فاروق جويدة 1381 طباعة المقال أشهد الله أننى توقفت كثيرا عند صورتين يفصل بينهما عام واحد من تاريخ هذا الشعب.
الصورة الأولى هى حفل تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسى وهو يتسلم المسئولية من المستشار عدلى منصور ويقسم اليمين فى القاعة المهيبة للمحكمة الدستورية بحضور اعضائها الأجلاء ثم وهو يصافح الحشد المهيب من كبار رجال الدولة فى العالم العربى ودول افريقيا والعالم .. شاهدت صورة مصر التى عرفناها واحببناها وارتبطت فى قلوبنا دائما بالرفعة والشموخ .. كان المشهد جليلا ما بين المبنى الشامخ للمحكمة الدستورية وقصر الاتحادية وقصر القبة العريق .. والصورة تعكس شموخ وطن عظيم وشعبا صاحب حضارة ..
الصورة الثانية التى اقتحمت بقوة خيالى صورة مجموعة الإرهابيين الذين وقفوا فى قاعة المؤتمرات امام رئيس الدولة فى عامه الحزين يتوعدون الشعب بالقتل والموت والإرهاب وويلات الأمور، ويتجهون الى الخالق سبحانه بدعوات تسأله التنكيل بهذا الشعب .. صورة اولى حضارية انسانية مترفعة وصورة ثانية وحشية وكريهة ومتدنية ،هذا هو الفرق بين مصر الفشل والتآمر والتخلف ومصر الحقيقة التى عرفها العالم كل العالم بصورتها المتحضرة المستنيرة الراقية.
لقد عادت مصر الى أهلها وشعبها وأمتها العربية متجسدة فى هذا الحضور وهذه المشاركة من القادة العرب والأفارقة ودول العالم المختلفة.. كثيرون أبكاهم المشهد، وعمت ربوع مصر فرحة كان الشعب ينتظرها منذ زمان بعيد، هذه الأم الحنون التى اعتادت على الشموخ والنبل والكبرياء، كيف تشردت وسط الشوارع بهذه الصورة التى لا تتناسب مع روعة التاريخ وامجاد الماضى والشعب المؤمن العريق؟ ..
كانت فرحة المصريين بعودة الأم الى احضانهم هى اكبر انتصار فى يوم تنصيب الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسى .. لقد عشت مع هذا المشهد الرهيب واعترف بأننى منذ زمان بعيد وانا انتظر هذه اللحظة واستعد لهذه العودة ..
هذا مشهد توقفت عنده كثيرا ..
وامام خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسى فى حديقة القصر العتيق قصر القبة .. كان المشهد جميلا وانتقال السلطة بين رئيسين عدلى منصور وعبد الفتاح السيسى شهادة ميلاد لشعب خلع رئيسين واقام ثورتين واصدر دستورين وغير 7 حكومات فى اقل من ثلاث سنوات .. انه شعب جبار لا يعرف الذل والاستكانة حتى ولو كان فقيرا معدما يعانى كل الظروف الصعبة، ومن يراهن على خضوعه يرتكب خطأ فادحا .
توقفت فى خطاب الرئيس السيسى عند عبارات قصيرة لها دلالتها وان جاءت فى سياق عام إلا انها تضع ثوابت جديدة لحكم جديد:
- تحدث الرئيس السيسى عن هيبة الدولة بكل مؤسساتها مؤكدا عودة الأمن والاستقرار على مدى زمنى قصير، مؤكدا ضرورة تحديث جهاز الشرطة وتطويره على المستوى المادى والعملى واستمرار بث الثقة بين الجهاز وجموع الشعب المصرى التى تقدر الدور الذى قام به جهاز الشرطة طوال السنوات الماضية رغم كل الضربات التى تعرض لها.. ان هيبة الدولة تعنى ان هناك دولة وحين تتراجع هذه الهيبة او تتخلى عن مسئوليتها فى حماية الشعب فهى تفقد كل مقومات وجودها ودورها فى الحياة .
