجرت مسكينا ، وكنت أجيرا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني ، كنت أخدمهم اذا نزلوا ، وأحدو لهم اذا ركبوا ، وهأنذا وقد زوجنيها الله ، فالحمد لله الذي جعل الدين قواما ، وجعل أبا هريرة أماما )...قدم الى النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة سبع للهجرة وهو بخيبر وأسلم ، ومنذ رأى الرسول الكريم لم يفارقه لحظة ...وأصبح من العابدين الأوابين ، يتناوب مع زوجته وابنته قيام الليل كله ، فيقوم هو ثلثه ، وتقوم زوجته ثلثه ، وتقوم ابنته ثلثه ، وهكذا لا تمر من الليل ساعة الا وفي بيت أبي هريرة عبادة وذكر وصلاة ...
اسلام أم أبي هريرة
لم يكن لأبي هريرة بعد اسلامه الا مشكلة واحدة وهي أمه التي لم تسلم ، وكانت دوما تؤذيه بذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالسوء ، فذهب يوما الى الرسول باكيا : ( يا رسول الله ، كنت أدعو أم أبي هريرة الى الاسلام فتأبى علي ، واني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره ، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة الى الاسلام )...فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : " اللهم اهد أم أبي هريرة "...فخرج يعدو يبشرها بدعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلما أتاها سمع من وراء الباب خصخصة الماء ، ونادته : ( يا أبا هريرة مكانك )...ثم لبست درعها، وعجلت من خمارها وخرجت تقول: ( أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله )...فجاء أبوهريرة الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- باكيا من الفرح وقال : ( أبشر يا رسول الله ، فقد أجاب الله دعوتك ، قد هدى الله أم أبي هريرة الى الاسلام)... ثم قال : ( يا رسول الله ، ادع الله أن يحببني وأمي الى المؤمنين والمؤمنات )...فقال : ( اللهم حبب عبيدك هذا وأمه الى كل مؤمن ومؤمنة)...
امارته للبحرين
وعاش -رضي الله عنه- عابدا ومجاهدا ، لا يتخلف عن غزوة ولا عن طاعة ، وفي خلافة عمر -رضي الله عنه- ولاه امارة البحرين ، وكان عمر -رضي الله عنه- اذا ولى أحدا الخلافة راقب ماله ، فاذا زاد ثراءه ساءله عنه وحاسبه ،وهذا ما حدث مع أبي هريرة ، فقد ادخر مالا حلالا له ، وعلم عمر بذلك فأرسل في طلبه ، يقول أبو هريرة : قال لي عمر : ( يا عدو الله ، وعدو كتابه ، أسرقت مال الله )... قلت : ( ما أنا بعدو لله ولا عدو لكتابه لكني عدو من عاداهما ، ولا أنا من يسرق مال الله )... قال: ( فمن أين اجتمعت لك عشرة ألاف ؟)...قلت: ( خيل لي تناسلت ، وعطايا تلاحقت )...قال عمر : ( فادفعها الى بيت مال المسلمين )...ودفع أبو هريرة المال الى عمر ثم رفع يديه الى السماء وقال : ( اللهم اغفر لأمير المؤمنين )...وبعد حين دعا عمر أبا هريرة ، وعرض عليه الولاية من جديد ، فأباها واعتذر عنها ، وعندما سأله عمر عن السبب قال : ( حتى لا يشتم عرضي ، ويؤخذ مالي ، ويضرب ظهري )...ثم قال : ( وأخاف أن أقضي بغير علم ، وأقول بغير حلم )...
سرعة الحفظ و قوة الذاكرة
ان أبطال الحروب من الصحابة كثيرون ، والفقهاء والدعاة والمعلمون كثيرون ، ولكن كان هناك قلة من الكتاب ، ولم يكونوا متفرغين لتدوين كل ما يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وعندما أسلم أبو هريرة لم يملك أرض يزرعها أو تجارة يتبعها ، وانما يملك موهبة تكمن في ذاكرته ، فهو سريع الحفظ قوي الذاكرة ، فعزم على تعويض مافاته بان يأخذ على عاتقه حفظ هذا التراث وينقله الى الأجيال القادمة... فهو يقول : ( انكم لتقولون أكثر أبو هريرة في حديثه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وتقولون ان المهاجرين الذين سبقوه الى الاسلام لا يحدثون هذه الأحاديث ، ألا ان أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم صفقاتهم بالسوق ، وان أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضهم ، واني كنت امرءا مسكينا ، أكثر مجالسة رسول الله ، فأحضر اذا غابوا ، وأحفظ اذا نسوا ، وان الرسول -صلى الله عليه وسلم- حدثنا يوما فقال : " من يبسط رداءه حتى يفرغ من حديثي ثم يقبضه اليه فلا ينسى شيئا كان قد سمعه مني "... فبسطت ثوبي فحدثني ثم ضممته الي فوالله ما كنت نسيت شيئا سمعته منه ، وأيم الله لولا أية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبدا ، هي :"... ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ )
مقدرته على الحفظ
أراد مروان بن الحكم يوما أن يختبر مقدرة أبي هريرة على الحفظ ، فدعاه اليه ليحدثه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأجلس كاتبا له وراء حجاب ليكتب كل ما يسمع من أبي هريرة ، وبعد مرور عام ، دعاه ثانية ، وأخذ يستقرئه نفس الأحاديث التي كتبت ، فما نسي أبو هريرة منها شيئا... وكان -رضي الله عنه- يقول : ( ما من أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثا عنه مني الا ما كان من عبدالله بن عمرو بن العاص ، فانه كان يكتب ولا أكتب )...وقال عنه الامام الشافعي : ( أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره )...وقال البخاري : ( روى عن أبي هريرة نحو ثمانمائة أو أكثر من الصحابة والتابعين وأهل العلم )...
وفاته
وعندما كان يعوده المسلمين داعيين له بالشفاء ، كان أبو هريرة شديد الشوق الى لقاء الله ويقول : ( اللهم اني أحب لقاءك ، فأحب لقائي )...وعن ثماني وسبعين سنة مات في العام التاسع والخمسين للهجرة ، وتبوأ جثمانه الكريم مكانا مباركا بين ساكني البقيع الأبرار ، وعاد مشيعوه من جنازته وألسنتهم ترتل الكثير من الأحاديث التي حفظها لهم عن رسولهم الكريم...
الإمام سفيان الثوري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ما أحوجنا وأحوج أمتنا الإسلامية اليوم إلى أن تراجع تاريخ علمائها، وآثار سلفها، وتتعرف على منهج حياتهم، وطريقة مسلكهم، ومعرفة شدة نهمهم للعلم والاشتغال به، فبسيرهم تلهج النفوس إلى الترقي والصعود، وترك الفتور والقعود، فتسير على منوال ما ساروا، وتخطوا خطوات جادة نحو الطريق الصحيح بالتزام ما قالوا، وهذا هو نهج العلماء الربانيين، والأئمة السالفين.
إن سِيَرَ أولئك الرجال لتبعث في النفس الشجاعة في الحق، والحماسة في طلب العلم، والسعي لتغيير المنكر، والقيام لله بالعبادة، وسائر الفوائد التي تنبع من دراسة سير أولئكم الأفذاذ، ونحن مع سيرة رجل من الرجال الذين أنجبتهم هذه الأمة، إنه عَلَمٌ بحق، رأس في العلم، ورأس في الزهد والورع، وإنكار المنكر والجهر بالحق، والعبادة والحفظ - رحمه الله تعالى، ورضي عنه وأرضاه -، وقلَّ من الناس من يعرفه، فلا تكاد ترى له عند العامة ذكراً، أو تسمع له عندهم حساً وخبراً، هو من أولئك الرجال الذين سطر لهم التاريخ تاريخاً مشرقاً بكل ما تعنيه الكلمة، العالم الفذ، والإمام الرباني سفيان بن سعيد الثوري فإلى شيء من سيرته - رحمه الله -:
اسمه ونسبه:
هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، أحد الأئمة الخمسة المجتهدين، ونسبه كما ذكره ابن سعد في الطبقات1، وابن حزم في جمهرة النسب2، والقلقشندى في نهاية الأرب3.
قال الإمام الذهبي - رحمه الله -: "هو شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه أبو عبد الله الثوري، الكوفي، المجتهد، مصنف كتاب (الجامع)، "سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهبة بن أبي بن عبد الله بن منقذ بن نصر بن الحارث بن ثعلبة بن عامر بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار"4، وهو الصحيح الذي أجمع عليه أكثر المؤرخين.
مولده ونبذة عن والده سعيد بن مسروق:
ولد الإمام سفيان الثوري - رحمه الله - سنة سبع وتسعين اتفاقاً، وطلب العلم وهو حدث باعتناء والده المحدث الصادق سعيد بن مسروق الثوري، وكان والده من أصحاب الشعبي، وخيثمة بن عبد الرحمن، ومن ثقات الكوفيين، وعداده في صغار التابعين.
كان والده سعيد بن مسروق أبو سفيان من محدثي الكوفة الثقات، وثقه ابن معين، وأبو حاتم، والعجلي، والنسائي، وابن المديني، وذكره ابن حبان في الثقات، روي هو عن أبي وائل، وإبراهيم التيمي، وخيثمة بن عبد الرحمن، وسلمة بن كهيل، والشعبي، وعكرمة، وعون بن أبي جحيفة، وروي عنه الأعمش، وشعبة بن الحجاج، وأبو عوانة، وابناه سفيان، ومبارك، وخلق كثير"5.
وقد كان لأم سفيان الثوري أثر كبير في تنشئته نشأة صالحة، وتربيته على حب طلب العلم، والاشتغال به، فعن وكيع قال: قالت أم سفيان لسفيان: "اذهب فاطلب العلم، حتى أعولك بمغزلي، فإذا كتبت عدة عشرة أحاديث فانظر هل تجد في نفسك زيادة، فاتبعه وإلا فلا تتعن"6.
طلبه للعلم ورحلته في تحصيله:
طلب سفيان العلم وهو مراهق، وكان يتوقد ذكاء، صار إماماً أثيراً منظوراً إليه وهو شاب، سمع من عمرو بن مرة، وسلمه بن كهيل، وحبيب بن أبي ثابت، وعمر بن دينار، وابن إسحق، ومنصور، وحصين، وأبيه سعيد بن مسروق، والأسود بن قيس، وجبلة بن سحيم، وزبيد بن الحارث، وزياد بن علاقة، وسعد بن إبراهيم، وأيوب، وصالح مولى التوأمة، وخلق لا يحصون، يقال: "إنه أخذ عن ستمائة شيخ، وعرض القرآن أربع مرات على حمزة بن الزيات".
وروى عنه: ابن عجلان، وأبو حنيفة، وابن جريج، وابن إسحاق، ومسعر وهم من شيوخه، وشعبة، والحمادان، ومالك، وابن المبارك، ويحيى، وعبد الرحمن، وابن وهب، وأمم لا يحصون، وبالغ ابن الجوزي وقال: "أخذ عنه أكثر من عشرين ألفاً"، قال الشيخ شمس الدين: "وهذا مدفوع بل روى عنه نحو من ألف نفس"، وقال ابن عيينة: "كان العلم ممثلاً بين يدي سفيان"، وقال شعبة وابن معين وجماعة: "سفيان أمير المؤمنين في الحديث"، وقال ابن المبارك: "لا أعلم على وجه الأرض أعلم منه"7
رحل إلى مكة و المدينة، وحج ولم يخط وجهه بعد، وزار بيت المقدس، ورحل إلى اليمن للقاء معمر، وكانت أسفاره ما بين طلب علم، وتجارة، وهرب، وكان نابغة بحق؛ قال الذهبي - رحمه الله -: "كان ينوه بذكره في صغره من أجل فرط ذكائه، وحفظه، وحدث وهو شاب، وقال عبد الرزاق وغيره عن سفيان قال: ما استودعت قلبي شيئاً قط فخانني"8.
أفنى عمره في طلب العلم والحديث، وقال - رحمه الله -: "لما أردت أن أطلب العلم قلت: يا رب لا بد لي من معيشة، ورأيت العلم يُدرس أي (يذهب ويندثر)، فقلت: أفرغ نفسي في طلبه، قال: وسألت الله الكفاية، وقال: "أنا في هذا الحديث منذ ستين سنة"، وقال: "ينبغي للرجل أن يكره ولده على طلب الحديث، فإنه مسئول عنه".
شهرته وأقوال العلماء فيه:
عن الوليد بن مسلم قال: "رأيت سفيان الثوري بمكة يستفتى؛ ولم يخط وجهه بعد"، وعن أبي المثنى قال: "سمعت الناس بمرو يقولون: قد جاء الثوري قد جاء الثوري، فخرجت أنظر إليه فإذا هو غلام قد بقل وجهه"، وقال محمد بن عبيد الطنافسي: "لا أذكر سفيان الثوري إلا وهو يفتي، أذكره منذ سبعين سنة، ونحن في الكتَّاب، تمر بنا المرأة والرجل فيسترشدوننا إلى سفيان يستفتونه ويفتيهم".
ولما رآه أبو إسحاق السبيعي مقبلاً في صغره تمثل بقول الله: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً}9، وقال عبد الله بن المبارك:"كتبت عن ألف ومائة شيخ، ما كتبت عن أفضل من سفيان"، وقال عبد الله بن شوذب: "سمعت صهراً لأيوب يقول: قال أيوب: "ما لقيت كوفياً أفضله على سفيان"، وقال البراء بن رستم البصري سمعت يونس بن عبيد يقول: "ما رأيت أفضل من سفيان، فقال له رجل يا أبا عبد الله: رأيت سعيد بن جبير، وإبراهيم، وعطاء، ومجاهداً، تقول هذا؟ فقال: هو، ما رأيت أفضل من سفيان"، وقال عبد الرزاق: سمعت سفيان يقول: "ما استودعت قلبي شيئاً قط فخانني"، وقال عبد الرحمن بن مهدي: "ما رأت عيناي مثل أربعة: ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري، ولا أشد تقشفاً من شعبة، ولا أعقل من مالك بن أنس، ولا أنصح للأمة من ابن المبارك"، وقال وكيع عن شعبة: "سفيان أحفظ مني"، وقال محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة عن أبيه قال رجل لشعبة: "خالفك سفيان، قال: دمغتني"، وقال عبد الرحمن بن مهدي: "كان وهيب يقدم سفيان في الحفظ على مالك"، وقال يحيى بن سعيد القطان: "ليس أحد أحب إلي من شعبة، ولا يعدله أحد عندي، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان"10، وقال أبو حاتم الرازي: "سفيان فقيه، حافظ، زاهد، إمام، هو أحفظ من شعبة "11.
عمله بالعلم الذي يعمله:
من دأب العلماء العارفين، والأئمة الربانيين؛ أن يكونوا عاملين بما يعلمون، ولا تخالف أقوالهم أفعالهم، وأكثر الناس حرصاً على مطابقة القول العمل، ومن ذلك ما روي عن هذا الإمام العالم الزاهد سفيان الثوري - رحمه الله - يقول عبد الرحمن بن مهدي: "سمعت سفيان يقول: ما بلغني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث قط إلا عملت به ولو مرة واحدة"12.
ورعه في الفتوى:
مع غزارة علم هذا الإمام، وفضله؛ إلا أنه كان حريصاً أن لا يفتي إلا بما يعلمه، وحين يكون قلبه يملأه سكينة ووقار للفتوى، ولا تختلج بصدره أمور الدنيا، قال أبو قطن: قال لي شعبة "إن سفيان ساد الناس بالورع والعلم"13، وقال مروان بن معاوية: "شهدت سفيان الثوري وسألوه عن مسألة في الطلاق، فسكت وقال: إنما هي الفروج أي: أخاف أن أفتي بالحل وهي محرمة عليه، فأتسبب في الوقيعة والوقوع في فرج لا تحل له".
وقال ابن أسباط: سئل الثوري وهو يشتري عن مسألة، فقال للسائل: دعني فإن قلبي عند درهمي فلست متفرغاً لأفتيك، وقد أخطئ وأنا منشغل بالبيع والشراء.
عبادته وخشيته، وشدة خوفه من الله - عز وجل -:
وكان عجيباً في قيامه لليل، كان يقوم الليل حتى الصبح في أيام كثيرة، وكان يرفع رجليه على الجدار بعد قيام الليل حتى يعود الدم إلى رأسه، وقال ابن وهب: "رأيت الثوري في الحرم بعد المغرب سجد سجدة فلم يرفع رأسه حتى نودي للعشاء، ومرة قدم على عبد الرزاق فقال عبد الرزاق: "طبخت له قدر سكباج - لحم مع خل - فأكل، ثم أتيته بزبيب الطائف فأكل، ثم قال: يا عبد الرزاق، اعلف الحمار ثم كده، وقام يصلي حتى الصباح".
وعن مؤمل بن إسماعيل قال: "أقام سفيان بمكة سنة، فما فتر من العبادة سوى من بعد العصر إلى المغرب، كان يجلس مع أصحاب الحديث، وذلك عبادة"، وقال ابن مهدي: "كنت أرمق سفيان في الليلة بعد الليلة ينهض مرعوباً ينادي: النار النار، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات"، وقال يوسف بن أسباط: "كان سفيان إذا أخذ في ذكر الآخرة يبول الدم من طول حزنه وفكرته"، وكان سفيان - رحمه الله - يقول: "البكاء عشرة أجزاء: جزء لله، وتسعة لغير الله، فإذا جاء الذي لله في العام مرة فهو كثير"، وعن ابن مهدي قال: "كنت لا أستطيع سماع قراءة سفيان من كثرة بكائه"14، وقال قبيصة بن عقبة: "ما جلست مع سفيان مجلساً إلا ذكرت الموت، وما رأيت أحداً كان أكثر ذكراً للموت منه"، وقال عبد الله بن خبيق عن يوسف بن أسباط: "قال سفيان الثوري وقد صلينا العشاء الآخرة: ناولني المطهرة، فناولته فأخذها بيمينه، ووضع يساره على نحره ونمت، فاستيقظت وقد طلع الفجر فنظرت فإذا المطهرة بيمينه كما هي، قلت هذا الفجر قد طلع، فقال: لم أزل منذ ناولتني المطهرة أتفكر في الآخرة15، وقال أبو أسامة: "مرض سفيان، فذهبت بمائه إلى الطبيب، فقال: هذا بول راهب، هذا رجل قد فتت الحزن كبده، ما له دواء"16.
زهده وورعه وتواضعه - رحمه الله -:
كان سفيان - رحمه الله - إماماً في الزهد والتأله والخوف، غير أن له مذهباً متميزاً في ذلك، فقد كان كثير من أهل الزهد انتهوا في زهدهم إلى الجوع والتقشف الشديد، وترك التكسب، فأورث بعضهم أمراضاً وأوجاعاً، وحاجة إلى الناس، أما سفيان فقد كان متيقظاً لعاقبة ذلك، خاصة: وقد فسد الزمان، واشتد الأمر، فكان يقول: "كان المال فيما مضى يكره، أما اليوم فهو ترس المؤمن"، ونظر إليه رجل وفي يده دنانير فقال: "يا أبا عبد الله تمسك هذه الدنانير، قال: اسكت: فلولاها لتمندل بنا الملوك"، وكان سفيان رأساً في الزهد، والتأله، والخوف، رأساً في الحفظ، رأساً في معرفة الآثار، رأساً في الفقه، لا يخاف في الله لومة لائم من أئمة الدين، فعن سفيان قال: "الزهد في الدنيا هو الزهد في الناس، وأول ذلك زهدك في نفسك"17.