- تحدث الرئيس السيسى عن قضية الشباب وايمانه العميق بأنه صاحب المستقبل ولا بد ان يعد نفسه على كل المستويات لأداء دوره، وان الدولة لا يمكن ان تتخلى عن شبابها او تستبعد هذا الدور، ومن هذا المنطلق تحدث عن قضايا الانتماء والوطنية والمناخ السياسى والحياة الحزبية واختلاف الآراء والحوار كأهم وسائل الخلاف فى الرأى .. ولم ينس ان يؤكد على قضية البطالة والظروف الصعبة التى يعيشها المواطن المصرى منذ سنوات فى ظل التجريف السياسى والتردى الاقتصادى والظلم الاجتماعى وغياب العدالة.
من هذا المنطلق اكد الرئيس السيسى على المحاور الرئيسية للتنمية فى كل المجالات ابتداء بالزراعة والصناعة وعودة السياحة ودور رجال الأعمال الشرفاء الوطنيين مع التركيز على عدد من المشروعات الأساسية وهى قناة السويس ومحطة الضبعة للطاقة ومشروع الطاقة الشمسية وممر التنمية مع إعادة تقسيم المحافظات ومواجهة قضايا الفلاح المصرى فى ظل منظومة جديدة لتطوير الزراعة المصرية فى الرى والإنتاج والتوسع فى استصلاح الأراضى .
- توقفت كثيرا عند قضية القيادات الموازية .. والحقيقة ان مصر طوال السنوات الماضية شهدت قيام اكثر من دولة واكثر من حكومة واكثر من جهاز وكل فريق كان يعمل على هواه وافتقد روح المشاركة والتعاون والتنسيق .. كانت لدينا حكومة رسمية ولدينا لجنة السياسات وهى حكومة اخرى وكان لدينا مجلس للشعب ومجلس آخر تجرى فيه انتخابات وله كامل السلطات والصلاحيات على فئات كثيرة من المجتمع، وكان لدينا الأزهر الشريف المؤسسة الدينية الرسمية وبجانبها عشرات المنابر التى تصدر الفتاوى الباطلة والفضائيات التى شوهت عقول الناس وتجار الدين الذين استباحوا كل شىء .. وكان لدينا تعليم حكومى لأبناء الفقراء وتعليم آخر اجنبى للقادرين لا احد يعرف عنه شيئا .. وكانت لدينا اسواق للعملة داخل البنوك واسواق اخرى حرة خارج هذه البنوك، وكان لدينا شعبان احدهما يسكن المنتجعات وآخر يسكن العشوائيات ولا يرى احدهما الآخر.. ان كلمة الرئيس السيسى حول القوى الموازية تتطلب دراسة هذه النتوءات التى ظهرت فى الجسد المصرى وأرهقته .. كانت لدينا مجالس لرجال الأعمال ولا توجد مجالس لأهل الفكر والثقافة والعلماء بل ان هذه الفئة الأخيرة تم استبعادها تماما من قائمة اهتمامات الدولة .. كان لدينا حزبان الحزب الوطنى وحزب الإخوان المسلمين الموازى والاثنان احتكرا الواقع السياسى المصرى سنوات طويلة شوهت عقل هذا الشعب وافسدت مقوماته وثوابته .. هذه التجمعات الغريبة تتطلب وقفة جادة ليعود نسيج المجتمع الى تلاحمه وتألقه القديم .
- توقفت كثيرا عند حديثه عن قوة مصر الناعمة بثقافتها وفنونها وابداعاتها وكيف تراجع هذا الدور وهو الذى اعطى للمصريين الدور والمكانة .. لقد طالب الرئيس الجديد مثقفى مصر بأن يعودوا لإحياء دورهم القديم .. ولا شك ان امراض التشرذم والإنقسام السياسى قد اضرت كثيرا بجسد الثقافة المصرية والإبداع المصرى الخلاق، لقد انقسم المثقفون على انفسهم وسادت لغة تسعى الى تصفية الحسابات وإقصاء الاتجاهات، ووجدنا انفسنا بين فاشية دينية وديكتاتورية فكرية وساد اعتقاد خاطئ انك إذا لم تكن معى فأنت ضدى .. هذا المناخ الثقافى والفكرى المشوه انتج ثقافة ضحلة وابداعا سطحيا حتى فى مناسباتنا الوطنية لم نجد ابداعا حقيقيا يتناسب مع روعة الأحداث وقيمتها فعدنا الى ابداعنا القديم نسترجع من خلاله معانى الوطنية الحقيقية بكل جوانب الصدق فيها والجمال.