وكان زاهداً، أقبلت عليه الدنيا فتركها وأخذ كفايته حتى لا يحتاج إلى الناس، وربما اشتغل ببيع وشراء لأجل ألا يحتاج إلى الناس، ولا يمد يده، وكان له وصايا في الزهد فكان يقول: "ليس الزهد بأكل الغليظ ولبس الخشن، ولكن قصر الأمل، وارتقاب الموت"، وكان - رحمه الله - يقول: "لا تصحب من يكرم عليك، فإن ساويته في النفقة أضر بك، وإن تفضل عليك استذلك"18.
عقيدته - رحمه الله -:
كان - رحمه الله - على عقيدة أهل الحديث، وعلى طريقة ومنهج الصحابة والتابعين - رضوان الله عليهم أجمعين - وأهل السنة والجماعة، وكانت له اجتهادات إذ كان يثلث بعلي، وكان على مذهب قومه في النبيذ، وقال - رحمه الله -: "إن قوماً يقولون: لا نقول لأبي بكر وعمر إلا خيراً، ولكن علي أولى بالخلافة منهما، فمن قال ذلك فقد خطأ أبا بكر، وعمر، وعلياً، والمهاجرين، والأنصار، ولا أدري ترتفع مع هذا أعمالهم إلى السماء".
قال عبد الرزاق: سمعت مالكاً، والأوزاعي، وابن جريج، والثوري، ومعمراً يقولون: "الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص"، وقال معدان: سألت الثوري عن قوله - تعالى -: {وهو معكم أين ما كنتم}19؟ قال: علمه"، وسئل - رحمه الله - عن أحاديث الصفات فقال: "أمروها كما جاءت"، وقال - رحمه الله -: "من زعم أن {قل هو الله أحد} مخلوق فقد كفر بالله - عز وجل -"، وعن عثام بن علي قال: "سمعت الثوري يقول: لا يجتمع حب علي وعثمان إلا في قلوب نبلاء الرجال"20، وقال أبو سعيد الأشج: "سمعت ابن إدريس يقول: ما رأيت بالكوفة رجلاً أتبع للسنة، ولا أود أني في مسلاخه؛ من سفيان الثوري"21.
من مواعظ الإمام سفيان الثوري - رحمه الله -:
- "أصلح سريرتك يصلح الله علانيتك، وأصلح فيما بينك وبين الله يصلح الله فيما بينك وبين الناس، واعمل لآخرتك يكفك الله أمر دنياك، وبع دنياك بآخرتك تربحهما جميعاً، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعاً".
- "احذر سخط الله في ثلاث: احذر أن تقصر فيما أمرك، احذر أن يراك وأنت لا ترضى بما قسم لك، وأن تطلب شيئاً من الدنيا فلا تجده أن تسخط على ربك".
- "لو أن اليقين استقر في القلب كما ينبغي لطار فرحاً، وحزناً، وشوقاً إلى الجنة، أو خوفاً من النار".
- "لا تبغض أحداً ممن يطيع الله، وكن رحيماً للعامة والخاصة، ولا تقطع رحمك وإن قطعك، وتجاوز عمن ظلمك تكن رفيق الأنبياء والشهداء".
- "عليك بقلة الأكل تملك سهر الليل، وعليك بالصوم فإنه يسد عليك باب الفجور، ويفتح عليك باب العبادة، وعليك بقلة الكلام يلين قلبك، وعليك بالصمت تملك الورع".
- "إذا زارك أخوك فلا تقل له: أتأكل أو أقدم إليك؟ ولكن قدم، فإن أكل وإلا فارفع"22.
وفاته - رحمه الله -:
قال عبد الرحمن بن مهدي - رحمه الله -: "مرض سفيان بالبطن، فتوضأ تلك الليلة ستين مرة، حتى إذا عاين الأمر نزل عن فراشه فوضع خده بالأرض، وقال: يا عبد الرحمن ما أشد الموت، ولما مات غمضه، وجاء الناس في جوف الليل، وعلموا"، وقال عبد الرحمن: "كان سفيان يتمنى الموت ليسلم من هؤلاء يعني - الأمراء - فلما مرض كرهه"، وقال لي: اقرأ علي (يس) فإنه يقال: يخفف عن المريض، فقرأت فما فرغت حتى طفئ".
قيل: أخرج بجنازته على أهل البصرة بغتة فشهده الخلق، وصلى عليه عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر الكوفي بوصية من سفيان لصلاحه، قال ابن المديني: أقام سفيان في اختفائه نحو سنة، وكان موته - رحمه الله - في شعبان سنة (161هـ)، وقال أحمد بن يونس قال: "سمعت الثوري ما لا أحصيه، يقول: اللهم سلم سلم، اللهم سلمنا، وارزقنا العافية في الدنيا والآخرة"، وقال يزيد بن إبراهيم : "رأيت ليلة مات سفيان قيل لي في المنام: مات أمير المؤمنين أي: في الحديث".
ولم يتمكن إخوانه وأصحابه من الاجتماع للصلاة عليه، فجعلوا يفدون إلى قبره يوم وفاته، ودفن وقت العشاء، وعن بعض أصحاب سفيان قال: "مات سفيان بالبصرة ودفن ليلاً، ولم نشهد الصلاة عليه، وغدونا على قبره ومعنا جرير بن حازم، وسلام بن مسكين من أئمة العلم، فتقدم جرير وصلى على قبره ثم بكى وقال:
إذا بكيت على ميت لمكرمة فابك غداة على الثوري سفيان
وسكت، فقال عبد الله بن الصرباح:
أبكي عليه وقد ولى وسؤدده وفضله ناظر كالغســل ريان
وقال سعيد: "رأيت سفيان في المنام يطير من نخلة إلى نخلة وهو يقول: الحمد لله الذي صدقنا وعده"، وهذا مما روي له من المنامات الصالحة بعد وفاته، وقال إبراهيم بن أعين: "رأيت سفيان بن سعيد بعد موته في المنام، فقلت: ما صنعت؟ فقال: أنا مع السفرة الكرام البررة"، وقال أحمد بن حنبل - رحمه الله -: "قال لي ابن عيينة: لن ترى بعينك مثل سفيان الثوري حتى تموت"، وقال الأوزاعي: "لو قيل لي اختر لهذه الأمة رجلاً يقوم فيها بكتاب الله وسنة نبيه لاخترت لهم سفيان الثوري"، وقال ابن المبارك: "ما نُعت إلي أحد فرأيته إلا كان دون نعته - دون الوصف - إلا سفيان الثوري - رحمه الله رحمة واسعة -".
اللهم ارزقنا حياة الصالحين، واحشرنا معهم بفضلك ومنِّك يا أكرم الأكرمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
1 الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 371).
2 جمهرة أنساب العرب (1/ 201).
3 نهاية الأرب في معرفة الأنساب العرب القلقشندى (1/70).
4 سير أعلام النبلاء للذهبي (13/ 263).
5 تهذيب التهذيب لابن حجر بتصرف (4/ 73).
6 سير أعلام النبلاء (13/310).
7 الوافي بالوفيات (5/89).
8 سير أعلام النبلاء (13/273).
9 سورة مريم (12).
10 تهذيب الكمال للمزي (11/165).
11 سير أعلام النبلاء (13/311).
12 سير أعلام النبلاء (13/279).
13 تهذيب الكمال للمزي (11/167).
14 سير أعلام النبلاء (13/317).
15 تهذيب الكمال للمزي (11/167).
16 سير أعلام النبلاء (13/311).
17 سير أعلام النبلاء (13/309).
18 سير أعلام النبلاء (13/278).
19 الحديد (4).
20 سير أعلام النبلاء (13/314).
21 سير أعلام النبلاء (13/291).
22 المنتقى من بطون الكتب للشيخ محمد الحمد (3/115).
حبيبنا وقائدنا وشفيعنا وطب قلوبنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
عظيم فى كل شيئ
عظيم في أخلاقه
"ما غضب رسول الله قط " "ما أخلف رسول الله عهدا قط " "ما انتقم رسول الله لنفسه قط " "ما ضرب رسول الله امرأة قط " "ما كذب رسول الله قط " .قبل البعثة كان الصادق الأمين، و بعد البعثة تصفه أمنا عائشة فتقول : "كان خلقه القرآن" أخرجه أحمد إسناده صحيح على شرط الشيخين
عظيم في رؤيته السياسية
يوم قال بعد غزوة الخندق :" اليوم نغزوهم و لا يغزوننا "أخرجه البخاري
عظيم في روحانيته
كان يصلي حتى تتورم قدماه و يقول: " أفلا أكون عبدا شكورا ؟ " متفق عليه
عظيم في عفوه عن أعدائه
"اذهبوا فأنتم الطلقاء "ضعفه الألباني السلسلة الضعيفة )
عظيم في بث الأمل في نفوس الناس
"و الله ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل و النهار، حتى تخرج المرأة من الحيرة وحدها إلي البيت لا تخشى إلا الله." أخرجه أحمد وإسناده صحيح على شرط مسلم
عظيم في شجاعته
يوم قال :" أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب "يوم حنين. متفق عليه
عظيم في قدرته على تجميع الناس من حوله … يعرف قدرات الناس، و يضع كل واحد منهم في مكانه الصحيح.