- توقفت فى خطاب الرئيس الجديد عند قضايا الخطاب الدينى ودور الأزهر الشريف قلعة الوسطية وكيف يستعيد دوره فى خدمة الإسلام والمسلمين امام فوضى الفتاوى وتشويه صورة الإسلام وكيف تحول فى رأى البعض الى وسيلة للصراع السياسى وإفساد عقول الناس بالباطل .. لقد دفع التطرف الدينى الى قضية أخطر وهى الإرهاب باسم الدين مستغلا عقول شباب لم ينضج وواقع ثقافى اتسم بالسطحية امام امراض كالأمية والفوضى وغياب النموذج والقدوة، والمطلوب الآن خطاب دينى يتسم بالوعى والحكمة .
ولم ينس الرئيس السيسى ان يتحدث عن الأخلاق والسلوك المترفع ودور الدين ورجاله فى ذلك كله مع الأسرة والمدرسة والجامعة، وان اخلاقيات الشعوب لا تحكمها فقط الشعارات البراقة ولكن السلوك القويم والأخلاق الحميدة وان هذا جزء اصيل من دور اجهزة الدولة ومؤسساتها فى وضع ضوابط الالتزام والوعى والسلوك.
- توقفت فى حديث الرئيس السيسى وهو يطلب منا ان نقف تحية لشهداء مصر ولم يحدد الرجل للأمانة من المقصود بذلك لأنه يرى ان الشهداء جميعهم ابناؤنا سواء كانوا شهداء القوات المسلحة او الشرطة او المواطنين، مؤكدا ان هؤلاء الشهداء هم الذين مهدوا لهذه اللحظة التاريخية فى حياتنا وان ثورة يناير هى الثورة الأم ..وان ثورة 30 يونيو كانت استردادا لهذه الثورة التى تم اختطافها فى ايامها الأولى، وبذلك اغلق الرئيس السيسى ملف الخلافات بين اصحاب الثورتين حين تعارضت المصالح واختلفت الطموحات .. لقد حسم فى خطابه هذه القضية وقال ان الثورتين تاريخ عزيز يفخر به المصريون وان الجيش المصرى وقف مع شعبه فى كل الحالات ..
واشاد الرئيس بدور قواتنا المسلحة كمدرسة من مدارس الوطنية المصرية العريقة وانه سيظل يفخر انه واحد من ابناء هذه المؤسسة التى حافظت دائما على ثوابتها الوطنية .. واشاد بدور الشرطة وما تعرضت له من ظروف صعبة، مؤكدا ان الجيش والشرطة خاضا معركة عظيمة ضد الإرهاب وسقط منهما الشهداء بالمئات دفاعا عن التراب المصرى المقدس ان تدنسة قلاع الموت والخراب والإرهاب
- توقفت ايضا عند حديثه عن علاقات مصر بالعالم وكيف اكد انتماء مصر العربى والأخوة التى جمعتنا دائما مع الأشقاء فى الدول العربية شاكرا الوقفة النبيلة للمملكة العربية السعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن وكل من وقف مع الشعب المصرى فى محنته ..
ومن اخطر واهم ما جاء فى حديث الرئيس السيسى موقفه من العلاقات بين مصر وافريقيا، وان مصر عائدة الى دورها الإفريقى من اجل بناء مصالح مشتركة ومستقبل آمن للجميع .. وحين جاء الحديث عن سد النهضة أكد اهمية العلاقات التاريخية مع اثيوبيا، قائلا: إذا كان النيل يمثل حقا إثيوبيا فى التنمية فهو حق لنا فى الحياة .. واشار السيسى الى ان عهد التبعية قد مضى وان مصر ستقيم علاقات متوازنة مع كل دول العالم تحقق المصلحة للجميع ..
- بقيت نقطة اخيرة توقفت عندها وهى لا إقصاء لأحد من ابناء الشعب المصرى لأننا جميعا شركاء فى الوطن مسلمين ومسيحيين دون تفرقة فى جنس او دين، مع تأكيد على دور المرأة فى المرحلة المقبلة وان طريق التصالح والتسامح مفتوح ولكن لا تسامح مع من اهدر دما او روع امنا او ارتكب جرائم ضد هذا الشعب .
رئيس جديد .. ومرحلة جديدة وامل يطل على ضفاف النيل ولحظة فرح انتظرها المصريون كثيرا.