عظيم مع الشباب
يجمع شباب الصحابة و ينظم لهم مسابقة في رمي السهام، و يقول: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميـا وأنا مع فلان و فلان ضد فلان وفلان... فظل فريق النبي يرمي والفريق الآخر لا يرمي فقال لهـم : مـا لكـم لا ترمـون؟ فقـالوا : كيف نرمى و أنت معهم ؟؟ فقال: ارموا و أنا معكم جميعا .متفق عليه
عظيم في عين زوجته
شـــهادة امنا خديجـــة زوجتـــه "كـــلا و الله لا يخزيـــك الله أبـــدا. متفق عليه صلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم
حينما تعمل العمل فلا تعجب به فقد لا تنال من اجره شيئاً ولا تحتقر صغير العمل فقد ترفع به http://kenanaonline.com/medicalanalysis
إنه الصديق أبو بكر -رضي الله عنه-، كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة بن عثمان بن عامر فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، فهو عبد الله بن أبي قحافة، وأمه أم الخير سلمى بنت صخر.
ولد في مكة بعد ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين ونصف، وكان رجلاً شريفًا عالمًا بأنساب قريش، وكان تاجرًا يتعامل مع الناس بالحسنى.
وكان أبو بكر صديقًا حميمًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم :، وبمجرد أن دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم للإسلام أسرع بالدخول فيه، واعتنقه؛ لأنه يعلم مدى صدق النبي صلى الله عليه وسلم وأمانته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :"ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة وتردد ونظر، إلا أبا بكرما عكم (ما تردد) عنه حين ذكرته ولا تردد فيه"[ابن هشام].
وجاهد أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم فاستحق بذلك ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم عليه إذ يقول: "لو كنت متخذًا خليلا؛ لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي" [البخاري].
ومنذ أعلن أبو بكر الصديق إسلامه، وهو يجاهد في سبيل نشر الدعوة، فأسلم على يديه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة وهم: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف-رضي الله عنه-.
وكانت الدعوة إلى الإسلام في بدايتها سرية، فأحب أبو بكر أن تمتلئ الدنيا كلها بالنور الجديد، وأن يعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك على الملأ من قريش، فألح أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم في أن يذهب إلى الكعبة، ويخاطب جموع المشركين، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بالصبر وبعد إلحاح من أبي بكر، وافق النبي صلى الله عليه وسلم ، فذهب أبو بكر عند الكعبة، وقام في الناس خطيبًا ليدعو المشركين إلى أن يستمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم :، فكان أول خطيب يدعو إلى الله، وما إن قام ليتكلم، حتى هجم عليه المشركون من كل مكان، وأوجعوه ضربًا حتى كادوا أن يقتلوه، ولما أفاق -رضي الله عنه- أخذ يسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كي يطمئن عليه، فأخبروه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير والحمد لله، ففرح فرحًا شديدًا.
وكان أبو بكر يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يستطيع، فذات يوم بينما كان أبو بكر يجلس في بيته، إذ أسرع إليه رجل يقول له أدرك صاحبك. فأسرع -رضي الله عنه-؛ ليدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده يصلي في الكعبة، وقد أقبل عليه عقبة بن أبي معيط، ولف حول عنقه ثوبًا، وظل يخنقه، فأسرع -رضي الله عنه- ودفع عقبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟! فالتفت المشركون حوله وظلوا يضربونه حتى فقد وعيه، وبعد أن عاد إليه وعيه كانت أول جملة يقولها: ما فعل رسول الله؟
وظل أبو بكر-رضي الله عنه-يجاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ويتحمل الإيذاء في سبيل نشر الإسلام، حتى أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة، حتى إذا بلغ مكانًا يبعد عن مكة مسيرة خمس ليال لقيه ابن الدغنة أحد سادات مكة،
فقال له: أين تريد يا أبا بكر ؟
فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي. فقال ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يُخرج، أنا لك جار (أي أحميك)، ارجع، واعبد ربك ببلدك، فرجع أبو بكر-رضي الله عنه- مع ابن الدغنة، فقال ابن الدغنة لقريش: إن أبا بكر لا يخرج مثله، ولا يخرج، فقالوا له: إذن مره أن يعبد ربه في داره ولا يؤذينا بذلك، ولا يعلنه، فإنا نخاف أن يفتن نساءنا وأبناءنا، ولبث أبو بكر يعبد ربه في داره.
وفكر أبو بكر في أن يبني مسجدًا في فناء داره يصلي فيه ويقرأ القرآن، فلما فعل ذلك أخذت نساء المشركين وأبناؤهم يقبلون عليه، ويسمعونه، وهم معجبون بما يقرأ، وكان أبو بكر رقيق القلب، كثير البكاء عندما يقرأ القرآن، ففزع أهل مكة وخافوا، وأرسلوا إلى ابن الدغنة، فلما جاءهم قالوا: إنا كنا تركنا أبا بكر بجوارك، على أن يعبد ربه في داره، وقد جاوز ذلك فابتنى مسجدًا بفناء داره، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فإنهه، فليسمع كلامك أو يردَّ إليك جوارك.
فذهب ابن الدغنة إلى أبي بكر وقال له: إما أن تعمل ما طلبت قريش أو أن تردَّ إليَّ جواري، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت رجلاً عقدت له (نقضت عهده)، فقال أبو بكر في ثقة ويقين: فإن أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله عز وجل.
وتعرض أبو بكر مرات كثيرة للاضطهاد والإيذاء من المشركين، لكنه بقي على إيمانه وثباته، وظل مؤيدًا للدين بماله وبكل ما يملك، فأنفق معظم ماله حتى قيل: إنه كان يملك أربعين ألف درهم أنفقها كلها في سبيل الله، وكان -رضي الله عنه- يشتري العبيد المستضعفين من المسلمين ثم يعتقهم ويحررهم.
وفي غزوة تبوك، حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة والإنفاق، فحمل أبو بكر ماله كله وأعطاه للنبي (، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: "هل أبقيت لأهلك شيئًا؟" فقال: أبقيت لهم الله ورسوله، ثم جاء عمر -رضي الله عنه- بنصف ماله فقال له الرسول: "هل أبقيت لأهلك شيئًا؟" فقال نعم نصف مالي، وبلغ عمر ما صنع أبو بكر فقال "والله لا أسبقه إلى شيء أبدًا" [الترمذي].
فقد كان رضي الله عنه يحب رسول الله حبًّا شديدًا، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يبادله الحب، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم: أي الناس أحب إليك؟ فقال: "عائشة" فقيل له: من الرجال، قال: "أبوها" [البخاري]. وكان -رضي الله عنه- يقف على جبل أُحُد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهما عمر، وعثمان-رضي الله عنهما-، فارتجف الجبل، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : "اسكن أحد، فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان" [البخاري].
ولما وقعت حادثة الإسراء والمعراج، وأصبح النبي صلى الله عليه وسلم يحدث الناس بأنه قد أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماء السابعة، قال المشركون: كيف هذا، ونحن نسير شهرًا حتى نصل إلى بيت المقدس؟! وأسرعوا إلى أبي بكر وقالوا له: إن صاحبك يزعم أنه أسري به إلى بيت المقدس! فقال أبو بكر: إن كان قال ذلك فقد صدق، إني أصدقه في خبر السماء يأتيه.
فسماه الرسول صلى الله عليه وسلم منذ تلك اللحظة (الصِّدِّيق).[ابن هشام]، كذلك كان أبو بكر مناصرًا للرسول ومؤيدًا له حينما اعترض بعض المسلمين على صلح الحديبية.
وحينما أذن الله تعالى لرسوله بالهجرة، اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون رفيقه في هجرته، وظلا ثلاثة أيام في غار ثور، وحينما وقف المشركون أمام الغار، حزن أبو بكر وخاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم :، وقال: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلي قدميه، لأبصرنا، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما"[البخاري].
وشهد أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع الغزوات، ولم يتخلف عن واحدة منها، وعرف الرسول صلى الله عليه وسلم فضله، فبشره بالجنة وكان يقول: "ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدًا يكافئه الله بها يوم القيامة"[الترمذي].
وكان أبو بكر شديد الحرص على تنفيذ أوامر الله، فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم يقول: من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة"، فقال أبو بكر: إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "إنك لست تصنع ذلك خيلاء" [البخاري]. وكان دائم الخوف من الله، فكان يقول: لو إن إحدى قدميّ في الجنة والأخرى خارجها ما آمنت مكر ربي (عذابه).
ولما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، اجتمع الناس حول منزله بالمدينة لا يصدقون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، ووقف عمر يهدد من يقول بذلك ويتوعد، وهو لا يصدق أن رسول الله قد مات، فقدم أبو بكر، ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكشف الغطاء عن وجهه الشريف، وهو يقول: طبت حيًّا وميتًا يا رسول الله وخرج -رضي الله عنه- إلى الناس المجتمعين، وقال لهم: أيها الناس، من كان منكم يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم فإن محمدًا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت، فإن الله تعالى قال: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) [آل عمران: 144].
ويسرع كبار المسلمين إلى السقيفة، ينظرون فيمن يتولى أمرهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم :، وبايع المسلمون أبا بكر بالخلافة بعد أن اقتنع كل المهاجرين والأنصار بأن أبا بكر هو أجدر الناس بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم :، ولم لا؟ وقد ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين في دينهم عندما مرض وثقل عليه المرض، فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس" [متفق عليه].
وبعد أن تولى أبو بكر الخلافة، وقف خطيبًا في الناس، فقال:
"أيها الناس إن قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف منكم قوي عندي حتى أريح (أزيل) علته إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، ولا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا يشيع قوم قط الفاحشة؛ إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله؛ فلا طاعة لي عليكم.
وقد قاتل أبو بكر -رضي الله عنه- المرتدين ومانعي الزكاة، وقال فيهم: والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه ل رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه. وكان يوصي الجيوش ألا يقتلوا الشيخ الكبير، ولا الطفل الصغير، ولا النساء، ولا العابد في صومعة، ولا يحرقوا زرعًا ولا يقلعوا شجرًا.
وأنفذ أبو بكر جيش أسامة بن زيد؛ ليقاتل الروم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد اختار أسامة قائدًا على الجيش رغم صغر سنه، وحينما لقى النبي صلى الله عليه وسلم ربه صمم أبو بكر على أن يسير الجيش كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وخرج بنفسه يودع الجيش، وكان يسير على الأرض وبجواره أسامة يركب الفرس، فقال له أسامة: يا خليفة رسول الله، إما أن تركب أو أنزل. فقال: والله لا أركبن ولا تنزلن، ومالي لا أغبِّر قدمي في سبيل الله. وأرسل -رضي الله عنه- الجيوش لفتح بلاد الشام والعراق حتى يدخل الناس في دين الله.
ومن أبرز أعماله-رضي الله عنه-أنه أمر بجمع القرآن الكريم وكتابته بعد استشهاد كثير من حفظته.
وتوفي أبو بكر ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من جمادى الآخرة في السنة الثالثة عشرة من الهجرة، وعمره (63) سنة وغسلته زوجته أسماء بنت عميس حسب وصيته، ودفن إلى جوار الرسول صلى الله عليه وسلم .
وترك من الأولاد: عبد الله، وعبد الرحمن، ومحمد، وعائشة وأسماء، وأم كلثوم
-رضي الله عنهم-. وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة حديث.
نسب أم سلمة
هي هند بنت أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم (24 ق.هـ- 61هـ/598- 680م)، كان أبوها -رضي الله عنها- من أجواد قريش، يُعرف بـ"زاد الركب" لكرمه. وأمُّها هي عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن عبد المطلب، أخوالها لأبيها عبد الله وزهير ابنا عمَّة رسول الله [1].
زواج أم سلمة وهجرتها وتضحيتها
تزوَّجت أمُّ سلمة من ابن عمِّها أبو سلمة، وهو عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن مخزوم القرشي، وهو من الصحابة الأجلاء الذين أبلَوْا في الإسلام بلاءً حسنًا، وهو ابن عمَّة رسول الله ، فأُمُّه بَرَّة بنت عبد المطلب، هاجرت السيدة أمُّ سلمة مع زوجها -رضي الله عنهما- إلى الحبشة، فعن أمِّ سلمة -رضي الله عنها- قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جوار، وأَمِنَّا على ديننا، وعبدنا الله لا نُؤذى، فلمَّا بلغ ذلك قريشًا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي هدايا، فجمعوا أدمًا كثيرًا...[2]. وهذا الحديث يدلِّل على هجرة أمِّ سلمة وأبي سلمة للحبشة.
ولمَّا أَذِن الله للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، وقعت قصة عظيمة للسيدة أمِّ سلمة -رضي الله عنها- تتجسَّد فيها أسمى معاني التضحية والصبر لله تعالى؛ حيث كان أبو سلمة أوَّل من هاجر إلى المدينة من أصحاب النبي من بني مخزوم، هاجر قبل بيعة أصحاب العقبة بسَنَةٍ، وكان قَدِمَ على رسول الله من أرض الحبشة، فلما آذته قريش، وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار، خرج إلى المدينة مهاجرًا، وقد عانت السيدة أمُّ سلمة -رضي الله عنها- ألمًا شديدًا، في هذه الهجرة.
فتقول رضي الله عنها: لمَّا أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه، وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثم خرج بي يقود بي بعيره، فلمَّا رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه، فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هذه؟ علامَ نتركك تسير بها في البلاد؟ قالت: فنزعوا خطام البعير من يده، فأخذوني منه. قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد، رهط أبي سلمة، فقالوا: لا والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا. قالت: فتجاذبوا ابني سلمة بينهم حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة. قالت: ففُرِّق بيني وبين زوجي وبين ابني. قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح[3]، فما أزال أبكي، حتى أمسى سنة أو قريبًا منها، حتى مرَّ بي رجل من بني عمي -أحد بني المغيرة- فرأى ما بي فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تُخْرِجون هذه المسكينة، فرَّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها. قالت: فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت. قالت: وردَّ بنو عبد الأسد إليَّ عند ذلك ابني.
قالت: فارتحلتُ بعيري، ثم أخذتُ ابني فوضعته في حجري، ثم خرجتُ أريد زوجي بالمدينة. قالت: وما معي أحد من خلق الله. قالت: فقلتُ: أتبلَّغ بمن لقيتُ حتى أقدَم على زوجي. حتى إذا كنتُ بالتنعيم لقيتُ عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار، فقال لي: إلى أين يا بنت أبي أمية؟ قالت: فقلتُ: أريد زوجي بالمدينة. قال: أَوَمَا معكِ أحد؟ قالت: فقلتُ: لا والله إلاَّ الله وبُنَيَّ هذا.
قال: والله ما لك مِن مترك. فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلاً من العرب قطُّ، أرى أنه كان أكرم منه كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأْخَر عنِّي، حتى إذا نزلتُ استأخر ببعيري، فحطَّ عنه، ثم قيَّده في الشجرة، ثم تنحَّى وقال: اركبي. فإذا ركبتُ واستويتُ على بعيري؛ أتى فأخذ بخطامه فقاده حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلمَّا نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقُبَاء، قال: زوجك في هذه القرية -وكان أبو سلمة بها نازلاً- فادخليها على بركة الله. ثم انصرف راجعًا إلى مكة. فكانت تقول: والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبًا قطُّ كان أكرم من عثمان بن طلحة[4].
وقد شهِد أبو سلمة بدرًا، وجُرح بأُحُد جرحًا اندمل ثم انتُقِضَ، فمات منه في جُمَادى الآخرة سنة ثلاث من الهجرة[5].
وعن أمِّ سلمة قالت: أتاني أبو سلمة يومًا من عند رسول الله فقال: لقد سمعتُ من رسول الله قولاً سُرِرْتُ به. قال: "لا يُصِيبُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُصِيبَةٌ فَيَسْتَرْجِعَ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا. إِلاَّ فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ".
قالت أمُّ سلمة: فحفظت ذلك منه.
فلمَّا تُوُفِّي أبو سلمة استرجعتُ، وقلتُ: اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها. ثم رجعتُ إلى نفسي فقلتُ: مِن أين لي خيرٌ من أبي سلمة؟ فلمَّا انقضَتْ عدَّتي استأذن عليَّ رسول الله وأنا أدبغ إهابًا لي، فغسلتُ يدي من القرظ[6] وأذنتُ له، فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف، فقعد عليها، فخطبني إلى نفسي، فلمَّا فرغ من مقالته قلتُ: يا رسول الله، ما بي أن لا تكون بك الرغبة فيَّ، ولكني امرأة بي غَيرة شديدة، فأخاف أن ترى منِّي شيئًا يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلتُ في السن وأنا ذات عيال.
فقال: "أَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْغَيْرَةِ فَسَوْفَ يُذْهِبُهَا اللَّهُ مِنْكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ السِّنِّ فَقَدْ أَصَابَنِي مِثْلُ الَّذِي أَصَابَكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْعِيَالِ فَإِنَّمَا عِيَالُكِ عِيَالِي".
فقالت: فقد سَلَّمْتُ لرسول الله.
فقالت أمُّ سلمة: فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيرًا منه رسولَ الله [7].
الحكمة من زواج النبي بأم سلمة
كان لفتة حانية وتكريمًا رفيعًا من الرسول أن تزوَّج أمَّ سلمة -رضي الله عنها- فقد غدت بعد وفاة زوجها -المجاهد أبي سلمة- من غير زوج يعيلها، أو أحد يكفلها، رغم ما بذلت هي وزوجها من جهد لهذه الدعوة المباركة، وهي مع ذلك كان لها من الأيتام أربعة، فكان الرسول هو الزوج لها والكفيل لأبنائها.
حياة أم سلمة مع رسول الله وفضلها
بعد وفاة أبي سلمة -وانقضاء عِدَّة أمِّ سلمة- خطبها أبو بكر فرَدَّتْه، ثم خطبها عمر فرَدَّتْه، ثم استأذن عليها الرسول ، فوافقت على الزواج من النبي بعد أن زوَّجها ابنها، وشهد عقدها رجال من صحابة النبي، فكان صداقها -رضي الله عنها- كصداق عائشة: صحفة كثيفة، وفراش حشوه ليف، ورَحَى، ودخل بها النبي سنة أربع من الهجرة[8].
وقد كانت -رضي الله عنها- تختلف عن باقي نساء النبي، فقد انتُزع من صدرها الغَيرة؛ حيث اعترفتْ للنبي بغَيرتها، وذلك عند خطبته لها، فدعا لها النبي بذهاب الغَيرة من نفسها، وكانت -رضي الله عنها- من أجمل نسائه باعتراف أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- حيث تقول عائشة رضي الله عنها:
وقد كانت للسيدة أم سلمة -رضي الله عنها- مكانتها عند النبي ؛ فعن زينب ابنة أمِّ سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله كان عند أمِّ سلمة -رضي الله عنها- فجعل حَسَنًا في شقٍّ[9]، وحُسَيْنًا في شقٍّ، وفاطمة في حجره، وقال: "رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". وأنا وأمُّ سلمة -رضي الله عنها- جالستان، فبكت أمُّ سلمة -رضي الله عنها- فنظر إليها رسول الله ، وقال: "مَا يُبْكِيكِ؟" قالت: يا رسول الله، خصصتهم وتركتني وابنتي. قال: "أَنْتِ وَابْنَتُكِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ"[10].
ولمَّا كان النبي يدخل على نسائه كان يبتدئ بأمِّ سلمة رضي الله عنها، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله إذا صلَّى العصر دخل على نسائه واحدة واحدة، يبدأ بأمِّ سلمة -رضي الله عنها- لأنها أكبرهن، وكان يختم بي[11].