..ويبقى الشعر
انتزعُ زمانكِ منْ زَمنِي
ينشَطرُ العُمرْ
تنزِفُ في صَدْري الأيامْ
تُصبحُ طوفـَانَـا يُغرقـُني
ينشَطرُ العالمُ من حوْلي
وجهُ الأيام ِ.. بِلاَ عينيْن
رأسُ التاريخِ .. بلا قدَمينْ
تنقسمُ الشمسُ إلى نصفينْ
يذوبُ الضوءُ وراءَ الأُفقِ
تصيرُ الشمسُ بغير شعاعْ
ينقسمُ الليلُ إلى لَونينْ
الأسْودُ يعصفُ بالألوانْ
الأبيضُ يسقُطُ حتَّى القاعْ
ويقُولُ الناسُ دُموعَ وداعْ
---
اَنتزعُ زمانِكِ من زَمنِي
تتراجعُ كلُّ الأشياءْ
أذكرُ تاريخًا .. جمَّعنَا
أذكر تاريخًا .. فرَّقنَا
أذكرُ أحلاماً عشْناهَا بينَ الأحزانْ
أتلوَّن بعدَكِ كالأيامْ
في الصبح ِأصيرُ بلون الليلْ
في الليَّل ِأصيرُ بلا ألوانْ
أفقدُ ذاكرَتِي رَغمَ الوهْمِ
بأنى أحيا كالإنسَانْ ..
ماذَا يتبقى مِنْ قلبِي
لو وُزَّعَ يومًا في جَسدَينْ
مَاذا يتبقى مِنْ وجهٍ
ينشَطِرُ أمامِي فِي وجهَينْ
نتوحدُ شوقـًا في قلبٍ
يشْطـُرنا البُعدُ إلى قلَبينْ
نتجَمَّع زَمنًا في حُلمٍ
والدهرُ يُصرُّ على حُلمَينْ
نتلاقَى كالصبحِ ضياءً
يَشْطرُنا الليلُ إلى نِصفينْ
كلُ الأشياءِ تفرقـُنَا في زمنِ الخَوفْ
نهربُ أحيانـًا في دَمِنا
نهربُ في حزنٍ .. يَهزِمُنا
مازلتُ أقول
أن الأشجارَ وإن ذبـُلت
في زمنِ الخوفْ
سيَعودُ ربيعٌ يُوقظُها بينَ الأطلال
إن الأنهار وإن جَبُنتْ فى زَمنِ الزَّيفْ
سَيجىء زمانٌ يُحيِيهَا رغم الأغلالْ
مازِلتُ أقولْ ..
لو ماتتْ كلُّ الأشْياءْ
سَيجىء زمانٌ يشعرنا أنَّا أحياءْ
وتثـُور قبورٌ سئمتنَا
وتَصيحُ عليهَا الأشلاءْ
ويموتُ الخوفُ ..يموتُ الزيفُ ..يموتُ القهر ُ
ويسقطُ كلُ السُفهاءْ
لنْ يبقَى سَيفُ الضُّعفاءْ
●●●
سيموتُ الخوفُ وتجْمعُنا كلُ الأشياء
ذراتكِ تعبرُ أوطانًا
وتدورُ وتبحثُ عن قلبِي في كل مكانْ
ويعودُ رمادكِ لرمادي
يشتعلُ حَريقا يحملنَا خلفَ الأزمانْ
وأدورُ أدورُ وراءَ الأفقِ
كأني نارُ في بُركانْ
ألقِي أيامي بينَ يديكِ
همومَ الرحْلةِ والأحزان
تلتئمُ خلايا .. وخلاَيا
نتلاقَى نبضًا وحنايا
تتجمًّع كلُّ الذراتْ
تصبحُ أشجاراً ونخيلاً
وزمانَ نقاءٍ يجمعُنا
وسَيصرخُ صمتُ الأمواتْ
تُنبتُ في الأرضِ خمائلَ ضوءٍ ..انهاراً
وحقولَ أمانٍ في الطـُرقاتْ
نتوحدُ في الكونِ ظلالاً
نتوحدُ هدْياً ..وضلالاً
نتوحدُ قُبحًا وجمالاً
نتوحدُ حسًا وخيالاً
ًنتوحدُ في كل الأشياءْ
ويموتُ العالمُ كى نبقَى
نحنُ الأحياءْ
لمزيد من مقالات فاروق جويدةرابط دائم:
2
ساحة النقاش