كانت أمُّ سلمة -رضي الله عنها- طيِّبة عفيفة، لها مكانتها عند رسول الله ، فعيالها تربَّوْا في حجر النبي ، وكان زواجها من النبي راجع لحكمة جليلة، وهي أنها غدتْ بعد زوجها أبي سلمة من غير عائل أو كفيل، وهي مع زوجها -رضي الله عنهما- قد مَنَحَا الدعوة كل ما يملكانه من مال ونفس وتضحية، فأبدلها الله بزواجها من النبي كلَّ خيرٍ فَقَدْتُه، وكان النبي يكرِّمها ويهديها، ولما تزوج النبي أمَّ سلمة -رضي الله عنها- قال لها: "إِنِّي قَدْ أَهْدَيْتُ إِلَى النَّجَاشِيِّ حُلَّةً وَأَوَاقِيَّ مِنْ مِسْكٍ، وَلا أَرَى النَّجَاشِيَّ إِلاَّ قَدْ مَاتَ، وَلا أَرَى إِلاَّ هَدِيَّتِي مَرْدُودَةً عَلَيَّ، فَإِنْ رُدَّتْ عَلَيَّ فَهِيَ لَكِ". قال: وكان كما قال رسول الله ، ورُدَّتْ عليه هديته، فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية مسك، وأعطى أمَّ سلمة بقية المسك والحُلَّة[12].
رجاحة عقل أم سلمة ونزول قرآن فيها
وكانت أمُّ سلمة -رضي الله عنها- سببًا مباشرًا لنزول بعض الآيات الكريمة من القرآن الكريم؛ فعن مجاهد قال: قالت أمُّ سلمة: يا رسول الله، تغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث. فنزلت: {وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: 32]، ونزلت: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ...} [الأحزاب: 35][13].
قال مجاهد: وأُنْزِل فيها[14]: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35]، وكانت أمُّ سلمة أول ظعينة[15] قدمت المدينة مهاجرة[16].
وعن عمرو بن دينار، عن سلمة -رجل من آل أمِّ سلمة- قال: قالت أمُّ سلمة: يا رسول الله، لا نَسْمَع اللهَ ذَكَر النساء في الهجرة بشيء؟ فأنزل الله: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى...} [آل عمران: 195] إلى آخر الآية[17].
صفاتها وأخلاقها
وتعد أم سلمة خير مثال يجب على أمهات وزوجات اليوم الاحتذاء به من خلال تربيتها لأولادها التربية الأخلاقية الكريمة. وكانت خير زوجة وأم صالحة، تملك العقل الراجح ، والشخصية القوية، وكانت قادرة على اتخاذ قراراتها بنفسها، وتتسم شخصيتها بحسن الأخلاق والأدب ، وهذا ما يندر في كثير من الأمهات والزوجات في وقتنا الحالي. كالعناية بالزوج، والنظر في أمور الأطفال، ومساعدة الزوج في أصعب الأوقات، وتقدير حال زوجها . كل هذا نفتقده في أمهات وزوجات اليوم، وذلك لاستهتارهن بأمور تربية الأطفال ، وإهمال الزوج وعدم رعايته، ومبالغتهن واهتمامهن بأمور الدنيا والتي غالبا ما تكون زائفة لا معنى لها .
موقف أم سلمة يوم الحديبية
لما فرغ رسول الله من قضية الكتاب[18]، قال لأصحابه: "قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا"، فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرَّات، فلمَّا لم يَقُمْ منهم أحد دخل على أمِّ سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أمُّ سلمة: يا نبي الله أتحبُّ ذلك؟ اخرج ثم لا تكلِّم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَك وتدعو حالقك فيحلقك.
فخرج فلم يكلِّم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بُدْنه ودعا حالقه فحلقه، فلمَّا رأَوْا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا[19].
قال ابن حجر: وإشارتها على النبي يوم الحديبية تدلُّ على وفور عقلها وصواب رأيها[20].
مرويات أم سلمة عن رسول الله
وقد روت رضي الله عنها -كما ذكر الذهبي في مسندها- ثلاثمائة وثمانين حديثًا، اتَّفق البخاري ومسلم على ثلاثة عشر، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بثلاثة عشر، وقد روت -رضي الله عنها- الأحاديث الخاصَّة بمعشر النساء بغرض التعليم والتوجيه، فقد روت أن النبي كان يُقَبِّلها وهو صائم، وأنها كانت تغتسل معه من الإناء الواحد من الجنابة، وأنها كانت تنام مع النبي في لحافٍ واحد، وأنها كانت تأتيها الحيضة... فيقول لها: "أَنَفِسْتِ؟" قلتُ: نعم. قال: "قُومِي فَأَصْلِحِي حَالَكِ ثُمَّ عُودِي". فألقيتُ عني ثيابي، ولبستُ ثياب حيضتي، ثم عدتُ فدخلت معه اللحاف[21].
مشاركة أم سلمة في أحداث عصرها
وبعد وفاة النبي شاركت أمُّ المؤمنين أمُّ سلمة -رضي الله عنها- في أحداث عصرها؛ فقد دخلتْ ذاتَ يوم على أمير المؤمنين عثمان بن عفان قائلة له: "ما لي أرى رعيَّتك عنك نافرين، ومن جناحك ناقرين، لا تُعَفِّ[22] طريقًا كان رسول الله لَحَبَهَا[23]، ولا تقتدح بزند كان أكباه[24]، وتوخَّ حيث توخَّى صاحباك -أبو بكر وعمر- فإنهما ثَكَمَا الأمر ثَكْمًا[25] ولم يظلمَا، هذا حقُّ أمومتي أَقْضِيه إليك، وإن عليك حقَّ الطاعة. فقال عثمان: أمَّا بعد، فقد قلتِ فوعيتُ، وأوصيتِ فقبلتُ[26].
موقف أم سلمة يوم الجمل
وفي حديث أمِّ سلمة أنها أتت عائشة لما أرادت الخروج إلى البصرة فقالت لها: إنك سُدَّة بين رسول الله وأُمَّته، وحجابك مضروب على حرمته، وقد جمع القرآن ذيلك فلا تَنْدَحِيه[27]، وسكن عُقَيْرَاكِ فلا تُصْحِرِيهَا[28]، الله من وراء هذه الأُمَّة، لو أراد رسول الله أن يعهد إليك عهدًا عُلْتِ[29]، بل قد نهاك رسول الله عن الفُرْطة[30] في البلاد؛ إن عمود الإسلام لا يثاب[31] بالنساء إن مال، ولا يُرْأَبُ[32] بهن إنْ صَدَعَ، حُماديات[33] النساء غضُّ الأطراف وخفر الأعراض، وقِصَرُ الوَهَازَة[34].
ما كنتِ قائلة لو أن رسول الله عارضكِ ببعض الفلوات ناصَّة[35] قلوصًا من منهل إلى آخر؟ أن بعين الله مهواك، وعلى رسوله تردِّين قد وجهت سدافته[36] -ويُروى سجافته- وتركتِ عهيداه[37]. لو سرتُ مسيرَكِ هذا ثم قيل: ادخلي الفردوس. لاستحييتُ أن ألقى محمدًا هاتكة حجابًا قد ضربه عليَّ. اجعلي حصنكِ بيتكِ، ووقاعة[38] الستر قبرك، حتى تلقيه وأنت على تلك أطوع ما تكونين لله ما لزمتِه، وأَنْصَر ما تكونين للدِّين ما جلستِ عنه، لو ذكَّرْتُك قولاً تعرفينه نهشته نهش الرقشاء[39] المطرِقة.
فقالت عائشة: ما أقبلني لوعظك! وليس الأمر كما تظنِّين، ولنعم المسير مسير فزعتْ فيه إليَّ فئتان متناجزتان -أو متناحرتان- إن أقعد ففي غير حرج، وإن أخرج فإلى ما لا بُدَّ من الازدياد منه[40].
ويُذكر أن بُسر بن أرطاة قدم المدينة في خلافة معاوية، ورفض أن يُبايع، فأتت أمُّ سلمة إليه، وقالت له: بايع، فقد أمرت عبد الله بن زمعة ابن أخي أن يُبايع[41].
تلاميـــذها
نقل عنها مروياتها جيل من التلاميذ رجالاً ونساء، من مختلف الأقطار، حيث روى عنها - رضي الله عنها - خلق كثير.
- فمن الصحابة: أم المؤمنين عائــشة، وأبو سعيــد الخــدري، وعــمر بن أبي سلمة، وأنس بن مالك، وبريدة بن الحصين الأسلمي، وسليمـــــان بن بريــــدة، وأبو رافــــع، وابن عبـــــاس – رضي الله عنهم .
- ومن التابعين، أشهرهم: سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وشقيق بن سلمة، وعبد الله بن أبي مليكة، وعامر الشعبي، والأســـود بن يــزيــد، ومجـاهد، وعـــطـاء بن أبـــي ربــــاح، شـــهر بن حوشب، نافع بن جبير بن مطعم... وآخرون.
- ومن النساء: ابنتها زينب، هند بنت الحارث، وصفية بنت شيبة، وصفية بنت أبي عبيد، وأم ولد إبراهيم بن عبد الرحمن بن عــوف، وعمـــرة بنــت عبـــد الرحــمن، وحكيــمة، رميثـــة، وأم محمد ابن قيس.
- ومن نساء أهل الكوفة: عمرة بنت أفعى، جسرة بنت دجاجة، أم مساور الحميري، أم موسى (سرية علي)، جدة ابن جدعان، أم مبشر. ( انظر آمال قرداش بنت الحسين ، دور المرأة في خدمة الحديث في القرون الثلاثة الأولى، كتاب الأمة ، عدد ( 70 )
وفاة أم سلمة
وقد تُوُفِّيَتْ أُمُّ المؤمنين أمُّ سلمة -رضي الله عنها- في ولاية يزيد بن معاوية سنة إحدى وستين للهجرة كما ذكر ابن حبان، وقد تجاوزت الرابعة والثمانين من عمرها، وقيل: عُمِّرت تسعين سنة رضي الله عنها[42].
الملخص
هي أم المؤمنين زوج رسول الإسلام هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية وكنيتها أم سلمة.
عرفت الكرم والجود منذ صغرها حيث تربت على ذلك فقد كان أبوها يعرف بزاد الراكب لجوده وكرمه.
قبل الإسلام تزوجت من أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ابن عمة رسول الإسلام وأخوه من الرضاعة، وعند بدأ الدعوة أسلما معاً وهاجرا إلى الحبشة وولدت له ابن واسمته سلمة التي كنيت به، عادا إلى مكة مع بقية المهاجرين في مكة تعرضت لمحنة شديدة حينما عزمت على الهجرة إلى المدينة مع زوجها وابنها سلمة، فقد منعها أهلها من الهجرة مع زوجها وغضب عند ذلك أهل زوجها فتجاذبوا ابنها سلمة حتى خلعوا يده وأخذوه منها فحيل بينها وبين ابنها وزوجها وبقيت في مكة قرابة السنة على هذه الحال حزينة ومتألمة حتى رق قلب أهلها عليها فتركوها تلحق بعائلتها في المدينة المنورة، في المدينة المنورة أنجبت ثلاثة من أولادها درة وعمر وزينب.
في غزوة أحد أصيب زوجها في المعركة جرحا بليغا, برأ منه ثم انتكأ عليه الجرح مرة أخرى فتوفي في الثامن من جمادى الآخرة سنة أربع للهجرة.
بعد انقضاء عدتها خطبها أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب فردتهما ولم توافق على أي منهما ثم بعد ذلك خطبها رسول الله, فقالت لابنها عمر: قم فزوج رسول الإسلام، فزوجه أمه وكان ذلك في شوال سنة أربع ودخل بها في حجرة السيدة زينب بنت خزيمة بعد موتها, وكان صداقها بسيطا لا يزيد عن فراش حشوه ليف، وقدر وأشياء بسيطة أخرى.
كانت امرأة جليلة ذات رأي وعقل وكمال وجمال, فقد كان لها يوم الحديبية رأي صائب يدل على رجاحة عقلها, فعندما عقد الصلح مع مشركي مكة كان كثير من المسلمين غير راضين عن بعض شروطه، فلما أمرهم رسول الله بالتحلل تأخروا في الاستجابة فشق ذلك على رسول الإسلام له ودخل على أم سلمة وذكر لها الأمر فقالت: يا نبي الله اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك, فقام ونحر وحلق فقام أصحابه ينحرون ويحلقون.
في بيتها نزل قول القرآن: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} (الآية 33) (سورة الأحزاب), فأرسل رسول الإسلام إلى علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال:هؤلاء أهل بيتي، فقالت: يا رسول الله أنا من أهل البيت؟ قال:قال كلا ولكنك على خير. روت عن رسول الإسلام 378 حديثاً.
توفيت في خلافة يزيد بن معاوية سنة 62هـ ودفنت بالبقيع.
المصادر
[1] محب الدين الطبري: السمط الثمين ص133.
[2] ابن خزيمة (2073)، وابن هشام: السيرة النبوية 1/ 334، 335، والسهيلي: الروض الأنف 2/107.
[3] الأبطح: إحدى ضواحي مكة. انظر: ياقوت الحموي: معجم البلدان 1/74.
[4] ابن هشام: السيرة النبوية 1/468.
[5] ابن الأثير: أسد الغابة 3/190.
[6] القَرَظ: شجر يُدبغ به. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة قرظ 7/454.
[7] ابن كثير: السيرة النبوية 3/175.
[8] ابن زبالة: أزواج النبي r ص64.
[9] أي في جنبه.
[10] الطبراني: المعجم الكبير 18/19، ومحب الدين الطبري: ذخائر العقبى 1/23.
[11] الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد 11/170.
[12] مسند أحمد بن حنبل (27317).
[13] ابن جرير الطبري: جامع البيان في تأويل القرآن 8/261، وانظر: ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 2/286، والبغوي: معالم التنزيل 2/204.
[14] أي في أم سلمة رضي الله عنها.
[15] الظعنة: السفرة القصيرة، والظعينة: المرأة في الهودج، والمقصود أوَّل مسافرة. انظر: ابن منظور: لسان العرب 13/270.
[16] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 5/162.
[17] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 2/190، والقرطبي: الجامع لأحكام القرآن 4/318، والبغوي: معالم التنزيل 2/153، 154.
[18] أي كتاب صلح الحديبية.
[19] ابن كثير: السيرة النبوية 3/334، 335.
[20] ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة 8/224.
[21] محب الدين الطبري: السمط الثمين ص142، 143، وأمينة الخراط: أم سلمة ص54، 55.
[22] لا تُعَفِّ: أَي لا تَطْمِسْها. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة عفا 15/72.
[23] لحبها: أي أوضحها ونهجها. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة لحب 1/735.
[24] أَكْباها: أَي عطَّلها من القدح فلم يُورِ بها. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة كبا 15/213.
[25] ثكما الأمر: بَيَّناه وأَوضحاه حتى تَبَين كأَنه مَحَجَّة ظاهرة. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة ثكم 12/78.
[26] من أعلام النساء ص190.
[27] تندحيه: توسيعه بالحركة والخروج. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة ندح 2/613.
[28] عُقَيْراكِ فلا تُصْحِريها: أَي أَسكَنَكِ الله بيتك وعقارك وسترك فيه فلا تُبْرِزيه. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة عقر 4/591.
[29] عُلْتِ: أَي عَدَلْتِ عن الطريق ومِلْتِ. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة عول 11/481.
[30] الفرطة: من الفرط وهو السبق والتقدم. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة فرط 7/366.
[31] لا يثاب: أي لا يصلح، من ثاب الرجل إذا صلح بدنه. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة ثوب 1/243.
[32] يرأب: يصلح. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة رأب 1/398.
[33] حُمادَيات: معناه غاية ما يحمد منهن هذا. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة حمد 3/155.
[34] قِصَرُ الوَهازة: أَي قِصَر الخُطَا. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة وهز 5/430.
[35] ناصَّة: أَي رافعة لها في السير، أي تسير بأقصى سيرها. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة نصص 7/97.
[36] السدافة: الحجاب والستر، والسجافة نحوها. انظر: ابن قتيبة: غريب الحديث 2/185، وابن منظور: لسان العرب مادة سدف 9/146.
[37] العُهَّيْدَى: فُعَّيْلى من العهد والأمان. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة عهد 3/311.
[38] وِقاعة الستر: موقعه على الأرض إذا أرسلته. انظر: ابن قتيبة: غريب الحديث 2/186، وابن منظور: لسان العرب، مادة وقع 8/402.
[39] الرقشاء: الأفعى، سمِّيت بذلك للترقيش في ظهرها، وهو النقط. انظر: ابن قتيبة: غريب الحديث 2/186، وابن منظور: لسان العرب، مادة رقش 6/ 305.
[40] ابن قتيبة: غريب الحديث 2/182-186، والآبي: نثر الدر 2/258، 259، وعمر رضا كحالة: أعلام النساء 5/225.
[41] عمر رضا كحالة: أعلام النساء 5/226.
[42] ابن حجر: تهذيب التهذيب 12/483.
بسم الله الرحمن الرحيم
مختصر قصه سيدنا سليمان لقد رزق الله نبيه داود ابنا سماه سليمان، وكان عبدا أوّابا.
وفي إحدى المرات حضر عرضًا عسكريًّا لقواته، حيث الخيول الأصيلة القوية، فقال إِنِّي أحببتُ هذه الخيول، ليس للخيلاء ولا للتسلية بسباقها، بل لأنها تذكّرني بربي؛ إذ تُستخدم للقتال في سبيله، وحيث إني أحب الله فإني أحبها. فلمّا مرّت أمامه في عرض جميل، سُرّ جدًّا، فأمر بإعادتها إليه بعد أن ذهبت بعيدا وغابت عن نظره، فردّت عليه، فَأخذ يمسح بسيقانها وأعناقها، حبّا لها وشكرا لله تعالى على هذه النعمة التي تحمي دينه.
ولقد فتنَ الله سليمان عليه السلام بابن عديم الأخلاق والروحانية، كان مجرد جسد لا روح فيه، وكان هذا الابن قد ورث أباه وأضاع ملكه.
فقال سليمان لمّا أنبأه الله في رؤيا بشأن المصير الذي سيلقاه ابنُه: رب سامحني على أعمال هذا الولد العاقّ، وهب لي ملكًا لا ينبغي لهذا الضال من بعدي؛ فأنت يا رب وهابّ تعطي من تشاء حتى لو كان ابنه بهذا المستوى.
فأعطاه الله ملكا دنيويا عظيما، بالإضافة إلى الملك الروحاني، ونصره على أعدائه.
وسخر الله لسليمان عليه السلام تجارة واسعة مستخدمًا السفن التي وفّقه الله تعالى لاستغلال حركة الريح في جريانها؛ فمن الحقائق التاريخية أن سفن سليمان عليه السلام كانت تجري من الأرض المقدسة إلى اليمن والبلاد الإفريقية وفارس والهند وإلى بلاد البحر المتوسط، وذلك في مياه البحر الأحمر وبحر العرب والبحر المتوسط. ونتيجة موافقة حركتها لحركة الريح، فإنها كانت تقطع مسافة شهر في يوم واحد كما أشار الله تعالى في قوله (ولسليمان الريح غدوّها شهر ورواحها شهر) (سبأ: 13)، وقوله تعالى (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا) (الأنبياء: 82).
وحتى الأشرار الأشداء الذين كان يسجنهم لجرائمهم كانوا يبنون له المباني الضخمة، ويغوصون في البحار بحثا عن اللآلئ ومن أجل مهام أخرى. وبعض هؤلاء يظل مسجونا ليستخدمه متى شاء.
ملاحظات وتوضيحات لا بدّ منها:
لا داعي لنقل التفسير المتداول لهذه الآيات؛ فهو محض خرافة وإساءة لنبي الله سليمان عليه السلام؛ فهو -عندهم- ينسى صلاته وهو ينظر إلى الخيول، ثم يتنبه إلى ذلك فيقتلها عن بكرة أبيها محمّلا إياها مسؤولية نسيان الصلاة!! وغير ذلك مما لا طائل من ورائه.
يجدر أن أشير هنا إلى أن حرف الجر (عن) في قوله تعالى (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِي) جاء هنا بمعنى السببية، أي إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ بسبب ذِكْرِ رَبِي، أي لأنها تذكرني بربي.
ومن الأدلة على أن هذا الحرف يأتي بهذا المعنى، قوله تعالى (وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك) أي بسبب قولك.
وفسرنا المسح بالمسح المعروف وليس بالقتل كما ذهب كثير من المفسرين.
وأما الجسد فهو وصف لإنسان كناية عن أنه لا روح فيه، ولا تصح القصص الخرافية التي أتى بها بعض المفسرين عن هذا الجسد.
وتسخير الريح لا يعني أنه صار يأمرها أن تتحرك كما يريد، بل إن الله تعالى قد هداه لاستغلالها، ومثل هذا كثير جدا في كتاب الله: (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) (وسخر لكم الفلك)، (وسخر لكم الأنهار) (وسخر لكم الليل والنهار)، (وسخر لكم ما في الأرض)، (وسخر لكم ما في السماوات)، (وسخر لكم البحر)، وغيرها
وأما كلمة الشياطين فهي تطلق على الأشرار الأشداء من الناس أيضًا، خصوصا أنهم غواصون وبناءون كما في هذه الآية. وفي آية أخرى (يعلمون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات) (سبأ: 14)، ثم إن الأشباح لا تُربط ولا تصفّد، لذا لا يمكن تفسيرها الشياطين بالجن الشبحي، بل هم بشر من الأشرار.
- أبوها: سيد المرسلين وسيد الخلق (صلي الله عليه وسلم)
- أمها: السيدة خديجة سيدة نساء العالمين
- قال عنهاالنبي (صلي الله عليه وسلم):
- "فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني"
- "أنا وفاطمة والحسن والحسين ومن أحبنا نأتي يوم القيامة يحاسب العباد ويجلسون معنا نأكل ونشرب حتي يفرغ من حساب العباد" (رواه الطبراني)
- قال لها النبي (صلي الله عليه وسلم): "إن الله يغضب لغضبك ويرضي لرضاك"
- اسمها وكناها:
- فاطمة = مفطومة عن المعاصي
- أم الحسن والحسين
- الزهراء: لأنها تشبه النبي (صلي الله عليه وسلم) بيضاء مشرئبة بحمرة، أو لأنها زهرة حياة النبي (صلي الله عليه وسلم)<!--
- أم أبيها: من حنيتها علي النبي (صلي الله عليه وسلم)
- البتول: تشبه السيدة مريم في حيائها وعبوديتها "كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزق ا..." (آل عمران)
- الطاهرة
- أبناؤها: الحسن، والحسين، وزينب وأم كلثوم
- أصغر مسلمة، أسلمت وسنها 5 سنوات
- الأشبه سمتا (معاملة مع الناس) وخُلُقا بالنبي (صلي الله عليه وسلم)
- سيدة نساء أهل الجنة
- صغري بنات النبي (صلي الله عليه وسلم)
- أحب بناته إليه
- مات جميع إخوانها في حياتها
- قبل الهجرة:
- كانت ملاصقة للنبي (صلي الله عليه وسلم) طوال الوقت تسانده إذا آذاه أحد وتساعده إذا احتاج شيئا، رغم أنها كانت مازالت طفلة
- رفعت عن النبي (صلي الله عليه وسلم) سلا الجزور الذي ألقاه عليه عقبة بن أبي معيط
- ذات يوم التف مجموعة من الكفار حول النبي يضربونه، فأخذت ترجمهم بالحجارة أن استضعفوا النبي بعد وفاة أمها وأبي طالب
- عاشت وعانت أثناء الحصار في شعب أبي طالب، وهي عندها 13 سنة، أكلت أوراق الأشجار
- ماتت أمها بعد الخروج من الحصار وهي عندها 16 سنة فكانت ثابتة، استرجعت وذكرت أنها لا تدري هل تحزن لموت أمها أم تفرح لما بشرت به من الجنة
- بعد وفاة السيدة خديجة، كانت تقوم وحدها بصنيع البيت، وتحمل عبء إدارته، وتقف إلي جوار أبيها وتهييء له راحة وسكنا، وقد بلت في هذا المجال ما جعلها تظفر بكنية "أم أبيها"
- الهجرة إلي المدينة:
عندما خرجت مهاجرة إلي المدينة مع أختها السيدة أم كلثوم، تتبعهما أحد اللئام من المشركين، حتي نخس بعيرهما (غرز جنبها أو مؤخّرها بعودٍ ونحوه فهاجت) فألقي بها إلي الأرض.
- في المدينة:
- كانت (رضي الله عنها) إذا دخلت علي النبي (صلي الله عليه وسلم) قبلها بين عينيها، وأخذها بيدها وأجلسها في مجلسه. وكان إذا دخل عليها قامت له ورحبت به وأخذت بيده فقبلتها.
- آخر من يمر به وهو خارج من المدينة: السيدة فاطمة
- كانت تضمد جراح أبيها (صلي الله عليه وسلم) في غزوة أحد
- عندما تزوجت السيدة فاطمة لم يطق النبي (صلي الله عليه وسلم) فراقها، فبحث لها عن بيت بجواره. وعندما سكنت إلي جوار النبي (صلي الله عليه وسلم)، كان يمر بها كل صباح.
- عاشت فقيرة وصبرت: سألت النبي (صلي الله عليه وسلم) أن يهبها خادمة تساعدها في عمل البيت (وكانت تدير الرحي بيديها فتشققتا)، فلم يعطها النبي (صلي الله عليه وسلم) وأوصاها هي وسيدنا علي ّ إذا أويا إلي فراشهما أن يسبحا الله 33، ويحمداه 33 ويكبراه 34، فلم يدعها سيدنا عليّ حتي في أشد المعارك.
- رغم فقرها هي وسيدنا علي، كان يسمع النبي صوت ضحكهما من خارج البيت
- من أهل المباهلة
قصة المباهلة :
كتب النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) كتابا إلى " أبي حارثة " أسقف نَجران دعا فيه أهالي نَجران إلى الإسلام ، فتشاور أبو حارثة مع جماعة من قومه فآل الأمر إلى إرسال وفد مؤلف من ستين رجلا من كبار نجران و علمائهم لمقابلة الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) و الاحتجاج أو التفاوض معه ، و ما أن وصل الوفد إلى المدينة حتى جرى بين النبي و بينهم نقاش و حوار طويل لم يؤد إلى نتيجة ، عندها أقترح عليهم النبي المباهلة ـ بأمر من الله ـ فقبلوا ذلك و حددوا لذلك يوما ، و هو اليوم الرابع و العشرين [1] من شهر ذي الحجة سنة : 10 هجرية .
لكن في اليوم الموعود عندما شاهد وفد نجران أن النبي ( صلَّى الله عليه وسلم) قد إصطحب أعز الخلق إليه و هم علي بن أبي طالب و ابنته فاطمة و الحسن و الحسين ، و قد جثا الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) على ركبتيه استعدادا للمباهلة، انبهر الوفد بمعنويات الرسول و أهل بيته و بما حباهم الله تعالى من جلاله و عظمته ، فأبى التباهل .
قال العلامة الطريحي ـ صاحب كتاب مجمع البحرين ـ : و قالوا : حتى نرجع و ننظر ، فلما خلا بعضهم إلى بعض قالوا للعاقِب و كان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى ؟ قال والله لقد عرفتم أن محمدا نبي مرسل و لقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما باهَل قومٌ نبيًّا قط فعاش كبيرهم و لا نبت صغيرهم ، فإن أبيتم إلا إلف دينكم فوادعوا الرجل و انصرفوا إلى بلادكم ، و ذلك بعد أن غدا النبي آخذا بيد علي و الحسن و الحسين بين يديه ، و فاطمة خلفه ، و خرج النصارى يقدمهم أسقفهم أبو حارثة ، فقال الأسقف : إني لأرى و جوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا لأزاله بها
- من أهل الرداء
روي أنه نزل علي النبي (صلي الله عليه وسلم) وهو في بيت السيدة أم سلمة (رضي الله عنها) قول الله عز وجل "... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" (الأحزاب 33) فدعا فاطمة وحسنا وحسينا فغطاهم بكساء، وعليّ خلف ظهره فغطاه بكساء، ثم قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا"
- وفاة النبي (صلي الله عليه وسلم):
في مرضه (صلي الله عليه وسلم) أسر إليها النبي حديثا فبكت، فأسر إليها حديثا آخر فضحكت، فسألتها السيدة عائشة عن ذلك فقالت لها السيدة فاطمة أنها ما كانت لتفشي سر رسول الله (صلي الله عليه وسلم) ثم أخبرتها بعد وفاة النبي (صلي الله عليه وسلم) أنه ميت فبكت، ثم أخبرها أنها أول أهل بيته لحوقا به فضحكت.
- وفاتها:
- لما أحست بدنو أجلها، اغتسلت ولبست ثيابا جديدة، وكانت أول امرأة يغطي نعشها في الإسلام (وذلك بناء علي طلبها)
- أوصت أن تدفن ليلا لأنها تستحي من تزاحم الناس عليها<!--[endif]--> <!--<!-- <!--[if !supportAnnotations]-->
مجدى حلمى عبده خطاب
بحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع